تحقيق محمد الحسن
وطنية - عرفت طرابلس منذ ما قبل الحرب تفاوتا في الحركة الثقافية وفي نسبة النشاطات التي عرفتها مسارحها ودور نشرها، وقد تميزت المدينة باطلاق منتديات وصالونات أدبية وبتخريج فنانين من مختلف المواهب من رسامين وادباء وشعراء الى جانب تخريجها لعدد كبير من الممثلين الذين أسسوا المسارح وعرضوا فيها مسرحيات دفعت ايضا بعدد من المؤلفين الى الواجهة فعرفوا واشتهروا.
كما تميزت مرحلة الحرب بوفرة الاعمال الثقافية والحراك الذي ينضوي تحت راية الثقافة، فاشتهرت حينها الرابطة الثقافية الى جانب عدد من دور السينما التي احتضنت اعمالا ثقافية ومسرحية وفنية. ومع بداية التسعينات انحسرت الاعمال الثقافية والانشطة لتنحصر بمبادرات خاصة لعل ابرزها على الاطلاق "صالون فضيلة فتال الادبي" وبعض المراكز في الميناء.
ثم سمحت بعد ذلك مرحلة الاستقرار في التسعينات بشيء من العافية على مستوى الحراك الثقافي، الا ان المعنيين اعتبروا دائما ان الامر يحتاج الى مزيد من العمل والى انتاج يضفي على المدينة نوعا من واقع افتقدته، وعزا المعنيون سبب تراجع الحركة الثقافية والفنية الى مركزية الحركة في العاصمة والى حجب الاعلام الضوء عن طرابلس وناشطيها.
ومنذ سنوات، تشهد طرابلس حركة لافتة وتتكرر المناسبات الهامة التي تتوزع بين القاعات الكبرى والمراكز الثقافية المتعددة، وتنتج طرابلس كتبا وتقيم المعارض، ولو غابت الاعمال المسرحية التي يرغب فعلا القيمون على المدينة استعادتها، في حين ينادي فنانون مخضرمون باستعادة الريادة والقدرة على تخريج وجوه جديدة تتحول الى نجوم في عالم الفن اللبناني فالعربي.
منجد
والسؤال المطروح، أين هي الحركة الثقافية في طرابلس اليوم؟ عن هذا السؤال، يوضح رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي الزميل صفوح منجد ان "تراجع الثقافة في طرابلس والشمال وفي بعض المناطق اللبنانية كان بسبب الاوضاع الامنية، الا انه ورغم ذلك بقي حراك هنا وهناك، اضافة الى النشاطات التي شكلت جوا ثقافيا مؤثرا".
وأكد أن "طرابلس تمسكت بهويتها الثقافية في الحرب والسلم، وقاومت ثقافيا أيام الفوضى والامن الناري، ومع الهدوء وبعض التطور الاقتصادي استعادت نسبيا حركتها، وها نحن اليوم نشهد حراكا لا بأس به، باستثناء النشاطات الثقافية التي تنظمها مراكز الصفدي والعزم والرابطة الثقافية وغرفة طرابلس ولبنان الشمالي ومركز رشيد كرامي الثقافي (نوفل) بالاضافة الى ما تقدمه بعض المقار الجامعية والمؤسسات التربوية".
ورأى أن "الحركة الثقافية الحالية ليست التي نطمح اليها كمجلس ثقافي او كفئة تسعى الى ثقافة حقيقية، لأننا بحاجة الى تأمين الدعم المالي والمعنوي والثقافي"، معتبرا ان العامل الجغرافي وبعد طرابلس كان أحد الاسباب في التراجع، متمنيا على "وزارة الثقافة انشاء دوائر لها في المدينة وفي مناطق الشمال وفي كل المحافظات، مما يساعدنا على ايجاد دينامية معينة تخدم الثقافة والمثقفين".
جبور
من جهته، رأى الدكتور جان جبور أن لطرابلس وضعا خاصا، فالاشكالات الامنية التي شهدتها المدينة أدت الى تراجع الحركة الثقافية فيها، اما الان فهناك الى حد ما نهضة ثقافية تختلف عما كان قائما في السابق، ففي الماضي كانت مستقلة، لكننا اليوم نشهد تجربة فريدة، ففي سائر المدن اللبنانية هناك متمولون يعملون في السياسة قرروا ان يعملوا في الشأن الثقافي وهذا امر مهم، وأتكلم تحديدا عن مؤسسة الصفدي وعن مركز العزم الثقافي، فهناك امكانيات ترصد للثقافة، وانا كمثقف يهمني ان تنتعش الحياة الثقافية، كاستقدام فرق اجنبية وكتاب اجانب لم يكن بوسع الرابطة الثقافية او المجلس الثقافي مثلا ان يقوما بذلك"، مشيرا الى أن البعض يتخوف من أن يحتكر السياسيون الثقافة، فهذه وجهة نظر، الا أنه علينا أن نستفيد من الناحية الايجابية للأمر، فالتجربة في طرابلس وفي السنة الماضية تحديدا هي تجربة ناجحة وتبشر بآفاق جديدة".
وأشار الى وجود العديد من حملة الشهادات الجامعية، الا أن نسبة المثقفين من الشباب قليلة نسبيا اذا ما قسناها بعدد المتعلمين، داعيا الاساتذة الجامعيين تحديدا الى تشجيع الطلاب والجيل الجديد على للاهتمام بالثقافة بعد ان غزتها التكنولوجيا".
الجمل
ومن جهتها، رأت ناريمان الجمل التي أسست منذ عام ونيف صالونا أدبيا، أن "النقص في الثقافة والحركة الثقافية حاصل فعلا في طرابلس، وقالت: "أنا اسست الصالون الادبي رغم ان الظروف الامنية كانت صعبة في المدينة، ورغم ذلك تجرأت، لان العبرة ان طرابلس ليست مدينة مشاكل، بل هي مدينة المثقفين وفيها نخبة من المفكرين لهم مكانتهم في واقع وحياة المدينة".
واعتبرت انه "رغم الحراك والمعارض والحفلات واللقاءات هناك أزمة مثقفين، قلة قليلة مثقفة هناك اكاديمييون وهناك شعراء وادباء لكن الثقافة كقيمة غائبة، مؤكدة انه عندما نتوجه الى بعضنا البعض باخلاق وثقافة يمكننا ان نحدث تغييرا، اضف الى ذلك ان المجتمع اليوم لا يقرأ".
=============== و.خ