تحقيق: لينا غانم
وطنية - هم فئة مهمشة ومحرومة من كل الحقوق التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية وأولها حق الحصول على اسم وجنسية والحفاظ عليهما، هم محرومون من الطبابة والتعليم والعمل والتملك والسفر والانتخاب والزواج والضمان الاجتماعي وحتى حرية التنقل، يعيشون حال "انعدام الوجود القانوني"، ويحلمون بالانتماء والفوز بلقب "مواطن"، انهم مكتومو القيد في لبنان على ما درجت تسميتهم في لبنان، فمن هم هؤلاء الأشخاص؟ ما هو عددهم؟ أين وكيف يعيشون؟
مكتومو القيد في لبنان شريحة موجودة بأمر الواقع قد لا تؤثر على النسيج الديموغرافي اللبناني، لكنها بالتأكيد تشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية حقوق الانسان الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي تنص في مادتها السابعة على تسجيل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم واكتساب جنسية. عددهم يقارب المئة ألف وهو عدد غير رسمي وغير دقيق اذا أخذنا في الاعتبار أن الإحصاء الاداري الأخير المثبت للجنسية اللبنانية جرى في العام 1932، وبالتالي فان كل ما يملكون من أوراق ثبوتية هو عبارة عن ورقة من مختار القرية أو المحلة تحمل صورة مصدقة تشكل عرفا واثباتا يجيزه المختار لتسهيل حياة هؤلاء، وهي تمنح في حضور شهود أو بناء على معرفة سابقة بالأهل أو ورقة معمودية لمكتومي القيد من الطوائف المسيحية، مع الاشارة الى أن هذه الورقة مجانية ولا تنتهي صلاحيتها لكنها لا تحمي حاملها من التعرض لاشكالات قانونية، لأنها لا توازي مستندا ثبوتيا ذا قيمة قانونية.
في لبنان فئتان من مكتومي القيد: فئة الأشخاص الذين يحمل آباؤهم أو أصولهم جنسية ولديهم قيود، الا أن ولادتهم غير مسجلة، وبالتالي هم بحكم غير الموجودين بالنسبة الى السلطات. وفئة الأشخاص الذين يتحدرون من أصول عديمة الجنسية تاريخيا أي ان أصولهم لا تحمل جنسية لأسباب متعددة ويضاف اليهم نحو 28 ألف شخص من حملة جوازات إقامة من فئة "قيد الدرس" مسجلين في سجلات الأمن العام.
مشكلة مكتومي القيد تفاقمت مع تدفق اللجوء السوري، حيث أن 70 في المئة من الأطفال السوريين المولودين في لبنان منذ العام 2011، تاريخ اندلاع الحرب في سوريا، لا يملكون شهادة ولادة، ونصفهم لم يتم تسجيلهم لعدم توفر المستندات المطلوبة في السجلات المدنية. وبالتالي فان الازمة السورية أعادت طرح احتمال تزايد هذه المشكلة وليس التقليل منها.
كما أن هناك فئة جديدة من مكتومي القيد ستظهر قريبا وهي الولادات الناتجة عن الزواج المدني الذي يعقد على الأراضي اللبنانية والتي لا تقوم وزارة الداخلية بتسجيلها في دوائر النفوس بحيث يوضع طفل الزواج المدني في نفس خانة الطفل المولود من خارج اطار علاقة زوجية.
الحكومات المتعاقبة لم تصدر تشريعات من شأنها معالجة هذه القضية المستمرة منذ عشرات السنين، بالاضافة الى جزء من المسؤولية يتحمله أولياء مكتومي القيد أنفسهم، لأن ثمة الكثير من العائلات لم تسجل أولادها في سجلات النفوس وهم غير مدركين للأخطار الناجمة عن عدم التسجيل هذا. أما أسباب عدم تسجيل الاطفال فتختلف لدى الأسر ويأتي على رأسها الجهل بالآليات المتبعة للتسجيل، اضافة الى الاهمال والخلافات الزوجية بين الوالدين، علما أنه على الأهل التصريح عن الطفل المولود في لبنان لدى المختار خلال ثلاثين يوما من تاريخ الولادة تحت طائلة الغرامة، فمن تاريخ الولادة حتى عمر السنة يتم التصريح عن حصول الولادة لدى موظف الأحوال الشخصية (مأمور النفوس) عبر اتباع خطوات ادارية محددة، منها شهادة ولادة موقعة من طبيب أو قابلة قانونية. فوثيقة ولادة موقعة ومصدقة من المختار مع الاشارة الى انه بعد عمر السنة لا يمكن تسجيل الطفل الا بقرار صادر عن القضاء المختص (غرفة المذاكرة) بحيث يقدم صاحب العلاقة شخصيا أو بواسطة محام دعوى أمام قاضي الأحوال الشخصية، وهذا القرار يحتاج الى إثبات نسب من المحاكم الشرعية والروحية وفحص الحمض النووي.
يتوزع مكتومو القيد على مناطق فقيرة من الضواحي والقرى النائية التي تناسب أوضاعهم القانونية والاقتصادية وتبقيهم بمنأى عن الدوائر الرسمية، فمنطقة النبعة على سبيل المثال هي واحدة من المناطق المحرومة وفيها مئات الاشخاص من مكتومي القيد. وكذلك في عكار حيث يوجد 70 الآف مكتوم، أما العدد الأكبر فيتوزع على مناطق البقاع (عرب الفاعور على سبيل المثال) وهناك قرى يعاني عدد كبير من أبنائها فقدان القيد المدني مثل منطقة وادي خالد. كما أنه، وبنتيجة أعمال غير مشروعة، قد يقوم بها هؤلاء نتيجة تقلص فرص العمل أمامهم، يلوذون الى مناطق عصية على الدولة ليتحولوا الى أرقام في ملفات القضاء والسجون.
مكتومو القيد في لبنان يرتدون "طاقية الإخفاء"، بعضهم بالوراثة وآخرون بالولادة، يحلمون باثبات مرورهم في الحياة وباخراج قيد أزرق مجلد أو ببطاقة ممغنطة زهرية اللون ممهورة بأرزة وتوقيع يسهمان في توطيد علاقة هذه الفئة المهمشة بالقضاء والوطن والمواطنة.
============ ن.م