تحقيق نعمه سلوم
وطنية - أبى التلوث إلا أن يحط رحاله في كل بقعة من لبنان، محولا الأماكن، التي كانت موئلا للزوار ومتعة للأنظار، إلى بؤر للأوساخ ومرتع للحشرات.
وقد اختار التلوث، هذه المرة، مكانا جميلا، واقعا على الواجهة البحرية لطرابلس، هو كورنيش الميناء، فأمعن في تشويه صورته، وجعل منه مرمى للنفايات ومصبا للمجارير، بعدما كان يستقطب الزوار، من مختلف المناطق، وكل من يريد التنزه والتمتع بمنظر غروب الشمس وسماع هدير الأمواج.
وفي الآونة الأخيرة، وبسبب التزايد السكاني، تفاقمت مشكلة التلوث على شاطىء الميناء، فصار مكسوا بالنفايات المنزلية الصلبة، والدواليب، والمجارير التي تصب في البحر مباشرة على طول الكورنيش، حاملة معها الفضلات البشرية والمواد الكيماوية المتأتية من المنازل والمصانع، ملحقة أضرارا فادحة بالبيئة البحرية والثروة السمكية.
محطة التكرير
في العام 2003، رسا مشروع انشاء محطة لتكرير المياه الصرف الصحي على شركة فرنسية وتم افتتاح المحطة في العام 2009.
وفي عام 2010، تم البدء بتنفيذ مشروع تمديد شبكة صرف صحي جديدة في مدينة طرابلس بإشراف مجلس الإنماء والإعمار. ورغم ما يتسبب به المشروع من زحمة سير خانقة في مدينة طرابلس، وعرقلة لحركة المواطنين، وإضرار بمصالح أصحاب المحال التجارية نتيجة بطء التنفيذ ، فإنه لن يحل مشكلة تلوث البحر بمياه الصرف الصحي، عند الانتهاء من تفيذه، إذ لن يتم وصل مجارير منطقة ما بعد "سبينس"، بالشبكة الرئيسية التي ستوصل بمحطة التكرير، وستبقى مجارير هذه المنطقة تفرغ المياه المبتذلة في البحر دون تكرير.
وما يثير سخط أبناء المدينة، هو طول المدة الزمنية التي يستغرقها تنفيذ هذا المشروع والذي امتد من العام 2003 تاريخ رسو مشروع انشاء المحطة على الشركة المتعهدة، فيما لا يزال العمل مستمرا بشبكة الصرف الصحي حتى اليوم. وقد لا ينتهي العمل بها في العام 2020، فهل يعقل ان يستغرق تنفيد هكذا مشروع 17 سنة؟.
حلواني
رئيس قسم الصحة والبيئة في كلية الصحة العامة - الجامعة اللبنانية الدكتور جلال حلواني، أشار إلى أن "شبكة المجارير بحاجة إلى أربع سنوات إضافية من العمل للإنتهاء من تمديدها، وقال: "ان محطة التكرير التي تعالج مياه الصرف الصحي تعمل اليوم بأقل من 20 % من الطاقة التشغيلية الخاصة بها، ويقتصر عملها على المعالجة الأولية. أما المعالجة الثنائية فلم تعمل بعد، والسبب هو أنها تحتاج الى كمية كبيرة من المياه".
ولفت إلى أن "عقد صيانة المحطة قد انتهى منذ مدة، وكلفة صيانتها باهظة جدا، وهي ستقع على عاتق مصلحة مياه طرابلس، العاجزة فنيا وإداريا وماليا عن الصيانة، منبها إلى أنه وفي حال لم تتم صيانة المحطة، سيكون من الضروري تحويل أنابيب الصرف الصحي لكل من القلمون وزغرتا وجزء من الكورة، إلى البحر مباشرة".
وذكر أن "شبكة الصرف الصحي وشبكة مياه الأمطار في مدينة طرابلس كانتا مرتبطتين، وبدأ العمل على فصل الشبكتين عن بعضهما منذ حوالي الست سنوات ، بحيث يكون هناك شبكة للامطار تصرف المياه مباشرة في البحر او في نهر "ابو علي"، وشبكة خاصة بالمجارير تصرف مباشرة في محطة التكرير حيث تتم المعالجة".
أضاف: "المرحلة الاولى من المشروع انتهت وهي تشمل الطرقات الرئيسية: المعرض - عزمي - الميئتين - رياض الصلح، في هذه الطرقات تذهب المياة المبتذلة الى محطة التكرير مباشرة، وتم في هذه المناطق فصل مياه الأمطار كليا عن هذه الشبكة. والآن يجري العمل بالشبكة الممتدة من البحصاص حتى ساحة عبد الحميد كرامي، كما يجري العمل على الشق الذي يتعلق بالشبكة الممتدة من البحصاص الى الكوالتي ان، وعندما تكتمل الشبكات الرئيسية سيصل الى محطة التكرير عمليا حوالي 40% من كمية المياه، وبالتالي ستعمل المحطة بشكل اكثر فعالية".
وتابع: "كل الشبكات الرئيسية للصرف الصحي سنكملها، وهناك ايضا شبكة منطقة القبة والتي سنبدأ بها بعد سنة. سنصل الى منتصف سنة 2017 وقد اكملنا الشق الاساسي من شبكات الصرف الصحي".
وأشار إلى أن "الشبكات الحالية التي تصب في البحر والخزان الخطي الذي يصب بجانب الجامعة العربية، والخط الذي يصب بجانب الملعب الاولمبي، والخط الذي يصب بالقرب من مرفأ الصيادين، سيتم شبكهم مع بعضهم البعض بمجرور رئيسي. لكن، ستبقى مسألة لم تحل بعد وهي ان خطوط مجارير المنطقة التي ما بعد السبينيس لم تربط بالمجرور الرئيسي الذي يجمع خطوط المجارير ويمر من مستديرة السبنيس الى الكوالتي إن، ولا بد من ايجاد شبكة اخرى لربط مجارير هذه المنطقة بالمجرور الرئيسي. عندها، سيتم تحويل مياه الصرف الصحي الى محطة لتكريرها عوضا عن توجيهها الى البحر، وعلى هذا المنوال يمكن ان نصل في نهاية سنة 2018 الى معالجة ما يقارب 80% من مياه الصرف الصحي".
وقال: "من الآن ولغاية نهاية سنة 2017 علينا ان نتحمل التلوث الحالي الذي ضرب الشاطئ، واما بما يخص سنة 2018، فسيتم استكمال المرحلة الثانية وستنعم طرابلس بعد هذا كله بشبكة حديثة ستخدم المدينة لأكثر من 50 سنة، وهذا من شأنه ان يفصل مياه الامطار عن مياه الصرف الصحي. لا حرج في ان تصرف مياه الامطار في النهر او على البحر مباشرة وهذا لا يضر البيئة، ولكن في المقابل علينا ان نعالج مشكلة الصرف الصحي لحماية المدينة من التلوث وحماية حوض المياه الصالحة للشرب في طرابلس، وحماية الشواطئ من تصريف المياه المبتذلة إليها والتي ينتج عنها أمراض وينبعث منها روائح، لذلك علينا ان نصبر وسنصل الى مرحلة سننتهي بعدها من مسلسل التلوث الكبير".
أضاف: "ان معالجة مياه الصرف الصحي تنقسم الى شقين، الاول هو المحطة اي تصميم المحطة وبنائها، والشق الثاني هي شبكات التجميع والتي نعمل عليها حاليا. من السهل جدا ان تأتي بقرض لبناء محطة لان الكلفة هنا تكون معروفة والارض موجودة، وتم ردم ما يقارب 30% من المساحة في البحر على مصب نهر ابو علي لاستكمال المحطة وتأمن القرض مباشرة".
وتابع: "لكن الشبكات معقدة اكثر وتمويلها مكلف جدا، وعلينا ان ندرس كل منطقة لوحدها، ونوع الشبكات التي تصلح لها، لهذا السبب ينقسم التمويل الى قسمين: الاول للشبكة والثاني للمحطة، ولكن التمويل الخاص بالمحطة تم تأمينه بسرعة وتم العمل عليها مباشرة من اجل الاستفادة من كل القيمة الموجودة. لهذا السبب تم تجهيز المحطة قبل الشبكات، وكما قلت سابقا فمنطقة القبة سيأتي دورها، ومنطقة ابي سمراء يتم العمل عليها حاليا، لذلك لا يمكن لنا ان نعمل على طرابلس دفعة واحدة، فهناك تدرج بالعمل لبناء الشبكات، وبالتالي عليك ان توصل الشبكات تدريجيا على مراحل، وسيبقى لدينا بعض التلوث حول الحوض المائي والشاطئ لفترة زمنية محددة. ولكن، بعد فترة من الزمن، سيتم حل كل المشاكل لفترة زمينة تتخطى الخمسين سنة".
وأوضح أن "الشبكات التي يتم مدها هي عبارة عن قساطل من اجود الانواع وتخدم مئة عام، وبالتالي علينا ان نصبر قليلا. وطبعا المواطن الطرابلسي يعاني من زحمة السير نتيجة الحفريات، ولكن هذا الامر لا بد منه، وعلينا ان نفصل شبكات مياه الامطار عن شبكات الصرف الصحي والتي كانت تعاني من ازمة حقيقية، ففي بعض المناطق كانت القساطل في حالة يرثى لها، وبالتالي امامنا نحو خمس سنوات كحد اقصى، يمكن بعدها اعتبار ان طرابلس تملك افضل بنى تحتية وينتهي تلوث الشاطئ. وهكذا تتم حماية حوض مياه طرابلس الصالحة للاستخدام من التلوث".
وتمنى على الحكومة وخاصة على مجلس الانماء والاعمار، "تسريع العمل، فمثلا يمكن ان يتم الطلب من المتعهد بدل ان يعمل بدورة واحدة ان يكثف العمل من الساعة السادسة صباحا ولغاية الساعة الثامنة مساء في بعض المناطق من اجل الاسراع في العمل وتقليص المدة الزمنية للمشروع، فالامكانات المادية موجودة، والقروض المهيئة لأعمال رفع مستوى خدمات البنى التحتية في مدينة طرابلس موجودة".
وختم: "ستنعم مدينة طرابلس ببنى تحتية جيدة وشبكة امطار متصلة وشبكة صرف صحي جديدة، وستتم حماية المخزون المائي الجوفي بطريقة جيدة، وبالتالي سيتم ايقاف تلوث الشاطئ".
زوار الكورنيش
وقد تاثرت حركة زوار الكورنيش سلبا بالتلوث، فقل عدد مرتادي ذلك المكان، من هواة رياضة المشي والصيد والسباحة، إذ بات هؤلاء يتقززون من منظر النفايات، وينفرون من الروائح الكريهة المنبعثة من مياه المجارير، ومن الحشرات التي تجد بيئة ملائمة لها هناك، خاصة في فصلي الربيع والصيف.
وعلى الشاطىء، وفي "المسبح الشعبي" الذي طالما كان يكتظ بالعائلات، تصب المجارير سيولها على شكل جداول، فتراجعت نسبة رواد المسبح بشكل كبير، باستثناء بعض الأولاد، ومن أراد تعريض صحته للخطر.
صيادو الأسماك
أما الصيادون، فباتوا مهددين بمورد رزقهم الوحيد؛ فحوض الصيادين، الذي يضم المئات من زوارق الصيد، وهو حوض شبه مغلق ومياهه لا تتجدد، قد صار أشبه بمستنقع، جراء المجارير التي تصب فيه سيولها المشبعة بالفضلات والمواد الكيماوية، ما يتسبب باهتراء زوارقهم المصنوعة أصلا من الأخشاب، فضلا عن نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، نتيجة للتلوث.
ويبقى السؤال: هل هكذا مشروع هو حقا بحاجة إلى كل هذه المدة لينجز؟ ولماذا لن يتم ربط كل المجارير بالشبكة الرئيسية؟ أسئلة لم يجد المواطن أجوبة شافية عنها بعد.
ولأن الأزمات في لبنان متشابكة، والمشاكل متداخلة، فلن تحل مشكلة تلوث شاطىء الميناء قبل إيجاد حل لمشكلة تأمين صيانة لمحطة التكرير. وحتى ذلك الحين، ليس أمام المواطن اللبناني سوى التعايش مع واقع أليم، وانتظار إتمام وعود خلبية يتنافس ذوو الشأن على إطلاقها، عل حلمه ببيئة نظيفة، وبنية تحتية متكاملة متطورة، ووطن يوازي طموحاته، ويضمن مستقبل أبنائه، يتجسد ويصبح حقيقة، في يوم من الأيام.
================= و.خ