تحقيق لينا غانم
وطنية - إذا كان القول المأثور " شر البلية ما يضحك" صائبا، فهنيئا للمواطن اللبناني الذي يملك كما هائلا من البلايا تجعله يضحك "مدى الدهر"، فهو يترنح منذ عشرات السنين، أقله خلال الحرب وبعدها، بفعل أنواع مختلفة من الأزمات مع ارتداداتها، بدءا من "الكهرباء المقطوعة" وصولا الى أكوام النفايات التي تتكدس تحت أنفه، من دون إغفال الهزات الأمنية من حين الى آخر، لكن ما بات لافتا، ردة فعل اللبناني مع كل أزمة يمر بها على الصعد كافة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية أو بيئية، بحيث يحول المصيبة الى "نكتة " يضحك عليها طويلا إلى درجة السخرية، كي لا نقول "المسخرة ".
ما هو سر الضحك والممازحة الطارىء على يوميات اللبناني؟ هل يملك حس الفكاهة بالفطرة؟ لماذا تحول الى شخص لامبال يلجأ، مع كل مصيبة تقع فوق رأسه، الى التهكم عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الهاشتاغ والصور المركبة والأفكار الخيالية؟ وكيف يفسر علم النفس، ومعه علم الإجتماع هذه الظاهرة المستجدة على الصورة النمطية لمجتمعنا؟
كلاس
وأكدت رئيسة قسم علم النفس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية - الفرع الثاني، الدكتورة بولا كلاس وهي أيضا عضو في الهيئة الادارية لجمعية ممارسي "النفسعلاج" والاستشارات النفسية، إن "علم النفس يلجأ الى تحديد ردات فعل الأفراد من خلال محاولة فهم سلوكياتهم، آخذا في الإعتبار كل العوامل المحيطة والمؤثرة بأي موقف من المواقف أو الأحداث التي يمر بها، من هنا ضرورة فهم هذه العوامل قبل تحليل ردات الفعل، فالواقع اللبناني يشهد تأزما، بمعنى سيطرة مشاعر الإحباط وعدم الرضا والاستسلام، والأخطر من ذلك الإقتناع بعدم جدوى التحرك لتغيير الواقع المعيوش حتى أنه يمكن القول هناك نوع من الإنسحاب أو التراجع على صعيد الحراك المجتمعي، مع تسجيل إنقسام عمودي لدى الناس مع بروز الأزمات المتلاحقة على أنواعها، وهذا أيضا عامل مؤثر لأن هناك خلافا في وجهات النظر تتحكم، بطبيعة الحال، بردات الفعل التهكمية واللامبالية عند اللبنانيين".
واعتبرت أن "ردات الفعل التي ظهرت في الأسبوعين الأخيرين، تحديدا بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري جاءت على خلفية "صدمة قوية" أو على الأقل غير متوقعة في الوقت الذي حصلت فيه، علما انه في مثل هكذا أوضاع مفاجئة يلجأ الناس الى ما يعرف ب "آليات الدفاع" mecanisme de defence للتخفيف من هول المشهد أو الموقف الذي يواجهونه. هذه الآليات عديدة منها التهكم والمزاح والهزل والسخرية لتحويل الأنظار عن الواقع المأزوم وأخذه باتجاه آخر، وبالتالي للتخفيف من حدة الأزمة التي يمرون بها. ردة الفعل هذه ، بحسب كلاس ، تأتي في المرحلة الأولى للتخفيف من الصدمة ومساعدة الناس على استجماع قواهم واجراء تحليل لمجمل الوضع بشكل منطقي وجدي لأننا نحول الاهتمام من الواقع الذي لا نستطيع السيطرة عليه لنتجه الى مكان آخر، وما حدث أخيرا يبرر الكلام عن " جدل كوميدي أو هزلي" وسيناريوهات وتحليلات غير منطقية وهو أمر شائع عندما يشعر الفرد أنه غير قادر على تغيير أي مفصل من مفاصل الواقع أو حتى القرار، وفي ذلك نستند الى ما يقوله الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون مؤلف كتاب " سيكولوجيا الجماهير" إن كثرة الشائعات في مجتمع ما هي تعبير واضح عن واقع مرير وأليم وغير مفهوم يمر به هذا المجتمع".
وتعتبر كلاس أن "الأمور في الفترة الأخيرة تركت على غاربها من دون أن يعني ذلك أن الأمر كان متعمدا، فالهدف هو إلهاء الناس لوضعهم في مكان مرتبك خصوصا في ظل غياب قائد يجتمعون حوله ليوجههم. لكن بالمقابل يجب علينا أن نسجل موقفا إيجابيا لجميع الفاعليات السياسية التي توحدت في تحمل مسؤولية مجتمعية لأنها توجست من خطر محدق فتم تمرير الرسالة بطريقة لاواعية للناس وهذا ما خفف من وقع الصدمة عليهم، كما أن سياسة "إحتواء الأزمة" التي لجأ اليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انعكست التفافا حول رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ما ساهم في طمأنة الناس الذين يعيشون في حال انتظار على الصعيد السياسي والنفسي وفي العادة تكون هذه المرحلة مربكة ومزعجة للأفراد والمجتمعات".
سعد
يتقاطع رأي الدكتورة كلاس مع الأستاذة المحاضرة في كلية العلوم الإجتماعية - الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية الدكتورة ماغي طانيوس سعد التي تعتبر أن "اللبناني يلجأ الى الهزل والضحك والمزاح لمواجهة المشاكل والهموم، والأزمات ودمار الإقتصاد، مع الإشارة الى أن التهكم يمكن أن يصبح مؤذيا عندما يكون المتهكم في موقع قوة والمتهكم منه في موقع ضعف"، معتبرة أن "أسلوب الهزل والسخرية هو آلية نفسية شائعة تسمى في علم الانتروبولوجيا Projection بحيث يستخدمها الفرد بطريقة لاشعورية ليحمي بها نفسه من خلال إلصاق العيوب والنواقص والرغبات المستهجنة بالآخرين، كما أنها عملية لوم الآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يوضع أمامه من عقبات وما يقع فيه من زلات أو أخطاء".
وبحسب الدكتورة سعد فإن "اللبناني لا يملك حس الفكاهة بالفطرة كما الشعب المصري الذي يحتل المرتبة الأولى عالميا وعربيا في هذا المضمار على الرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها، لكنه بالمقابل، أي الشعب اللبناني، يتميز بروح المغامرة وحب الحياة، مع الاشارة الى أن الازمات والحروب العديدة التي مر بها لبنان لم تشفع لشعبه الذي يوصف أحيانا بأنه قاسي القلب بلا مشاعر وعصبي بشكل جنوني".
واعتبرت أن "النكتة تدغدغ العقل ولكي تكون مضحكة عليها أن تجمع بين ما هو معلوم وما هو مجهول وهي بالتالي متنفس مقبول في ظل تسارع وتيرة الأحداث والأزمات، مع الإشارة الى أن هناك عشرات النظريات التي حاولت، ولا تزال تحاول، تفسير وجود النكات والخلفيات النفسية والاجتماعية لوجود حس الدعابة وروح الفكاهة لدى شعب ما من دون أن نغفل أن شبكات التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية في لبنان ساهمت ولا تزال في الكشف عن الوجه الآخر لشعب يسعى الى تغيير الصورة النمطية التي ترافق سلوكياته اليومية، فيصبح الضحك آلية للتخفيف من التوتر النفسي والفكاهة وسيلة للتقليل من الخوف مع الإشارة الى أن البعض يعتبر أن النكتة هي رأي أولئك الذين لا يريدون الكشف عن رأيهم ، أي حزب الأغلبية في أي مجتمع".
================== ج.س