تحقيق - لينا غانم
وطنية - "اقسم بالله العظيم أن أحفظ سر وآداب مهنة كتاب العدل وأن أقوم بأعمالها بأمانة وأن أتقيد بقوانينها وأنظمتها، وأن أتصرف في جميع أعمالي تصرفا يوحي بالثقة والإحترام". انه النص الحرفي لقسم اليمين الذي يدلي به الكاتب العدل في لبنان أمام محكمة الإستئناف في بيروت، قبل أن يتولى مهامه في مهنة تشكل مرآة للتشريع وتلعب دورا محوريا في ترسيخ الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي.
فمن هو الكاتب العدل؟ وما هي النظم التي تسير هذا القطاع؟ وما هو دور وزارة العدل في اختيار وتنظيم عمل كتاب العدل؟ وماذا عن مجلس كتاب العدل الذي أنشىء حديثا وما هي مهامه؟ وماذا عن كتاب العدل الأصيلين وأولئك المكلفين؟
في الأساس، يعتبر العدل قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض لأنه محور رئيسي في الأخلاق وفي الحقوق، والكاتب العدل هو بمثابة "قاضي صلح" أو "ضابط عمومي" يناط به في حدود اختصاصه القيام بالأعمال التي يطلب أصحاب العلاقة اثباتها، وهو مرتبط بوزارة العدل، ولا يتقاضى من الدولة أي راتب أو تعويض، وبالتالي فهو يتقاضى أتعابه من أصحاب العلاقة مباشرة.
من هنا، على الكاتب العدل التحلي بالكثير من الصفات منها السيرة الحسنة والعلم الواسع والصدق والأخلاق الحميدة والجرأة والحياد التام، وهي نفس الشروط المطلوب توافرها في القاضي لما لهذه الوظيفة من حساسية تتعلق بتوثيق حقوق والتزامات الناس وملكياتهم، خصوصا مع غياب أي مدونة أخلاقية تتحدث عن واجبات الكاتب العدل والمواضيع والقواعد التي تنظم علاقة الكتاب العدل مع بعضهم البعض.
القانون 337 الصادر في العام 1994 فرض شروطا كثيرة للدخول في هذه المهنة، ومنها المباراة تحت اشراف وزارةالعدل التي يفترض ان تعتمد معايير يتم من خلالها اختيار الكتاب العدل في مباراة تشكل ضمانة لهم وللمهنة، تتبع المباراة عادة دورة تدريب مدتها ستة أشهر، وقد نظمت وزارةالعدل منذ العام 2000 عدة مباريات تقدم اليها الآلاف لينجح في كل مرة بين العشرين والأربعين متباريا، وسط تلميحات الى تجاذبات سياسية تتحكم في اختيار الناجحين، علما ان ليس هناك نقص حاد في عدد الكتاب العدل في لبنان، لكن يمكن استحداث وظائف كتاب عدل في المناطق التي هي بحاجة لها بموجب مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء.
تقدم طلبات الترشيح للمبارات الى وزارةالعدل التي تعطي المرشح ايصالا يثبت تقديمه الطلب ويشترط على المتقدم أن يكون حائزا على الإجازة اللبنانية في الحقوق، وإذا لم يكن المتقدم من حملة هذه الشهادة فعليه تقديم الإمتحان المختص لتعيين المساعدين القضائيين، والمنصوص عليه في المادة 65 من القرارالصادر بتاريخ 22 تشرين الثاني 1939.
المهام الموكلة الى الكاتب العدل كثيرة أبرزها تنظيم والتصديق على السندات المنصوص عليها في قانون الموجبات والعقود وبصورة عامة على كل سند لا يمنعه القانون أو لا يكون حصرا، بموجب نص خاص، من صلاحية موظف عام آخر وحفظ أصلها وإعطاء ذوي العلاقة صورا عنها، كما انه ينظم ويصدق الوصايا وفقا لأحكام قانون الإرث لغير المحمديين الصادر في العام 1959، وهو يصدق ايضا على توقيع مترجم الصكوك من لغة الى أخرى، ويقوم بترقيم صفحات دفاتر وسجلات التجار وأصحاب المهن الحرة، ويأخذ البصمات ويحفظها ويصدق علي هوية صاحبها، كما يمكن الإستعانة بالمباشرين وبرجال قوى الأمن الداخلي لأجل القيام بجميع التبليغات الصادرة عن دائرته.
يسمح القانون للكاتب العدل بالقيام بجميع الأعمال الداخلة في اختصاصه خارج اوقات الدوام الرسمي وأيام العطل الرسمية وهو يملك عددا من السجلات المرقمة منها: السجل اليومي، سجل الودائع، سجل المراسلات، سجل المراجعات وسجل الوصايا.
يحظر على الكاتب العدل اللجوء الى الإضراب تحت طائلة المسؤولية المسلكية والجزائية المتعلقة بالموظفين، كما يحظر عليه الجمع بين كتابة العدل والوظائف العامة وجميع المهن والأعمال المأجورة والأعمال التجارية والصناعية والصحافية باستثناء التدريس خارج أوقات الدوام الرسمي، وهو ممنوع من مغادرة الأراضي اللبنانية أوإقفال مكتبه أو التغيب أو الإمتناع عن استقبال الزبائن إلا بعد الحصول على موافقة خطية من وزارة العدل.
في لبنان هناك فئتان من كتاب العدل: أصليون دخلوا المهنة من بابها العريض، أي بمباراة ومكلفون وهم موظفون يتم تكليفهم مكان الكاتب العدل ولضرورات التوازن الطائفي في كثير من الأحيان.
في نيسان من العام 2014 أقر المجلس النيابي قانون إنشاء مجلس مستقل للكتاب العدل وهو يشكل ما يشبه النقابة ومن أبرز مهامه ضمان تمثيل الكتاب العدل تجاه السلطات العامة وأمام المحاكم، وقد جاء إنشاؤه بمثابة تمكين لهؤلاء في الدفاع عن مصالح مهنتهم.
المجلس الحديث العهد يتألف من أحد عشر عضوا برئاسة المحامي ريموند بشور صقر علما بأن هذا المجلس ليس بالمرجع المخول لحسم أي نزاع أو إشكال حول قانونية معاملة، بل ان أمر البت بذلك يعود للمراجع القضائية المختصة. مع الإشارة الى ان عدد الكتاب العدل الاصيلين يبلغ نحو 195 وعدد المتقاعدين المنتسبين الى المجلس 77، أما المكلفين فعددهم 40.