تحقيق ميشال حلاق
وطنية - سجلت محافظة عكار تراجعا ملحوظا ومتسارعا في المساحات الزراعية المزروعة بالقمح على مدى السنوات ال 40 الماضية ذلك أن الاهتمام الرسمي بأهمية الامن الغذائي قد تراجع وتعثرت كل الخطط الزراعية التي بدأت بالتلاشي تتابعا حتى بلغنا مرحلة بات القمح فيها يستورد وعلى نطاق واسع من مختلف الدول المحيطة وبات انتاج عكار من القمح بالكاد يسد ثغرة بسيطة من الاحتياجات المحلية في وقت كانت عكار قديما، سهلها يزرع بمجمله بالقمح الذي كان انتاجه يعمر اهراءات روما القديمة، اذا صح التعبير.
وهذا التراجع المتسارع مرده بحسب المزارع نجيب الاحمد إلى أن "السوق الاستهلاكية تعاظمت واحتياج لبنان بفعل النمو السكاني تعاظم في وقت تقلصت المساحات الزراعية خصوصا في سهل عكار الذي كانت مساحة أراضيه المزروعة أكثر من 13 الف هكتار من أصل 18 ألف هكتار، المساحة الاجمالية وذلك لصالح المنشآت والابنية الاسمنتية ومشاريع التجارة الساعية وراء الربح السريع.
وهذا التناقص في المساحات الزراعية، على حد قوله، "كان من المفترض ان يعوض باستصلاح اراض بديلة في المناطق الوسطية والجبلية ولكن ذلك لم يحصل والزراعة الان بمجملها الى تراجع وضمور وبخاصة القمح والحبوب وباتت تحل محلها الزراعات البديلة التي يرجى منها ان تحقق ربحا سريعا وتعطي انتاجا مضاعفا داخل البيوت الزراعية المحمية لكنها لن تساهم في بناء اكتفاء ذاتيا وامنا غذائيا ثابتا كما القمح والحبوب التي ما زالت تعتبر في غالبية البلدان اساسا لبنية اقتصادياتها. فالاكتفاء الذاتي من القمح والحنطة يجب ان يكون من اساسيات اية سياسة زراعية رسمية توضع".
وفي السياق عينه، فان زراعة القمح في عكار تعاني أيضا من مضاربة خارجية وارتفاع كلفة الانتاج وتدني أسعار المبيع وعدم حماية هذه الزراعة ودعمها وتطويرها من قبل الدولة، وما زال عدد كبير من المزارعين في عكار يحافظون على هذه الزراعة وعلى هذا النمط المتوارث لتأمين لقمة هنية طبيعية لعائلاتهم وما يفيض عنهم يعرض للبيع على قاعدة فلاح مكفي سلطان مخفي".
المزارع احمد سليمان شرف الدين ابن بلدة برقايل الذي يعمل حاليا على جمع محصول ارضه المزروعة قمحا قال: "كانت هذه الزراعة سابقا تغطي مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية في مختلف قرى وبلدات عكار، من الساحل سهلا مرورا بالمناطق الوسطى وصولا حتى اعالي جرود عكار. وكانت هذه الزراعة التي توارثها الابناء عن الاباء والاجداد، هي الاكثر رواجا وربحا نظرا لما كانت تشكله من مردود مالي. فالقمح هو النبتة الوحيدة التي يمكن الاستفادة منها بكل تفاصيله سواء أكان قمحا للدقيق والطعام او حتى اعلافا للمواشي".
أضاف: "اليوم تراجعت هذه الزراعة بشكل كبير وبات عدد المزارعين لا يتعدى المئات في مختلف قرى عكار، جراء الخسائر الكبيرة التي تلاحق المزارعين، وعدم حماية الدولة لهذا القطاع الانتاجي المهم، وغياب الرزنامة الزراعية ودعم المزارعين وتثبيتهم في ارضهم".
ويستذكر شرف الدين كيف كانت تغزو هذه السنبلة المباركة الاراضي كافة في بلدته برقايل وجوارها، وكيف كانت زراعتها لا تقتصر على اراضي السليخ فقط، انما البساتين المثمرة فمن يمتلك القمح لا يعرف الجوع له طريقا، مشيرا إلى أن الموسم هذا العام لديه مقبول، على الرغم من تأخر تساقط الامطار في فصل الشتاء وتساقط الامطار خلال فترة الحصاد.
وأكد انه لا يزال يحافظ على زراعة القمح في كل عام ليس فقط بهدف الاتجار بها وحسب، بل من اجل تأمين احتياجات العائلة للقمح والبرغل والدقيق، "فنحن ابناء قرى نأكل مما نزرع ونطعم مواشينا من علفها ونعرف ماذا نأكل".
وطالب شرف الدين وزارة الزراعة والحكومة "حماية مزارعي القمح من المضاربة الخارجية، ووقف استيراد القمح من الخارح، عند حصاد مواسم القمح ودعم ما تبقى من مزارعين للقمح في عكار ولبنان، لان زراعة القمح توفر الأمن الغذائي وتجعل من الاقتصاد اللبناني اقتصادا قويا".
وهكذا، فإن لزراعة القمح طقوسها وتقاليدها وآليات تعتمد بشكل اساسي على العونة والترابط العائلي لفلاحة الارض واعدادها وتسميدها وزراعتها ومن ثم العناية لحين مواسم الحصاد فجمع السنابل غمارا وتكديسها على البيادر لجفافها ومن ثم دراستها وفصل الحب عن التبن الذي يعتبر عنصرا اساسيا كعلف للحيوانات شتاء.
أما القمح فيخزن في المنازل ليسلق جزء منه ويتم "جرشه" كي يصبح برغلا يستخدم في تحضير العديد من الاطباق التقليدية وما زالت بعض العائلات في الريف العكاري تعمد على خزن كنبات من القمح المنتج لديها لطحنه دقيقا لتحضير الخبز.
باختصار، حبة القمح المباركة توازي من حيث قيمتها الغذائية من اساسيات مؤونة المنازل شأنها شأن حبة الزيتون وما ينتج عنها. ويتطلع المزارعون لان تستعيد زراعة القمح ألقها القديم وفي ذلك استعادة اكيدة لمواسم العز والاصالة والكرم والمائدة العكارية هي هي كما كل موائد الخير في كل قربة وبلدة لبنانية عنوان للضيافة، وإن حضر القمح والزيتون وما ينتج عنهما الموائد تبقى عامرة.
================= جوزيان سعادة