تحقيق نظيرة فرنسيس
وطنية - السكري والتلاسيميا مرضان خطيران يصيبان الأطفال والبالغين على حد سواء وعلى المصابين بهذين المرضين أن يتابعوا علاجات مدى الحياة في إطار من الوعي وتحمل المسؤولية وهم يحتاجون الى الدعم المعنوي والمادي لاسيما وان الطريق صعب والمعاناة شاقة، لكن الأيادي البيضاء زرعت الأمل في النفوس المتألمة وحققت الأحلام من خلال صرح طبي مجهز باحدث المعدات الطبية المتطورة ومتابعة مستمرة من فريق طبي واداري مختص يعمل كخلية نحل في سبيل توفير الأفضل.
وهكذا فإن "مركز الرعاية الدائمة" أو CHRONIC CARE CENTER الكائن في منطقة بعبدا برازيليا يعد المركز الطبي الاجتماعي الاول من نوعه في العالم العربي. تأسس في العام 1994 وتترأسه السيدة منى الياس الهراوي، وقد تفرد في مجاله كونه يختص بعلاج المصابين بأمراض مزمنة والذين يتلقون العلاج شبه المجاني فيه، ويبلغ عددهم 2911 يتوزعون بين اطفال وشبان وشابات، منهم 2158 حالة سكري معتمد على الانسولين و753 حالة تلاسيميا.
وقد حقق المركز بفضل المقاربة المتعددة الخبرات المعتمدة في علاج أبنائه نجاحا كبيرا على الصعيد الوطني والاقليمي واصبح مرجعا طبيا متميزا لعلاج السكري، كما حصل على " جائزة سلطان بن خليفة العالمية" لمركز التلاسيميا المتميز في العالم العربي وذلك بفضل اعتماده افضل السبل العلاجية وتوفيره فرصة الشفاء لعدد من مرضى التلاسيميا من خلال اجراء عملية زرع النخاع العظمي والنجاح في الحد من انتشار هذا المرض الوراثي بفضل التركيز على حملات التوعية والوقاية وتحفيز الشباب والشابات على اجراء الفحص الطبي قبل الزواج، وذلك بفضل فريق طبي واجتماعي متعدد الخبرات ويضم اطباء اختصاص وممرضات مثقفات ومرشدات اجتماعيات وأصحاب اختصاص في علم التغذية وعلم النفس.
كما يثبت المركز تعاونه القائم منذ سنوات مع وزارة الصحة العامة ومستشفى الجامعة الاميركية ومشاركة مراجع طبية مرموقة من الجامعة في مجلس امناء المركز ولجنة الابحاث والأخلاقيات والتزامهم بالرسالة الانسانية للمركز منذ تأسيسه. ويوجد اطباء متخصصون من الجامعة الاميركية يتابعون المرضى في قسمي السكري والتلاسيميا الى جانب اطباء اخرين من المستشفيات الجامعية اللبنانية والذين ينشرون العديد من الأبحاث العلمية المشتركة حول هذين المرضين.
يذكر ان مركز الرعاية الدائمة اقدم وبنجاح كبير على اجراء عمليات زرع النخاع العظمي لعدد من حالات التلاسيميا من أبنائه في مركز الجامعة الاميركية الطبي، كما انه يسعى على تطوير هذا التعاون وتوسيعه لاسيما في مجال الأبحاث العلمية والجينية للأمراض المزمنة.
وتتضمن رسالة المركز الانسانية شقين اساسيين هما اولا معالجة الامراض المزمنة عند اطفال اليوم وثانيا نشر الوعي والتثقيف الصحي لتفادي أمراض الغد والإسهام في بناء أجيال سليمة. ولمركز الرعاية الدائمة هيئة تنفيذية ومجلس امناء يضم نخبة آمنت برسالته الانسانية والتزمت بها منذ اكثر من عشرين عاما.
يولي المركز اهتماما خاصا لموضوع تثقيف المريض واهله وتدريبه على التقنيات لجعله يفهم مرضه ويتقبله ويتعايش معه بشكل ايجابي سليم. كما ان المركز اطلق برنامجا على المستوى الوطني بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لنشر الوعي حول التلاسيميا. وقد نجح في الحد من انتشار هذا المرض لانه وراثي يمكن تجنبه من خلال تطبيق الفحص الطبي قبل الزواج.
أما بالنسبة للسكري نوع اول، فكل ما يمكن فعله هو نشر المعرفة حول هذا المرض لتجنب مضاعفاته وخصوصا أن ازدياد اصابة الأولاد بالسكري ملحوظ في العالم يعود لأسباب جينية مرتبطة بالبيئة بمفهومها الأوسع.
وينظم المركز اضافة الى المؤتمرات الطبية وورش العمل وحملات الوقاية نشاطات عدة منها: احياء يوم التلاسيميا العالمي في 8 ايار من كل عام انسجاما مع المنظمة العالمية للتلاسيميا كون المركز عضو في مجلس امناءها منذ العام 1996. احياء اليوم العالمي للسكري في 14 تشرين الثاني من كل عام تضامنا مع مرضى السكري في لبنان والعالم بالتعاون مع المنظمة العالمية للسكري IDF التي انضم اليها المركز منذ العام 2013.
كما ينظم المركز نشاطات عدة تسهم في تمكين الاطفال والشبان المرضى وتسهل انخراطهم في مجتمعهم من رحلات ترفيهية ومسابقات رياضية ومخيمات صيفية. كذلك طور المركز خدماته كما حقق الكثير من الانجازات على الصعيد العلاجي والانساني ومن ابرزها:
- انشاء مختبر وبنك للدم في العام 1996 لتوفير نقل الدم الالزامي كل ثلاثة اسابيع لمرضى التلاسيميا.
- افتتاح مختبر الابحاث الجينية في ربيع العام الفين بالتعاون مع كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد.
- السعي منذ العام 2006 لتوفير فرص الشفاء لعدد من مرضاه المصابين بالتلاسيميا عبر اجراء عملية زرع النخاع العظمي وقد شفي لغاية اليوم ما يقارب ال 40 طفل من التلاسيميا.
تلاس = بحر - هيميا = دم
وللتعريف بالتلاسيميا فهي كلمة من اصل يوناني مركبة من تلاس اي بحر وهيميا اي دم بما معناه فقر دم البحر. والمرض يطال جغرافيا عددا كبيرا من بلدان البحر الأبيض المتوسط ومعناه طبيا فقر دم وراثي مزمن وغير معد ، ينتقل بالجينات ويؤدي الى إنخفاض مادة الهيموغلوبين في الدم المسؤولة عن توزيع الأوكسيجين الى كافة اعضاء الجسم.
التلاسيميا ثلاثة أنواع: التلاسيميا الصغرى او سمة التلاسيميا، التلاسيميا الوسطى والتلاسيميا الكبرى والجدير ذكره ان سمة التلاسيميا ليست مرضا انما التلاسيميا الكبرى هي مرض خطير جدا، وتظهر عوارضه في الشهر الرابع للولادة من شحوب واصفرار في الوجه، الى تأخر في النمو وتعب وانخفاص في الشهية.
اما علاج التلاسيميا الكبرى فيكون لمدى الحياة ويتطلب نقل وحدة او وحدتين من الدم ( كريات حمراء) كل ثلاث الى اربع اسابيع. كما يتطلب دواء لإزالة الحديد الزائد في الجسم Desferioxamine يؤخذ بالحقن يوميا تحت الجلد لمدة 10 ساعات الى 12 ساعة بواسطة مضخة اضافة الى حبوب ال Deferipone وحبوب Deferasirox. اما العلاج الشافي فيكون عبر زرع نقي العظام وهي عملية مكلفة جدا.
تتوارث التلاسيميا الكبرى عندما يكون كلا الوالدين حاملين سليمين لسمة التلاسيميا كون لكل خاصة من خصائص الجسم جينتين تأتي واحدة من الام والثانية من الأب. ولكيفية الوقاية من التلاسيميا الكبرى يجب اجراء الفحص الالزامي قبل الزواج واجراء الفحص الخاص بالتلاسيميا HPLC الى استشارة الأخصائيين في الطب الجيني في مركز الرعاية الدائمة، شارع برازيليا في بعبدا او الاتصال عبر الهاتف على الرقم: 961 05 455101/2 او عبر صندوق البريد 213 الحازمية.
تجدر الإشارة إلى ان الشخص المصاب بالتلاسيميا الكبرى يستطيع ممارسة حياته الطبيعية كغيره من الأشخاص العاديين ولاسيما اذا عولج بطريقة صحيحة ، كما يمكنه ان يتعلم ويعمل ويتزوج وينجب وخصوصا أن المركز يعتمد افضل السبل العلاجية واكثرها ملاءمة لكل حال كما وانه يوفر الدواء المتطور المزيل للحديد لعدد كبير من المرضى بالتعاون مع وزارة الصحة العامة مما جعل مرضى التلاسيميا الذين يتابعون علاجهم في المركز وتتراوح اعمارهم بين الشهر الواحد والسبعين عاما، يتعايشون مع مشكلتهم المزمنة بشكل سليم على الرغم من معاناتهم اليومية لأن علاجهم إلزامي ولديهم هاجس تأمين الدم كل ثلاثة اسابيع ولكن بالرغم من ذلك وبفضل التوجيه النفسي والاجتماعي يتفاعلون مع واقعهم ويتابعون دراستهم ويبدعون.
ويمكن التأكيد انه وبفضل حملات التثقيف الصحي والوقاية التي ينظمها المركز بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية في كافة المناطق اللبنانية وبفضل تحفيز الشباب باستمرار على اجراء الفحص الطبي قبل الزواج، انحسرت حالات التلاسيميا الجديدة بنسبة 80% مما يعزز الامل بالحد نهائيا من انتشار هذا المرض الوراثي.
السكري
اما مرض السكري فهو مرض ناتج عن ارتفاع نسبة السكر في الدم وينقسم الى قسمين:
مرض السكري نوع اول الذي يصيب صغار السن ومرض السكري نوع ثاني ويصيب كبار السن وهو مرتبط بالبدانة. ومن اعراض هذا المرض كثرة التبول، كثرة العطش، الجوع المستمر، فقدان الوزن او الزيادة في الوزن بالنسبة لمرضى نوع 2 ، نقص في الرؤية والتهابات متكررة في الجلد والمسالك البولية.
أما اسباب السكري فتختلف بحسب نوع المرض، ففي النوع 1 ينتج عن عدم قدرة غدة البنكرياس على افراز الكمية الكافية من الانسولين مما يستوجب العلاج بالانسولين بشكل يومي. اما مريض السكري من نوع 2 والذي يصيب البالغين فيعود سببه الى السمنة وقلة الحركة وهنا تكون كمية الأنسولين المصنع من قبل البنكرياس غير كافية او ان الجسم غير قادر على الإستفادة منها.
ويهدف علاج مرض السكري الى ابقاء نسبة السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي لتجنب مضاعفات المرض ويتم ذلك من خلال نظام غذائي ملائم يبتعد عن السكريات والمشروبات الغازية والبسكويت والحلوى وتناول الخضر والحبوب والاسماك وغيرها، اضافة الى القيام بنشاط بدني منتظم ومراقبة الوزن باستمرار وتناول الأدوية المضادة للسكري وحقنات الأنسولين بشكل يومي ومنتظم ولاسيما ان مضاعفات هذا المرض خطيرة جدا ومنها تصلب الشرايين، النوبة القلبية، السكتة الدماغية، تقلص اوعية الرجلين، الفشل الكلوي، اعتلال شبكية العين والالتهابات الجلدية والبولية.
وختاما، لا بد من القول ان الأطفال المرضى الذين تلقوا العلاج في مركز الرعاية الدائمة منذ تأسيسه، أصبحوا اليوم شبانا وشابات يتابعون دراستهم وينخرطون في دورة الإنتاج وقد انطلقوا من هذا المركز اقوياء متشبثين بالحياة وفخورين بهذا الصرح الطبي الذي يشرع ابوابه امام الجميع انطلاقا من إيمانه بحق كل طفل بالرعاية الطبية والحياة الكريمة.
================= ج.س