تحقيق ماري خوري
وطنية - تصادف الذكرى المئوية للابادة الأرمنية مع واقع جيوسياسي صعب تشهده منطقة الشرق الأوسط، فمع سقوط الدول وتغيير الأنظمة وتبدل الحدود ومع موجات النزوح والتهجير التي تطال الكثير من شعوب هذه المنطقة تأتي الذكرى المئوية للأبادة الأرمنية لتسلط الضوء على معاناة شعب ضحى بنفسه تمسكا بايمانه ومعتقاداته وجذوره.
بدروس
ومساء 23 نيسان الحالي ستقرع اجراس ارمينيا ولبنان في نفس التوقيت "تخليدا لذكرى نحو مليون ونصف ارمني شهيد سيرفعون الى مرتبة القداسة"، وفق ما أعلنه ل"الوكالة الوطنية للاعلام" بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر الذي طالب باعتراف تركيا بالإبادة الأرمنية وبالتعويض للأرمن والذي وصف كلام البابا فرنسيس عن الإبادة الأرمنية بالحكيم واللبق.
وقال البطريرك بدروس: "ان الأبادة لا تزال في ذاكرة الشعب الأرمني رغم مرور مئة سنة، وهي ليست من الماضي بل من الحاضر، لأن الأبناء واحفاد يتذكرون في كل سنة ما حصل، وفي كل عائلة هناك اشخاص ضحوا بحياتهم من اجل تمسكهم بالإيمان المسيحي، بالإنجيل وبالصليب المقدس. نحن نتألم لفقدان اهلنا الأبرياء ولكن ذلك مدعاة فخر لنا فهم اختاروا الحياة الأبدية بدل الحياة الأرضية، ولم يتخلوا عن ايمانهم".
واعتبر ان "الإستشهاد نوع من الدعوة"، وقال: "ان استشهاد اكثر مليون ونصف شخص ليس بالأمر البسيط. لقد كانت خطة وهدف الإمبراطورية العثمانية وحزب "التقدم والترقي" ابادة الشعب الأرمني نظرا لتفوقه في مجالات التجارة والصناعة والفن، وتم ذلك خلال الحرب العالمية الأولى وتمكنوا من تنفيذ خططهم دون تدخل الدول الأخرى لأن الجميع كان في حالة حرب. كان المسيحيون يتألفون من الأرمن الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليين والسريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان واليونانيين، وكان هناك نحو ثلاثة ملايين ارمني واليوم بالكاد يوجد نحو خمسين الف. الإبادة بدأت على مراحل سنة 1894 وسنة 1909 وكانت المرحلة الأخيرة 1915 -1916، وانتشر الأرمن في العراق، سوريا، لبنان، مصر الأردن، اليونان ، فرنسا وروسيا ودول اخرى. وكون المهاجرون في الشتات جاليات منظمة واصبح لدينا ابرشيات في كل هذه الدول وبنينا كنائس واديرة ومدارس بدأت بتعليم اللغة الأرمنية ولدينا رعايا مزدهرة في كل هذه الأماكن ومن ميزة الأرمني انه يتأقلم بسرعة في المناطق التي يعيش فيها، ولديه حنكة ومهارة مواهب متعددة".
واوضح البطريرك بدروس "ان كلمة الإبادة دخلت في القاموس الدولي سنة 1949، ونحن ننتظر من الأتراك ان يعترفوا بالإبادة وان يعطونا تعويضات. في الخمسين سنة الأولى نظم الأرمن نفسهم في الشتات ليعيشوا، وفي الخمسين سنة الثانية بدأوا يبحثون عن حقوقهم فشكلوا احزابا، مثل الطاشناق والهانشاك والرمغفار، نشطت في كل الدول، وهناك الآن 21 دولة اعترفت بالإبادة الأرمنية".
وعن كلام البابا فرنسيس عن الإبادة الأرمنية، قال بدروس: "ان قداسة البابا تكلم بطريقة لبقة وحكيمة جدا، تكلم بتواضع ولم يقل شيئا جديدا بل ذكر ما قاله البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما تكلم عام 2001 عن الإبادة الآرمنية، كان هناك بيان موقع من البابا يوحنا بولس الثاني وكاثوليكوس ارمينيا حول الحكم على الإبادة الأرمنية من طرف الدولة العثمانية والحكم على الدولة التركية الحالية التي هي وريثة الحكم العثماني. لقد ذكر البابا فرنسيس بكلام اصبح من التاريخ وموجود في الكتب، ولم يذكر البابا فرنسيس الأرمن فقط انما الإشوريين والسريان وذكر الإبادة النازية والستالينية، واكمل وذكر الإبادة الجديدة التي تقوم بها داعش، لقد ربط البابا فرنسيس كل هذه الأمور ببعضها، هذا طبعا ما ازعج تركيا التي قامت بضغط قوى جدا حتى لا يذكر البابا كلمة ابادة".
واضاف: "لقد قال البابا انه لا يمكن انكار حقيقة وواقع تاريخي ولا يجب ان نتصرف بكذب ومكر حول هذا الموضوع بل يجب ان نتحلى بالصراحة، وهو حمل مسؤولية الجريمة لكل الدول التي لا تعترف بهذا الواقع".
وتابع: "كلام البابا اثر وجعل الرئيس الأميركي باراك اوباما يتكلم عن الموضوع، لقد اعترف الإتحاد الأوروبي بالأبادة واعلن انه يجب الإحتفال كل سنة بهذه الذكرى وكل صحف العالم تكلمت عن هذا الموضوع".
وطالب البطريرك بدروس بمحكمة دولية لأقرار تعويضات للأرمن، معتبرا ان "هناك فكرة سياسية وانسانية لوجوب لقيامها وهي الدفاع عن الإبرياء ومن ضمنهم النصف مليون شخص الذين هجروا من نينوى".
ورأى "ان عدم الإعترف بالإبادة الأرمنية يعني أن ابادات جديدة ستحصل"، وقال: "لو كان هناك محاسبة على المستوى العالمي للإبادات لما تمكنت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ان تتقدم بهذا الشكل والدول الأخرى تتفرج عليها. "داعش" تتقدم لأن هناك من يساعدها بالمال والسلاح والتجارة، وتركيا تورد لها كل يوم مليون دولار، تقول تركيا بانها الى جانب اميركا وفي الحلف الدولي ضد "داعش"، ولكن في الحقيقة تبيع "الدولة الداعشية" الى تركيا برميل النفط بعشرين دولار وتبيعه تركيا للخارج بثمانين دولار هناك مصالح اقتصادية كبيرة بين الطرفين".
واشار البطريرك بدروس الى المنتدى الدولي لإحياء ذكرى مئوية الإبادة الأرمنية تحت عنوان "ضد جريمة الإبادة الذي يقام في ارمينيا"، ويشارك فيه شخصيا، ويحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ممثل عن قداسة البابا فرنسيس، البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، البابا تواضروس وعدد من الشخصيات الدينية والسياسية، وهو مخصص لإدانة الإبادة وتضامن كل الدول والكنائس مع الشعب الأرمني. وسيشهد هذا المنتدى اعلان قداسة مليون ونصف ارمني ابيدوا".
وأعلن ان الإحتفالات ستتم من 22 الى 24 نيسان ويتخللها الشق السياسي والديني، وسيقرع عند السابعة والربع مساء 23 نيسان في ارمينيا نحو مئة جرس تعبيرا عن المئة سنة التي مرت، ولقد طلبت من البطاركة والمطارنة في لبنان ان يقرعوا الأجراس عند السادسة والربع مساء اي السابعة والربع بتوقيت ارمينيا. وفي النهاية ستتلى صلاة الابانا عن راحة نفس الشهداء الضحايا.
وفي الختام قال البطريرك بيدروس: "نحن مدعوون لان نسامح الأعداء ونحبهم، ولكن هذا الأمر يرفضه الإنسان بشريا، ويجب ان يكون لديه ايمان قوي للقيام بذلك، وممكن للإنسان ان يحب الأعداء بمعنى ان يريد الخير لهم وان يوجههم الى الحق والواقع، ولقد قال لنا يسوع:" اذا اضطهدوني سيضطهدونكم اذا احبوني سيحبونكم". ونحن نعرف بأننا مضطهدون والسيد المسيح اعلن "من اراد ان يكون تلميذي فليحمل صليبه كل يوم ويتبعني"، فنحن نمشي مع يسوع ونعظ هذا الكلام للشعب ليعيش هذا الإيمان المسيحي الذي لا يتطلب كلاما بل افعالا اي شهادة مسيحية بالكلام والأفعال والصلاة وهذه نعمة من الرب، والإستشهاد هو بمثابة دعوة من الرب فليس من السهل ان يضحي الإنسان بحياته وهو بريء، رسل يسوع تشبهوا به واهالينا ايضا، نحن تلاميذ ورسل يسوع".
اوغاسبيان
اما النائب جان اوغاسبيان، فرأى "اننا نشهد اليوم فصولا من الإبادة الأرمنية في منطقة الشرق الأوسط، فهناك شعوب واقليات وقوميات تواجه خطر الإنقراض، وهناك تدمير للتراث المسيحي وتراث الشعوب الأخرى، وطالما لم تتم محاسبة الذين اقدموا على الإبادة الأرمنية فسنشهد مظاهر اخرى من المجازر تحل في عالمنا اليوم".
وربط اوغاسبيان بين ما حصل مع الأرمن منذ مئة عام وما يحصل اليوم في منطقة الشرق الأوسط، "حيث يتحول الحوار الى تراشق بالإسلحة الثقيلة على اعلى المستويات، والأمور ذاهبة الى ازدياد العصبيات المذهبية والطائفية والقومية"، وقال: "هناك حضارات تمحى وشعوب تواجه خطر الإنقراض بسبب العنصرية والتعصب والعنف والإرهاب وانكار الآخر المختلف في انتماءاته المذهبية او العرقية. واصبح دخان الحرائق يرتفع، تدمر مدن والمجتمع الدولي يتفرج مثلما حصل في الإبادة الأرمنية منذ مئة سنة".
اضاف: "هناك اجيال من الأرمن في ارمينيا والعالم بأسره لم تعش تلك الإبادة الأليمة، ورغم ذلك اكتوت بنارها ونصبت نفسها حارسة للذاكرة ومدافعة عن القضية الأرمنية ألا وهي قضية الإنسانية والعدالة، والديموقراطية والحريات، والمساواة واحترام الآخر، وقضية الإعتراف بالإبادة الأرمنية التي حصلت في زمن السلطنة العثمانية. واعتبر ان المطلوب اليوم هو اعتراف تركيا بتلك الإبادة، ونحن نرى انها قضية استعادة الحقوق المشروعة، هي قضية الحياة والحياة مقدسة لا يمسها احد غير خالقها".
وعن اسباب اليقظة حول القضية الأرمنية الآن، أعلن اوغاسبيان "ان القضية الأرمنية موجودة في يوميات الأرمن ونحن لا ننتظر 24 نيسان لنتذكر الإبادة، بل هي موجودة في يومياتنا وحياتنا الإجتماعية، وقداسة البابا فرنسيس اعتبر ان الإبادة الأرمنية عام 1915 اول ابادة في القرن العشرين، وهذه الإبادة نشهد فصولا منها اليوم في العالم العربي وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط، فهناك شعوب واقليات وقوميات تواجه خطر الإنقراض، وهناك تدمير للتراث المسيحي وتراث الشعوب الأخرى وهناك ثقافات عمرها كثر من ستة الاف سنة يتم تدميرها وللآسف. وما يحدث اليوم هو شبه ابادة وقد تصل الى الإبادة ولكن طالما لم يتم محاسبة الذين اقدموا على الإبادة الأرمنية في بدايات القرن العشرين فسنشهد مظاهر اخرى من المجازر تحل في عالمنا اليوم".
وعن العبرة التي يمكن استخلاصها من الإبادة الأرمنية، قال: "العبرة هي القيم الإنسانية التي تم التعرض لها. وعلينا كلبنانيين اليوم ان نفكر بعمق، وتحديدا المسيحيين منهم لنرى ما يحصل لمسيحيي الشرق من العراق الى القدس الى فلسطين المحتلة الى سوريا وما حصل خلال الإبادة الأرمنية من عمليات قتل وتدمير قرى وتهجير، فلنتعلم كيف نحمي انفسنا وكيف نحمي هذا البلد ولنبن شبكة امان داخلية ونعيش معا بدل ان نذهب للمواجهة. فلنتحاور ونحول الحوار الى حوار منطقي وعقلاني والى بحث جدي في القضايا الخلافية، يجب ان نتعلم ونشعر بالمخاطر ولا يمكن لهذا البلد ان يبنى الا بتكاتف كل ابنائه من كل المذاهب والطوائف والأحزاب فهي كلها شريكة فيه ومن حقها ان تعيش فيه بكرامتها. ولكن وللاسف فإن الخلافات تزيد والأجندات الخارجية تؤثر على الداخل اللبناني، وان شاء الله نتعظ ونستفيد من الإبادة الأرمنية وما حصل في تلك المرحلة الأليمة وما يحدث اليوم في العالم العربي".
بقرادونيان
من جهته، اعتبر النائب هاغوب بقرادونيان "ان ذكرى الإبادة الأرمنية هي دعوة للعمل المشترك ولإعادة احياء الذاكرة الجماعية اللبنانية الأرمنية في موضوع تحقيق الحق والعدالة ضد كل انواع الجرائم ضد الإنسانية وضد انواع الإبادة"، ورأى "ان الصمت حول جريمة ما هو بمثابة المشاركة فيها".
وقال: "ان الذكرى المئوية لإبادة الأرمن هي مرحلة من مراحل نضال الشعب الأرمني لأجل تحقيق الحق والعدالة وهي ايضا احياء لذكرى الشهداء والإحتفال بصمود الشعب الأرمني. وهي دعوة للعمل المشترك ولإعادة احياء الذاكرة الجماعية اللبنانية الأرمنية في موضوع تحقيق الحق والعدالة ضد كل انواع الجرائم ضد الإنسانية وضد انواع الإبادة".
وتابع: "نحن في هذه المناسبة ندعو جميع اللبنانيين، شركاءنا في الوطن، ان يكونوا الى جانبنا لأن الصمت حول جريمة هو مشاركة فيها، فاذا صمت عن ادانة جريمة ما فهذه الجريمة ستطال غيري ولن اجد من يتكلم عنها".
وعن اليقظة الآن، قال: "الذكرى المئوية هي رمزية معينة وثانيا لاقتناع شعوب المنطقة وخصوصا الشعب العربي وبعض الدول العربية بأن القناع المزيف سقط، وبأن تركيا هي وراء كل انواع الجرائم التي تحصل اليوم في المنطقة والتاريخ يكرر نفسه، وما فشلت تركيا العثمانية ان تقوم به في مراحل من القرن الماضي تحققه اليوم بكلمات مزيفة ومواقف استعراضية ورنانة، اعني ما قامت به تركيا في غزة في باخرة مرمرة او بالوقوف الى جانب بعض الإصلاحات المزعومة. اليوم هناك يقظة عربية من ليبيا الى تونس فاليمن ومصر وسوريا والعراق ولبنان بأن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو الوجه الحقيقي للعثمانيين القدماء وهو يحاول تطبيق وتنفيذ المخطط العثماني القديم".
ولفت النائب بقرادونيان الى موقف البابا فرنسيس في الفاتيكان، عندما اعلن "ان ما حصل من مذابح ضد الأرمن في الحرب العالمية الأولى هي جرائم ضد الإنسانية وتسمى بمصطلح الإبادة، وهذا ما يفتح مجالات ومستويات جديدة امام نضالات الشعب الأرمني وامام نضالات كل الشعوب التي تتعرض لجرائم مشابهة من جريمة ابادة الأرمن الى جريمة الإبادة في رواندا الى جريمة الإبادة في صربيا، والشعب الفلسطيني والشعوب العربية في المنطقة العربية".
========== ن.م