تحقيق فاديا دعبول
وطنية - تعلو صرخة اهالي بلدات بزيزا، اميون، كفرعقا، داربعشتار، دارشمزين، بحبوش، والمجدل من رائحة الدخان المتصاعدة من مصنع "الشركة اللبنانية الكويتية لصناعة الزيوت ش.م.ل." على العقار 636 في منطقة بزيزا العقارية، رغم اقفالهم نوافذ منازلهم ليلا، مطالبين بنقل المصنع، حفاظا على البيئة والصحة، الى منطقة بعيدة عن السكن، وهو ما يزال يعمل منذ شهر تقريبا ضمن الرخصة التجريبية الممنوحة له قانونا.
ويذكر ان الشركة تقدمت في العام 2008 بطلب إلى بلدية بزيزا للموافقة على إنشاء مصنع لمعالجة بقايا معاصر الزيتون من جفت وغيره، وقامت البلدية بنشر الإعلان. ثم تقدمت الشركة من البلدية بطلب تصحيح الإعلان كي يتضمن "إنشاء معمل لعصر الزيتون لاستخراج الزيت المتبقي من جفت الزيتون". وبعد نشر البلدية الاعلان تلقت اعتراضا على انشاء المصنع معلل وموقع من أهالي وسكان بزيزا في العام نفسه، ما دفع المجلس البلدي للانعقاد برئاسة قبلان العويط حيث تقرر بأغلبية الأصوات (5 ضد الموافقة على انشاء المعمل و3 معه) عدم الموافقة على إنشاء المصنع. الا انه في العام 2009 أحال محافظ الشمال الى قائمقام الكورة ومنه إلى بلدية بزيزا قرار وزير الصناعة (غازي زعيتر) بالترخيص لإنشاء المعمل. على اثره عقد المجلس البلدي جلسة قرر بموجبه تكليف رئيس البلدية العويط بالتعاقد مع محام لتمثيل البلدية والطعن بالقرار 250/2009 الصادر عن وزير الصناعة. ومن ثم تكليفه في العام 2011 التعاقد مع محام لتمثيل البلدية بالمراجعة المقدمة من الشركة... لدى مجلس شورى الدولة ضد بلدية بزيزا.
وفي حين رفضت البلدية اعطاء ترخيص بالبناء للشركة، راجعت الشركة مجلس شورى الدولة الذي ألزم حكمها البلدية منح الشركة الرخصة. ما دفع البلدية الى الطعن بالحكم واتخاذ قرار بالاجماع في العام 2012 بعدم الترخيص للشركة من جديد. ورغم ذلك منح الترخيص للمعمل من المحافظ.
وأمام انبعاث الدخان الاسود وانتشار الروائح الكريهة لدى مباشرة المصنع عمله، وبعد سلسلة مفاوضات جرت على اكثر من صعيد لالتزام المصنع بالمواصفات والمعايير البيئية وحتى المطالبة بايقافه، قرر المتضررون من بزيزا وأميون وداربعشتار والمجدل تقديم شكوى الى جميع المرجعيات الرسمية، والتوقيع على عريضة تشرح واقع الحال وما يسببه المصنع من "اضرار صحية تصيب الجهاز التنفسي، يمكن أن تؤدي الى تشوهات خلقية وشل الاطراف واضطراب الاعصاب والتسبب في العقم، اضافة الى رفع معدل نسب الاصابة بالأمراض السرطانية. وانبعاث غازات سامة ذات رائحة كريهة ليلا نهارا ناتجة عن عملية فصل الزيت عن الجفت عن طريق ضرب الجفت بمادة الإكزان HEXANE، بالاضافة الى تلويث مستفحل في الهواء جراء حرق الزيبار الناتج عن عصر الزيتون ومن ثم حرقه وغير ذلك من الاضرار.
وبانتظار استكمال الحملة على التوقيع لتقديمها الى المراجع المختصة، ما يزال الاهالي يشكون من الآثار التي يخلفها المصنع. فجدد رئيس بلدية بزيزا العويط مطالبته "الالتزام بكافة المعايير والشروط البيئة، حفاظا على حياة ابناء بلدة بزيزا وجوارها من الاخطار البيئية والصحية التي قد يتعرضون لها". وتمنى على الوزارات "احترام قرارات المجالس البلدية".
ووضع كاهن رعية بزيزا الاب شارل قصاص، من موقع مسؤوليته في السهر على ابناء رعيته، نفسه في مقدمة الذين يسعون لدرء "الخطر الكبير الذي يشكله المصنع على البيئة والصحة"، بكل الوسائل المشروعة تحت سقف القانون والنظام العام. وهو مستمر، رغم الادعاء الذي تقدم به اصحاب المصنع، لدى النيابة العامة، ضده وضد نائب رئيس البلدية وبعض اعضاء البلدية والوقف بتهمة التشهير، في المطالبة ب"سحب الرخصة من المصنع واغلاقه وازالة مخالفاته من ارض البلدة، ان لم يتوقف تصاعد الدخان والانباعاثات المضرة منه".
وناشد وزير البيئة محمد المشنوق "المعروف باخلاقه وعلمه، تصحيح الخطأ، وسحب ترخيص المصنع المضر بالبيئة، باسم القيم الاخلاقية والقيم المشتركة بيننا وبينه". واصفا المصنع ب"مشروع تهجير لابناء بزيزا والجوار"، مشيرا الى "تحركات تنظم على صعيد القضاء ان لم يتوقف خطر المعمل الذي بدأت معالم ضرره تظهر على أشجار الزيتون المحيطة به وقد توشحت بالسواد".
كرم
وأكد رئيس بلدية أميون غسان كرم أن الأميونيين "لا يتمكنون من النوم جراء روائح المصنع الكريهة، والعوارض التي تصيبهم جراء التلوث. لا سيما في العيون"، معلنا عن رفضه المطلق "لاي مشروع يضر بالبيئة الكورانية واهلها، بغض النظر عن أصحابه، إذ يكفي الكورة سموم شركة الترابة". مشددا على ان "الكورة لن تكون مكسر عصا، ولن تقبل بأي عمل يسيء اليها". واعلن عن "تحرك للبلديات للكشف على المصنع، واتخاذ الاجراءات اللازمة بحقه، وان اضطر الامر اقفاله باجساد الاهالي، بغية نقله لمكان بعيد عن السكن".
الزغبي
ورأت رئيسة بلدية المجدل نجاة الزغبي أن "المعمل لا يستوفي الشروط الصحية مجرد انه قريب من الاماكن السكنية، بحيث ان رائحته تكاد تهجر الاهالي من بيوتهم"، داعية إلى "ضرورة إقفاله بناء على رغبة اهالي البلدة الذين وقعوا على العريضة".
وكلفت بلدية بزيزا ومجلس الرعية الاختصاصي بعلم البيئة والتنوع البيولوجي في جامعة البلمند شادي عنداري اجراء دراسة عن الاثر البيئي للمصنع، بحيث اعتمد على المراجع العلمية ودراسة محيط المعمل من دون الدخول اليه. وقد خلصت الدراسة الى ان "مادة الاكزان التي تخلط مع الجفت لفصله عن الزيت هي مادة نفطية. وفي المرحلة الاولى لتجفيف الجفت تتبخر في الهواء مواد نفطية وكيميائية ذات رائحة كريهة. وفي المرحلة الثانية حين يتم تقطير السائل ينبعث بخار يحمل ملوثات لا يمكن تجنبها، وهي تتسبب في روائح كريهة ايضا، بالاضافة الى ما يحدثه التخزين من روائح مماثلة. كما ان طبيعة المنطقة الجغرافية يتكثف فيها البخار المتصاعد من المصنع ما يجعله يستقر فوق المنطقة فترة طويلة، ويسبب اخطارا بيئية وصحية على الاهالي والنباتات والاشجار".
في المقابل اعتبر صاحب المعمل أ. م ان "ما يقال تجاه مصنعه كلام عشوائي لتضليل الرأي العام"، مؤكدا أن "مادة الاكزان هي مادة غذائية، تستعمل في دول العالم كافة، وهي تدخل في صناعة السكر والزيوت النباتية وغيرها"، معتبرا أن "الهجمة ضد مصنعه هي ضد انشاء اي نوع من الصناعات في المنطقة". واكد ان معمله يعمل "بموجب رخصة قانونية منحتها لجنة مؤلفة من خمس وزارات"، و"يلتزم كافة المعايير البيئية". ويحاول جاهدا، منذ ان استهل عمله التجريبي، "بالتخفيف من الاثار السلبية للمصنع. وان كان من غير الممكن الحؤول دون انبعاث روائح الجفت". واعتبر ان "خمسة عشر مدفئة جفت في المنازل تتسبب في تلوث يفوق ما يحدثه معمله". بحيث ان الجفت الذي يحرقه لا زيت فيه ولا رطوبة". داعيا "الجميع للكشف على مصنعه ومواصفاته".
من سينتصر في النهاية؟ هل سيتمكن الأهالي من وقف العمل بالمعمل أو أن المصالح الشخصية ستعمي قلوب المعنيين الذين طالما يزرعون الطمأنينة في نفوس المواطنين فيمسي كلامهم كالمثل القائل: عالوعد يا كمون؟.
=========== ج.س