تحقيق لينا غانم
وطنية - "متل القضا المستعجل" هو مثل شعبي يراد منه الإشارة إلى الاستعجال أو العجلة، في البت بأمر أو قضية معينة على وجه السرعة، مما يعني أن هذا المثل الشائع يرتكز إلى مصطلح قانوني نسمع عنه من حين إلى آخر من دون الدخول عميقا في حيثياته. إنه قضاء العجلة الذي يشكل جزءا بارزا من القضاء العدلي، فما هو اختصاص هذا القضاء؟ وما هي القضايا التي يبت بها؟ وهل تعتبر قراراته ملزمة لمحاكم الاساس (الابتدائية)؟ وبالتالي، هل يمكن إلغاء هذه القرارات أو تعديلها من قبل المحاكم المختصة؟ وما هي الدعاوى التي تدخل في إطار "العجلة الزائدة"؟
إذا كان الاستعجال ضرورة لا تحتمل التأجيل، فإن قضاء العجلة هو إحدى أبرز الآليات التي خلص إليها الفقه القانوني لحماية حقوق الأفرقاء من خلال اتخاذ تدابير احتياطية واحترازية، انتظارا للحكم على قاعدة عدم التعرض لأساس الحق، ولتحقيق هذا الهدف شرطان ملزمان:
- الاول توافر ركن الاستعجال في المنازعة المطروحة عليه.
- الثاني ان يكون المطلوب تدبيرا وقتيا لا فصلا في أصل الحق، وبالتالي المقصود بقضاء العجلة البت بالمسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت بحسب أحد قضاة العجلة في بيروت، الذي قال: "لا يجوز الأخذ بالتسمية (الاستعجال)، فهذا خطأ شائع، علما بأن قانون أصول المحاكمات يتضمن عددا محددا من المواد التي تشير إلى اختصاص قاضي الأمور المستعجلة، أبرزها المادة 78. وبالتالي، هناك نصوص متفرقة تحدد اختصاصات معينة لقاضي الأمور المستعجلة، أبرزها ثلاثة:
- الأمور المستعجلة أي اتخاذ التدابير السريعة في القضايا المدنية والتجارية من دون التعرض لأصل الحق.
- اتخاذ التدابير الكفيلة برفع التعدي الواضح على الحقوق.
- إعطاء سلفة وقتية موقتة في حال كان الدين غير قابل لمنازعة جدية، مع الإشارة إلى اختصاصات إضافية مثل الحكم بالتعويض للاساتذة الذين يتعرضون للطرد التعسفي في المدارس الخاصة، إضافة إلى اختصاصات أخرى مثل القانون العقاري أو الملكية الفكرية على سبيل المثال لا الحصر".
وبحسب قاضي العجلة، فإن "مبرر اللجوء إلى هذا النوع من القضاء هو الخطر المباشر الذي لا يكفي في اتقائه رفع دعوى عادية، وبالتالي فإن الاستعجال مع وجود اختلاف حول تعريف هذه الكلمة هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد الحفاظ عليه، والذي يلزم درؤه بسرعة. من هنا، فإن القاضي يحكم بإثبات الحالة الراهنة متى كان هناك احتمال ضياع معالمها".
وأعطى قاضي العجلة، لتبسيط الأمور وتفسيرها وشرحها بشكل عملي، المثل الآتي: "إذا وردت إلى قاضي العجلة دعوى من مواطن يشكو فيها من عملية حفر أساسات لمبنى محاذ للبناء الذي يقطن فيه"، مشيرا إلى "خطر محدق قد يؤدي إلى زغزعة دعائم المبنى المشار اليه، وبالتالي هناك احتمال وجود خطر محدق بحياة مواطنين وسلامتهم، فإن قاضي الأمور المستعجلة يمكن أن يعين خبيرا تقنيا أو فنيا للاشراف على الورشة موضوع الدعوى، ليرفع لاحقا تقريره إلى القاضي الذي يمكن أن يصدر قرارا خلال ساعات إذا تأكد وجود خطر حقيقي على سلامة المواطنين المعنيين بالشكوى".
وقال: "نحن نبقي على الأمور كما هي، تمهيدا للادعاء أمام محكمة الأساس من دون البت أو الفصل بمن يملك الحق من عدمه. وبالتالي، نحن نعمل على تهدئة الوضع مع المحافظة على الحقوق كما هي، بانتظار قرار المحكمة المختصة في حالات النزاع، مع الإشارة إلى أننا يمكن أن نتخذ تدابير معينة لها صفة السرعة من دون الابلاغ عنها للفريق أو الجهة المدعى عليها، وهذا ما يعرف بتدابير لرفع التعدي الواضح على الحقوق المشروعة، بعد التثبت من هذه الحقوق بشكل لا يحتمل الأخذ والرد، مما يعني أن من أبرز مهام قضاء العجلة المحافظة على الحق وإثبات حالة مادية قد تتغير أو تزول مع الزمن. ومن هنا، فإن الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته، والظروف المحيطة به لا من الخصوم واتفاقهم، والملاحظ أنه يجب أن تستمر حال الاستعجال من تاريخ رفع الدعوى إلى تاريخ صدور الحكم فيها".
ما هو عدد قضاة العجلة في لبنان؟ وما هي آلية تعيينهم؟
يتخطى عدد قضاة العجلة في لبنان الثلاثين قاضيا، إذا احتسبنا أن لكل قضاء من الأقضية ال25 قاضي عجلة واحد هو قاض منفرد، إضافة إلى قضاة في مراكز المحافظات: طرابلس، زحلة، صيدا، النبطية، فيما عدد قضاة العجلة في بيروت هو ثلاثة، إضافة إلى قاض في بعبدا واثنين في المتن، علما بأن هذه المناطق تشهد ضغطا متزايدا على قضاء العجلة.
أما لناحية التعيين فمع صدور التشكيلات القضائية وتعيين قضاة منفردين يتم توزيع المهام والاختصاصات عليهم، ومنها "العجلة" بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح الرئيس الاول في المنطقة، وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
قال أحد كبار الفقهاء المتخصصين في ميدان القانون المدني الفرنسي (الذي اقتبس لبنان عنه جملة من القوانين) جان فينسان: "إن اللجوء إلى القضاء الناظر في القضايا المستعجلة له فائدة كبرى، وهي الاستحصال بواسطة إجراءات مبسطة وسريعة على قرارات، وإن اتسمت بالصفة الموقتة، إلا أن لها تأثيرا كبيرا وأهمية عظمى منعا لفوات الوقت أو إهدار الحقوق".
يقال: "لا يضيع حق وراءه مطالب"، فكم بالحري إذا كان هناك في "صروح العدالة" قضاة يعجلون، ولا يستعجلون، وباسم الشعب اللبناني يحكمون على قاعدة عدم التعرض لأساس الحق، متسلحين بحرية التقدير للفصل في النزاعات.