تحقيق ريما يوسف
وطنية - ليس "جوهر" وحده في مهب الريح وداخل أسوار سجن روميه، بل الريح يأخذنا، كل يوم في كل أرجاء الوطن الى جهة والى مشكلة، لا حل لها، وقد دأبنا على وجودها في لبنان.
لعل أصدق كلام سمعناه في لبنان هذه الأيام كان من داخل اسوار السجن وعلى لسان المحكومين بالمؤبد أو بالإعدام أو المتحدثين عن المرضى النفسيين المسجونين الذين يعانون من أمراض نفسية والموجودين في المبنى الأزرق الإحترازي.
أغنية "إعدام يا عمر انتهى"، التي أداها وكتب كلماتها احد سجناء رومية لمسرحية "جوهر في مهب الريح" كانت اصدق تعبير عن وجعه وندمه وندم المسجونين..وليت ساعة مندم...وهي على لحن "جنات ع مد النظر".
بدعوة من المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كثارسيس" وبدعم من الاتحاد الاوروبي وبرعاية وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، قدم 40 سجينا من المحكومين بالإعدام أو المؤبد على مدى ساعة ونصف عرضا تمثيليا يحكي قصصا عن السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية ومنهم محكومون بالمؤبد، بهدف إيصال صوتهم ليتحقق التعديل القانوني المتعلق بتحسين الوضع النفسي والقانوني لشريحتين منسييتين من السجناء، الأولى تتعلق بالسجناء ذوي الأمراض النفسية مرتكبي الجرائم، والثانية تشمل المحكومين بالأشغال الشاقة المؤبدة أو بالإعدام، الذين لا يمكنهم تخفيض عقوباتهم رغم ان القانون أجاز لهم ذلك، ولكن بشروط شبه مستحيلة، كاستحصال السجين على إسقاط للحقوق الشخصية من ذوي الضحية أو دفع التعويضات الشخصية التي غالبا ما تكون قيمتها مرتفعة، وقد تصل الى 500 مليون ليرة لبنانية، ولا طاقة للسجين على دفعها.
مسرحية "جوهر في مهب الريح" تسلط الضوء على السجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبد الذين يجمعهم قدر واحد: حكم بالسجن غير معروف الأمد، وتحكي قصص السجناء من خلال مونولوجات شرحوا فيها معاناتهم من تقصير الدولة في تأمين ادنى متطلبات العيش، اضافة الى طلباتهم بفصل الحق الشخصي عن الحق العام للاحكام المؤبدة، والمطالبة بتخفيض عقوبة اصحاب الامراض النفسية عبر الغاء عبارة "لحين الشفاء" من القانون، ومشاهد قصيرة عن لوحات راقصة تعبيرية أديت بشكل ملفت، على ان تعرض داخل السجن في 12،18،19 و25 ايار الحالي.
المادة 232
تنص المادة 232 من قانون العقوبات اللبناني على ما يلي: "من ثبت اقترافه جناية او جنحة مقصودة..وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي.. ويستمر الحجز الى ان يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز..".
دكاش
رئيسة مركز "كثارسيس" والمخرجة زينة دكاش أكدت ان هذا العمل المسرحي جاء نتيجة "تدريب مدته سنة ونصف وهو الثاني بعد مسرحية "12 سجينا غاضبا" التي جابت 74 دولة وتحولت الى فيلم في العام 2009".
وأوضحت دكاش "ان موضوع المسرحية يتعلق بالسجناء الموجودين في المبنى الاحترازي الازرق، اي المحكومين الذين يعانون من امراض عقلية ونفسية، وانتهت فترة حكمهم ولا يمكنهم الخروج من السجن، لان نص القانون يحتوي على عبارة "لحين الشفاء"، وبالتالي يموتون في السجن لان هناك امراضا لا يمكن لاي انسان ان يشفى منها، رغم ان العلم اثبت انه يمكن متابعة المرض النفسي وليس الشفاء منه". وقالت: "نحن كمركز "كثارسيس" نعمل على تعديل هذه العبارة مع القاضي حمزة شرف الدين وعدد من القضاة والنواب الذين يلمسون ضرورة تعديلها"، داعية الى "شفاء القانون وتعديله انسانيا".
مجدلاني
من جهته، اعتبر مجدلاني في حديث ل"الوكالة الوطنية للاعلام" انه يدعم هكذا "اعمال تتعلق بنظرة جديدة للسجون وتهدف الى تغيير النظرة القديمة"، وقال: "نحن بحاجة الى تغيير نمط الفكر لتغيير تعاطينا مع المساجين وخصوصا اولئك الذين يعانون من مشاكل نفسية".
مخيبر
من جهته، اعتبر عضو لجنة الادارة والعدل النائب غسان مخيبر "للوطنية" "ان المشكلة تكمن في ان المريض المحكوم لا يمكن ان يخرج من السجن ولو قضى مدة سجنه إلا لحين الشفاء نهائيا، مثلا مرض "الإنفصام بالشخصية" لا يشفى منه، وبالتالي إذا كان هذا المريض مسجونا فلا يمكنه الخروج، وكل ما يمكن فعله انه سيبقى قيد المراقبة التي تؤمنها العقاقير والأدوية الخاصة بالمرض. اذا المشكلة هي بالشفاء الكامل".
اضاف: "اننا نعمل حاليا على صياغة اقتراح قانون لتعديل بعض مكونات هذا القانون، وسوف يتم تقديمه الى مجلس النواب وسأوقعه مع الزملاء النواب الذين يودون ذلك، على أن يسلك طريقه الى اللجان النيابية المشتركة ثم الى الهيئة العامة".
واكد "ان هناك تجاوبا كبيرا من قبل عدد من القضاة الذين التقيت بهم في أكثر من ندوة متخصصة نظمتها جمعية "كثارسيس"، قضاة من مناطق ومحاكم مختلفة، كانت لهم تجربة في صدور أحكام تتعلق بجرائم كان مرتكبوها من المرضى". وقال: "لمسنا لدى القضاة تجاوبا كبيرا، حتى ان البعض تمكن بالإجتهاد، عبر القانون الحالي ومن دون تعديله، من إيجاد حلول عبر إحدى المسجونات في سجن بعبدا. المطلوب ألا نتكل على هذه الإجتهادات بل العمل على تطبيق هذه المقاربة الملزمة بالقانون. في مطلق الأحوال، هناك عدد من القضاة الذين تجاوبوا معنا، وأتوقع أن يترجم هذا التجاوب بإرادة سياسية عبر تعديل قانون العقوبات".
واشار الى ان "الأطباء هم من يحددون مرض المسجونين، ولجنة من الأطباء الشرعيين غالبا ما تلجأ اليها المحاكم لتحدد مرضهم ونوعه، والامر كذلك بالنسبة الى شفاء المريض ام لا"، مؤكدا ان السجناء المرضى يفترض ان يخضعوا للعلاج ويتم وضعهم في مكان احترازي وليس في السجن. هناك مأوى احترازي في سجن روميه، والملفت ان بناءه وتجهيزه تم على نفقة عائلة أحد النزلاء في السجن. اضافة الى ذلك، ليس هناك من مأوى احترازي للنساء".
وقال: "مشكلة المساجين المرضى عقليا صعبة، وتجربتي تؤكد بأن العمل التحضيري للقوانين يأخذ وقتا طويلا جدا، ولا سيما ان جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل يكتظ بعدد كبير من الإقتراحات ومشاريع القوانين. وكلما أسرعنا في التحضير لهذا القانون كلما كانت حظوظ اقراره في الهيئة العامة جيدة".
سعد
من جهته، اكد طبيب الامراض العقلية والنفسية وعضو لجنة تخفيض العقوبات في وزارة العدل الدكتور انطوان سعد ان "ما أداه السجناء جاء تعبيرا عن أصدقائهم الذين يعانون من أمراض نفسية ضد القوانين الفاشلة المتعلقة بالمسجونين لحين الشفاء".
وأشار سعد الى انه "كان متطوعا منذ البداية كطبيب نفسي وطبيب أعصاب مع قوى الأمن لمساعدة المساجين الذين يعانون من أمراض نفسية، ومكلف من قبل وزارة العدل، بإعطاء تقارير عن وضعهم النفسي والصحي"، مؤكدا ان "ليس هناك من متابعة حثيثة من قبل الدولة لعلاج هؤلاء المرضى المسجونين".
أما عن تعديل القانون المتعلق بهؤلاء السجناء المرضى، فقد أكد الطبيب سعد ان "الدولة غائبة كليا، ومن يقوم بالعمل على تعديله هي زينة دكاش وجمعية "كثارسيس" والقاضي حمزة شرف الدين لأنه في الجسم القضائي، ليتم معالجة القانون بما يتناسب مع الناحية الإنسانية للمسجون المريض، وهناك مشكلة بين العلم والقانون، فالعلم في مكان والقانون في مكان آخر، وأنا أحاول جمعهما في هذه الفترة".
كثارسيس
يذكر ان كثارسيس، هو أول مركز للعلاج بالدراما في لبنان والمنطقة العربية، مؤسسة مدنية لا تتوخى الربح تأسست في العام 2007 بإدارة الممثلة زينة دكاش، المعالجة بالدراما المسجلة لدى جمعية اميركا الشمالية للعلاج بالدراما NADTA. يعمل على تعزيز العلاج بالدراما وتوفيره للأفراد والمجموعات والفئات العمرية المختلفة من خلال استخدام أساليب المسرح والفنون. يقدم خدماته وبرامجه في الأطر الإجتماعية والتعليمية والعلاجية المختلفة، كمراكز إعادة التأهيل من الإدمان على المخدرات، ومراكز العناية بالصحة العقلية والنفسية والمستشفيات والسجون والمدارس والمسارح والشركات.
================== ر.ي/ن.م