تحقيق ريما يوسف
وطنية - الشعر والادب هما لغة الخيال والعواطف لهما صلة وثيقة بكل ما يسعد ويمنح البهجة والمتعة السريعة أو الألم العميق للعقل البشري، إنه اللغة العالية التي يتمسك بها القلب مع ما يملكه من إحساس عميق.
والأدب هو تعبير عن المجتمع، وعن قضاياه، وهو صورة جميلة أو مجملة لهذه الحياة التي نمارسها بشكل أو بآخر، ويتعلق الادب بالخيال وهو قوة طبيعية أودعها الله في نفس الإنسان، ليخرج بها من العالم المحدود إلى ما وراءه، وبكل بساطة الأدب هو التعبير عن هذا الخيال.
الاديب والشاعر العالمي جودت رستم حيدر، لقب بشكسبير العرب لمخارجه الشعرية المتجانسة والراقية، قلعة بعلبك الصامدة ومدينة الشمس انجبته كمثالها، عصية على الزمن، وذو تاريخ يبدأ ولا ينتهي، ومنارة للمعرفة.
تآخى مع الالم والمحن منذ نعومة اضافره، قهره الزمن فرد له الكيل باكيال من الصمود والمواجهة البقاء لايمانه بربه وبوطنه وبالحياة.
ولد العام 1905 وتوفي عام 2006، عاش مئة وعام واحد أحب خلالهم الحياة كحبه لبناته الست، وزوجته وابنه الذي أفجعه بهما القضاء والقدر.
وبما ان له دورا عالميا وثقافيا في المنطقة وفي العالم الغربي، ارادت أقدم مكتبة حكومية عامة في العالم القديم وأول مكتبات العالم، مكتبة الاسكندرية، ومركز دراسات الاسكندرية وحضارات البحر المتوسط وبالتعاون مع جمعية اصدقاء جودت حيدر، الحفاظ على ارثه الثقافي عبر تكريمه في الذكرى الثامنة لرحيله في 4 كانون الاول المقبل، ويشارك فيه مديرة مركز دراسات الاسكندرية وحضارة البحر المتوسط الدكتورة سحر حمودة، محافظ البقاع السابق دياب يونس، سفير لبنان في مصر خالد زيادة، اضافة الى فيلم وثائقي عن حياة الشاعر يقدمه الدكتور جوزيف الشمالي.
وارادت هذه المكتبة العريقة تكريمه لانه رجل الفصول الاربعة لتنوع ادبه بين الوجداني والوطني والروحاني والاجتماعي اضافة الى انه كتب بالغة الانكليزية كاهم الشعراء الانكليز، فهو الشاعر المثقف، وهو التربوي المتمرس، وقد تجلت قيمه الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية في شعره، حيث كتب قصيدة باللغة الإنكليزية بطريقة مبدعة ما جعل صحيفة "نيويورك تايمز" تصفه بالمميز.
درس جودت حيدر في الجامعة الاميركية في بيروت 1924، وفي ليون فرنسا 1925، وتكساس (الولايات المتحدة 1927)، متخصصا في التربية والتعليم. ادار "الجامعة الوطنية" (عاليه 1928) وكلية النجاح (نابلس 1930)، ثم التحق بشركة النفط العراقية (1932 ـ 1960) وبلغ منصب مستشار الصناعة للشرق الاوسط. بعد تقاعده انصرف الى التأليف فاصدر ثلاث مجموعات شعرية بالانجليزية: "أصوات" (1980)، "أصداء" (1988)، "ظلال" (1998)، وتصدر قريبا مجموعته الرابعة "زمن". وفي العربية صدر عنه "جودت حيدر: مشوار العمر" وفي عام 2006 نشر بديوانه الأخير الذي جاء تحت عنوان "مئة قصيدة وقصيدة مختارة"، على عدد سنين عمره.
يحمل وسام الاستحقاق اللبناني المذهب (1951)، ووسام الكسندر الثالث بطريرك سورية وسائر المشرق للروم الارثوذكس (1954)، ووسام كرياكوس السادس بابا الاقباط (1955)، ووسام الصليب برتبة ضابط اكبر من الدولة الفرنسية (1957)، ووسام البابا يوحنا الثالث والعشرين (1959)، ووسام الكرسي الاورشليمي (1959)، ووسام الكرسي الاسقفي في القدس (1959)، وليوم تكريمه منحه الرئيس السابق وسام الاستحقاق من رتبة ضابط.
شاهينة عسيران
"كان قدوة لنا لننتصر على الالم الكبير، وكان يضعنا في عالم آخر ارقى بكثير من الواقع، علم من الصبر والقبول والانتصار على المصاعب"، كلمات خرجت من قلب ابنته السيدة شاهينة حيدر عسيران التي تحدثت للوكالة الوطنية للاعلام عن والدها الاديب بشغف وبفرح داخلي لا يوصف، "انقلبت حياتنا بعد وفاة والدتي ثم اخي الوحيد فعانى ابي كثيرا الا ان ايمانه جعله اقوى من المصاعب وتحدى الالم بصبره، حتى ان اولى كتاباته بالعربية ابدعها بعد وفاة شقيقي، وقد قال عن الصبر:
صبرت وشربت الصبر
وانا صابر في حديقة الصبر
من اتاني يراني كالزمان
صابرا على صبري".
اضافت: "كان مدرسة لنا بوطنيته واخلاصه وثقافته الواسعة وشخصيته المرنة، كان معطاء جدا من كل النواحي وانبل شيء في الانسان ان يعطي من وقته وماله لغيره".
واشارت عسيران الى انه لقب "بأمير شعراء العرب، عاصر الاحداث وكتب بشمولية وبمواضيع عدة تؤثر بالجيل الصاعد وتتحدث عن امنياتهم، كتب بلغة عالية تضاهي لغات الاميركان والانكليز لمتانة لغته وشعره المقفى، فقد كان جد متواضع وهو من عائلة معروفة بالعلم والثقافة، وراق في تفكيره وشعره".
وقالت "بدأ بالنشر عام 1980 اتى من جامعة بيركلي وعندها بدأ بنشر دواوينه، واصدر مشوار العمر عام 2000، وعام 2006 101 قصيدة وهو بالانكليزية وقد ترجمته جامعة القديس يوسف الى اللغة الفرنسية".
وعن اعادة تمثال خليل مطران الى بعلبك قالت: "اعاد جودت حيدر تمثال مطران الى مكانه لتعزيز فكرة التعايش الوطني فالحرب ادمت قلبه، وسعى كثيرا لاعادة شمل الجميع".
وعن لقائه الشخصيات قالت: "لقد حاكى جودت حيدر شخصيات عديدة تاريخية كغاندي وشعراء كبار ك فروست وجاوبهم بلغته وباشعار لا تقل قيمة عن اشعاره، وقد تم منحه اوسمة وميداليات عيدة دولية وعلابية ولبنانية، اضافة الى تكريمات اكاديمية، لمستوى لغته وعطائه الثقافي، وقد بدات الثانويات الرسمية بتدريس شعره في مادة الادب الانكليزي، فقد حلكى جودة حيدر كل مخلوقات الله حتى انه حاكى البحر بالقول:
يا بحر ارفع أمواجك
واغسل سواحلنا المغرية
وارفض الموت والاستسلام
كما المناضل في".
وختمت عسيران: "انطلق من نفسية الانسان اللبناني الى الانسان العربي والغربي ليصل الى جوهره فكان عالميا بكل ما للكلمة من معنى".
الدكتور دياب يونس
من جهته، اعتبر محافظ البقاع السابق الدكتور دياب يونس الذي عرف حيدر عن قرب ان صداقتهما تعود الى اكثر من 20 سنة، وهي صداقة قديمة مع بيت تعرفت عليه في أواخر 1980 واجتمعت به عدة مرات، وحادثته في قضايا وطنية وشعرية، ونظرته للشعر والأدب، وكان مثال الرجل العميق والواسع الثقافة وصاحب النظرة الكونية للانسان، وكونه لبناني ومهماته كانت عديدة كان شخصا ذو آفاق واسعة وعميقة وأحببناه جدا، وهذا التكريم الذي سيقام في الإسكندرية سنمثل لبنان هناك بما يربطنا فيه لنتحدت عنه"، منوها ب"كل المجالس والندوات والجامعات ومجالس البحوث الفكرية".
اضاف: "عندما نتحدث عن الكتاب والادباء باللغة الإنكليزية مباشرة يحضر للذهن 3 كبار من الرابطة القلمية: جبران، نعيمة وامين الريحاني، الا ان حيدر يتميز عنهم انه الوحيد الذي كتب الشعر باللغة الإنكليزية بطريقة مقفى، فعنده الشعر الحر وعنده الشعر الخاص فيه الذي لا ينحصر فقط في العروض، فالفكرة عميقة وإيقاعها غني الى جانب ارتباطها بقواعد الشعر الكلاسيكية وأشكال جديدة من الشعر".
اضاف: "ويتميز ادبه بشمولية بالرؤيا والرؤية، لهذا شعره رائع وبارز وفريد، وأساليب الحقبة الرومنطيقية الحديثة في الأدب الإنكليزي وتضمن مسائل تهم الناس التي تعيش في مناطق قريبة بشيء يشبه الريف الى جانب الشعر الوطني البعيد".
وقال: "انه رجل متقدم على عصرنا وزماننا وهذا ما أجمعت عليه الآراء والدراسات. فالموسيقى الشعرية نجدها في قافية في القصيدة متأثرا بروحانيته الشرقية فضلا على إطلاعه على الآداب بشكل عام، فهو ينشد الحرية والتسامح ومجد الإنسان وهو مزيج بين الشرق والغرب، وهمه كان احترام كرامة الإنسان الى جانب الخواطر والتأملات بالموت والحياة".
البعلبكي
من جهته اعتبر الدكتور روحي البعلبكي رئيس جمعيةأصدقاء جودت حيدر، ان الجمعية "تاسست عام 2008 وغايتها تخليد ذكراه وإحياء تراثه الشعري ونشر مؤلفاته، وقد أقمنا عدة مناسبات احتفالية بهذا الأمر، وتضمن عدد من المباريات عن مؤلفاته أو لإلقاء قصائده بين المدارس وبعض المفكرين ومنحنا لها جوائز، ونعمل على تشجيع البحث الأدبي والعلمي بشكل متناسب مع أهدافنا".
اضاف: "هو شاعر عبقري كتب بأكثر من لغة وخاصة بالإنكليزية وهو من شعر النخبة العالية مثل جبران واللورد بايرن، وحتى لا ينسى ولا يهمل الإبداع اللبناني بمختلف معانيه في وطنه حيث كان يعيش".
وتابع: "أهميته انه نقل الى الغرب مجالات الفكر الشرقي وطور بعض أفكار بصور غربية الى أحاسيس شرقية".
وختم: "لقد قدم الشعر السامي المعاني والمولد للأفكار والمطور للصور فحين كتب بالإنكليزية كان مبتكرا غير مقلد ومجددا. وعند إطلاق الخواطر تفاعل بوجدانيته ليعكس مخزون النفي البشرية المتفسخ بجمالية عالية، بخيال متوسط ودائما سياسته اللطف لا العنف والمحبة لا الكراهية. لذلك كان يحلم بمدينة فاضلة وعنده رؤية تنويرية نهضوية، يريدأن يركز من خلالها على جوهر الإنسان المتحرر في مجتمع ينعم بالمساواة وتكافؤ الفرص".
الشمالي
الدكتور جوزيف الشمالي اعد فيلما وثائقيا عن الاديب الكبير وقال انه "يتضمن مقتطفات عن حياته من خلال شعره وهي امور لها علاقة بالامكنة التي عاش فيها والمناطق التي احبها وحبه للعولمة"، واشار الشمالي الى "انه تعرف اليه من خلال شعره وتاثر به فخلاصة عمره وضعها في شعره".
واعتبر ان "الفيلم يظهر ايضا المكرم والامكنة التي تواجد فيها وصورا من ارشيفه الخاص، اضافة الى موسيق خاصة للملحن جورج نعمة وهو باللغة الانكليزية ومدته 9 دقائق وقد اعد خصيصا للاحتفال التكريمي في مكتبة الاسكندرية".
كان جودت حيدر طائر الأرض وطائر البحر، انشدهما، على مدى ترحاله في الارض، من الأولى تعلم الوفاء والكرم وعرفان الجميل، ومن البحر استوحى والأصالة ورحابة الصدر، مذاق السفر ورائحة البحر لم يبرحا شعره للذته بعبير المغامرة وحس الترحال، والان وصل ترحاله الى ارقى مكتبة في العالم لتكريمه، فهنيئا للمكتبة بك...
================ ر.ي.