تحقيق منى سكرية
وطنية - تنشط سيلفانا اللقيس في عقد الندوات، ولا تمل من حث المسؤولين الرسميين، وقوى المجتمع المدني، ومن تذكيرهم بإنسانية ذوي الإحتياجات الخاصة، وعدالة مطالبهم التي تسهم في الإعتراف بدورهم الوجودي، وتحترم شعورهم الإنساني كأي فرد في المجتمع.
ولا تتخلى فاطمة مدلج عن إرسال الإشارات التعبيرية - الناطقة إلى ذوي الإحتياجات الخاصة، لتساعدهم على فهم الاستماع إلى مطالب ووعود وتمنيات وكلمات مؤثرة تشكل محور الندوات المذكورة.
كما لا يتوقف مسؤولون تعاقبوا على إدارات الدولة اللبنانية عن إطلاق الوعود، والاعتراف بتراكم غياب الانجازات تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، وإن كان بعضها قد شهد النور، ومنها البطاقة الممنوحة لهم، وتوقيع لبنان على إتفاقية الأمم المتحدة بشأن المعوقين.
كذلك يشارك المشرفون على "هيئة الإعاقة الفلسطينية - لبنان"، مع زملائهم في المعاناة، بالمطالب والتمنيات، من منطلق الزمالة في المعاناة الانسانية واليومية، إذ تضم الهيئة 15 جمعية تعنى بحوالي 6200 معوق فلسطيني من كل الفئات العمرية ومن الجنسين، في ظل غياب أكثر من 50% من الخدمات المطلوب توفيرها لهم.
نشير إلى ما سبق، كي نثير مع "اتحاد المقعدين اللبنانيين" ورئيسته سيلفانا اللقيس، عددا من القضايا التي لطالما ثابرا على متابعتها، وإن شبه فرادى، في مجتمع بات يفتقد مقومات التضامن. (أنشئ الاتحاد في العام 1981 من قبل الأشخاص المعوقين للنهوض بهذه الفئة نحو الوصول الى حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها في المواثيق الدولية).
وآخر الأنشطة التي نظمها الاتحاد، ندوة إنعقدت في كراون بلازا، وكانت بعنوان "نحو سياحة دامجة"، عرضت خلالها خطة استراتيجية ضمن مشروع "السياحة للجميع في لبنان"، تحدث فيها وزيرا السياحة أفاديس كيدانيان، والتنمية الإدارية عناية عز الدين، وممثلون عن مصرف لبنان، واتحاد النقابات السياحية، واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، والاتحاد الاوروبي، والشبكة الاوروبية للسياحة الدامجة.
ماذا يعني سياحة دامجة؟ قبل البدء بتعريف المصطلح، نشير إلى الإعلان الترويجي الذي واكب إفتتاح المؤتمر الوطني الذي عقده اتحاد المقعدين اللبنانيين وضمن برنامج "أفكار 3" الممول من الاتحاد الاوروبي، ويديره مكتب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية، وفيه أن عددا من الأشخاص يحيطون بطاولة عليها أنواع من الأطعمة، يتسامرون خلالها على رمال شاطئ البحر. ينتهي تناول الطعام، وكل يبدأ بمسيره، إلى أن تضيء الكاميرا على أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة ليس بمقدورهم التنقل بكراسيهم المتحركة لصعوبة ذلك على الرمال. فتسأل الفتاة من ذوي إعاقة البكم عن حقها في الجلوس على شاطئ البحر، ولكن أين؟
تساؤل هذه الفتاة، شرحته فاطمة مدلج (في أواخر العشرينيات من العمر) برشاقة عبر اليدين، وبحنان ظاهر من العينين، إلى بعض إنحناءات الكتف لتثبيت التواصل، إذ أن فاطمة تمارس مهنة تدريس الإشارات في "مؤسسة الهادي" للاعاقة السمعية والبصرية والاضطرابات اللغوية التابعة لمبرات الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وقد أتت كمشاركة في المؤتمر، وشارحة معنى الكلام المتداول، لتلامذة أتوا معها من المؤسسة، فأخبرت في حديثها ل"الوكالة الوطنية للاعلام" أن هؤلاء الفتيات ممن لا يستطعن الكلام إنما يتلقين التعليم في الهندسة الداخلية في المؤسسة، وأن بعضهن تخرج ويمارس هذه المهنة، والبعض الآخر تزوج ورزق بأولاد، وأن أكثر ما نحتاجه في مجتمعنا "هو تأكيد وممارسة الاحترام لذوي الاحتياجات الخاصة، ولقدراتهم على التعلم والعطاء".
إذا، ليس الحق بالتعلم والعمل ونيل الاحترام حكر على أسوياء المظهر، وهو ما أكدته سيلفانا في كلمتها، التي لطالما أحرجت المستمعين بأن المعوق ليس كيس بطاطا يتم حمله إلى صناديق الاقتراع وغيرها من الأماكن السياحية.
إن "السياحة الدامجة"، كما ورد في تقرير الاتحاد إنما "تعني خلق بيئة مؤهلة تلبي احتياجات كل الاشخاص على السواء، أيا كانت قدراتهم، كانوا معوقين أم لا، أو لديهم إعاقة مؤقتة (حركية، سمعية، بصرية أو فكرية)، وكذلك الأسر التي تتنقل برفقة أطفالها أو الأشخاص المسنين". واستند التقرير في مفهومه الذي يطرحه إلى أن " قطاع السياحة في لبنان يحتل مكانة رائدة، إلا أن وسائل الدمج وآلياته لا تزال غير متوافرة، ونتيجة لذلك لا يستطيع الأشخاص المعوقون، أو الكبار في السن، الاستفادة من هذا القطاع، والسبب في ذلك، ضعف الحكومة والسلطات المعنية بنسبة كبيرة في تطبيق القانون رقم 2000/220 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، وفي ضعف القدرات لدى أصحاب المصالح في القطاع السياحي لإدراج معايير الإعاقة، بسبب غياب الموارد والأدوات والمهارات وسيطرة المواقف النمطية لجهة قضية الإعاقة، مما حدا بهؤلاء الى التأكيد على الحاجة الى تمكين الاشخاص المعوقين والمنظمات المعنية بشؤونهم حول أهمية السياحة في تعزيز التنمية الاجتماعية - الاقتصادية".
اذا، نحو سياحة دامجة، إنما هو مشروع للجميع في لبنان، وهو مشروع طموح يطالب بتعديل بعض المفاهيم كي تنعكس على قطاع العمل وحياة هؤلاء، بدءا من شبكات داعمة على المستوى المحلي والوطني، وكذلك في خلق شراكات بين القطاعين الخاص والعام، والمجتمع الاهلي والمدني، ونتيجة لما ورد، جاء هذا المشروع ليكون الأول من نوعه في لبنان.
ويتطلع المشرفون على المشروع في سياق تحقيق تعريف ثقافة الدمج في القطاع السياحي، إلى قيام حملة إعلامية لكسر الثقافة النمطية السائدة في التعاطي مع الأشخاص المعوقين وحقوقهم، وخصوصا أنهم يشكلون 15% وفقا لأرقام البنك الدولي.
أما في مجال تسهيل سياحة هؤلاء، فإن النموذج الرائد بالنسبة لهم، هو نموذج سياحي مكيف لاستقبال جميع الأشخاص على اختلاف احتياجاتهم، وتوفير مساحات وأماكن خالية من أي عوائق، ويفتح الآفاق لتوظيف الأشخاص المعوقين، ويبني إطار عمل تنسيقي مع الهيئات الفاعلة في تنمية السياحة.
تنتهي بنود المشروع المذكور أعلاه بكلمات فيها من العبرة والعبر ما يهز الضمائر: ما بمشي، ما بشوف، ما بسمع، ما بشبهك، هيدي مش إعاقتي.. الحواجز إعاقتي..
============== و.خ ع.ل=============