تحقيق فاديا دعبول
وطنية - تجتمع غالبية العائلات الكورانية، مع بداية شهر تشرين الاول، في اجواء تراثية، حول استخراج دبس الرمان للمونة البيتية. ونسبة قليلة جدا هي من تصنعه للتجارة به، اذ ان ما يفيض عن حاجة البيت يقدم هدايا من ضمن "الهدايا البلدية" التي يعتز الكوراني باهدائها لاصدقائه من خارج القضاء.
لذا تأخذ "خورية" كفرحزير فرصة من عملها، لتستخرج بيديها مع زوجها واولادها وبعض الجيران دبس الرمان. وقد تحول الامر لدى العائلةالى تقليد سنوي يجمع العائلة، حتى المغتربين منهم، ليحملوا معهم بعضا من قناني الدبس التي تخفف بطعمها" البلدي" شيئا من حرمان الغربة.
اما نجيب غانم فهو ينهمك مع بداية الشهر في التحضير للموسم، وحجز النسوة للمساعدة في العمل. بحيث يقطف سنويا ما يقارب ال500 كيلو رمان من النوع الحامض من بساتينه، ليستخرج الدبس منه. فيما يبقي على البعض منه في الاشجار، ليقطفه بعد خمسة عشر يوما من اول تساقط للامطار، اذ يكون تحول طعمه الحامض الى الحلو وهو ما يسمى ب "اللفاني"، فيتجنب بذلك عقصات ذبابة الشرق الاوسط التي تعمل على اتلافه وتساقطه، ويحافظ عليه طوال فترة الشتاء معلقا بأغصانه في احدى زوايا المنزل واكله بعد نقعه بالمياه كي تلين قشرته ويسهل تقشيره.
وتشجع شانتال نجار على استخراج الدبس من الرمان اكثر من اكل حبوبه للمحافظة على هذا التراث ولاهمية الدبس الصحية. اذ ان غالبية الكورانيين يستعملونه في العديد من الطبخ او يشربون منه ملعقة يوميا، على الريق، لتأثيره الفعال في تنشيط عمل القلب وتنقية الدم.
وعلى الرغم من مشقات العمل في استخراج الدبس، الا ان ماريو قبرصي يثابرعليه، ويعتبره بركة مثل سائر الكورانيين الذين يخصصون اياما لصنع هذه المونة، المحببة على قلوب الكبار والصغار والشهية المذاق.
عملية قطاف الرمان تبدأ منذ الفجر، ويتعاون فيها جميع افراد العائلة، لينتقلوا بعدها الى تقطيع الثمار واسقاط بذورها وعصرها وتصفيتها، ومن ثم غليها في دست واسع الفوهة على الحطب. كما توزع الادوار في العمل باوقات كثيرة، ويجتمع الاصحاب والاصدقاء، للتسلية احيانا والمساعدة احيانا اخرى، نظرا لما تستهلكه هذه العملية من الوقت.
وفي حين يفضل الكورانيون استخراج دبس الرمان قبل تساقط الامطار، لتبقى الحموضة مرتفعة فيه. الا ان هناك من يرغب بطعمها المخفف او "المكسور" فيبقيها على الاشجار حتى تساقط المطر.الا ان كل 12 كيلو من ثمر الرمان يستخرج منه كيلو من الدبس، وفي بعض الاحيان تستخرج هذه الكمية مما يقارب السبعة كيلو نظرا لعدم ري الاشجار بالمياه.
يبقى دبس الرمان البعل (دون ري) الألذ والأشهى والأوفر نظرا لايجابياته بعد استهلاكه الكثير من الوقت في الغليان، ولا يتطلب اضافة الملح اليه على خلاف ما يقوم به التجار لزيادة الوزن. مع العلم ان عمليات الغش خرقت صناعة هذه المونة، في بعض الاقضية المجاورة المشهورة بتجارتها. اذ يضاف الى كل عشرة كيلو من دبس الخروب، سبعة كيلو من دبس الرمان تقريبا، وكيلو ونصف من حامض الليمون ويباع على انه دبس رمان بلدي.
اللافت أن الكورة حافظت على استخراجها لدبس الرمان، عبر السنوات، رغم تطور العصر وانهماك العائلات بالاشغال خارج المنازل. كما حافظت هذه الشجرة على ثباتها في ارض الكورة من دون مشاكل تذكر، كونها معمرة وتقاوم الامراض ولا تتطلب الكثير من العناية، ان من حيث الفلاحة والرش والري والتطعيم والتقليم المستمر وعدم احتياجها ليد عاملة كثيرة. كما ان اشجار الرمان تزرع في حدائق المنازل والبساتين اذ لا تكاد تخلو حديقة كورانية منها.
==================== ج.س