تحقيق منى سكرية
وطنية - حتى لو أمطرت السماء وتساقطت الثلوج فإن الازمة ستبقى، هذا ما أكده المدير العام لوزارة الطاقة والمياه الدكتور فادي قمير في حديثه لـ"الوكالة الوطنية للاعلام" حول ازمة المياه التي يعيشها اللبنانيون.
ورأى أنه لو تم تنفيذ الخطة العشرية التي وضعتها الوزارة العام 2000 والتي نالت موافقة الحكومة يومذاك، والمجلس النيابي عبر قانون أصدره، لما كانت هذه الازمات التي نعيشها على صعيد شح المياه. مثلا الاردن لا يوجد عنده مياه لكنه نفذ خطة بهذا الشأن واستفاد منها...
ولهذا، ربما بات على كل لبنان ان يردد ما قاله الشاعر المتنبي ذات يوم "أنا الغني وأموالي المواعيد"، بالنظر الى أزمة المياه التي طافت هذا العام على كل القطاعات، ودخلت في أتون الفراغ، منذرة بطول أمد هذه الأزمة، خاصة بعد تكاثر عدد مستخدمي المياه من النازحين السوريين وقد تجاوزوا المليون ونصف المليون نازح.
إذا، إنها أزمة جديدة تضاف الى ملف التباطؤ في إقرار خطة استراتيجية لتنظيم قطاع المياه في لبنان، وفي الاستفادة منه استهلاكا وتصديرا، خاصة إذا ما استذكرنا أن ثروة لبنان تكمن في المياه، ولكن للأسف ما تزال ثروة مهدورة تجري تحت أرجلنا" ولم نشعر بعد" كما يقول المثل.
يعيد قمير الى الذاكرة ما ورد في تلك الخطة من بنود أساسية عن الخطة فقال إنها ترتكز على الادارة المتكاملة للمياه بشقيه التقني والحوكمي والمالي. في التقني تتألف من 5 بنود: تأمين مياه إضافية للشعب اللبناني من خلال بناء السدود والبحيرات وتغذية المياه الجوفية. ثانيا تقوية جودة شبكات المياه لوقف الهدر، ثالثا تنظيم الري باعتماد تقنيات جديدة، ورابعا تكرير المياه المبتذلة والاستفادة منها، وخامسا تتعلق بالمياه غير التقليدية كالمياه العذبة في البحار، والخطة بشأن الأخيرة مبرمجة لما بعد 2025... ولكن الى يومها، من المفترض ان نعرف كيف نخزن مياه الشتاء كي نستفيد منها في الصيف. البعض يسأل لماذا بناء السدود، وأقول بسبب الطلب على المياه. قبل سنوات كان عدد سكان لبنان مليون نسمة على سبيل المثال، أما اليوم فالعدد مضافا اليه النازحون السوريون إرتفع الى ما بين 6 او 7 ملايين نسمة، وبالتالي اذا لم نعمد الى بناء منشآت لتخزين المياه فلا يمكن إيجاد مياه في الصيف. وهذا المفهوم تعتمده كل الدول من تركيا الى الاردن الى كندا الى سوريا الى قبرص.
وذكر أن كلفة الخطة العشرية كانت حوالي 800 مليون دولار، أما اليوم فقد تضاعفت الى اكثر من 3 الى 4 مليار دولار.
خطة النائب قباني
أما النائب محمد قباني وبصفته رئيسا للجنة الطاقة والمياه في المجلس النيابي، فقد أكد في حديث لـ"الوكالة الوطنية للاعلام"، أن المياه ستكون معضلة القرن الواحد والعشرين، وستكون في هذا القرن السبب الأول للنزاعات والحروب، حتى أن المنظمات التكفيرية مثل "داعش" تسعى لاستعمال المياه في هذه الحروب، وقال: ألم تقم "داعش" باحتلال منطقة سد الموصل مشكلة خطرا هائلا على حياة الناس؟ وذكر بأن جميع الأديان السماوية تؤمن بأهمية المياه كمصدر للحياة.
هذا ما يجعل النائب قباني يطلق الصيحات من أجل وضع وتنفيذ خطة استراتيجية للمياه في لبنان، قبل فوات الأوان، وهو أمر نعيشه في هذه المرحلة، إذ أن أزمة المياه التي يمر فيها لبنان كشفت عجز قواه السياسية عن استثمار هذه النعمة الإلهية.
وبالنسبة للبنان حيث تتوفر المياه السطحية والجوفية، فإن ذلك لم يمنع من معاناة بسبب أزمة الجفاف خلال فصل الشتاء المنصرم. ذلك يدل على أن التعاطي مع موضوع المياه يعاني قصورا من الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وهو ما قاله أيضا الدكتور قمير الذي أشار الى ان تحديث هذا القطاع لا يتم من دون ادخال الشراكة مع القطاع الخاص. العالم تغير والادارات لم يعد بإمكانها البقاء على الهيكلية الموجودة. فالتكنولوجيا التي بدأت في السبعينيات لم تعد قائمة اليوم. ولكن التحديث لا يمكن في ظل الفساد والتسلط السياسي، إنما يمكن انشاء هيئات ناظمة لمراقبة القطاع الخاص، وهذه تحتاج الى اشخاص من ذوي الكفاءة، متجردين من أي مصلحة شخصية كي يمكنهم مراقبة القطاع الخاص. وهنا مهمة أن تأتي الدولة بكفاءات تكون متفوقة على خبراء القطاع الخاص.
لا تتعارض الخطة التي أشار اليها قمير مع الافكار التي يطرحها النائب قباني لجهة استثمار المياه في لبنان ومنع حصول ازمات متتالية. ويلفت قباني في هذا المجال الى الورشة الوطنية التي نظمتها لجنة الطاقة والمياه في المجلس النيابي في شباط 2009 بمشاركة لبنانية ودولية واسعة، تعتبر المحطة البارزة في السعي لتنظيم قطاع المياه في لبنان والاستفادة منه في زمن الشح وندرة المياه.
وقد صدر يومها، كما قال، توصيات هامة تم رفعها الى الحكومة، ومنها إعداد الميزان المائي الحديث لمعرفة كمية المياه المتساقطة من مطر وثلوج، وجريان الأنهر، وتدفق الينابيع، والتبخر، والتسرب إلى الطبقات الجوفية على أساس معطيات كاملة وجديدة ناتجة من قياس هذه الكميات، خاصة في مجال متابعة حركة المياه الجوفية وتغير مستواها مع الوقت، وللتمكن من متابعة أي تعد على هذه المياه الجوفية من العدو الإسرائيلي.
وأهاب النائب قباني بأهمية هذه الاجراءات خاصة في مجال الحرص على إعادة التحريج لما لذلك من أهمية في الدورة المائية والميزان المائي، ووجوب استعمال التقنيات العلمية الحديثة لمتابعة تطور الميزان المائي مع الوقت، وأيضا للحد من التلوث والمحافظة على نوعية المياه ووضع مخطط إنمائي عام ومتوازن لكل المناطق اللبنانية، من أجل تحديد الحاجات إلى المياه الآنية والمستقبلية، في كل المناطق وكافة القطاعات.
وناشد مجددا جميع القوى والاطراف المعنية توجيه اهتمامها إلى مسألة المياه في لبنان، مشيرا الى الدراسات العلمية المتداولة والمستندة إلى الأبحاث والأرقام التي أعدها المهندس اللبناني العبقري ابراهيم عبد العال قبل أكثر من نصف قرن، أي في منتصف القرن العشرين، في حين أن الحاجة باتت ملحة بعد ستين عاما إلى تحديث الأرقام والمعلومات في ضوء المتغيرات مع مرور الزمن، وإتباعا للأسلوب العلمي الذي تبعه المهندس الشهيد ابراهيم عبد العال، الذي دفع حياته ثمنا لانجازاته.
وأشار النائب قباني الى اهتمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالدراسات التي كان قد أعدها عبد العال، وكذلك المؤسسة التي تحمل اسمه" مؤسسة عبد العال"، لا سيما لجهة استغلال نهر الليطاني، وبالتحديد مع دولة الكويت الشقيقة، وصولا إلى مباشرة المرحلة الأولى لري جنوب النهر، وكذلك من أجل حفظ حقوق لبنان في استثمار مياه نهر الوزاني، مشددا على مطامع إسرائيل في مياه لبنان والتي تعود إلى إنشاء الكيان الصهيوني، مذكرا بالمؤتمر الذي انعقد في مقر المجلس العام 2010 حول المياه، وكان مؤتمرا للبرلمانيين حول المياه في الوطن العربي ودول الجوار (تركيا وإيران) وشارك فيه برلمانيون من خمس عشرة دولة، وكان من أبرز توجيهاته التضامن الكامل مع الشقيقة الكبرى مصر، في وجه أي مطامع في مياه النيل.
التفتيش عن مصادر مياه جديدة
يقول النائب قباني إن أزمة الجفاف التي اصابت لبنان هذا العام، أكدت ما كنا نذهب اليه من تحذير، وعلمتنا أن العنوانين الأساسيين في معالجة حاجات المياه هما: التفتيش عن مصادر مياه جديدة، وترشيد استهلاك المياه.
وأورد النائب قباني عددا من الخطوات الواجب اتخاذها لتحاشي أزمات مياه اكثر صعوبة مستقبلا، ومنها التفتيش عن مصادر المياه في البحر حيث هناك شهادات متعددة عن توفر المياه العذبة في أكثر من مكان خاصة في منطقة الرشيدية رأس العين في الجنوب، في حين ان الدكتور قمير يعتبر ان هذا الأمر جزء من الخطة العشرية ولكن تنفيذه مطروح لما بعد تنفيذ الخطة الاساسية.
كما ركز على أهمية إعادة تغذية المياه الجوفية من خلال الآبار، ومن خلال السدود الصغيرة على بعض الأنهر. هذه المياه الجوفية كما قال لنا قمير، التي يستغلها أصحاب الشركات المرخصة وغير المرخصة ويبيعونها للمواطنين في اوقات الازمات إنما تحتاج الى معالجة وهي مسؤولية وزارة الصحة لا وزارة الطاقة والمياه.
وإذ شدد النائب قباني على نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه سواء في الاستخدام المنزلي أو في قطاع الزراعة التي تأخذ ثلثي استهلاك المياه، لا سيما الانتقال إلى أساليب الري الحديثة، أي الري بالنقطة، التي توفر 50 في المئة من كميات المياه، قبل أن يدهمنا التصحر، والعطش، ونسيان زجليات اللبنانيين حول هذه الثروة الإلهية، فإن قمير يشرح بالارقام أن خسائر الدولة وجيوب المواطنين سنويا بسبب عدم تنفيذ الخطة العشرية تقدر بحوالي 800 مليون دولار، كما أن كلفة تنفيذ الخطة تضاعفت الى ما بين 3 و 4 مليار دولار اذا ما بدأ تنفيذها حاليا.
الادهى الذي يثير شعور الاحباط لدى قمير أنه بصفته رئيسا لشبكة الاحواض المائية للبحر الابيض المتوسط يشارك في التخطيط المائي لبلدانها والتي تبصر النور فورا، أما عندنا فتبقى الامور على ما هي عليه... أزمة مياه حتى وإن أمطرت السماء.