كفرحبو تسأل: أين الدولة؟ - تحقيق مؤسسة مهارات 3
وطنية - تنشر "الوكالة الوطنية للاعلام"، وجريدة "النهار"، اليوم، التحقيقات الواردة في الملحق الصادر عن "مؤسسة مهارات"، في اطار مشروع دعم وتمتين البلديات والمجتمع المحلي في الضنية الممول من الاتحاد الاوروبي بالشراكة مع "مرسي كور" و"بيس لابس"، تتناول مواضيع عن بلدات وقرى في قضاء المنية الضنية، اضافة الى مواضيع عن دور الاعلام في بناء السلام وطريقة تعاطيه مع شؤون تلك البلدات.
كفرحبو
تبدو كفرحبو بلدة نموذجية لتكون أحد مداخل الضنية. طبيعة خلابة تمتد فيها سهول الزرع، شوارع بسيطة تبشر بالوصول إلى منطقة جبلية، وهدوء يعم الأرجاء. قد لا تساعد مئات الأمتار التي ترتفع فيها كفرحبو عن سطح البحر في تحويلها إلى مركز للاصطياف، إلا أن هذا الارتفاع يسمح لها بأن تعيش من الزراعة. والقطاع الزراعي في لبنان، سيف ذو حدين، إذ يربط الناس بشكل وثيق بأرضهم، لكن في الوقت نفسه يجعلهم متروكين لمصيرهم نتيجة غياب السياسات التنموية وانخفاض المساعدات والمنح الزراعية، والأزمات المناخية التي تشهدها البلاد على مرّ السنوات.
سبعون في المئة من الكفرحبويين يعتاشون من الزراعة. تتوزع بساتين الأشجار المثمرة داخل البلدة وبين أحيائها، وأكبرها عند أطرافها. لكن جمال الطبيعة لا ينعكس بالضرورة على واقع الناس هنا، إذ يشكو العديد من الأهالي من صعوبة الظروف الاقتصادية.
خلافات وحلول
قبل الدخول في كل هذه العوامل والظروف، عاشت كفرحبو على مدى فترة من الزمن خلافا بين عدد من أبنائها بشأن شق طريق يدخل في بعض الأملاك الشخصية. هذا النوع من الخلافات من أكثر الأنواع التي يمكن أن تشهدها أي بلدة، في الشمال أو الجنوب أو البقاع، أو أي مجتمع قروي خارج البلاد حتى. "قد يكون الأمر أشبه بخلاف بين الجيران في مجتمع مديني حول أماكن ركن السيارات"، بحسب ما يقول أحد أبناء البلدة. لكن طريقا فتحت لحل هذا الخلاف، بوساطات بين الأهالي والمجلس البلدي بحسب ما يقول عضو البلدية، إلياس بو ضلع. يعود الأخير إلى ورشات العمل التي تم تنظيمها في البلدة، حول حل النزاعات، في سياق مشروع "دعم وتمكين البلديات والمجتمع المحلي في الضنية"، ويقول إن "الناس هنا كانت تحل المشاكل والخلافات بطريقة عاطفية، لم نكن نتدخل فيها لحلها بشكل علمي، لكشف كل أسبابها ومعالجتها"، لكن "المشكلة الشخصية حول شق الطريق انتهت اليوم إلى غير رجعة".
ويضيف إلياس أنه "تم شق الطريق وبدأ الإنماء الزراعي"، مشيرا إلى أن "الدورات ساعدتنا على الدخول إلى كل هذه التفاصيل".
عمر الدبل، عضو المجلس البلدي، يقول من جهته أنه تدخل "في أكثر من خلاف بين الأهالي، وامتحنت قدراتي في هذا المجال واستخدمت أساليب أرغب في مشاركتها مع الجميع". ويشير إلى أن "الأهم هو الاستفادة العامة للناس، والتأكيد على مبدأ التسويات والأخذ والرد للتوصل إلى الحل"، بهدف تأمين استفادة الجميع. يمكن للخلافات أن تتكرر في كفرحبو، لكن طرق المعالجة ستتكرر أيضا، مع العلم أن البلدة تشهد حالة اختلاط طائفي ومذهبي مميز، إذ تجمع المسيحيين، من الأرثوذكس والموارنة والكاثوليك، والمسلمين سنة وشيعة، لتؤكد حجم التعايش والقدرة على إيجاد الأرضية المشتركة ومواجهة الهموم الجامعة.
المشاريع
ومن بين هذه الهموم، وبالعودة إلى واقع البلدة الاقتصادي (زراعيا)، تشهد كفرحبو نقصا كبيرا على مستوى المياه. فالـ"كفرحبويون" الذين يعيشون أغلبهم من الزراعة، تشح مياه الري في فترات طويلة من السنة، تحديدا بين فصلي الصيف والخريف، ويلجأون إلى الآبار الارتوازية التي لا تكفي لإشباع ظمأ الأرض وحاجات البساتين. لذا كان أحد المشاريع التي تم تنفيذها في البلدة، في اطار مشروع "دعم وتمكين البلديات والمجتمع المحلي في الضنية" الذي عملت فيه مع شركائها منظمة "مرسي كور" الدولية وجمعية "الفريق اللبناني لتحويل النزاعات، بيس لابس"، بدعم من الاتحاد الاوروبي وبالتعاون مع اتحاد بلديات الضنية، إعادة تأهيل أحد الآبار الارتوازية بهدف المساعدة على التنمية الزراعية. في حين أن مشاريع أساسية أخرى تم العمل عليها لتحسين واقع العيش في كفرحبو، كإنشاء غرفة مخصصة لطب الأسنان في مستوصف البلدة، وتشييد ملعب في المدرسة التكميلية يمكن ان يجمع الأنشطة المختلفة، منها الرياضي والاجتماعي وحتى الترفيهي. وسيكون للترفيه جزء من النشاطات، إذ سيتم تنظيم نشاطات متنوعة للأطفال، على مدار العام، بحسب ما يقول بو ضلع الذي يؤكد أيضا أن نقص المساحة قد يلعب أحيانا دورا سلبيا في إقامة هذه النشاطات.
أزمة اللجوء السوري؟
كغيرها من البلدات والقرى اللبنانية، لجأ إلى كفرحبو مئات اللاجئين السوريين الهاربين من نار الحرب ودمارها. وبينما قدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد السوريين في البلدة بـ480 لاجئا، يتناقل الأهالي رقم 1000 لاجئ مقيمين فيها. أغلب سكان البلدة لا يترددون في التأكيد على تعاطفهم مع اللاجئين. فتنتشر عبارات مثل "الأخوة السوريين"، "أوضاعهم السيئة"، "نشعر معهم" أو حتى "نفهم معاناتهم". من دون أن يلغي ذلك الأوضاع ليست على كامل ما يرام بين الأهالي واللاجئين، إذ أنه إضافة إلى عبارات التعاطف تنتشر من جهة أخرى عبارات كـ"المنافسة الاقتصادية" و"التضييق على المهن" التي تؤكد وجود خلل بين المجتمعين، كما هي الأحوال على ألسنة معظم اللبنانيين في مناطق تمركز اللجوء السوري.
يشير عمر الدبل (عضو المجلس البلدي) إلى حاجة البلدة إلى العمال السوريين في القطاع الزراعي، "قد نكون بحاجة إلى 100 عامل، لكن يوجد 1000 عامل"، وهو ما يسبب "مزاحمة بين المزارعين اللبنانيين والعمال السوريين". وهو أمر كفيل بتوتير العلاقات بين الطرفين، ولو أن الأمور لا تزال مضبوطة في كفرحبو، ولعل التدريبات على "حل النزاعات" يكون له دور في إسكان هذه التوترات المحتملة وإبقاء الأمور تحت السيطرة. ولا تزال الخلافات التي وقعت بين أهالي كفرحبو وعدد من اللاجئين، ضمن إطار "الخلافات الشخصية" بحسب ما يؤكد لبنانيون وسوريون. "أغلبها بين جيران" بحسب ما يقول أحد اللاجئين الذين شاركوا في النشاطات. ويضيف أنها "مشكلات يمكن أن تقع بين أي شخصين يتشاركان الحي والشارع والطريق نفسه، يمكن ان تقع بين لبناني ولبناني أو سوري وسوري".
لكن لاحد المواطنين الآخرين سؤال بالغ الأهمية: "طالما أننا والسوريين نعيش من الزراعة، لماذا لا تعمل الدولة على دعمنا وتأمين المستلزمات والمواد والمياه كي نعيش جميعا كمجتمع مضيف وكلاجئين"؟ فسؤال "وين الدولة" يتكرر ويتكرر في كل زمان ومكان.
رمزية المحمود (اللجنة المجتمعية - لاجئة سورية)
كانت تجربة جميلة ولو أني تغيبت عن بعض الجلسات، بحيث استفدنا من خبرات المدربين ومن الخلاصات التي توصلنا إليها. أكثر ما علق برأسي هو تدريب "رابح رابح"، بما معناه أنه ليس بالضرورة أن يكون الشخص دائما في موقع القوة والربح وأنه ليس بالضرورة أن يخسر شخصا آخر كل شيء، أن يبقى مكانا للعقل والمنطق. كان ذلك في حل النزاعات: ليس بالضرورة أن أدمر الشخص الذي اختلف معه على أمر ما حتى أشعر بالربح.
عمر الدبل (اللجنة المجتمعية ــ عضو المجلس البلدي)
يمكن لورشات العمل والتدريب الذين تلقيناهم أن يكونوا خطوة نحو ثقافة المجتمع وتفعيل العمل من أجل تحسين واقع الجيل الجديد والعمل على ان يكون هذا الجيل مختلفا من خلال وسائل وإمكانات عديدة. لدينا الكثير من المشكلات في القرية، منها ما هو شخصي ومحلي ومنها ما هو ناتج عن اللجوء السوري وتبعاته الاقتصادية. وطبعا للابتعاد عن المزيد من المشكلات اعتقد أن على الدولة أن تحدد صلاحيات الجميع لتحمي الجميع وتحافظ على حقوق الجميع، فالسوريون يعانون من مأساة وهم أخوة لنا.
=================