1
تحقيق ماري خوري
وطنية - مع نهاية العام 2017 ستتمكن السلطات اللبنانية من الحديث عن نقلة نوعية في تعاطيها مع ملف اللاجئين الفلسطينين في لبنان، لانها بكل بساطة ستكون قد تحققت بدقة من اعدادهم واوضاعهم الحقيقية. وهي مهمة لا سابقة لها انجزت على مدى اشهر من الشراكة الفعلية والتعاون الوثيق بين لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني وكل من ادارة الاحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.
التحضيرات لمهمة معرفة اعداد واوضاع للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين تفاوتت الارقام بشأنهم بين 459 و250 الف لاجئء بحسب دراسات متنوعة لمراكز ابحاث خاصة ووزارة الداخلية ووكالة "الاونروا"، بدأت قبل سنة على المستوى السياسي بمروحة مشاورات ولقاءات متواصلة بين رئيس لجنة الحوار الوزير السابق حسن منيمنة، باعتبار اللجنة مؤسسة منبثقة عن مجلس الوزراء، ومختلف القيادات السياسية والامنية والحزبية اللبنانية والفلسطينية. وكان من نتاجها مذكرة تفاهم بين الحكومتين اللبنانية والفلسطينية في 19 تشرين الاول 2016 ومرسوم جمهوري بتاريخ 27 نيسان 2017، ووثيقة بعنوان "رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني" حملت وللمرة الاولى توافقا بين الاحزاب السياسية الرئيسية في لبنان على الموضوع الفلسطيني الذي طالما كان موضوعا خلافيا بين اللبنانيين.
بعد استكمال التجهيزات التقنية اللازمة، انطلق مشروع "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان" رسميا في الثاني من شباط برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري واعلن "ضمن خطة استراتيجية لتحسين اوضاع اللاجئين الفلسطينين في المخيمات والتجمعات السكنية بشكل عام". هدفه "تزويد الدولة اللبنانية معطيات ومؤشرات دقيقة وواضحة حول الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للاجئين الفلسطينيين من اجل رسم سياسات مناسبة مبنية على ارقام واضحة".
ولحظ له لجنتان: لجنة توجيهية برئاسة منيمنة وتضم سفارة دولة فلسطين في لبنان ومديري جهازي الاحصاء اللبناني والفلسطيني وممثلين عن وزارات: الخارجية والمغتربين، الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات. ولجنة إستشارية اممية لتقديم المشورة التقنية والفنية حول اجراءات التعداد وتضم ممثلين عن منظمات: الإسكوا، اليونيسف، الأونروا، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة العمل الدولية".
وحرصت لجنة الحوار على تأمين غطاء سياسي وامني وشعبي لبناني وفلسطيني لانجاز مهمتها بنجاح، عبر ارسالها اكثر من 600 كتاب طلب دعم وتعاون الى قيادة الجيش وقيادة قوى الأمن والإستقصاء والمعلومات والأمن العام ومديرية المخابرات، كما الى الوزارات المعنية والبلديات والى كل القيادات الفلسطينية من قوى التحالف وقوى منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الإسلامية في كل المخيمات والتجمعات. ووجدت قدرا كبيرا من التجاوب عززه اطلاق حملة اعلامية واسعة من ندوات ولقاءات وملصقات في المخيمات والتجمعات ومن خلال المواقع الالكترونية ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يكن ممكنا انجاز هذه المهمة الضخمة لشمولها كل اللاجئين الفلسطينيين على الاراضي اللبنانية كافة، لولا فرق العمل الميداني التي تجاوز تعداد افرادها الـ800 من الشباب اللبناني والفلسطيني (80 بالمئة منهم من الإناث) توزعوا على 12 مخيما فلسطينيا واكثر من 126 تجمعا الى جانب مناطق تواجد عدة للاجئين الفلسطينيين.
وكان من المحال ايضا الاسراع دون التسرع في تنفيذ التعداد ميدانيا من دون اعتماد نظام معلوماتي متطور تمثل باستخدام الاجهزة اللوحية لتعبئة البيانات بدلا من الاستمارات الورقية المعتادة، والتحقق من استكمال هذه البيانات وصحتها من خلال ربط الإستمارة بالموقع الجغرافي للوحدات السكنية واستعمال نظام التتبع المعروف " جي.بي.اس" استنادا الى الخرائط الرقمية "جي.اي.اس".كما شرحت مديرة الإحصاء المركزي اللبناني الدكتورة مارال توتليان لمندوبة "الوكالة الوطنية للاعلام".
قالت: "هي نقلة نوعية في العمل الاحصائي المستقبلي، لانها المرة الأولى في تاريخ الإحصاء اللبناني التي ينفذ فيها تعداد سكاني ميداني لفئة معينة في منطقة جعرافية معينة وبإسناد زمني معين ونظام اتصالات متطور يمكننا من مراقبة العملية الميدانية ومتابعة مسار كل محقق او باحث ميداني والتحقق من وجوده في منطقة العد التي اسندت له، وهو امر يحد من عملية الغش او تعبئة الإستمارة في غير المنطقة المعينة او الفترة الزمنية المحددة له".
أضافت: "هذه الاستمارة تشمل 95 سؤالا عن المؤشرات عن الطابع الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي وحالة اللجوء، وحددت لتعبئتها فترة زمنية لا تتجاوز نصف ساعة، وذلك وفقا لتجربة نفذت في مرحلة سابقة تسمى مرحلة العد القبلي، تستبق النزول الى الميدان، وتمهد لها مرحلة تحضيرية هي مرحلة الحصر، اي حصر المنطقة التي سيتم درسها وترقيم الشوارع والأبنية وملء الإستمارة التي هي كناية عن عشرة اسئلة تتمحور حول حضور الفلسطينيين، حالتهم الزوجية، حالة المبنى واسمه".
والتزاما بمبادىء العمل الاحصائي "لا بد من التدقيق في المعلومات والأجوبة التي تعطيها الأسر"، وهي مهمة اسندها الاحصاء المركزي اللبناني بادارة توتليان "الى فريق من 50 شابا وشابة كلفوا مراجعة محتوى الأجوبة المعطاة، والعمل على تصحيحها مباشرة من الميدان، لتدخل قبل ان يخرج الباحث من منطقة عده، او بعد تسجيلها من خلال اعادة الاتصال بالأسرة لتصحيح المعلومات اذا كانت الأسئلة بسيطة او من خلال النزول مجددا الى الميدان للتدقيق بالأجوبة غير المنطقية".
مرحلة العد الفعلي للاجئين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان انتهت حاليا، وستليها لفترة 15 يوما مرحلة تسمى بالعد البعدي.
وتشرح توتاليان: "في مرحلة ما بعد التعداد الفعلي هذه، نسحب عينة من قاعدة المعلومات التي أنشئت ويتم بعدها طرح سبعة أو ثمانية أسئلة من أجل التحقق من جودة البيانات، من جهة غير تلك التي نفذت التعداد، التزاما لمبادىء العمل الإحصائي.
هذه المرحلة الثالثة والأخيرة ستنتهي أواخر شهر آب، فيما يخصص شهر ايلول للتوثيق والتجميع ووضع الجداول والصياغة والتحليل السريع، على أن يتم التحليل المعمق لاحقا". فالتقنيات الحديثة المستعملة، وفق توتليان، "ساعدتنا على اختصار فترة التحضير من سنة ونصف سنة الى ثلاثة أشهر، الأمر الذي كان متعذرا مع عملية التعداد الورقي، وهو ما يشجعنا على اعتمادها في كل أعمالنا المستقبلية لأنها تسهم في توفير الجهد والوقت وتتيح إجراء مراقبة مباشرة واستخراج النتائج بسرعة وضبط الغش والتزوير".
وتضيف: "هذا التعداد مكننا من تعزيز قدراتنا كجهاز احصاء مركزي لبناني، غير أن الامر الاكثر اهمية هو التعاون والتنسيق بين فريقي العمل اللبناني والفلسطيني، سواء على مستوى ادارة المشروع أو على مستوى العمل الميداني. فقد اعترضتنا طبعا بعض العقبات والمشاكل، الا ان التحضيرات للبيئة الملائمة للعمل التي تمت بإشراف الوزير منيمنة وفريقه على مدى اكثر من سنة من خلال اجتماعات مع الفصائل واللجان الشعبية والقوى الإسلامية والجهات الأمنية اللبنانية والجهات المحلية من بلديات واحزاب وكتل السياسية، وانشاء غرفة عمليات خاصة للمتابعة والتدخل ساهم في حلحلة معظم هذه العقبات، ولا سيما أن تجاوب الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات مع التعداد كان ممتازا".
إذا، ما هو العدد الفعلي للفلسطينيين في لبنان؟ سؤال ترفض توتليان الاجابة عنه حتى إنجاز العمل الاحصائي كاملا، وهي مسألة ستتطلب تحليل النتائج قبل إصدارها بشكل رسمي"، مؤكدة أن "التعداد سيبين الكثير من المؤشرات المفيدة، ويشكل تجربة مشجعة للمعنيين لاتخاذ قرار بإجراء تعداد للمقيمين على الأراضي اللبنانية كافة، يوفر قاعدة بيانات ضرورية واساسية لصياغة الدراسات والمسوحات التي تعكس بدقة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلد، وتتيح وضع الخطط واتخاذ الإجراءات الأكثر ملاءمة لحاجات المجتمع اللبناني".
==================ز.ح