تحقيق تمام حمدان
وطنية - القوانين الانتخابية في لبنان، كيف بدأت والى أين انتهت، النتيجة واحدة "تغليب الخاص على العام".
تعود الجذور الاولى للانتخابات النيابية بالمعنى العصري منذ قيام المتصرفية وبموجب النظام الاساسي للمتصرفية، أقرته اللجنة الدولية والباب العالي في التاسع من حزيران 1861 حين تم تشكيل مجلس ادارة للمتصرفية عن طريق الانتخاب لمعاونة المتصرف، تألف من 14 عضوا، اثنان لكل طائفة من طوائف الجبل، وأدخلت عليه تعديلات لما عرف ببروتوكول 1864 الذي اعاد النظر في التوزيع الطائفي، وظل معمولا به حتى العام 1916. ورغم محدودية الاثار الذي تركه على مستقبل لبنان، الا انه استطاع منح التمثيل الشعبي الاضاءات الاولى، واسس هيئة عبرت نوعا ما عن ارادة المواطنين.
ومع قيام الجمهورية اللبنانية الاولى والتي تم تأريخها مع قيام الدستور اللبناني الاول عام 1926، الا ان بعض المؤرخين ربطوا قيام المجلس النيابي الاول عام 1922 بقرار من المفوض السامي الذي حمل الرقم 1304 ، 1922 ونص على انشاء المجلس التمثيلي للبنان الكبير الذي دعا الهيئات الانتخابية لانتخاب مجلس مؤلف من ثلاثين عضوا، وهو ما عرف بالمجلس التمثيلي الاول.
في العام 1925 بدأت ولاية المجلس التمثيلي الثاني، وهو الذي وضع للبنان دستورا في 23/5/1926، وهو الذي اعلن قيام الجمهورية اللبنانية، ونص على ان تتولى السلطة التشريعية مهامها في لبنان، اي مجلس النواب ومجلس الشيوخ. لم يلحظ هذا الدستور عدد اعضاء المجلس النيابي ولم ينص على كيفية الانتخاب وشروطه ولا توزيع الدوائر، وترك الامر لقوانين الانتخابات المرعية الاجراء.
رباط
وفي هذا المجال، يقول الدكتور ادمون رباط: "ان الامر ترك للحكومات ارتباط القانون بالسياسة التي تنتهجها الحكومة القائمة، الا انه ورغم التطورات والحداثة، فان التعديلات التي ادخلت على قوانين الانتخابات المتتالية ظلت ضعيفة بالشكل، ولم تتطرق الى المضمون".
واشار رباط الى "ان القانون الاول صدر بموجب القرار 1307 تاريخ 10/3/1922، وعدل في العام 1927 بشكل سمح لرئيس الجمهورية ان يعين بمرسوم نوابا يوازي عددهم عدد النواب المنتخبين، وكان هذا المجلس التمثيلي الثاني الذي تألف من ثلاثين نائبا اضيف اليهم اعضاء مجلس الشيوخ ليصبح العدد في حينه 46 نائبا. وفي العام 1934 وكذلك في العام 1937، ادخلت عليه ايضا تعديلات طفيفة تناولت عدد الدوائر وكيفية تشكيلها.
وفي العام 1943 صدر التعديل الذي نص على ان مجلس النواب يتألف من نواب منتخبين فقط. وفي 4/11/1952 صدر قانون جديد للانتخابات يتضمن الالية الانتخابية، كيفيتها وشروطها الخ..
وفي 26/4/1960 صدر قانون جديد للانتخابات النيابية ظل معمولا به من دون تعديل حتى صدور الاصلاحات الدستورية لوثيقة الوفاق الوطني في 21/9/1990 وعدل في 23/5/1991 بموجب القانون رقم 51 وفي 22/7/1992 بموجب القانون رقم 154.
وتمت الانتخابات النيابية للمجلس العام 2000 بموجب القانون رقم 171، ولم يلحظ سوى ثلاثة تعديلات، هي: ولاية المجلس، توزيع الدوائر، واعتماد البطاقة الانتخابية. ونصت المادة الثامنة من هذا القانون على ما يلي: اذا شغر احد المقاعد بسبب الوفاة او الاستقالة او لاي سبب آخر تجري الانتخابات للمقعد الشاغر خلال ستين يوما ابتداء من تاريخ شغوره. ويعتبر المركز شاغرا من تاريخ الوفاة. ومن تاريخ قرار مجلس النواب في الحالات الاخرى، او من تاريخ نشر قرار المجلس الدستوري في الجريدة الرسمية او في حال ابطال انتخاب احد النواب من قبله، غير انه لا ينتخب خلف للنواب الذين تشغر مراكزهم قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي بستة اشهر او اقل.
بتاريخ 23/5/1991 صدر القانون رقم 51 الذي صدق المرسوم رقم 1077 تاريخ 4/4/1991 الذي عدل بعض احكام القانون الصادر في 26/4/1960 المتعلق بانتخاب اعضاء مجلس النواب، فنص في مادته الاولى على رفع اعضاء مجلس النواب من 99 نائبا الى 108 نواب وتعيينهم استثنائيا. والتفاصيل موجودة في كتاب تاريخ المجلس النيابي ص 228 - 232.
تشير المادة الاولى من هذا القانون الى ما يلي: "يتألف مجلس النواب من 128 نائبا تكون ولايتهم اربع سنوات، على ان تكون ولاية اول مجلس ينتخب بعد صدور هذا القانون في 31 ايار 2005 ، وجرى هذا التعديل لسببين اساسيين الاول كي لا تتزامن الانتخابات النيابية في صيف 2004، "اي بعد اربع سنوات من عمر المجلس القانوني" مع موعد الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية الذي تنتهي ولايته في تشرين الثاني 2004.
السبب الثاني لاجراء الانتخابات النيابية قبل فصل الصيف، وهو ما درجت عليه العادة منذ انتخابات العام 1992، حفاظا على موسم الاصطياف والى ان يضع مجلس النواب قانونا خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الاتية:
1- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
2- نسبيا بين طوائف كل من الفئتين.
3- نسبيا بين المناطق. وتطبيقا للتساوي بين المسيحيين والمسلمين وفقا لوثيقة الوفاق الوطني " الطائف".
وفي 29 ايلول /سبتمبر 2008 صدر القانون الذي اجريت على اساسه الانتخابات في 7 حزيران 2009 واعتمد هذا القانون على تقسيم الدوائر الانتخابية الى دوائر صغرى. وجاء هذا التقسيم وفقا لما عرف باتفاق الدوحة والذي وضع حدا للخلافات التي نشأت بين الافرقاء اللبنانيين، وتمت في حينه الانتخابات على اساس القضاء بصورة متشابهة للقانون الذي وضع عام 1960 الا انه ادخل عليه بعض الاصلاحات منها اجراء الانتخابات في جميع الدوائر بيوم واحد بدلا من ان تجري على مدى اربع اسابيع متتالية ومنها مراقبة حجم الانفاق لكل مرشح، ومنها: انشاء هيئة متخصصة للاشراف على مراقبة هذه الاصلاحات، الا انه لم يطبق اي شيء منها والتي اقترحتها اللجنة الوزارية التي شكلت يومها لدراسة قانون الانتخابات ، حيث انه لم ينفذ اي منها حتى بند تخفيض سن الاقتراح من 21 الى 18 سنة وألغي ايضا اقرار الورقة الموحدة للمرشحين التي يفترض ان تقلص من احتمال التزوير، وكذلك رفض اعطاء العسكريين حق المشاركة في التصويت بحجة ابعاد الجيش عن الانقسامات الداخلية.
كما رحلت مشاركة المغتربين في التصويت الى العام 2013 رغم اقرار هذا البند، هذه الاصلاحات اقترحتها اللجنة الوطنية التي كلفت من قبل مجلس الوزراء برئاسة الوزير الراحل فؤاد بطرس انجزت بعد عمل مضن استغرق اشهرا، واضيفت الى هذا القانون كما القوانين السابقة عبارة "بصورة استثنائية ولدورة انتخابية واحدة تدعى الهيئات الانتخابية بمرسوم وتكون المهلة بين تاريخ نشر المرسوم واجتماع الهيئات الانتخابية 15 يوما على الاقل"، وذلك بحجة عدم تطبيق الاصلاحات من جهة وعدم الغاء القيد الطائفي، وما كان يواجه ذلك من معارضة وتجاذبات سياسية بمنظور مصلحي وليس بمنظور وطني، وبدلا من تطوير الاصلاحات والغاء الطائفية السياسية وفقا للمادة 95 من الدستور وبخطة مرحلية.
وبرزت فكرة قانون اللقاء الارثوذكسي وما رافقه وقضى بأن ينتخب ابناء كل مذهب نوابهم على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية والذي توافق عليه اكثر المسيحيون وبمباركة رأس الكنيسة على اعتبار انه افضل الممكن للتمثيل المسيحي الصحيح. وايده في حينه نواب "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على قاعدة اذا لم يكن ما نريد فأرد ما يكون. علما ان الرئيس بري كان وما يزال يتمسك بقانون النسبية على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وفقا لاتفاق الطائف. ورأى في حينه ان المشروع الذي اعدته الحكومة والي اعتمد النسبية على اساس 15 دائرة لا بأس به والذي رأى فيه ايضا وزير الداخلية السابق مروان شربل ان النسبية هي النظام الاكثر ديموقراطية ويؤمن التمثيل الصحيح لمختلف الشرائح ولا يتعارض مع اجماع القوى المسيحية.
هذا المشروع لاقى معارضة شديدة من تيار "المستقبل" ومن "اللقاء الديموقراطي"، وبعد اخذ ورد وتركيز من القوى المسيحية السياسية على تأمين التمثيل الاصح لابناء الطائفة. وعليه اقترحت القوات اللبنانية ان يقسم لبنان الى 61 دائرة على اساس تأمين التمثيل الافضل للمسيحيين، ثم عادت فعدلت الصيغة بشكل قسم لبنان الى خمسين دائرة، يقينا منها ان هذا التقسيم يسمح بايصال 55 نائبا مسيحيا بأصوات المسيحيين من دون تأثير يذكر للناخبين المسلمين. الا ان مركز بيروت للابحاث والدراسات اكد في دراسة له أن هذا الاقتراح يسمح بانتخاب 18 نائبا فقط لا غيرـ بعيدا عن تأثير الناخبين المسلمين. وخلصت هذه الدراسة لتقول "ان الناخب المسلم يشكل بيضة القبان".
في اقتراح القوات اللبنانية، ووسط انقسام الناخبين المسيحيين العمودي، وخصوصا في
دائرة بيروت الاولى: الاشرفية ثلاثة مقاعد نسبة الناخبين المسلمين 15,5 بالمئة، وفي دائرة بيروت الثانية اي الرميل - الصيفي المرفأ ثلاثة مقاعد نسبة الناخبين المسلمين 18,7 بالمئة، ودائرة بيروت الثالثة المدور مقعدان، نسبة الناخبين المسلمين 15,5 بالمئة.
دائرة الشوف: ثلاثة مقاعد مارونية نسبة الناخبين المسلمين فيها 13,7 بالمئة.
بعبدا: ثلاثة مقاعد مارونية نسبة الناخبين المسلمين فيها 14,5 بالمئة.
دائرة عاليه: مقعدان مسيحيان ومقعد درزي نسبة الناخبين المسلمين 47,1 بالمئة.
دائرة جبيل مقعدان مارونيان ومقعد شيعي نسبة الناخبين المسلمين 23,6 بالمئة.
دائرة جزين : ثلاثة مقاعد مسيحية ونسبة الناخبين المسلمين 23,4 بالمئة.
دائرة بعلبك - الهرمل: اربعة مقاعد ماروني وكاثوليكي ونسبة الناخبين المسلمين 35,2 بالمئة.
دائرة زحلة: ثلاثة مقاعد مسيحية نسبة الناخبين المسلمين 27,7 بالمئة.
دائرةالكورة: ثلاثة مقاعد مسيحية نسبة الناخبين المسلمين فيها 16,3 بالمئة.
دائرة زغرتا: ثلاثة مقاعد مسيحية نسبة الناخبين المسلمين فيها 12,4 بالمئة.
دائرة عكار: ثلاثة مقاعد مسيحية نسبة الناخبين المسلمين فيها 34,2 بالمئة.
مجموع هذه المقاعد 35 نائبا يضاف اليها 11 مقعدا موجودة في دوائر بيروت ذات الغالبية الاسلامية بحسب دراسة مركز بيروت للابحاث والدراسات.
وبناء على ذلك وبحسب ما تقدم لا يبقى سوى 18 نائبا مسيحيا منتخبين من الناخبين المسيحيين من دون تأثير اصوات الناخبين المسلمين.
سعد
وفي هذا الاطار، يقول رئيس مركز بيروت للابحاث عبدو سعد ل"الوكالة الوطنية للاعلام"، "ان هناك عيوبا اضافية على هذا الاقتراح منها مقعد ارمني في دائرة بيروت الرابعة زقاق البلاط - رأس بيروت، رغم عدم وجود اكثر /2500/ ناخب ارمني في هذه الدوائر، وكذلك بالنسبة للمقعد الماروني في دائرة بعبدا الثالثة والذي كان اكثرية ناخبيها من المسيحيين، فأتى اقتراح 14 اذار ليضعه في دائرة اكثرية ناخبيها من الدروز.
ويؤكد سعد ان هذا الاقتراح مخالف للدستور لان المجلس الدستوري اصدر عام 1996 قرارا قضى بأنه في اي تقسيم انتخابي جديد يجب ان تراعى المساواة امام القانون بين الناخبين وايضا بين المرشحين في تحمل الاعباء، لكن اقتراح قانون القوات اللبنانية هذا والذي تبناه فريق 14 اذار ووضع نائبا لكل 15700 ناخب في دائرة بيروت الثانية في مقابل نائب واحد لكل 43 الف صوت في بنت جبيل والنبطية مثلا، فيما المعدل الوطني يبلغ 26 الف صوت.
ورأى سعد ان هذا الاقتراح يخدم تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط اللذين سيتمكنان من التحكم في نتيجة اكثر من ثلث النواب المسيحيين. وفي مقارنة لسعد بين هذا الاقتراح واقتراح اعتماد النسبية على اساس 15 دائرة فانه يؤكد ان الدراسة التي اجراها مركزه تشير الى ان النسبية تؤمن 55 نائبا مسيحيا بأصوات الناخبين المسيحيين.
وسط هذا التخبط وفي ظل السجال السياسي الذي لم يوصل الى اي نتجية ووسط خوف كل فريق على حجمه السياسي برزت اقتراحات وافكار وصيغ مختلفة، كل يقارب قانون الانتخابات من وجهة نظره، حتى تخطت الاقتراحات والصيغ ال 17 اقتراحا ومشروعا. ولهذا، شكل رئيس مجلس النواب نبيه بري اكثر من لجنة مصغرة ممثلة من كل الفرقاء اللبنانيين وعلى مدى اشهر من الاجتماعات المعلنة والبعيدة عن الاضواء والتي كان آخرها لجنة التواصل النيابية التي خلصت بعد عمل مضن الى صيغة جمعت بين الاكثري والمختلط، ورفعت هذه اللجنة تقريرها الى رئاسة المجلس النيابي على ان يطرحها الرئيس بري على هيئة الحوار الوطني لتتحمل القيادات اللبنانية مسؤوليتها قبل عرض هذه الصيغة على الهيئة العامة للمجلس النيابي، في اول جلسة تشريعية يعقدها المجلس في دورته العادية الاولى التي تنتهي في آخر ايار.
==== ن.م