تحقيق ماري خوري
وطنية - يعتبر التعليم الجيد حقا من حقوق الإنسان، وهو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، ويسهم في تعزيز حس المواطنة العالمية. ومع تزايد الدعوات والإجراءات والمبادرات لإعادة التفكير في التعليم وفي مناهجه واساليبه في العالم العربي والنداءات الملحة لضرورة التربية على قيم التسامح السلام، ومع اعلان كثير من الدول العربية عن تعديل مناهجها التربوية لتتلاءم اكثر مع متطلبات العصر وخلق اجيال اكثر انفتاحا على محيطها وعلى القيم الإنسانية المشتركة، كان لـ"الوكالة الوطنية للاعلام" لقاء مع اختصاصي التربية الأساسية وتعليم الكبار في مكتب الأونيسكو الإقليمي في بيروت الدكتور حجازي ادريس ابراهيم للإطلاع على ما يتم العمل عليه في مجال التعليم الجيد والشامل، تعليم الكبار بمفهومه الحديث، اضافة الى تعليم الطوارىء وإعادة التفكير في التعليم في المنطقة العربية.
واعتبر ابراهيم بداية أن للتعليم الجيد دوليا مفهومين: التعليم الجيد في عملياته والتعليم الجيد في نتائجه. وتهتم الأونيسكو بالتعليم في عملياته، اما عامة الناس فتهتم بالتعليم كنتائج. وقال: "التعليم الجيد لرجل الشارع العادي هو ان يحصل الطالب على نسب كبيرة من الدرجات ويلتحق بأفضل الكليات، اما بالنسبة لنا في الأونيسكو فالتعليم الجيد كعمليات يعني الدمج الكامل للأولاد في التعليم، التكافؤ في الفرص والنظرة الإنسانية لمضامين التربية، فمفهومنا يتجاوز الناحية الأكاديمية الى الناحية الإنسانية من توفير التعليم للجميع، مما يؤدي الى الإنصاف والى مواطن صالح يتواصل مع الآخرين، كما ان التعليم الجيد هو الذي لا يقف عند مرحلة معينة بل يمتد الى التعليم الثانوي والجامعي ويشمل تنمية قدرات الأطفال حسب قدراتهم العقلية".
وعن عدد الأميين في المنطقة العربية قال: "هناك نسب تقدر الأمية في المنطقة العربية بخمسين مليونا، ولكن هذا الرقم كان موجودا قبل عام 2011. أما الآن وبعد انقطاع نسبة عالية من الطلاب عن التعليم في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، فالأرقام تخطت 70 مليونا، كما ان هناك 10 الى 15 مليون طفل خارج التعليم في الدول التي حصلت فيها ازمات".
واعتبر ردا على سؤال "أن لبنان من الدول التي لا تعترف بنسبة الأمية، ولكن بحسب دراسة قمنا بها عام 2010 فإن نسبة الأمية في لبنان تراوح بين 10 الى 15%، مع ملاحظة عدم وجود إحصاءات موثوق بها في لبنان ومعظم الدول العربية في هذا المجال". وأشار الى عمل مكتب الأونيسكو الإقليمي المتمثل بوضع منهج تعليم الكبار الذي يؤمن فرصة التعليم الثانوي والجامعي للسوريين وللبنانيين، موضحا أن المستفيد الأكبر منه هم السوريون، وان اي مشروع تقوم به الأمم المتحدة والاونيسكو يجب ان يخصص 30 او 40 في المئة من ميزانيته خدمات للبلد المضيف. وقال: "لولا دعمنا هذا لما كانت هناك فرصة للطلاب السوريين لينضموا الى التعليم الثانوي".
وعن عدد الطلاب المستفيدين من التعليم الثانوي قال: "هناك نحو خمسة آلاف طالب حصلوا على التعليم الثانوي بدعم من اليونسكو وجهات مانحة أخرى، وهذه هي المرة الأولى نصل الى هذا الرقم، فنحن نعاني دائما نقصا في عدد الطلاب الذين يرغبون في الالتحاق بالتعليم الثانوي، لأن طلب السوريين على التعليم الثانوي قليل، إذ إنهم يغادرون التعليم قبل الوصول الى هذه المرحلة".
التعليم البديل
وشرح ابراهيم ماهية التعليم البديل، وقال: "نقوم بالتعليم البديل من أجل تقليل الأمية في العالم العربي، فنضع آلية معينة للأطفال الذين تسربوا وتركوا الدراسة لسنة او سنتين من أجل إعادتهم الى التعليم ثانية، وهذه العملية تتم في كل الدول التي تعاني ازمة أو تأثرت بأزمة مثل العراق، اليمن، سوريا ولبنان حيث نقوم بضغط منهج الدراسة، فنعطي سنتين بسنة واحدة، وهذا النظام يقضي ايضا بتدريب المعلمين على هذه الآلية وبتوفير السياسات الداعمة له". وقال: "نعمل مع الدولة اللبنانية على إطار عمل لما يسمى التعليم البديل".
وكشف أن "90 في المئة من السوريين في لبنان ملتحقون بالتعليم البديل والتعليم غير النظامي ويفوق عددهم بحسب ارقام وزارة التربية 150 الفا".
وأعلن أن "هذا التعليم يشمل كل مدارس بعد الظهر وهو ممول من الجهات المانحة ويدخل ضمن برنامج RACE التابع لوزارة التربية الذي يضم ماكينة كبيرة تعمل على دفع رواتب المدرسين وادارة المدرسة والكهرباء وبناء المدارس والفصول".
تعليم الكبار
أما بالنسبة الى تعليم الأميين والكبار، فأعلن "أن المنهج المستخدم في تعليم الأميين هو منهج الأونيسكو، ولقد اسسنا هذه الوحدة وبنينا قدراتها لكي تعمل، ودربنا المدربين، فتعليم الأميين في لبنان يقوم به المجتمع الأهلي، انما الهيئة الناظمة له هي وزارة الشؤون الإجتماعية عن طريق لجنة تسمى لجنة تعليم الكبار. نحن دعمنا هذه اللجنة وأنشأنا لها الكوادر والدراسات ووضعنا لها منهجا منذ أكثر من عشر سنوات. وبما انه اتضح لنا ان هناك حاجة لمنهج جديد فقد طورنا هذا المنهج وطبعناه، إذ إنه من صلب عملنا أن نساعد ونقدم الخبرات والدعم الفني وكل ما هو جديد".
وقال: "ما زلنا في العالم العربي تقليديين في مفهومنا لتعليم الكبار، في زمننا أصبح هناك تطور جديد لمفهوم الأمية. فهل الأمي هو من لا يقرأ او لا يكتب؟ او تغير المفهوم مع وجود التكنولوجيا التي قامت بتحديث للكتابة وللقراءة؟ هناك مثلا من يقول لنا ان علينا فقط أن نكتفي بتعليم الأمي أن يكتب على الكومبيوتر. مع وجود الكومبيوتر من يقول لنا ان أرقام الأميين لا تزال ثابتة؟ فمثلا ألا يمكن ان تكون النسبة انخفضت في لبنان؟ وهل الأمية في لبنان مثلها في مصر او في الولايات المتحدة؟"
وشرح ابراهيم أن "القراءة والكتابة هي من المهارات، فإذا لم تستخدم في الأسرة او في العمل فيمكن نسيانها. فلو تم مثلا تعليم طفل لغة اجنبية من الحضانة ومكث عشر سنوات في بلد لا يتحدث احد فيه هذه اللغة فسينساها، ولو اننا علمنا في قرية مصرية أشخاصا أميين ولم يثابروا على القراءة والكتابة لمدة سنتين او ثلاث فسيرتدون الى الأمية. ومن المعترف به دوليا أن 70 في المئة من الأميين الذين يتعلمون الكتابة والقراءة يرتدون الى الأمية ثانية اذا لم يكن هناك بيئة لتعليمهم القراءة والكتابة".
وسأل: "هل محو الأمية هو كتابة او قراءة او فهم وتواصل مع الآخرين؟ نحن نعلم الناس كيفية تطوير مفهومهم للأمية وكيفية قياس الكتابة والقراءة".
وعن آلية العمل قال: "إن طريقة عملنا تصل الى مئات الألوف، ولدينا طرق توصل الى حد ما المعلومة الى الآخرين بواسطة التدريب وجها لوجه، والتدريب "اونلاين"، ونحن نتناول القضية من جهات عدة، ولكن هل هذا كاف؟ بالتأكيد لا، فنحن نحتاج أكثر لأن العمل كبير. نحن في حاجة الى تمويل ودعم مالي أكبر، والعيب يقع على عاتق الحكومات لأنها لا تدخل هذه المسائل ضمن اجنداتها. في الدول الأوروبية مثلا هناك اقسام لتعليم الكبار، ومن يتعلمون فيها ليسوا بأميين".
ورأى أن "هناك حاجة الى الاعتراف المتنوع بالشهادات، أي بالتعلم الذي يمكن تحصيله من طرق أخرى، مثل التعلم الذاتي والتعلم عن طريق الخبرة. نحن في الدول العربية نتمسك بالشهادات، أما في الدول الأوروبية واميركا فيتمسكون بالخبرة ويعتبرون ان خمس سنوات عمل تساوي الماجستير".
إعادة التفكير في التعليم
وطالب ابراهيم بإعادة التفكير في التعليم في المنطقة العربية في كل القضايا، بما فيها مسألة المعلم وطريقة إعداده وتدريبه على التكنولوجيا الحديثة والأبحاث الجديدة والذكاء. وأوضح أن "هناك تغييرا في النظرة الى الذكاء، إذ اصبح هناك انواع مختلفة من الذكاء، فلم يعد هناك طالب غبي، بل ذكي في مجالات اخرى، وكل هذه التغييرات تفرض علينا اعادة التفكير في مفهومنا واهدافنا في المدرسة. وقال: "إن أحدث تقرير للأونيسكو يتحدث عن اعادة التفكير في التعليم في مناهجه وأساليبه، ونحن نحاول ان يكون هذا التقرير واقعا في المنطقة العربية، وعقدنا اجتماعا في القاهرة تحت عنوان "كيف يمكن اعادة التفكير في التعليم في المنطقة العربية"، وما هي اهم المشاكل والعقبات لتحديث التعليم في كل مجالاته، وأعددنا ورقة لكل مشكلة من مشاكلنا في المنطقة".
وعما تحتاج اليه المنطقة العربية، قال: "نحن نعيش كارثة تربوية لأن التعليم في أربع دول متوقف جزئيا، وهذا يعني أن هناك جيلا ضائعا بدون تعليم في سوريا، اليمن، ليبيا والعراق. أما الدول الأخرى فينقصها التعليم الجيد، والنظرة فيها الى التعليم ما زالت تقليدية في امتحاناتها ومحتوياتها، مع عدم استخدام التكنولوجيا وعدم استيعاب التعليم، وعدم الإنصاف بين الجنسين ودمج الأطفال ذوي الحاجات الخاصة. لبنان استفاد فنيا من الأزمة السورية، إذ حصل فيه تدريب كبير لإعداد من المعلمين في قضايا التعليم في الطوارىء وتحسين جودة التعليم والتجهيزات والمعدات والدعم النفسي والإجتماعي والتربية على المواطنة، وهو يملك كوادر جيدة لذوي الحاجات الخاصة، مع الإشارة الى ان المجتمع المدني اللبناني قوي جدا في هذا المجال. اما مصر فقامت بثورة في التعليم وغيرت مناهج ما قبل المدرسة وبدأت تغييرا جذريا في مناهج تعليم الأول ابتدائي، اما الإمارات العربية فمتقدمة جدا في التربية الخلقية والتربية على التسامح، في حين أن دول المغرب العربي والمغرب بالذات متأثرة بالنموذج الاوروبي للتعليم".
وختم: "بعد الأزمة التي طالت العالم العربي منذ عام 2011 بدأت معظم الدول العربية تفكر الآن جديا في تضمين المناهج قيم التسامح والسلام،وبدأت بتغيير المناهج تلافيا لما حدث وكأن هناك اعترافا ضمنيا بأن جزء مما يحدث في منطقتنا تربوي. ونحن كمكتب اقليمي للأونيسكو نساعد في التربية على المواطنة وندرب على القيم الإنسانية المشتركة ونحاول التغيير في مضامين المناهج الدراسية حسب حاجة كل دولة".
==============