الخميس 31 تشرين الأول 2024

04:13 am

الزوار:
متصل:

المدن الذكية على أبواب مدننا قبولا أو رفضا: ورشات عمل للنقاش.. ومدينة جبيل نموذجا


   تحقيق: منى سكرية

بدأت المدن الذكية تأخذ شكلها العمراني في عدد من الدول، ومن بينها دول عربية، ومعها شقت مفردة المدن الذكية طريقها الى منابر المحاضرات والندوات والمؤتمرات تعريفا وتسويقا ونقاش.. ولكن لم تحظ هذه المفردة في وطننا العربي بالكثير من مساحات وسائل الإعلام بكل أفرعه وفضاءاته، بالرغم من أن عددا من التجارب خيضت، وتحققت بفعلها مباني ومدنا صغيرة حملت تسمية مبان ومدن ذكية. ولكن ما هي المدن الذكية أو المستدامة كي يطلق عليها تسمية ذكية؟

في التعريف المبسط، فإن المدن الذكية أو المباني الذكية هي التي تتكامل فيها أنظمة البيئة من إستخدام الطاقة، والتحكم بدرجات الحرارة أو الإضاءة، أو الصوت، ومكان العمل والاتصالات، أو أنها المدن التي تعمل على تطوير واقعها نحو الحداثة، والحد من الإكتظاظ السكاني ومن التلوث، وأيضا في توسعة المساحات الخضراء واستدامتها، وتقديم الخدمات عبر شبكة الكترونية مترابطة، وفي تخفيف الاعتماد في استهلاك الطاقة عبر أجهزة الاستشعار عن بعد. مثلا، أن سلما كهربائيا لا يتحرك إلا في حال مشى أحدهم عليه..

من هذه المدن التي صارت واقعا مدينة مصدر وسط صحراء أبو ظبي في الإمارات العربية في الخليج، بحيث تم تصميمها كواحدة من المدن المستدامة تعتمد على الطاقة الشمسية، ومزارع الرياح لتوليد الكهرباء، خالية من إنبعاثات ثاني اوكسيد الكربون، وقد صممت على منصة رقمية تتيح الدخول الى التقنيات المتطورة التي تقوم بتشغيلها، وهي خالية من السيارات..

كذلك أنهت شركة سيسكو الاميركية الشهيرة تصميم مدينة "يو" في كوريا الجنوبية كمثال للمدينة الذكية وسينتهي العمل بها العام المقبل.. وهناك تجارب تحققت في مدن في دول اوروبية، الخ...

وقد حدد تقرير صناعة الإنشاءات اليابانية ثلاث صفات يجب أن يمتلكها المبنى كي يكون ذكيا وهي: الطرق الأكثر كفاءة لتحقيق البيئة المناسبة والمنتجة للمستخدمين، واستجابة المبنى لمطالب المستخدمين، واستجابة المبنى للعوامل الخارجية من المناخ الى الحريق الى الحماية الأمنية.

تقديرات السوق الدولية المتعلقة بالاستثمارات تكشف أنه بحلول العام 2020 ستبلغ قيمة الاستثمار في المدن الذكية حوالي 2 تريليون دولار، وأن السوق الخليجية لوحدها في السعودية وقطر والامارات ستتجاوز 63 مليار دولار بحلول العام 2020 .. هذه الأرقام تدل على حجم إرتفاع الطلب على التكنولوجيا وتقنية المعلومات والطاقة المتجددة في السنوات المقبلة.

مؤتمرات في عمان وبيروت
قبل حوالي سنتين، نظمت مؤسسة فريديش إيبرت- لبنان ورشة عمل وعلى مدى يومين في العاصمة الاردنية عمان، تمت خلالها مناقشة موضوع المدن الذكية والاقتصاد الاخضر، وغيرها من المفردات الحديثة الرنين على أسماعنا.

وفي يومي 4 و5 الجاري، أعادت مؤسسة فريدريتش إيبرت بشخص مديرها الجديد أخيم فوخت وبالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ( يرأسه حاليا وزير الاعلام السابق الدكتور طارق متري) ندوة تناول فيه الخبراء الاخصائيون رسم خريطة طريق لمدن مستدامة في الشرق الاوسط، طرحت خلالها مقترحات جدية وعميقة أظهرت السلبيات والايجابيات في واقع المدن العربية وقدرتها سواء على التحول نحو مدن مستدامة أو في امكانيات إيجاد مدن ذكية خالصة كما يحصل في دول الخليج نظرا لتوافر المقدرات المالية.

كما سينعقد في القاهرة يومي 8 و10 كانون أول المقبل مؤتمر حول المدن المستدامة بدعم من صندوق الامم المتحدة للسكان والوزارات المعنية.

وكحصيلة للأوراق التي نوقشت على مدى يومين في مؤتمر بيروت، كشفت عن نقاط مشتركة يمكن البناء عليها من أجل توضيح الهدف والقدرة على بناء مدن ذكية أو مستدامة. فقد ربط الدكتور محسن ابو النجا وهو من كبار المهندسين المعماريين في القاهرة والمشرف على تنفيذ مشاريع الاقتصاد الاخضر في دبي، بين الحاجة الى التخطيط الحكومي والمجتمعي المدني، وبناء أبنية آمنة تحترم المعايير البيئية الخضراء وبين التغيير في المدن الموجودة أو التي ستنشأ، معتبرا أن المعلومات أساسية في تطبيق خطة ناجحة كما أنها تساعد على تعزيز الوعي ونشره، ولأن المعلومات تتحول الى معرفة، والمعرفة يليها التخطيط ووضع المبادرات والبرامج واستحداث أدوات الرصد والمراقبة.

وركز ابو النجا على تحديد الثغرات لبناء المدن المستدامة، وعلى وتعزيز عمليات التحليل ومواجهة العقبات قبل الشروع في تطبيق أي استراتيجية، كما ركز على مفهوم التنمية المستدامة لأنها الطريقة الأفضل للوصل الى المدن المستدامة، وهي تكمن في الدمج بين المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعنصر البيئي بما يضمن بيئة قابلة للاستمرار، ناهيك عن دور الوعي والتعليم وإشراك كل المعنيين، وبناء القدرات، والنظر الى كيفية جمع المعلومات وإحداث التوازن، لذا يجب إيجاد قائمة بالحاجيات، وإقامة جلسات عصف ذهني لتغيير ذهنيات وسائل الاعمال، فالتغيير يواجه دائما بالرفض ولكن التغيير يؤدي الى مستقبل زاهر، وبالتالي لا يمكن إدخال مفهوم المدن المستدامة من دون إدخال المكون المجتمعي وإشراك الطلاب وليس فقط البلديات.

فرانك هنريش الذي أعلن أنه في المانيا لا يعانون من الفساد، شدد على تغيير الذهنيات والعقليات وليس فقط في الجانب التقني، وقال ممازحا: "لا أعرف بيروت لكنها تبدو كأنها مزيج من لوس انجلوس وسيدني وفيها تلوث وإحتقان هائلان".

وتحدث عن تجربتهم في المانيا، في خلق مقاطعات مستدامة وفي العمل على إحداث ترابط بين الناس والمباني والسيارات والعلاقة مع الشبكة الذكية، ورأى أنه يجب أن يحصل ترابط بين الامور غير المترابطة، وخلق شبكة جديدة تربط بين القطاعات الصغيرة للوصول الى بناء المدن المستدامة.

أما الدكتور رامي ضاهر ( من الاردن ) فقد ركز على ضرورة إيجاد المساحات العامة، متسائلا عن مدى قدرة مواجهة النيوليبرالية التي تهدد مدننا، لافتا الى أن البلديات في المدن العربية كانت منخرطة في البنية التحتية منتصف القرن العشرين الفائت، وقد حققت مساحات عامة مثل ساحة الشهداء في بيروت، إنطلاقا من مفهوم دامج بالمعنى الإثني والاجتماعي والثقافي وليس كما يحصل اليوم.

وأشار الى التهديدات النيوليبرالية الناتجة عن فوائض النفط ورؤوس أمواله ما يدفع الى الاستثمار في القطاع الخاص بدلا من الاستثمار في المساحات العامة، منتقدا هذا النوع من المشاريع. وقال: "هناك مسعى لخلق مساحات خاصة وليس عامة، وسوليدير هي نموذج. كما ان هناك مفهوما لإعادة الهيكلة الحضارية لمدننا، مثلا، تحول مبنى سكة الحجاز في دمشق قبل سنوات الى متجر. وكنتيجة لهذه السياسات يبرز عدم المساواة داخل المدن، ونرى إنسحاب الحكومات في لبنان والاردن من تأمين وسائل النقل العام والبنى التحتية والرعاية الصحية وهذا يعني أيضا انسحاب البلديات من دورها بعيدا عن أي عملية نقدية لهذ المربعات الخاصة، عدا عن ان الكهرباء تباع الى مستثمرين لا نعرفهم وبالتالي يرتفع سعر التعرفة الكهربائية على المواطن.

نموذج آخر للنقاش الذي دار في الورشة المشار اليها، برز عبر ما قاله الدكتور باسل الحمد ( مهندس واستشاري بيئة في الاردن)، الذي قال أن الأزمة هي نتاج غياب ديموقراطية المجالس التمثيلية المحلية، إذ أن غالبية هؤلاء يعملون على حل المشكلات لأنهم يمثلون قبائل وعشائر وليس لديهم الوعي للعمل في التنمية الحضرية، إضافة الى غياب الشفافية والمساءلة في هذه المجالس. وسأل: هل المدن العربية مدن أم تجمعات إسمنتية وبشرية؟ وقال أن المدينة العربية تطورت على هامش الريف وبلا تخطيط وتعاني الإزدحام، إضافة الى مشكلة تطوير مفهوم المدينة الحضري، وذلك عبر غياب المساحات الخضراء وهذا ما يؤثر على الحالة النفسية، فالاكتئاب مرض سكان المدن.

وعدد الحمد حالات ناجمة عن الاكتظاظ السكاني ومنها الارهاب والتحرش والاغتصاب والشذوذ وتخريب الاماكن العامة والعنف، مؤكدا اننا "بحاجة الى مقاربات علاجية وتحليل للسلوكيات وتقديم المعلومات في اطار التوعية وليس بالاخلاق لان الاخيرة مهمة المبشرين.

وشدد على أهمية التغيير في وسائل النقل لما يترتب عليها من وفورات اقتصادية ومناخية وصحية، مشيرا الى توصيات البنك الدولي الاربعين عن البيئة النظيفة في عملية التنقل.

مدينة جبيل
حضرت مدينة جبيل كنموذج يجري العمل عليه لاستدامتها كمدينة حديثة، فتحدث المهندس أنطوني صفير عن" جبيل الأقوى والأكثر صمودا"، وقال: "نحن نواجه تغيرا مناخيا ونموا سكانيا وعمرانيا وغيابا للصيانة عن البنى التحتية، كما نعاني النزاعات السياسية والأمنية حولنا في المنطقة.

وعن تطوير المدينة والحفاظ على إستدامة تراثها، قال صفير: "ان البلدية أنشأت منتزها على مساحة 13 الف متر مربع، ومنعنا دخول السيارات لتخفيف الازدحام وانبعاثات غاز الكربون، ووفرنا وسائل نقل صغيرة الحجم الى داخل البلدة. كما أنشأنا مجمعا رياضي، وأعدنا تأهيل سوق جبيل الأساسي، ونعمل حاليا على بناء مشروع ينتهي العام 2015 لناحية إستهلاك الطاقة والمياه وهو الأول كمشروع مستدام، كما ونعمل على بناء صمود المدينة بعد أن تم اختيار مدينة جبيل من بين 33 مدينة كي تبقى صامدة ومستعدة لمواجهة أي كارثة، وأن تتمكن من إستعادة عافيتها وهو ما نسميه بالمرونة".

وتابع: "لقد أشركنا في هذه المشاريع كلا من المهندس والبلدية والناس، لذا تمكنا من صياغة استراتيجية الصمود والمناعة للمدينة، كما نعمل حاليا على خلق وحدة لمكافحة أي كارثة بيئية، وعلى استحداث تنوع إقتصادي في المدينة، ونعمل على التحضير لمؤتمر عالمي سنقيمه في العام 2015، فضلا عن سعينا لإقامة نظام صرف صحي من خلال مجلس الانماء والاعمار، وبناء مراكز للمتقاعدين، لكننا نعاني من الميزانيات الصغيرة".

الصمود والمرونة هو التعريف الذي أطلقة الدكتور نديم فرج الله (أستاذ في الجامعة الأميركية)، وقال: "أنه قدرة نظام معين على إمتصاص الصدمات والتأقلم، مع الحفاظ على خصائص وهيكلية وهوية المكان. أما الإستدامة فتعني كيف نلبي احتياجاتنا، والحفاظ على الحياة البشرية مع العيش مع قدرات تتضاءل، وكيفية تحقيق الاستقرار في بيئة ما ونعمل على تطويعها"، معتبرا أن "الصمود يغذي الاستدامة، وأن أي نظام لا يكون مرنا لا يستمر"، مشددا على الربط بين متسلسلات الغذاء والمياه والطاقة، مقترحا عددا من المبادىء كحصر مياه الامطار، وتدوير المياه المبتذلة، وتوليد الطاقة من الطاقة الشمسية، وإستغلال المساحات الخضراء في الزراعة، وهذا كله يشجع المدن على أن تصبح صامدة ومستدامة.

وفي الخلاصة، يمكن أن تكون المدن الذكية مدنا جديدة بنيت بطريقة ذكية منذ البداية، أو مدنا أقيمت لغرض خاص (كأن تكون مدينة صناعية أو مجمعا علميا)، أو - وهذا هو الأكثر شيوعا - مدينة قائمة بالفعل تم تحويلها إلى مدينة ذكية أو أنها مدينة "معرفة"، أو "مدينة رقمية"، أو مدينة "سيبرانية" أو مدينة "إيكولوجية"، وذلك يتوقف على الأهداف التي يحددها المسؤولون عن تخطيط المدينة. وهي في هذا المجال تستشرف المستقبل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وتسمح برصد البنية التحتية الأساسية بما فيها الطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدية وأنفاق القطارات والمطارات والموانئ البحرية والاتصالات والمياه والطاقة بل والأبنية الرئيسية، من أجل الوصول إلى الدرجة المثلى من الموارد والأمن، وتوفر الخدمات للمواطنين، كما توفر بيئة مستدامة، وجميع هذه الخدمات تعتمد على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات... ولكن يبقى الإنسان كقيمة أخلاقية واعية ومسؤولة هو الأساس في أي هدف للتنمية، وهو عمودها الفقري مهما تعاظمت وسائل التكنولوجيا.. أليست العلاقة بين أن نقود أفخم سيارة مجهزة بأحدث التقنيات وبين أن نقودها بلا ضوابط أخلاقيات السير وشروطه واضحة!

=============== ن.م

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب