تحقيق مي نهرا
وطنية - 18 مليار دولار أميركي خلال 7 سنوات هي الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اللبناني جراء الازمة السورية، مع تسجيل ارتفاع نسبة البطالة الى 35% حيث فاقت اليد العاملة للنازحين 384 ألفا، وارتفعت النسبة السكانية في لبنان الى 600 في الكيلومتر المربع بعدما كانت 400.
هذه الارقام تؤكد الآثار السلبية على لبنان جراء النزوح السوري، في جميع المجالات وبخاصة الاقتصادية منها لناحية فقدان ابنائه لوظائفهم بسبب قبول السوريين العمل مقابل أجور ضئيلة ومنافسة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانية، الى جانب أسباب كثيرة، منها معاناة لبنان من تأمين الاطفال السوريين في حقوق الدراسة رغم تفاوت مستويات التحصيل العلمي وعدم وجود مقاعد كافية في المدارس.
وفي غياب احصاءات دقيقة لعدد النازحين الى لبنان، تشير الارقام الى عدد يراوح بين مليون ونصف مليون ومليون و750 الف نازح، بما ساهم في زيادة الضغوط الاقتصادية التي يعانيها لبنان، الى جانب الضغط الامني.
انطلاقا من هذا الواقع كانت خطة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لاتخاذ التدابير وتمهيد الطريق "لتشجيع إعادة النازحين الى الاراضي السورية". وفي ظل مطالبة المجتمع الدولي للبنان بالإبقاء على حدوده مفتوحة، طالبت الخطة المنظمات الدولية بلعب دورها وتسهيل عودة النازحين، كما تؤكد الخطة الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين واللاجئين.
بطرس ترد بالأرقام
منسقة لجنة النازحين السوريين في "التيار الوطني الحر" الدكتورة علا بطرس ردت بالارقام على من اعتبر ان لبنان كان يعاني التفلت الاقتصادي والامني قبل النزوح السوري، مشيرة الى "ان التفلت الأمني الذي كان يعانيه لبنان قبل الأزمة السورية مرده الى غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية، وقد فعل الرئيس ميشال عون بعد انتخابه رئيسا للجمهورية المجلس الأعلى للدفاع، وتم ضبط الأمن بشكل كبير، أما الأخطار الأمنية التي ظهرت بعد النزوح السوري الكثيف فترافقت مع أعمال إرهابية من التنظيمات التكفيرية "داعش" و"النصرة" التي ضربت في عمق بيروت واحتلت أراضي لبنانية في جرود السلسلة الشرقية في عرسال والقاع ورأس بعلبك، ووجدت بيئة حاضنة، والدليل مغادرة 9 الاف شخص من النساء والأطفال معهم، بالإضافة الى تنامي الجرائم التي وصلت الى 16 الف جريمة".
اما عن الضغط الإقتصادي فأشارت بطرس الى أرقام البنك الدولي والتي تتداولها وزارة الإقتصاد اللبنانية "فقد ارتفعت نسبة البطالة من 11 % عام 2011 الى 35% عام 2017، وانخفض الناتج المحلي من 8% عام 2011 الى 1% عام 2017، وقد كلفت الأزمة السورية الإقتصاد اللبناني 18 مليار دولار خلال 7 سنوات، وفاقت اليد العاملة للنازحين 384 الفا، وازدادت نسبة الفقر 53% في الشمال، و48% في الجنوب و30% في البقاع. هذا ويبلغ معدل الراتب للنازح السوري 278% أي بنسبة 50 % أقل من الحد الأدنى للراتب اللبناني. كما زاد استهلاك الكهرباء 486 ميغاواط وزاد الإنفاق في الصرف الصحي بنسبة 40%. ووصل عدد الطلاب في المدارس الرسمية الى 200 الف نازح، وأصبح نصف سكان لبنان من النازحين واللاجئين وارتفعت النسبة السكانية الى 600 في الكلم المربع بعدما كانت 400، وازداد الطلب على السلع الإستهلاكية مما ادى الى ارتفاع الإستيراد وأدى الى انخفاض الإحتياطي من العملات الصعبة. ويعمل السوريون في قطاعات لا يسمح لهم بها القانون والتي يحددها في البناء والزراعة والبيئة فقط، لكنهم اكتسحوا سوق العمل الوطني بكلفة تنافسية مع العامل اللبناني في السياحة والصناعة والتجارة وغيرها".
وعن عدم قبول كل الاطراف السياسية اللبنانية لخطة الوزير باسيل، تقول بطرس: "ان هذه الخطة تعتبر الخطة العملية لرفض التوطين وفق ما ورد في مقدمة الدستور، وقد عرضت على حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وحصل التوافق على معظم بنودها، لكنها لم تقر ولم تصبح خطة وزارية. أما رفض الخطة فهو ناتج من غياب الجدية في مقاربة مسألة النزوح من زاوية مصلحة لبنان العليا لأن الأطراف الأخرى ما زالت تطالب المجتمع الدولي بالحصول على المساعدات لإنشاء البنى التحتية لأغراض إنسانية للنازحين، في وقت تهدف خطة باسيل الى إجراءات قانونية وتدابير تنظم وجودهم في لبنان لا سيما إجراء مسح شامل للنازحين السوريين وإلزامهم وعائلاتهم بتسجيل أنفسهم لدى دوائر الأمن العام والحصول إما على "بطاقة عمل" أو بطاقة "إثبات وجود" وهي بطاقة مؤقتة يحق للسلطات اللبنانية سحبها بعد انتفاء الأسباب الموجبة وتسجيل الولادات ومسح شامل للعمالة الشرعية وغير الشرعية وترحيل الأفراد الخطرين على الأمن وقبول المساعدات بعد عرضها على مجلس الوزراء بالتساوي بين المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين ما يحقق الهدف النهائي الا وهو العودة الآمنة الى المناطق المستقرة".
وتناولت رفض بعض الاطراف السياسية اللبنانية التنسيق مع سوريا لتأمين العودة، مؤكدة أن "موقف الرئيس العماد ميشال عون واضح وقد بحثه مع نظيره الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون، ومفاده أن العودة الآمنة للنازحين السوريين يجب أن تتم "قبل وخلال وبعد الحل السياسي في سوريا"، والوزير باسيل عبر عن هذا الموقف مرارا منذ بداية الأزمة السورية. وأكد الرئيس عون أمام سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وممثلي الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أنه لا يمكننا الانتظار طويلا حتى يأتي الحل النهائي خاصة وأن 85% من الأراضي السورية باتت تحت سيادة الدولة".
ولفتت الى أن "الحكومة السورية طرف أساسي إذ ورد في خطة باسيل حول "تسجيل الولادات" مثلا باعتماد "الآلية القانونية التي تقضي بتسجيلهم في سجل الأجانب لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية على أن تجري متابعة تسجيلهم وفق الأصول لدى الدوائر السورية المختصة بحسب الأصول الدبلوماسية". وقد حصل تعيين السفير اللبناني سعد زخيا في سوريا وقد أشادت "كتلة المستقبل" بهذا الأمر واصفة إياه بالطبيعي... ولكن نظرا الى تعنت بعض القوى السياسية لناحية التنسيق المباشر مع دمشق فقد طرح الرئيس عون على الرئيس سعد الحريري فكرة أن تكون روسيا وسيط غير مباشر في حل الأزمة نظرا لدورها في اتفاق آستانا. في المقابل مطالبة المجتمع الدولي للبنان بترك حدوده مفتوحة يعتبر غير منصف، خصوصا ان بعض الدول الاوروبية تقفل حدودها في وجه النازحين".
وأكدت بطرس ان "لبنان لم يوقع على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ولا على بروتوكول 1967 ذات الصلة، لذلك كان بإمكانه بحسب ما جاء في خطة باسيل "ضبط الحدود والاستمرار بإقفال المعابر الحدودية مع سوريا أمام الدخول الجماعي للمواطنين السوريين الى لبنان وحصر الدخول الفردي للنازحين بالحالات الإنسانية الإستثنائية"، لكونه بلد هجرة وترانزيت وليس بلد لجوء، وخصوصا ان لبنان وفى بالتزاماته الى المجتمع الدولي دون أن يقوم هو بإجراء مماثل على قاعدة تقاسم المسؤوليات حيث يحق للبنان الحصول على مساعدات للنازحين السوريين وللبنانيين على قاعدة متساوية. أما موقف المجتمع الدولي فهو غير منصف لا بل يشجع على بقاء النازحين السوريين في دول الجوار لا سيما موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الواضح في هذا الإطار، وإننا نتخوف من التوطين عبر تقرير أعده الأمين العام السابق الى الأمم المتحدة بان كي مون في أيار عام 2016 بدعوة الدول المضيفة الى اندماجهم تمهيدا لتوطينهم. وعلى هذا الأساس رفض الوزير جبران باسيل استقبال بان كي مون عند قدومه الى بيروت، كما أن الوزير باسيل يجاهر علنا وفي كل لقاءاته بأن التوطين خط أحمر والحل هو بالعودة الآمنة لهم الى سوريا".
وطالبت بطرس المنظمات الدولية بأن "تشجع النازحين السوريين للعودة الى ديارهم لا أن تعتمد سياسة التخويف، خصوصا أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رصدت عودة 440 الف مهجر داخل سوريا و31 الف من دول الجوار، وهذا يعني أن العودة العكسية للنازحين يجب أن تبدأ لأن الأوضاع آمنة، ومن قدموا الى لبنان ليسوا فقط من المناطق المحاذية للحدود اللبنانية أي من دمشق وحمص بل من الساحل السوري أيضا (طرطوس، جبلة، بانياس، اللاذقية) وهذه المناطق كلها مستقرة أصلا إضافة الى حلب.
ميراي جيرار
في هذا الاطار أشارت ممثلة المفوضية العليا للاجئين في لبنان ميراي جيرار ل"الوكالة الوطنية للاعلام" الى ان العودة العفوية (spontaneous) للاجئين تحدث، فقد سجلت المفوضية آلافا من اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا من لبنان في النصف الأول من هذا العام". وقالت: "نحن لا نقوم حاليا بتسهيل عمليات العودة هذه إلى سوريا، ولكن المفوضية تعمل على توسيع نطاق رصدها لعمليات العودة، وعملياتنا في سوريا للمساعدة على إرساء الأسس لتحقيق عمليات عودة مستقبلية مستدامة. وقد سهلت المفوضية عودة أكثر من 40 مليون لاجئ منذ الستينيات وستقوم بذلك للسوريين أيضا عندما تسمح الظروف بذلك. وحاليا نحو مليون لاجئ مسجلين لدى المفوضية، والحكومة تقدر أن هناك 1.5 مليون لاجئ سوري في البلاد، بما في ذلك الأشخاص المسجلون وغير المسجلين مع المفوضية".
وأكدت ان "المفوضية والمنظمات الدولية الأخرى عملت طوال الأزمة مع حكومة لبنان لمساعدتها على مواجهة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها البلاد باستضافة عدد كبير من اللاجئين، وسنواصل هذه الشراكة القوية، ونحن ندرك الضغوط التي فرضتها الأزمة على لبنان وشعبه، الذين أبدوا مستويات هائلة من الضيافة استجابة للأزمة".
يبقى ان نشير الى ان الارقام لا تحتمل التأويل رغم انها "صادمة"، ويبقى السؤال: هل ندرك اننا امام وضع لا بد ان يتغير لتخفيف العبء عن المواطن اللبناني في ظل اوضاع اقتصادية مرهقة؟ وهل يستجيب المجتمع الدولي لخطة لبنان لاعادة النازحين؟ ام ان العودة مرهونة بانتظار المعطيات والتطورات السياسية في المنطقة؟
=================