تحقيق ماري الخوري
وطنية - أنجز لبنان منذ شهر تقريبا انتخابات نيابية بعد تسع سنوات من اتمام المرحلة الإنتخابية السابقة وفقا لمشروع انتخابي جديد يعتمد على النظام النسبي، منهيا مرحلة تربع القانون الأكثري على مشهد الحياة السياسية في البلد وتشكيله للطبقة السياسية فيه. واذا كان القانون الأخير اثار الكثير من التساؤلات عن امكان السير به وبالإصلاحات المنصوص عليها من كيفية تطبيقه الى كيفية الإنتخاب وإحتساب الأصوات، فإن العملية قد تمت بنجاح، وإن اعترتها بعض الشوائب والملاحظات وذلك باعتراف الأطراف المحلية والمراقبين الدوليين. وكل هذه الأمور لم تكن متاحة لولا الإرادة السياسية وتضافر جهود العديد من الهيئات والمنظمات التي بذلت كل ما في وسعها وساهمت لإنجاز هذا الإستحقاق، ومن ابرزها مشروع دعم الانتخابات اللبنانية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي تندرج نشاطاته ضمن البنود 17 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة وتحديدا البند 16 المتعلق بالسلام والعدل وبناء المؤسسات القوية. ويهدف هذا المشروع الى تعزيز قدرات الحكومة اللبنانية والمعنيين في ادارة الإنتخابات كافة وتنظيمها وفقا للمعايير الدولية، وهو وفر الدعم الإستشاري والمساعدة التقنية الإنتخابية لإجراء انتخابات شفافة وشاملة.
وللوقوف على المساعدات التقنية التي قدمها البرنامج التقينا كبير المستشارين التقنيين في المشروع دان رادوليسكو الذي قال: "نحن كمشروع دعم الإنتخابات في لبنان كانت لدينا خمس اهداف كبيرة وهي: دعم الإدارة الإنتخابية من خلال دعم وزارة الداخلية والبلديات، دعم هيئة الإشراف على الإنتخابات بمراقبة الحملات الإنتخابية والمرشحين والقوائم الإنتخابية ومراقبة وسائل الإعلام، دعم الهيئات القضائية بمهمة حل النزاعات في لبنان ومنها مجلس شورى الدولة والمجلس الدستوري للنظر في الطعون الإنتخابية، تثقيف الناخبين بحملات مركزة عن قانون الإنتخاب ومشاركة المرأة في البرلمان".
أضاف: "لقد ساهم المشروع في مساعدة وزارة الداخلية والبلديات في المجالات التالية: إنشاء نظام آلي لمعالجة وإصدار النتائج سلم الى وزارة الداخلية ومنها الى لجان القيد ضمن المهل قبل الانتخابات، إنشاء نظام آلي وقاعدة بيانات لاستقبال الترشيحات واللوائح وربط هذا النظام ببرنامج إعداد قوائم الاقتراع المطبوعة سلفا، المساعدة في تصميم ورقة الاقتراع المطبوعة سلفا وفق المعايير الدولية، دعم جلسات تدريب موظفي أقلام الاقتراع حوالى 15000 موظف، وجلسات تدريب موظفي القائمقاميات والمحافظات وعددهم 60 موظفا وجلسات تعريف قضاة لجان القيد على البرنامج الالكتروني ل 200 قاض ومساعديهم. المساعدة في إعداد وطباعة دليل الاقتراع في لبنان نحو 30000 نسخة واعداد دليل الاقتراع في الخارج 2500 نسخة وكتاب قانون الانتخاب 17000 نسخة ومواد تدريبية أخرى، إعداد وإطلاق حملة تثقيفية عن تسجيل الناخبين في شباط - آذار 2018 فضلا عن شراء واستيراد 10000 صندوق اقتراع جديد، شراء واستيراد 10000 عازل انتخابي كرتوني جديد، كذلك شراء 15000 جاكيت وقبعة كزي موحد لموظفي أقلام الاقتراع، بالاضافة الى تزويد أقلام ومراكز الاقتراع كافة بملصقات تثقيفية وإشارات وشعارات الانتخابات 6800 قلم".
وتابع: "عملنا على تطوير وتحديث وإدارة الموقع الالكتروني الرسمي للانتخابات، ومساعدة المديرية العامة للأحوال الشخصية على تطوير موقع الكتروني جديد لنشر قوائم الناخبين ضمن المهل، إعداد حملة توعية إعلامية لتذكير المواطنين وحثهم على التحقق من صحة بياناتهم".
وقال : "قمنا بإنشاء خط ساخن 1766 لاستقبال استفسارات وأسئلة المواطنين وإرشادهم وتلقي شكاويهم. وتحويلها الى الإدارات المختصة في الوزارة ومتابعتها. وقد وظف ودرب لهذه الغاية فريق عمل من حملة الشهادات الجامعية. تلقى من شباط الى آذار 973 اتصالا توزعت كما يلي: 61% عن قوائم الناخبين و27% عن قانون الانتخابات وإجراءاته، 4% عن وثائق الانتخاب بطاقة الهوية وجواز السفر، و1% شكاوى و7% أسئلة عمومية، وهو تلقى في يوم الانتخاب من الساعة 6 صباحا وحتى 9 مساء 7335 اتصالا في مجملها من موظفي أقلام الاقتراع: 85% منها عن إجراءات الاقتراع والعد والفرز واحتساب أوراق الاقتراع و15% عن النواقص في اللوازم الانتخابية وكل هذه الاتصالات جرى تحويلها الى غرفة عمليات الانتخابات المركزية في وزارة الداخلية والبلديات".
واوضح "عمل المشروع ايضا على مساعدة هيئة الاشراف على الانتخابات في إنشاء وحدة طلبات اعتماد المراقبين المحليين والدوليين ووسائل الاعلام مع كافة الأجهزة والحواسيب واللوازم وتوظيف فريق العمل فيها، وفي تأسيس وحدة مراقبة وسائل الاعلام وحملات المرشحين وتوفير الخبرات والأجهزة اللازمة لذلك عبر مؤسسة مهارات، بالاضافة الى توفير كافة المفروشات والتجهيزات المكتبية لمقر هيئة الاشراف على الانتخابات. أما في مجال حل النزاعات الإنتخابية، فقد أعد المشروع مواد تثقيفية، كتيبا وأربعة أفلام صغيرة حول الشكاوى والطعون في الإنتخابات النيابية. كما دعم المجلس الدستوري في مجالات عدة منها تأمين تجهيزات إلكترونية وتطبيقاتها، وترجمة قرارات المجلس الدستوري منذ عام 1994 إلى عام 2016 إلى الفرنسية، وطباعتها".
وتابع: "بالاضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى دعم وجود المرأة في الحياة السياسية. وفي هذا الإطار، تعاون المشروع مع وزارة شؤون المرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة لإطلاق "خريطة النوع الإجتماعي" (Gender Roadmap) لتشجيع الأحزاب السياسية على تحسين تمثيل المرأة في الإنتخابات النيابية للعام 2018، وإطلاق حملة توعية إعلامية تشجع النساء على الترشح وتحث الناخبين والناخبات على إعطاء صوتهم التفضيلي للنساء. كما نفذ المشروع ورش عمل وجلسات توعية تستهدف النساء المرشحات والناخبات حول الإجراءات الإنتخابية الجديدة بالتعاون مع جمعيات نسائية، وأعد مواد تثقيفية توعوية حول قانون الإنتخابات وكيفية التصويت واستخدام الأوراق المطبوعة سلفا".
وأوضح أنه "في إطار دعم الشباب للمشاركة في الإنتخابات النيابية، أطلق المشروع حملة توعية إعلامية ونفذ جلسات توعية عدة في الجامعات في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما للشباب المقترعين للمرة الأولى".
وعن تقييمه لسير العملية الإنتخابية قال رادوليسكو: "عموما، جرت الانتخابات بصورة جيدة. علينا أن نتذكر أن وزارة الداخلية والبلديات أجرت الانتخابات هذا العام وفق قانون انتخابي جديد معقد بعض الشيء من حيث أنه نسبي من جهة بين القوائم وأكثري تفضيلي بين المرشحين ضمن القوائم، وهذا أمر جديد تماما بالنسبة للبنانيين، الناخبين والمرشحين وبالنسبة للادارة الانتخابية، كما استعملت للمرة الأولى أوراق الاقتراع المطبوعة سلفا، وجرى تطبيق اقتراع اللبنانيين في الخارج وهو أمر معقد أيضا نظرا لآلية التسجيل بالنسبة للبنانيين غير المقيمين وتعيين مراكز الاقتراع في الخارج، لكن كل هذه الأمور، التي شابها أحيانا بعض الثغرات الطفيفة، لم تسىء الى الصورة العامة بأن الانتخابات جرت بشكل جيد ودون عقبات او مشاكل".
وتابع: "لا يقع على عاتقنا تقييم النتائج، على الشعب اللبناني وأحزابه وشخصياته فعل ذلك، ولكن لاحظنا كما لاحظتم جميعا أجواء ما بعد انتخابات هادئة تماما، وهذا أمر ممتاز".
وعن ملاحظاته على سير العملية الإنتخابية قال: "مهمتنا دعم الإنتخابات ونحن لسنا بمراقبين مثل المراقبين الدوليين او مراقبي الإتحاد الأوروبي او لادا او غيرها، ونحن من ضمن اهدافنا دعم الحكومة على اجراء الإنتخابات بالطريقة الأفضل والأحسن وفقا للقانون الذي اقره مجلس النواب اللبناني، وقد يكون لنا ملاحظات عليه ولكننا لا نتدخل لأن ممثلي الشعب اللبناني أقروه. نحن لسنا قادرين الآن على تقييم العملية واذا كان هناك من شوائب او اعتراضات، فالإعتراضات ستسلك مسلكا قانونيا عبر المجلس الدستوري او عبر تقارير هيئة الأشراف او المراقبة التي ستصدر تقارير نهائية تضمنها كل هذه الأمور".
ولفت في السياق نفسه إلى أن "تقارير الأحزاب وهيئات المراقبة الدولية والمحلية كانت ايجابية بشكل عام"، لافتا إلى أن "قبول الأحزاب والمرشحين النتائج بشكل عام عنصر جيد، وكان من الواضح ليس فقط ردة فعل الأطراف المحلية الإيجابية انما الهيئات الدولية التي راقبت والتي اعطت تقارير ايجابية من الإتحاد الأوروبي الى المعهد الوطني الديموقراطي الأميركي وغيرهم".
وختم: "نعمل ما بعد الإنتخابات لنستخلص الدروس من طريقة تطبيق القانون واستنادا اليها يمكننا الخروج بتوصيات لما يتوجب تحسينه وتطويره في المرحلة المقبلة وسنتشارك هذه التوصيات مع كل المعنيين بالموضوع".
كريم
أما الإخصائي في سياسات الحكم في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدكتور حسن كريم فتطرق إلى تنظيم وادارة الإنتخابات التي عمل عليها المشروع والمتمثلة بتعزيز القدرات لصياغة السياسات المتعلقة بتقنيات العملية الإنتخابية، وبتحسين نظام تسجيل المرشحين وادارة النتائج وبظروف مشاركة الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة وبالإشراف على الحملات الإنتخابية وبتثقيف الناخبين وحل النزاعات الإنتخابية".
وعن ديموقراطية الإنتخابات، أكد أن "ديموقراطية الإنتخابات ليست فقط اصوات ومقترعين وهي مناخ حريات"، وعن تقييمه للعملية الإنتخابية والشوائب التي طالتها، قال: "هناك شوائب لا عملية انتخابية من دون شوائب ولكنها ليست اكثر من المعتاد ونسبتها مثل انتخابات 2009 و2005 وهي تحت السيطرة لم تحصل اشياء كبيرة تهدد العملية الإنتخابية رغم انه قانون جديد والمراقبون الدوليون سيضعون تقريرهم وسيقولون رأيهم بالعملية الإنتخابية. الظاهرة الأبرز هي عدد الأصوات الملغاة نحو 36 الف صوت وهذا دليل ان هناك اناسا لم تعرف ان تصوت".
وعن تواجد الناخبين في مراكز الإقتراع بعد انتهاء الساعات المحددة للاقتراع، قال: "يحصل ان تقترع الناس في وقت متأخر اذ تكون في باحات اقلام الإقتراع وعند انتهاء الوقت تغلق الأبواب ويستمر الإقتراع حتى انتهاء الناخبين الموجودين في الباحات، هذا الأمر شكل لغطا لدى الناس ولكنه ليس مخالفة قانونية".
وعن التأخير في اعلان النتائج قال: "حصل تأخير ولكنه ليس غير عادي، فإعلان النتائج خلال 24 ساعة أمر مقبول، كانت الناس تتوقع النتيجة قبلا لأن الماكينات الحزبية قامت باعلان النتائج مثلما حصل مع عدد من المرشحين، فالنتيجة التي نالوها في لبنان كانت صحيحة ولكن اضافة نتائج تصويت المغتربين غيرت النسب. ولم يكن المندوبون على دراية بنتائج تصويت المغتربين ولمن صبت أصواتهم، ومن الواضح ان اصوات المغتربين صبت للأحزاب ولهذا حصل اللغط".
واعتبر ان "العملية الإنتخابية ناجحة رغم الشوائب"، مشيدا ب "وزارة الداخلية لأنها ادرجت النتائج على موقعها الإكتروني، نتائج الناجحين والراسبين وكمية الأصوات التي حصل عليها كل مرشح".
أخيرا ان برامج دعم الإنتخابات في لبنان وكل البرامج والأنشطة التي تعمل على احقاق الحق وبناء السلام والمؤسسات تهدف الى تعزيز الديموقراطية التي هي عملية تراكمية تتطلب مسارا طويلا وعملا دؤوبا، ومن البديهي القول ان ابرز نتائج الديموقراطية هي السلام والإستقرار والعدالة والمؤسسات الفعالة التي تتسم بالشفافية والنزاهة.
================ جوزيان سعادة