تحقيق فاديا دعبول وبرنارد الزغبي
وطنية - إن كان لبنان أزليا بأرزه فالكورة مترسخة تاريخيا بجذور زيتونها التي اعطتها سمة الكورة الخضراء. وحين كان الكوراني يغرس شجرة الزيتون ويرعاها كان يربي أولاده ويعلمهم من خيراتها وبركاتها.
هذه الشجرة دائمة التجدد، حين تهرم تنمو فروع جديدة عند جذعها. ومنطقة الكورة الوسطى تشتهر بال "عتيقات" اي اشجار زيتون قديمة وهرمة يزيد عمرها على الفي سنة.
من اشهر أنواع شجر زيتون الكورة: الصوري، العيروني والبري، وهو يشكل 22% من الزيتون في محافظة الشمال. اي انها مصدر رزق لعدد كبير من العائلات، ورغم اهميتها فهي معرضة للزوال بسبب الامراض وأذى الإنسان وأهماله، وارتفاع كلفة إنتاجه.
فإن كان عدد شجر الزيتون يقارب المليون فإن مئتي الف شجرة منها مهددة بأمراض عين الطاووس وذبابة البحر المتوسط ومرض السل التالول، الى جانب ارتفاع كلفة أسعار الأدوية لمعالجتها وغياب الإرشاد الزراعي، والأضرار التي تلحقها بها شركات الترابة المجاورة لها فتسد مسام أوراق شجرها. ولا ننسى التمدد العمراني الذي يصيب معظم قرى وبلدات الكورة الساحلية والوسطى والذي يهددها بالتصحر وبفقدانها لأبرز معالمها البيئية والجمالية والغذائية.
مع بداية شهر تشرين الأول يبدأ موسم قطاف الزيتون فيجمع حب الزيتون عن الارض وتقطف الثمار من الشجر ليرسل قسم منها للمعصرة والآخر يحضر حبا للمونة.
وان كان سابقا لا تخلو قرية في الكورة من معصرة للزيتون، فان الواقع الحالي أصبح مختلفا، حيث اقفل قسم كبير منها وتحول بعضها للسكن او لمحلات تجارية.
الا ان كمية الزيت المنتج مهما تضاءلت فإنها ما زالت تكفي الاستهلاك المحلي مع الامكانية للتصدير، خصوصا ان معظم التجار والمزارعين ما زالوا يملكون كميات كبيرة منه مكدسا في مستودعاتهم.
ويمكن لنفايات الزيت المستخرجة بعد انتهاء عصر الزيتون ان تحول للجفت الذي يستعمل كمادة تسهل عملية اشتعال النار للتدفئة. كما ان الزيت غير الصالح للأكل يطبخ ويحول الى الصابون البلدي بعد اضافة بعض المواد الكيمائية عليه.
النجار
ومع عودة صرخة مزارعي الزيتون في لبنان عموما والكورة خصوصا الى الواجهة نتيجة كساد موسم الزيت منذ العام الماضي، والخسارة الكبيرة التي يتكبدونها جراء عدم دفعهم مصاريف عمال القطاف وتسديد ديونهم المستحقة، رغم قرار وزارة الزراعة بمنع استيراد الزيت الا بموجب اجازة مسبقة، وفي خضم معاناة المزارعين من صعوبة تصريف انتاجهم من الزيت، رأى الياس النجار من دارشمزين ان "هناك اسبابا مخفية لتدني سعر تنكة الزيت في الكورة، اما لبيع الاراضي لصالح شركات الترابة او البناء او لتهجير الناس من ارضها"، مستغربا "كيف تباع تنكة الزيت في بعض المناطق بمئة دولار اميركي، في حين انها لا تباع في الكورة باكثر من 60 دولار. رغم ان كلفة التنكة الواحدة تزيد عن 30 دولار".
وقارن بين سعر تنكة الزيت في العام 1983، "حين كانت تباع بمئة دولار، في حين ان اجرة العامل لم تكن تزيد عن ثمانية الاف ليرة لبنانية في اليوم الواحد، الا ان الاخيرة ارتفعت اليوم لتصل الى 25 الف ليرة لبنانية اما سعر التنكة تدنى". واكد ان "جميع انتاجي العام الفائت من الزيت وهو 120 تنكة لم ابع منه شيئا".
الايوبي
وطالب رئيس بلدية النخلة جمال الايوبي الدولة ب"منع استيراد زيت الزيتون وشراء الزيت المخزن لدى المزارعين منذ سنتين بسعر تشجيعي تعويضا للضرر اللاحق بهم. لا سيما ان الزيت المكدس بات عبئا على المزارع الذي يعتمد عليه في معيشته".
الخوري
من جهة اخرى، اعلن الدكتور حنا الخوري وهو من كبار الملاكين في بدبا، ان "لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يعاني فيه المزارعون من تصريف زيتهم بسبب اهمال الدولة للقطاع"، مشددا على "ضرورة منع استيراد الزيت كما تفعل الاردن والضفة وغزة وسوريا وغيرهم".
النحيلة
واعتبر المزارع وجدي النحيلة من اميون ان "الكارثة التي يتعرض لها المزارعون لم تحصل بأي قطاع ولا بأي دولة في العالم الا لبنان". وسأل: "ايعقل ان يذهب تعب المزارع ووقته هدرا طوال العام دون مقابل؟ هل يريدوننا ان نهجر ارضنا ونبحث عن رزقنا بامكنة اخرى؟ اين الخطط التي تجعل المزارع يتمسك بأرضه ومواسمه ولا يبحث عن بديل؟".
تامر
وطالب ميشال تامر من كفرحزير الدولة ب"حماية زيت الزيتون، وكف يد الفاسدين ممن يعملون لمصلحة مستوردي ومزوري الزيت وتطهير دوائر الدولة منهم".
ابراهيم
كما طالب رئيس تعاونية بنهران الزراعية امين ابراهيم ب"دعم نقدي من الدولة للمزارع عن كل ليتر زيت منتج، وبدعم مؤسسة ايدال للمزارعين اسوة بالتجار". وركز على "ضرورة القضاء على عمليات الغش في الزيت ومنع الاستيراد".
قصاص
واعلن انطوان قصاص من بزيزا ان "الزيت المكرر هو احد المشاكل الرئيسية التي يعاني منها المزارعون، لان الزيت اللبناني هو زيت بكر"، متسائلا: "بأي حق يلجأ التجار الى بيع الزيت المكرر كأنه زيت زيتون؟". واستغرب ان "يقام في الكورة معملا لاستخراج الزيت من الجفت وتكريره".
وهبة
وشدد المزارع يعقوب وهبة من كفرحزير على ان "الكورة منطقة زراعية بامتياز ولا يجوز اغراقها بالزيت المزور والمستورد"، مؤكدا "ضروة حماية الانتاج الوطني ومنع استيراد الزيت وشراء الحكومة لمحصول المزارعين".
جبور
وطالب سيزار رفيق جبور من كفرعقا ب"تفعيل عمل مصرف التسليف الزراعي الذي جمد". ورأى ان "اسوأ ما تتعرض له زراعة الزيتون في الكورة المطر الاسيدي المنهمر من شركات شكا التي هددت المواطنين في صحتهم وزيتونهم"، مطالبا ب"اقامة سدود وابار كي لا تذهب مياه الامطار هدرا الى البحر".
العيناتي
ورأى رئيس "لجنة الزيتون في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان" جورج قسطنطين العيناتي ان "المجموعات التي تقوم باستيراد وتزوير زيت الزيتون افتضح امرها واصبح لزاما تطهير لبنان منها"، مطالبا ب"منع مزوري زيت الزيتون من التدخل في شؤون القطاع". وامل "ان يصل ملف مكافحة مرض عين الطاووس الى خاتمة سعيدة بعد الجهود التي بذلت، وبعد تحويله من قبل الحكومة السابقة الى الهيئة العليا للاغاثة".
كما طالب الحكومة ب"تأمين الاعتمادات اللازمة لتلزيم عملية رش سهل الكورة مرتين سنويا للقضاء نهائيا على المرض". واستنكر "الجريمة البيئية التي تتعرض لها شجرة الزيتون في الكورة على ايدي مصانع اسمنت شكا التي اقتلعت مئات الاف الاشجار التاريخية ووصلت لقرب البيوت السكنية محولة الكورة الخضراء الى صحراء والى مكان غير صالح للحياة، مسببة اكبر نسبة وفيات بالسرطان في الشرق بعد ان كانت شجرة الزيتون خزان الاوكسيجين الاحتياطي في لبنان". وطالب ب"تسديد ثمن الزيت الذي سلمه المزارعون للدولة منذ 2013، واتخاذ قرار حكومي يتجدد تلقائيا بشكل سنوي لشراء زيت الزيتون اللبناني اسوة بالقمح".
البايع
وأوضح رئيس التعاونية الزراعية للانماء والخدمات في الكورة جورج البايع قائلا إن موسم الزيتون لهذه السنة لم يكن وافرا، إضافة إلى إرتفاع كلفة اليد العاملة الأجنبية، وعدم الخبرة لدى المزارع في إستعمال الفراطات الميكانيكية الحديثة التي تسهل وتسرع عملية القطاف. كما أن وزارة الزراعة لم تسلم التعاونية الأدوية الزراعية الخاصة بمكافحة مرض عين الطاووس المنتشرة بكثرة في هذه الشجرة".
وقال: "إن الدولة لم تتبن هذه السنة شراء المحاصيل لصالح قطاعاتها العسكرية كما حصل في السنوات السابقة، مما أدى إلى تكديس الإنتاج من زيت وزيتون لدى المزارعين.
مختار بلدة داربعشتار ادمان ابي غصن، اشار الى ان مساحة الزيتون المزروع في البلدة يبلغ حوالي 1000 دونم، ورغم ان بعض الملاكين يرشون الادوية لمعالجتها، غير ان غياب التوعية من قبل الدولة يؤدي ببعض مالكي الاراضي إلى إهمالهم وعدم الاهتمام بأراضيهم مما يؤثر سلبا على اشجارهم واشجار الاراضي المجاورة. كما أن موقع البلدة على ضفاف نهر العصفور يسبب بتكاثر أمراض عين الطاووس وذبابة البحر المتوسط".
ابي غصن
واشار مختار بلدة داربعشتار ادمان ابي غصن، الى ان "مساحة الزيتون المزروع في البلدة يبلغ حوالي 1000 دنم، ورغم ان بعض الملاكين يرشون الادوية لمعالجتها، غير ان غياب التوعية من قبل الدولة يؤدي ببعض مالكي الاراضي إلى إهمالهم وعدم الاهتمام باراضيهم مما يؤثر سلبا على اشجارهم واشجار الاراضي المجاورة. كما أن موقع البلدة على ضفاف نهر العصفور يسبب بتكاثر أمراض عين الطاووس وذبابة البحر المتوسط.
وقال: "ان الموسم هذه السنة كان متوسطا، مؤكدا ان البلدة ما زالت تحافظ على مكابسها للزيتون الموجود فيها عامة، وعلى أشجارها التي هي من خيرات البلدة ولم تقطع اي واحدة منها". غير انه أبدى اسفه "لأن الزيت ما زال مكدسا في الخوابي منذ السنة الماضية ولم يصرف، والسبب مزاحمة الزيوت المستوردة وبيعها بأسعار ارخص من الانتاج المحلي".
الزغبي
اما المالك جورج الزغبي فأشار الى ان "ارتفاع كلفة العناية بالشجرة الى جانب غلاء اليد العاملة، يدفعه للاعتماد على مساعدة افراد عائلته لقطف الموسم، اضافة الى إرتفاع تكاليف التقليم والتسميد والحراثة والادوية لمكافحة الامراض المنتشرة يدفعه وغيره من المالكين الى اهمال هذه الشجرة التي شقى وتعب اهله لغرسها والاهتمام بها، الى بيع الارض. وناشد الدولة والجمعيات المعنية المساعدة".
==================