تحقيق طاهر ابو حمدان
وطنية - تخطت مشاكل النازحين السوريين الاقتصادية المساعدات والهبات، فوجدوا أنفسهم مضطرين إلى العيش بعرق جبينهم، وهم باتوا على يقين بضرورة إيجاد عمل يقيهم من الجوع وعدم ترك الرهان للظروف المتبدلة والمصير المجهول.
فها هو النازح عبد الله الحجي (55 عاما) يقف عند مدخل خيمة صغيرة حولها الى دكان تجاري صغير في مخيم المجيدية، ينتظر الزبائن وبخاصة الأطفال والذين يقصدون متجره لشراء السكاكر، ومنها الشوكولا والبسكويت الرخيصة الثمن او زجاجة مرطبات، مع القليل من المكسرات، هذا الدكان يقول "بات فسحة امل لعائلتي يعطينا مردودا مقبولا يسد جانبا من حاجياتنا، في ظل ما نواجه من تقطير في المساعدات الدولية، تحت ذريعة انخفاض في تقديمات الدول المانحة".
وأضاف: "التجارة بمختلف توجهاتها وتشعباتها باتت هدفا لشريحة واسعة من النازحين السوريين والذين لهم الباع الطويل والخبرة في هذا المجال، دكاكين الفلافل والشاورما والمكسرات على الطريقة السورية باتت منتشرة في مختلف تجمعاتهم، وان كانت اجراءات الجهات الرسمية اللبنانية، تحد منها باعتبارها مخالفة للقوانين ويلزمها رخص رسمية،الا ان النازحين يحصرون مثل هذه التجارة داخل المخيمات او عند اطرافها. نتجه وبشكل تدريجي الى الأعمال التجارية، وسط تجمعات ومخيمات نزوحنا، بهدف ايجاد وسيلة خاصة وثابتة، تكفل استقرار اوضاعنا الأقتصادية مع طول النزوح، بدل انتظار المساعدات والتقديمات الخارجية،المحكومة بالمساهمات الدولية والتي بدأت بالانحدار نزولا فترة بعد فترة، وتبعا لمصالح ومزاجية الجهات المانحة، ما يشير اليه النازح حسن الغريب من ريف ادلب والذي يوضح ان الكثير من النازحين، استطاعوا تأمين مبالغ صغيرة، استثمروها في التجارة، فباتت تشاهد داخل تجمعات النازحين، محال تجارية صغيرة موزعة بين السكاكر والمواد التموينية والخضار بالاضافة الى معامل الخياطة والحلويات والمكسرات، تحولت الى أبواب رزق محدودة، تغني وبنسبة مقبولة،عن استجداء مساعدة او معونة مجبولة بالذل والإهانة".
دخل النازح السوري السوق التجاري اللبناني من بابه الضيق، آخذا بالإعتبار عدم التنافس مع التاجر اللبناني، لذا فقد عمل على حصر تجارته، وبنسبة عالية داخل المخيمات والتجمعات المحايدة، وان كانت هناك قفزات محدودة الى جوانب الطرقات او بعض الأسواق الشعبية وبخاصة الأسبوعية منها"، كما يقول علي الحسوني من حلب والذي دفعه ضيق الحال الى فتح محل لبيع الخضار أمام أحد المخيمات في سردة. "كل ما أعرضه يقول صندوقا من الليمون وآخر من الموز والتفاح، عدة أكياس بطاطا، جمعها أطفال المخيم من السهول القريبة، أبيع يوميا ب 20 إلى 35 ألف ليرة، ربحي لا يتعدى ال 3 الى 5 آلاف ليرة، أحمد الله أني أتمكن من تأمين جانب من حاجة العائلة، ولا اريد أكثر من ذلك".
النازح طارق أبو علي أب ل 6 أطفال عمل على تقسيم خيمة نزوحه في سهل البقاع الى قسمين، الأول حشر عائلته فيه والثاني حوله الى محل تجاري صغير تحت اسم "ميني ماركت النزوح "، عرض فيها المرطبات والمكسرات ومختلف انواع المعلبات، زبائنه من نازحي المخيم، يشترون حاجياتهم باسعار مقبولة "بحيث نحرص كل الحرص ان توازي اسعارنا تلك في المحال اللبنانية المجاورة، رأسمال المحل لم يتجاوز ال 200 دولارا أميركيا، والربح اليومي يتراوح بين ال 5 الى 10 آلاف ليرة، ويكفي اني اعيش بكرامتي ومن عرق الجبين، لقد استنزفت الحرب السورية كل ما نملك، كانت لدينا بساتين في ادلب شاسعة، واملاك كثيرة ومنازل، كلها تهدمت او احترقت، وما نحاول ان نقوم به هنا، يبقى عملا موقتا، بانتظار توقف الحرب في بلدنا، لنعود الى ديارنا، نبني من جديد".
اتخذت جومانه العزيزي ، وهي ام لأربعة اطفال قتل زوجها في الحرب السورية، من زاوية خيمتها في سهل الماري، مكانا ركزت فيه ماكينة خياطة عتيقة، استطاعت اخراجها من بين ركام منزلها المدمر، وحملتها معها الى لبنان. جومانة باتت مقصدا لعشرات النازحين الذين يلجأون اليها لرتي ثيابهم او لاعادة تفصيل ملابس حصلوا عليها كمساعدات. وتشير الى توسع عملها ليصل الى حد، خياطة او تسوية ملابس وفساتين اعراس لنازحات قررن الزواج في النزوح، العمل مقبول تقول ولكن تقنين الكهرباء، تبقى المشكلة في الحد من العمل،اسعاري رخيصة جدا ف"رتي" اي قطعة او تقصير بنطلون مثلا ب الف ليرة، خياطة فستان العروس يصل الى 50 الف ليرة، لكن المهم ان مهنة الخياطة هذه تدر علي بحدود ال 100الى 150 دولارا شهريا، وهذا المبلغ يغطي نسبة مقبولة من المصاريف".
النازح شادي سامح من ادلب، اختار مهنة تربية الدجاج والحمام، فأقام بمحاذاة خيمته في جنوب لبنان، قنا بطبقتين، السفلى خصصها للدجاج والعلوية للحمام . ويقول:"لقد نجحت التجربة، بدأت العمل ب 10 دجاجات وب 5 أزواج حمام، وخلال سنتين تضاعف العدد لمرتين، عندي يوميا بين 10الى 15 بيضة، أبيع كل 3 بيضات ب ألف ليرة، وكذلك أبيع فروخ الحمام كل فرخ ب 5000 ليرة،الغلة مقبولة والزبائن تجاوزوا النازحين الى اخوتنا اللبنانيين في القرى المجاورة.
"نريد العيش بكرامة"، هذا ما يصر عليه ابو طارق جميل العلبي الذي يعمل في تجارة البطاريات العتيقة، ويصف الوضع ب "الصعب والحالة مربكة حقا، علينا التأسيس لواقع جديد فالنزوح ربما طال و"ما حك جلدك مثل ظفرك"، ويجب عدم الوقوف وانتظار المساعدات ربما انقطعت فجأة، من ضمن سياسة معاقبة سوريا واهلها، واني اتوجه الى كل نازح بالقول، حاول ايجاد عمل يقيك الجوع يوما، ولا تترك الرهان للظروف المتبدلة والمصير المجهول".
============== ج.س