تحقيق لينا غانم
وطنية - يطلقون عليه تسمية "قاضي الوقائع" وهو بمثابة ضابط عدلي مساعد للعدالة، تقريره يمثل المسافة الفاصلة بين الحرية وحبل المشنقة أو قضبان السجن، وهو ملزم بأداء القسم القضائي ليقوم بمهامه بما يفرضه عليه الضمير، إنه الطبيب الشرعي أو صلة الوصل الوثيقة بين الطب والقانون، هو الذي يقدم الأدلة المحسوسة لمساعدة رجال القانون والقضاء من أجل الارتكاز اليها في الأحكام، فما هو واقع الطب الشرعي أو الطب العدلي في لبنان؟ ما هي أهمية هذا الاختصاص في تحقيق العدالة وما هي العراقيل التي تواجه الهيكلية الناظمة له؟
يشكل الطب الشرعي فرعا من فروع الطب الذي يختص في تشخيص سبب الوفاة أو حوادث الصدم، وهو بالتالي يخدم الحالات الجنائية ويعتمد على مجموعة كبيرة من العلوم: علم الجنايات لمعرفة كيفية التسمم، حالات الادمان على المخدرات، التصوير الفوتوغرافي الذي يتيح معرفة كيف ينفلش الرصاص والمسافة التي أطلق منها، علم الأسلحة النارية، علم السلاح الأبيض، علم الأسنان وعلم التشريح الذي هو من أبرز التقنيات في علم الجريمة وهو علم معروف منذ أكثر من خمسة الآف سنة على يد المصريين القدامى وقد بات اليوم إجراؤه ممكنا بواسطة المنظار أو التصوير الصوتي.
في لبنان، الاقبال على دراسة الطب الشرعي متدنية نسبيا لأن مداخيله قليلة وعمله "مقرف و مقزز" وبالأرقام فالمبلغ المتعارف عليه هو 50 ألف ل.ل. للتقرير الطبي ومئة ألف ل.ل لمعاينة جثة في مكان الجريمة أو الحادث أو داخل المشرحة، أما أتعاب عملية التشريح فلا تزيد عن 150 ألف ل.ل، علما أن التحقيق من دون تشريح يشبه شخصا يقرأ رواية هامة ومثيرة لكن صفحتها الأخيرة قد مزقت.
يبلغ عدد الأطباء الشرعيين في لبنان نحو ثمانين طبيبا معتمدا من قبل وزارة العدل، لكن اللافت أن غالبية الأطباء العاملين في مصلحة الطب الشرعي لم يتخرجوا من الجامعات التي تمنح هذا الاختصاص والبعض منهم خضع فقط لدورات جانبية أو دروس في الطب الشرعي لأشهر عدة انما ليس كإختصاص، ما يحتم إعادة تقييم ملفات هؤلاء الأطباء الشخصية في وزارة العدل وإبراز إفادة من نقابة الأطباء التي ينتسبون اليها تثبت تسجيل اختصاصهم لديها، وذلك في إطار إعادة نظر شاملة في وضع الأطباء الشرعيين في لبنان، علما أن المرسوم الوزاري الناظم لهذا الاختصاص الذي صدر في العام 1946 والذي ما زالت الدولة تعمل بموجبه حتى الآن يجيز للحكومة الاستعانة بأطباء ذوي اختصاصات مختلفة للقيام بمهام الطب الشرعي، مع الاشارة الى أن لبنان لا يحتاج الى أكثر من 15 طبيبا شرعيا. ففي العراق على سبيل المثال لا الحصر لا يوجد سوى 50 طبيبا شرعيا على الرغم من مساحته الواسعة وعدد سكانه.
يعمل الطبيب الشرعي تحت سلطة وزارة العدل ويمارس مهامه تحت رقابة النيابة العامة التي لها وحدها حق دحض التقرير أو الأخذ به، من خلال لجان طبية تعينها لإعادة دراسة أي تناقض قد يرد في التحقيق. يمثل هؤلاء الأطباء أمام المحاكم للادلاء بشهاداتهم أو إعطاء الرأي والخبرة وهم يواجهون أحيانا محامي الضحية ومحامي المتهم على حد سواء.
للطبيب الشرعي الحق في رفض معاينة ضحية حتى تتوافر الظروف المناسبة التي تحترم خصوصية الحالة، لكنه لا يتمتع بأي حصانة على المستوى الأمني أو الصحي حيث أنه معرض لشتى أنواع التهديدات الأمنية من أشخاص متضررين من تقريره كما أنه عرضة للاصابة بأمراض معدية من الضحايا والمرضى الذين يعاينهم من دون أن يكون له تأمين صحي مضاد.
يعاني الأطباء الشرعيون من عدم التنسيق أحيانا بينهم وبين الأجهزة الأمنية ما يؤدي حكما الى تغيير وضعيات الضحايا والمصابين كما أنهم يعانون من غياب التجهيزات المتعلقة بالطب الشرعي في عدد كبير من المستشفيات بالاضافة الى التأخر في صرف أتعابهم، فهم يزودون مصلحة الطب الشرعي والادلة الجنائية في نهاية كل شهر بنسخة عن التقارير التي يرفعونها الى النيابة العامة لتحدد أتعابهم التي تحال الى المدير العام لوزارة العدل عبر ديوان الوزارة وبعد المرور بقسم المحاسبة تصل الحوالات الى الأطباء من وزارة المال.
الطب الشرعي أو العدلي ليس مجرد تفصيل في طريق الوصول الى العدالة وهو ليس من كماليات التحقيق الجنائي، إنما هو شرط من شروط العدالة الصحيحة في قطاع مهمل على كل المستويات ومنذ عشرات السنين.
================ ج.س