تحقيق ابراهيم طعمة
وطنية - بلدة تاشع في منطقة جرد الجومة في عكار، حباها الله بطبيعة خلابة، حيث تشكل المساحة الحرجية فيها حوالى 1,2 كلم، من مساحتها الاجمالية البالغة 3,8 كلم أي 30 %. يغطي حرج الشوح القسم الاكبر من هذه المساحة، وشكل على مر السنين الرئة والمتنفس للبلدة وجعلها مكانا هاما للسياحة البيئية.
تعرض هذا الحرج الى عمليات تقطيع خلال تاريخه الطويل، حيث ان ابناء الارياف، يستفيدون من الموارد الطبيعية في بيئتهم، لتأمين حاجاتهم المختلفة، من مياه وحطب للتدفئة وحجارة للعمارة الخ... والاشكالية الكبيرة التي ظهرت، وأدت الى اختلال هذا التوازن التاريخي، والتآلف الطبيعي، الذي كان قائما بين الانسان وبيئته، جاءت بسبب الفوضى العارمة التي عاشها اللبنانيون على مختلف الاصعدة، بسبب الحروب المتتالية منذ اكثر من اربعين عاما، وضعف بنية الدولة والمؤسسات التابعة لها، حيث توسعت عمليات التقطيع لتتحول الى تجارة للحطب والفحم، اضافة الى عمليات الرعي التي ادت الى القضاء على النبتات الصغيرة للشوح، فتقلصت المساحة الخضراء بشكل ملحوظ.
هذه المشكلة باتت هاجسا لنخبة واعية من ابناء البلدة، الذين عملوا على استصدار قرار من وزارة الزراعة يحمل الرقم 75/1 بتاريخ 8/2/1996 ويقضي بوضع الحماية الاجبارية على مشاع بلدة تاشع - قضاء عكار، وقد شكل هذا القرار سندا اساسيا للبلدية الحالية التي تلقفت مبادرة عرضها أحد المغتربين من أبناء البلدة الشيخ أحمد ياغي، تقضي بتأمين طاقة بديلة للتدفئة خلال فصل الشتاء على نفقته الخاصة، للحفاظ على البيئة والحرج الذي يحوي اشجار شوح ولزاب وسنديان وعزر ونباتات وازهار نادرة.
وللاطلاع على تفاصيل المشكلة والمبادرات التي ظهرت لمعالجتها، تحدث سعد ياغي مدير مصرف سابق، واحد وجهاء تاشع وناشط اجتماعي، خدم البلدة ردحا من الزمن، فقال :" كان هاجس النخبة في بلدتنا تاشع هو حماية هذا الحرج النادر من الاندثار، من حق الناس الاستفادة من الاشجار لتأمين التدفئة، في هذه البلدة التي يصل ارتفاعها الى 1400 متر، وهي عادة كانت سائدة منذ تكوينها، لكن الطارىء الذي حصل، انه نتيجة الفوضى التي سادت إبان الحرب الاهلية وتردي الاوضاع الاقتصادية بدأ البعض من ابناء البلدة وخارجها بقطع الاشجار لاسيما المعمرة منها، من دون اي رادع، للمتاجرة بالحطب والفحم، وقد اضطر الاهالي الى التصدي لهؤلاء مرات عدة، مما ادى الى نشوب نزاعات، ومخافة تطور الامور نحو الاسوأ، وبمبادرة من المرحوم انطوان يونس في تسعينيات القرن الماضي، حصلنا على قرار بجعل مشاعات البلدة محمية، وكلفنا ناطورا على نفقة الاهالي لحماية المشاعات، بالتنسيق مع المراجع الامنية المختصة، لكن الاوضاع تردت مجددا".
وتابع: "الى أن جاءت مبادرة الشيخ احمد ياغي، التي انصفت الجميع، بايجاد الطاقة البديلة للتدفئة، لكل العائلات المقيمة وتلك التي تتردد الى البلدة خلال فصل الشتاء، مقابل التوقف عن قطع الاشجار من الحرج، وقد أعطت هذه المبادرة نتائج إيجابية وظاهرة للعيان، بعد مرور أربع سنوات على البدء بها، هذه المبادرة التي يمكن ان تشكل نموذجا او حافزا، لايجاد حلول لحماية الاحراج والغابات، بايجاد بدائل للناس لتأمين حاجاتهم من الحطب للتدفئة، وتوقف عمليات القطع والحرائق بهدف المتاجرة بالحطب والفحم، من خلال تعاون المؤسسات الرسيمة المحلية خاصة البلديات مع الفاعلين والناشطين في المجتمع المدني".
ياغي
رئيس البلدية خالد ياغي شرح هذه المبادرة وكيفية انطلاقها، موضحا انه "في العام 2010 تلقى اتصالا من الشيخ احمد ياغي الموجود في باريس حيث كان الطقس باردا جدا، فاتصل مستوضحا احوال ابناء تاشع المقيمين، وكيف يواجهون البرد الشديد الذي يضرب البلدة، فكان الرد ان الناس كالعادة يعتمدون على الحطب من الحرج للتدفئة، فطلب الشيخ احمد من البلدية، تأمين ما يلزم وعلى نفقته الخاصة من مادة المازوت للتدفئة لكل المواطنين من دون اي تمييز ، مقابل التوقف عن قطع الاشجار من الحرج، وهكذا كان".
وتابع: "تكررت هذه الحالة في العام التالي 2011، ثم استبدلت بتأمين الحطب من أحد التجار في جبيل الذي يستورد الحطب، من الخارج للتفدئة، ومستمرون بهذه العملية حتى هذا العام".
وأكد أن "هذه المبادرة أدت الى حماية الحرج الذي هو ثروة تاشع، ورئتها التي تتنفس من خلالها، هو الذي ينقي الهواء ويجذب الطيور ، وهذا الحرج هو الذي يعطي للبلدة جمالها وسحرها، وأهلها لتكون موقعا هاما للسياحة البيئية، فاصغرشجرة شوح فيه عمرها 300 عام".
وأوضح أن "المبادرة أعطت نتائج إيجابية كبيرة، وعادت نبتات الشوح الصغيرة وباقي أصناف الاشجار بالظهور وبكميات كبيرة تحت أمها، بعد توقف عمليات الرعي، وعادت المساحات الخضراء، التي عانت من التصحر، بسبب توقف عمليات تقطيع الاشجار، واعادة تشجيرها. وضع الحرج بدأ يتحسن تدريجيا، ووضعنا حدا للتعديات، فمنعنا دخول المواشي اليه، والتي كانت تقضي على النبتات الصغيرة، التي عادت الى الظهور بالالاف والملايين والآن بات بالامكان ملاحظة التطور الحاصل".
وأضاف: "شملت المبادرة، تغطية نفقات إعادة تشجير المساحات التي قطعت أشجارها في الحرج، وسنويا تقوم البلدية بتشجير ما بين خمسين الى ستين شجرة شوح صغيرة، وكذلك طالت عملية التشجير بأشجار الشوح، مدخل البلدة".
ونوه ب "مبادرة رجل الاعمال المغترب الشيخ أحمد ياغي التي تعطي النموذج الأفضل للتعاون بين المجتمع الأهلي والمؤسسة الرسمية، هذا التكامل الذي يثمر تنمية حقيقية في البلدات والقرى التي طالها النسيان والحرمان والاهمال"، داعيا الى "تعميم هذه التجربة، وقد تكون بأشكال مختلفة، على البلدات كافة في الجومة، المميزة بغاباتها وخضارها، وان تجربة تاشع لا تنحصر فوائدها على البلدة فحسب بل لا بد وان تطال تأثيراتها الايجابية كل المنطقة".
سلوم
كاهن الرعية المارونية لتاشع وممنع الاب جان سلوم بارك هذه المبادرة شاكرا للبلدية والشيخ ياغي اهتمامهما الكبير بابناء البلدة وبيئتها والحرج الذي هو ملك عام لكل ابناء البلدة، وموقع مثالي للسياحة البيئية، مما يساعد على ايجاد فرص عمل في البلدة.
واشار الى أن "نسبة الشكاوى حول التعديات على الحرج قد خفت الى اكثر من 90 في المئة، مع تأمين الطاقة البديلة".
خطوة نأمل أن تحتذى في باقي البلدات والقرى، عل أحراج لبنان تبقى خضراء وتنعدم التعديات عليها بإيجاد مصادر بديلة عن الحطب للتدفئة.
========== ج.س