تحقيق نظيرة فرنسيس
وطنية - مع بداية العهد الجديد، عقد الأمل بالقضاء على الفساد والمفسدين للوصول الى بر الأمان من خلال مشاريع إنمائية تخفف من عبء الدين العام وترفع وطأة الضرائب عن كاهل المواطنين الذين يعانون منذ اكثر من أربعين عاما من الحرب الدامية التي دمرت الاقتصاد وهجرت العائلات وجعلت الوطن في المراتب المتقدمة من الفساد والتعدي على الاموال العامة من دون حسيب ولا رقيب.
ولا بد من السؤال في هذا الاطار، أين هي القوانين التي تحفظ الحق العام وترد الاعتبار الى هيبة السلطة وتعاقب كل من تخوله نفسه التعدي والنهب والسرقة والتطاول على المؤسسات؟ وهل هناك فعلا سلطة مؤهلة تدافع عن حقوق الوطن المهدورة؟.
سليمان
وفي حديث ل "للوكالة الوطنية للاعلام"، أكد رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان "ضرورة تعديل وتفعيل قانون الاثراء غير المشروع الذي وضع عام 1999، أي منذ ثمانية عشرة عاما، لكنه لم يطبق ولم يحاكم اي مسؤول في الدولة لغاية اليوم، ولم يلاحق أي شخص بتهمة الاثراء غير المشروع، لذلك أرى أن هذا القانون وضع لكي لا يطبق، وعلى الرغم من أن الفساد منتشر بشكل فاضح، كما أن هناك متهمين بالاثراء على حساب مراكزهم في الدولة ومن نهب المال العام، نرى انه لم يلاحق احد، وقد أشارت الاحصاءات الى ان لبنان احتل درجة 137 في الفساد بين دول العالم، أي أن الفساد أصبح متجذرا، لذا يجب ان يعدل مجلس النواب هذا القانون بشكل يصبح فيه قابلا للتطبيق، وذلك بناء على مشروع قانون تضعه الحكومة او بناء على اقتراح قانون يضعه النواب، ولاسيما أنه في دول العالم يسجن ويحاكم أي مسؤول يخالف القوانين، لكن الحياة تستمر في بلدنا وكأن كل شيء يسير بشكل صحيح ومضبوط، مع العلم أننا في حاجة ماسة لوضع حد للفساد المستشري ولنهب المال العام، وأملنا كبير مع العهد الجديد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وخصوصا أنه حامل مشروع محاربة الفساد، وطبعا ان معالجة هذه الامور تتطلب الكثير من الاجراءات والملاحقة والمثابرة والشجاعة، لكي ينال كل مخالف العقوبة اللازمة".
وأوضح سليمان أن "هذا القانون يحمل الرقم 154 بعد نشره في الجريدة الرسمية في العدد 63 بتاريخ 31/ 12/1999، وفي تعريفه: اعتبر الاثراء غير المشروع هو الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة والقاضي أو كل شريك لهم في الاثراء، بالرشوة أو صرف النفوذ أو استثمار الوظيفة أو العمل الموكول اليهم (المواد 351 الى 366 من قانون العقوبات)، أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة وإن لم تشكل جرما جزائيا. كذلك هو الاثراء الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة والقاضي وغيرهم، عن طريق الاستملاك او عن طريق نيل رخص التصدير والاستيراد أو المنافع الأخرى أو سوء تنفيذ المقاولات والامتيازات والرخص الممنوحة من أحد أشخاص القانون العام جلبا للمنفعة إذا حصلت خلافا للقانون".
التصريح عن الثروة
وأشار سليمان إلى أن "المادة 4 من القانون تنص على كل قاضي وكل موظف من الفئة الثالثة او ما يعادلها فما فوق وكل ضابط ان يقدم عند مباشرته العمل، وكاحد شروط هذه المباشرة ، تصريحا موقعا منه يبين فيه الاموال المنقولة وغير المنقولة وغيرها من العقارات او السيارات التي يملكها هو وزوجه واولاده القاصرون. أما بالنسبة إلى رئيس الجمهورية فعليه ان يصرح بعد ثلاثة أشهر من انتخابه رئيسا للبلاد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب والوزراء فعليهم تقديم التصريح بعد ثلاثة اشهر من اصدار مرسوم الإنتخاب او التعيين".
أضاف: "كما على الأشخاص المشمولين بأحكام البند واحد من المادة 4، أن يقدموا في خلال مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء خدماتهم ، لأي سبب كان، تصريحا ثانيا يبينون فيه ما أصبحوا يملكونه هم وازواجهم واولادهم القاصرون، وأن يحددوا أوجه وأسباب الاختلاف بين التصريحين الاول والثاني. كما انه على كل قائم بخدمة عامة ان يقدم مثل هذا التصريح في مهلة شهر من تاريخ مباشرته العمل.ولا تشمل هذه الأحكام افراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية باعتبار انه لا مجال للاثراء غير المشروع في اطار عملهم".
سري ومغلق
وتابع: "يقدم التصريح ضمن غلاف سري مغلق وموقع من صاحب التصريح يتضمن كامل ذمته المالية بما فيها الاموال المنقولة وغير المنقولة التي يملكها المصرح او زوجه او اولاده القاصرون. كما انني شخصيا لا اطلع على محتوى المغلف، وهو يبقى سريا وموقعا من صاحب العلاقة. وكرئيس للمجلس الدستوري استلم التصريح ثم يوضع بواسطة موظف مكلف من قبلي بحسب رقم في سجل خاص بالتصاريح ومن ثم يحفظ في خزنة خاصة موجودة في المجلس وعندما يصبح عدد التصاريح كبيرا ولا تستوعبه الخزنة، يتم نقلها الى خزنة ثانية موجودة في مصرف لبنان المركزي"، مشيرا الى ان "للتصاريح طابعا سريا وعلى كل موظف مكلف باستلامها او حفظها ان يحافظ على هذه السرية. وفي حال أفشى هذا الموظف السرية يلاحق ويعاقب بالمخالفة بحسب العقوبة المنصوص عليها في المادة 579 من قانون العقوبات".
وقال: "يطلع المرجع القضائي المختص وحده على التصاريح في حال حصول الملاحقة القانونية بحيث تطبق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية على التحقيق في قضايا الاثراء غير المشروع، وتطبق احكام قانون العقوبات في حالات تحقق الاثراء غير المشروع نتيجة جرم جزائي".
وعن كيفية وأصول الملاحقة أكد سليمان: "بحسب المادة 10 من البند الثاني يحق لكل متضرر أن يقدم شكوى خطية موقعة منه إلى النيابة العامة او مباشرة الى قاضي التحقيق الاول في بيروت. كما على الشاكي أن يقدم كفالة مصرفية مقدارها خمسة وعشرون مليون ليرة لبنانية، ويعاقب كل من يقدم تصريحا كاذبا بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 462 من قانون العقوبات".
أضاف: "وإذا ثبت لدى المحكمة أنه لا يوجد إثراء غير مشروع تنص المادة 15 من القانون على الآتي: "اذا تقرر منع المحاكمة عن المشكو منه او ابطال التعقبات بحقه فللمرجع المختص ان يقرر تغريم الشاكي السيء النية بمبلغ لا يقل عن مئتي مليون ليرة لبنانية وبالسجن من ثلاثة اشهر كحد ادنى الى سنة بقرار نافذ على اصله، كما له ان يقرر الزام الشاكي بناء على طلب المشكو ضده بدفع تعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء تقديم الشكوى".
وختم قائلا: "آمل أن يوضع هذا البلد على طريق بناء دولة حديثة من خلال القضاء على الفساد وعدم ارهاق الشعب بضرائب جديدة ترهق كاهله بالاضافة الى التفكير بمشاريع تنموية تسير عجلة الاقتصاد وتمنع الهدر والفساد لاسيما في المرافق العامة".
بارود
اما الوزير السابق زياد بارود المعروف بشفافيته وجرأته، فقد طالب "بنزع السرية عن التصاريح المقدمة لاسيما بعد انتهاء المهمات الرسمية، لأن القانون نص على ان يقدم صاحب العلاقة تصريحا موقعا منه يبين فيه الاموال المنقولة وغير المنقولة التي يملكها هو وزوجته واولاده القاصرون في لبنان والخارج"، مطالبا "بالمقارنة بعد الكشف على التصاريح وتحديد اوجه واسباب الاختلاف بين التصريحين الأول والثاني، وذلك بشكل فوري بعد تقديم التصريح الثاني من قبل الجهة المسؤولة، وفي حال ثبوت الاثراء غير المشروع هناك أصول للملاحقة والمحاكمة".
وعن مدى فعالية قانون الاثراء في مكافحة الفساد، اكد بارود أن "مبدأ القانون جيد، لكن يجب تعديل الآلية من قبل مجلس النواب. كما ان قانون واحد لا يكفي والمعروف انه اقر قانون جديد هو " حق الوصول الى المعلومات " وهو يعتبر وسيلة ثانية لمكافحة الفساد".
المحاسبة والملاحقة
وعن مكان ايداع التصاريح والجهة المسؤولة عن المحاسبة والملاحقة، أكد بارود أن "رئيس الدولة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، الوزراء والنواب يودعون تصاريحهم لرئيس المجلس الدستوري الذي بدوره مع اعضاء المجلس يودعون تصاريحهم لدى وزير العدل كذلك الحال بالنسبة لرئيس مجلس شورى الدولة، الرئيس الاول لمحكمة التمييز، مفوض الحكومة لدى مجلس شورى الدولة، النائب العام التمييزي، رئيس هيئة التفتيش القضائي، رئيس ديوان المحاسبة، قضاة المحاكم المذهبية والكتاب العدل".
وتابع: "كما يودع لدى رئاسة مجلس الوزراء تصاريح حاكم مصرف لبنان، قضاة المحاكم الشرعية، موظفو الادارات والمؤسسات العامة والمجالس والهيئات والصناديق التابعة لرئاسة مجلس الوزراء. ويودع موظفو مجلس النواب تصاريحهم لدى رئاسة مجلس النواب، القضاة العدليون والموظفون لدى الرئيس الاول لمحكمة التمييز، القضاة الاداريون والموظفون لدى رئيس مجلس شورى الدولة، القضاة الماليون والموظفون لدى رئيس ديوان المحاسبة، الموظفون في المحاكم الشرعية والمذهبية لدى رئيس هذه المحاكم، موظفو الوزارات والادارات العامة الخاضعة لرقابة مجلس الخدمة المدنية لدى المجلس، وسائر الموظفين في كل وزارة من مدنيين وعسكريين الذين لا تخضع ادارتهم لرقابة مجلس الخدمة المدنية لدى ديوان الوزارة التي ينتمون اليها، رئيس واعضاء المجالس البلدية واتحاد البلديات ومستخدموها والمختارون في ديوان وزارة الشؤون البلدية والقروية، نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس واعضاء لجنة الرقابة على المصارف وموظفو مصرف لبنان لدى حاكمية مصرف لبنان، وبالتالي تحفظ المراجع المختصة الذكورة آنفا كل التصاريح المقدمة لدى مصرف لبنان كوديع مركزي".
وأشار بارود الى انه "للمرجع القضائي المختص بكل حالة من الاثراء غير المشروع أن يطلع على التصاريح المحفوظة والموقعة من اصحاب الشأن ، في حال حصول الملاحقة القانونية. والجدير ذكره ان الملاحقة بجرم الاثراء غير المشروع لا تسقط في حالتي الاستقالة او الصرف من الخدمة على التقاعد او انتهاء مدة تولي الخدمة العامة، وفي حال الوفاة يجوز مباشرة الملاحقة او متابعتها مدنيا في وجه الورثة او الموصى لهم في حدود ما آلت اليهم من التركة".
وبين مطرقة التعديل وسندان التطبيق، نأمل أن تطبق أحكام الدستور المنصوص عليها في قانون العقوبات قبل أن تسبقها أحكام مرور الزمن.
================== ج.س