تحقيق لينا غانم
وطنية - تحت قوس الاعتكاف، تتأرجح مطالب قضاة لبنان البالغ عددهم نحو خمسماية قاض، مسجلين بذلك الاعتكاف الاطول في تاريخ القضاء اللبناني حيث انه بدأ في 20 تموز الماضي، ولا يزال مستمرا وإن بحده الادنى من خلال الطلب من القضاة العدليين النظر فقط في التدابير الاحتياطية والقضايا الملحة التي لا تحتمل التأجيل (النفقة - المشاهدة، حماية الاحداث، اثبات الحالة، العنف الاسري، منع السفر....) فضلا عن قضايا الموقوفين على ما ورد في اخر بيان أصدره مجلس القضاء الاعلى الذي أعلم القضاة الاستمرار في الاعتكاف عن النظر في باقي المسائل الداخلة في عمل القضاء العدلي الى حين اجراء المعالجة التشريعية المطلوبة.
المطالب
تتلخص مطالب القضاة بثلاثة: المحافظة على صندوق تعاضد القضاة مع تقرير تعزيزه ورفده بكل الموارد والوسائل الناجعة لقيامه بعمله بما يحفظ ضمان استقلال القضاة وكذلك المحافظة على الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين، علما بأن صندوق تعاضد القضاة الذي انشىء في العام 1993، يعد بمثابة الامن الاجتماعي، ويؤمن للقضاة حياة كريمة بحدها الادنى. ويتمثل المطلب الثاني بإقرار سلسلة رتب ورواتب خاصة بالقضاة تليق بالمهام الجسام، بحسب مصدر قضائي، الملقاة على عاتقهم وتضاهي ما يتقاضاه أعضاء السلطتين الاخريين، مع الاستفادة مما يستفيدون منه من اعفاءات، وذلك تماشيا مع الاسباب الموجبة للقانون رقم 1993/284 والقانون رقم 2011/173 أو ما يمكن تسميته بردم الهوة بين أجورهم وأجور الموظفين الاداريين من الفئتين الاولى والثانية، أي رفع أساس راتب القاضي الاصيل كي يبقى أعلى من سائر الموظفين. اما المطلب الثالث فهو عدم خفض أمد العطلة القضائية.
سليمان
يستذكر القاضي السابق في مجلس شورى الدولة الدكتور سليم سليمان، في معرض رده عن سؤال لـ"الوكالة الوطنية للاعلام" حول صوابية خطوة الاعتكاف التي يقوم بها القضاة، مقولة رئيس وزراء بريطانيا الراحل خلال الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل: "اذا كان القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير ويمكن اصلاح كل شيء"، وهي مقولة تتطابق بالمعنى واللفظ أيضا مع ماقاله الرئيس شارل ديغول، رمز فرنسا الحرة بعد تحرير بلاده من الغزو الالماني حين سأل عن أحوال البلاد ومؤسساتها، فأخبروه أنها بأسوأ حال، فطرح سؤاله الشهير: "هل القضاء بخير؟" فقالوا له نعم، فأجاب: "اذا كان القضاء بخير ففرنسا بأمان".
انطلاقا من مبدأ قدرة القضاء على استنهاض المجتمع، يؤيد القاضي سليمان الاعتكاف لأسباب عدة، "أولها حق إبداء الرأي بحسب معاهدات دولية وقع عليها لبنان، وبالتالي يحق للقاضي او لأي كان التعبير عن رأيه بالطرق السلمية، علما بأن الاعتكاف لا يشبه الاعتصام او الاضراب، إنما هو رسالة تخفيفية تساعد السلطات الاخرى على التصرف مع القضاء على أنه سلطة مستقلة بحكم الدستور".
واعتبر ان هذه المسألة "تحولت الى موضوع رأي عام، لأنها لا تعني القضاة فقط، انما تعني أيضا المحامين والاطباء والمهندسين والعسكر والسياسيين وشرائح المجتمع كافة، لأنه من دون قاعدة لا وجود للمجتمع السليم، وبالتالي يجب التعاطي مع القضاء على أنه سلطة مستقلة دستورية وفق منطوق المادة 20 من الدستور اللبناني ويجب اعطاؤه الضمانات التي تصون استقلاليته".
ابراهيم
وينفي رئيس مجلس ادارة صندوق تعاضد القضاة والنائب المالي العام القاضي علي ابراهيم لـ"الوكالة" "ما يحكى عن أن تحرك القضاة يدخل في اطار الاطاحة بسلسلة الرتب والرواتب"، مؤكدا ان "الامر يتعلق بالشكل وليس بالاساس، بمعنى أن ما يطالب به القضاة هو فصل صندوق التعاضد الخاص بهم وعدم دمجه بصناديق اخرى، وبالتالي فالقضاة لا يطالبون بإلغاء السلسلة، انما بتصحيح الشق المتعلق بهم فيها لجهة الابقاء على الصندوق مستقلا وتعديلات تقضي بأن يصبح راتب القاضي مساو لراتب موظف من الفئة الاولى"، مشددا على ان "المس بصندوق التعاضد هو بمثابة التعرض للقمة عيش القضاة، والاهم من كل ذلك، احترام استقلالية القضاء انفاذا لمضمون الاستعداد الذي يكرس مبدأ فصل السلطات".
كل هذه المطالب والايضاحات وردت في العريضة "غير الرسمية" التي حملت توقيع نحو 352 قاضيا والتي رفعت الى الجهات القضائية المعنية، وهي مجلس القضاء الاعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومكتب ديوان المحاسبة سندا الى المادة 44 من قانون القضاء العدلي الذي يؤطر مطالب القضاة الجماعية على قاعدة أن العدل أساس الملك وذلك لمواجهة نهج اقصائي تجاه السلطة القضائية.
جريصاتي
وزير العدل سليم جريصاتي الوصي على هرمية القضاء، يعمل في هذا الموضوع على قاعدة "اشتدي يا ازمة بتنفرجي"، مشيرا الى ان "اعتكاف القضاة عن العمل بسبب احتجاجهم على ما طالهم في سلسلة الرتب والرواتب هو على طريق الحل وكذلك التشكيلات القضائية، ونحن نعمل بايجابية على الموضوعين". وهو كان قد أعلن بعد زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري انه سيتقدم "باقتراح قانون معجل مكرر يخرج قانون صندوق التعاضد من السلسلة ويخصص القضاة بعطلتهم"، التي لا تتجاوز راهنا الشهرين بعد ان كانت شهرين ونصف الشهر، ناقلا عن الرئيس بري تمنيه على السلطة الدستورية المستقلة اي السلطة القضائية "وقف الاعتكاف خصوصا بعد أن سمع صوتها".
فهد
المساعي جارية على قدم وساق لتسوية موضوع اعتكاف القضاة ربطا بسلسلة الرتب والرواتب مع تأكيد من رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد بعدم وجود نية للتصعيد. علما بأن المجلس كان قد أحال على وزير العدل تصورا لحل تشريعي يقضي بإصدار قانون من مادة وحيدة بثلاث نقاط: تعديل سلسلة الرتب والرواتب في الشق المتعلق بالقضاة، إسقاط ذكر صندوق تعاضد القضاة من مادة قانون الاصلاحات الضريبية التي نصت على توحيد صناديق التعاضد، لأن هذا الامر يتعلق بشؤون السلطة التي ينظمها قانون القضاء العدلي اضافة الى تقصير العطلة القضائية.
"عدليات لبنان" ليست بخير، لان القضاء في لبنان ليس بخير، والمطلوب اعادة النظر في المنظومة القضائية بدءا بانجاز تشكيلات قضائية عادلة غائبة منذ العام 2010، الى تفعيل عمل التفتيش القضائي كي ينقي القضاء نفسه بنفسه، وصولا الى استقطاب قضاة جدد الى السلك القضائي، وذلك احقاقا لمبدأ فيلسوف الثورة الفرنسية الكبرى فولتير القائل: "إن أعظم عمل إنساني هو رد العدالة لمن فقدها".
=========== ع/م/و.خ