تحقيق - فاديا دعبول
وطنية - حظيت بلدة دارشمزين الكورانية بشهرة واسعة بعد فوز ابنتها سالي جريج بلقب ملكة جمال لبنان للعام 2015. وفي حين انها تماثل سائر بلدات الكورة الصغيرة المحافظة على طابعها القروي التراثي وسط الطبيعة واشجار الزيتون، الا ان ما يميزها عن سواها انك تقصدها فقط من بلدة اميون، ولا منفذ منها لاي بلدة اخرى. وفي ذلك نقمة ونعمة: النقمة انها غير مفتوحة على بلدات اخرى ما يجعلها منطوية على ذاتها جغرافيا، ومعزولة من حيث انعدام امكانية مشاركتها بمشاريع انمائية مع بلدات اخرى، والنعمة انها تحافظ على الطابع القروي بهدوئها وبيئتها وطبيعتها واصالتها ما يجعل منها بلدة نموذجية لا مثيل لها في حياتها الاجتماعية العامة.
ترتفع دارشمزين 400 متر عن سطح البحر، وتبعد عن العاصمة بيروت 80 كيلومترا. يعتقد الاهالي ان اسم البلدة يعني "المعذبين" نظرا لوجود معبد لعبادة الكواكب في القرن الثاني قبل الميلاد. يقدر عدد سكانها بـ600 شخص، ينتشر غالبيتهم في بلاد الاغتراب لا سيما في اميركا وكندا. ومن تبقى منهم لا يتجاوز الـ250 شخصا. وهم ينقسمون بين الطائفتين الارثوذكسية والمارونية، وذلك مرتبط بوجود كنيستين وهما مار ساسين للروم الارثوذكس ومار جرجس للموارنة.
البلدية
ورغم ان الايرادات المالية التي تصرف لها من قبل الصندوق البلدي المستقل متدنية، الا انها من البلدات النموذجية بفضل الانجازات التي قام بها رئيس بلديتها المهندس كريم بو كريم الذي وصل الى رئاسة مجلس البلدية بالتزكية، نتيجة التوافق عليه من المجلس السابق اضافة الى تسميته من قبل جميع ابناء البلدة الذين يشهدون له بالنزاهة والاستقامة والاخلاص في العمل، تأمينا للمصلحة العامة، كما انه تمكن من الفوز في انتخابات رئاسة اتحاد بلديات الكورة.
ومن المشاريع المهمة التي نفذها المجلس على صعيد البنى التحتية: توسيع مدخل البلدة من اوتوستراد اميون حتى الداخل باتجاه دارشمزين بطول يتخطى الكيلومترين وعرض يتجاوز الثمانية امتار، وذلك بالاتفاق مع الاهالي، حيث تم بناء جدران دعم وتزيينها بحجارة تجميلية على جانبي الطريق لحفظ التربة من الانهيار، جراء امطار الشتاء، نظرا للموقعها عند سفح جبل. علما ان هذا الطريق هو من مسؤولية وزارة الاشغال العامة والنقل.
كما قام المجلس بتوسيع بعض طرقات البلدة الداخلية، بالتعاون ايضا مع الاهالي، بعرض لا يقل عن ستة امتار، وبناء جدران تجميلية على جانب منها لمنع انجراف التربة. وفتح طرقات زراعية جديدة وتعبيدها وتأهيل القديم منها. حتى لم يعد من مشكلة تذكر في وضع الطرقات.
وسيستهل العمل بمد شبكة جديدة لمياه الشفة في البلدة، بطول تسعة كلم، بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه، بعد ان رست المناقصات على احد المقاولين الذي من المرجح انهاء أعماله في المشروع في الصيف. وتستبدل الشبكة القديمة المهترئة، والتي تعود الى زمن الرئيس شهاب، بالشبكة الجديدة الموصولة بالخزان العام الذي تم استصلاحه ايضا، ما يخدم البلدة كلها بحد ادنى مدة ثلاثين عاما مقبلة.
وفي حين ان لا مبنى بلديا في البلدة منذ العام 1976 تاريخ تأسيس اول بلدية، ما جعل كل رئيس يدير الامور البلدية من منزله، عمل بو كريم على استئجار مبنى قديم، وسط البلدة، مقابل الكنيسة، وقام بترميمه من ماله الخاص، وافتتاحه على مستوى حضاري يليق بالبلدة واهلها.
أما الحديقة العامة الصغيرة وسط البلدة، التي سبق ان افتتحها المجلس منذ سنوات، يعمل حاليا على استحداث حديقة عامة كبيرة على مساحة 1500 متر مربع جانب الكنيسة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي قدمت هبة بقيمة اربعة عشر مليون ليرة لبنانية فيما تستكمل البلدية المبلغ المتبقي بقيمة سبعة ملايين. وهذه الحديقة ستكون نموذجية بأشجارها وشبكات الري والانارة فيها، وتجهيزها لاستيعاب كافة مناسبات الاهالي الاجتماعية. ومن المتوقع انجاز الحديقة بشكل نهائي بين شهري حزيران وتموز.
وتعمل البلدية على التحضير لإقامة وتجهيز ملاعب رياضية متطورة على مساحة تتجاوز الـ2500 متر مربع ومن المرجح انتهاء اعمالها في النصف الاول من العام 2017.
ولدى بو كريم خطة مستقبلية لبناء قصر بلدي في السنوات الست المقبلة. بحيث ان الخرائط جاهزة، وما يجعله يتريث ان المبنى الحالي يصلح للاستعمال لما يقارب العشر سنوات.
وانجز بو كريم دراسة مشروع استبدال الانارة من التقليدية الى الحديثة على "اللاد" ما يوفر نسبة 70 في المئة من الطاقة اضافة الى اعمال الصيانة.
وما يميز عمل بلدية دارشمزين انها ترحل نفاياتها، منذ ان تولى بو كريم الرئاسة، بواسطة شركة مختصة الى خارج القضاء.
وعبر بو كريم عن رضاه عن أداء المجلس، لاسيما انه فاز بالتزكية، وتميز بعمله المتجانس والبناء على مدى الست سنوات. بحيث لم يعتره اي مشاكل او تقديم استقالة اي من الاعضاء، متمنيا اعادة التجربة للسنوات الست المقبلة، نظرا للمستوى العالي الذي وضعه المجلس لنفسه في الاداء، ما يجعل خلفه مضطرا للسير على خطاه واكثر.
المختار
وشدد المختار الياس شاهين على ان "البلدة تتمتع بتماسك اهاليها، وارتباطهم ببعض ارتباط العائلة الواحدة". وفي حين أشاد بطبيعتها الزراعية وخلوها من اي نشاطات صناعية او تجارية"، لفت الى "الهجرة الكبيرة التي شهدتها البلدة اسوة بسائر بلدات الكورة لتحسين ظروف المعيشة".
النجار
ورأى الشاعر موريس النجار ان البلدة "شهدت نهضة ثقافية رغم صغرها، ببروز بعض الشعراء والادباء فيها والمثقفين. كما شهدت نهضة عمرانية مع رئيس بلديتها الذي حولها الى بلدة نموذجية بطرقاتها ونظافتها والاهتمام بطبيعتها". واشار الى ان "الحرب الاهلية ساهمت بطريقة غير مباشرة في نهضة البلدة عمرانيا وعلميا إذ ان هجرة الكثير من ابناء البلدة هربا من الحرب، ومن ثم عودتهم بثروات، ادى الى بناء قصور وفيلات وتعليم الابناء بأفضل المدارس، في حين كان بعض الاهالي قبل الحرب يضطرون الى بيع اراضيهم المزروعة بالزيتون لتعليم اولادهم وهم قلة".
ولفت الى "تميز ابناء البلدة بشهاداتهم الجامعية في الطب والهندسة وغيرها ونجاحهم بالعمل في لبنان والخارج".
معصرة
في البلدة معصرة موريس سالم واولاده وقد تأسست في العام 2006 لتشجيع الاهالي على الاهتمام بأراضيهم المزروعة بالزيتون وعدم اهمالها واستثمارها، لاسيما ان صاحبها يملك عددا من الأراضي ويعرف اهمية الارض وشجرة الزيتون. وقد حافظت هذه المعصرة على طابع المعاصر القديمة التقليدية بالعصر على البارد، حفاظا على جودة الزيت. وهي تستقطب مزارعي البلدة والجوار خلال موسم القطاف والعصر، تعمل حينها، ليل نهار لتتمكن من تلبية جميع المزارعين. وما يميز المعصرة انها صديقة للبيئة، تستخدم الجفت المستخرج منها للتدفئة، وزيتها من البكر الممتاز، كما يعمل بها افراد العائلة من الاب والام والاولاد.
ويتمنى صاحبها من الدولة "دعم هذا القطاع وحمايته من المزاحمة وتصريف الانتاج لاسيما ان كلفة خدمة الزيتون باتت تشكل عبئا كبيرا على صاحبها".
شخصيات
من الشخصيات المميزة في البلدة، اضافة الى الملكة جريج ورئيس اتحاد بلديات الكورة، الدكتور اسبر شاهين الرئيس السابق للمعهد الدولي التكنولوجي، كريستل سالم رئيسة جمعية" كونكتينغ" كورة وهي ناشطة في الحقل العام. وهناك العديد من الشعراء ومنهم النجار، توفيق يونس الملقب بالبلبل، ناجي يونس وحنا طنوس.
==============