تحقيق جوزيان سعادة
يصادف اليوم، اليوم العالمي للقضاء على الفقر الذي يتم تنظيمه منذ العام 1993، تاريخ إطلاقه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تعزيز الوعي على ضرورة القضاء على الفقر والاحتياج في كل البلاد، وبخاصة في البلدان النامية.
مشاهدات
ولا بد من بعض المشاهدات اللبنانية، وخصوصا مع ازدياد عدد النازحين من دول الجوار (سوريا والعراق) بفعل الحروب في بلادهم.
هذه المشاهدات، نضعها في تصرف المسؤولين، عل ضمائرهم تصحو وقلوبهم تحن لانتشال هؤلاء من ضيقهم ومأساتهم.
أناس عاديون، مثلنا، لكن الفرق أنهم بلا مأوى، يفترشون الأرصفة تحت الجسور وعليها، يتخذون من أماكن رمي النفايات مسكنا لهم يأوون إليه ليحتموا من الحر أو البرد، يفتشون عن قوتهم بين القمامة، تراهم كبارا وصغارا لا يأبهون لمن حولهم.
أي حال هذه، وهم لا حول لهم ولا قوة؟ نعم، إنها مشاهدات يقشعر لها البدن، تشعرك بالشفقة والنقمة في آن. الشفقة على أشخاص غدر بهم الزمن، والنقمة على مجتمع لا مبال ومسؤولين لا هم لهم إلا السلطة.
أيعقل ونحن في الألفية الثالثة، أن نرى مثلا، سبعينيا أو سبعينية، وكيف الحال إذا كانا يشكوان من إعاقة جسدية، ينامان على فراش ممزق تحت أحد الجسور بين أكياس النفايات؟ نعم، هذه الجسور يتباهى المسؤولون بتشييدها وتدشينها ويتكلم الإعلام على فوائدها في تخفيف زحمة السير، متغاضيا عمن تؤوي تحتها.
أيعقل أن نجد، ونحن في القرن الحادي والعشرين، في عصر الكومبيوتر والانترنت، في عصر العولمة، أطفالا يتوسلون اليك لكي تعطيهم ولو قرشا واحدا يشترون به ما يسد جوعهم؟ ونحن في لبنان، بلد الكرم والضيافة، نتغنى ببلد العجائب وببيروت العاصمة التي تعقد فيها الندوات والاجتماعات المنددة بالفقر. ننظر الى البعيد ولا نتطلع على بعد خطوات منا؟
المعنيون أين؟
أين دور الدولة في رعاية مواطنيها ومساعدة مسنين وأطفال وشبان بائسين، متروكين، ينخر المرض عظامهم لأن ما من احد يلتفت اليهم؟ ترى جروحهم مفتوحة، ما من احد يضمدها، ينزفون وما من طبيب. بل نسأل: أين دور وزارة الشؤون الاجتماعية؟ لماذا لا تجري مسحا شاملا لعدد الفقراء والمعوزين الذين سرعان ما يتحولون الى متسولين ونشالين ومشردين؟ لماذا لا يتم تأليف لجان مسح تجوب الشوارع والأزقة في المناطق كافة؟ صحيح أن بعض جمعيات المجتمع المدني تقوم بنشاطات لمساعدة هؤلاء، وصحيح أن عددا البرامج التلفزيونية يلقي الضوء عليهم ويساعدهم من خلال المحسنين على تخطي صعوباتهم، لكن كل ذلك مرحلي، آني، ومحظوظ هو من تسنح له الظروف أو الفرص ليستفيد من هذه البرامج.
أين نحن من شرعة حقوق الإنسان؟ لماذا لا نطبقها في لبنان بل في كل العالم؟ لماذا لا يكون هناك هيئة طوارىء تعنى بمنكوبي الحروب، إذ إن الحرب سبب أساسي للفقر والعوز؟ ولقد شهدنا الكثير منها في لبنان حيث تفككت العائلات وأصبح الاخ يقتل أخاه. ألم ينتج من كل ذلك تدن في مستوى المعيشة وازدياد نسبة البطالة؟
برامج على الورق
عقدت ندوات عدة حاولت معالجة هذه الظاهرة، لكن توصياتها ظلت حبرا على ورق. كثرت البرامج الهادفة إلى التقليل من نسبة الفقر والعوز، وخصوصا في المناطق النائية، لكنها إن حلت شيئا فجزءا يسيرا من مشكلة كبيرة.
تقول بعض الإحصاءات إن لا خطوط فقر محتسبة في لبنان وفق المعايير الدولية. ولكن إذا شاهدنا بأم العين فقط، نلاحظ أن نصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. ليت المسؤولين يعون هذه الظاهرة فتتحرك ضمائرهم وينكبون على إيجاد الحلول اللازمة لتخفيف حدة الفقر. أقول ذلك، رغم المحاولات الخجولة التي تقوم بها الوزارات المعنية لحل هذه المشكلة، إن من خلال الدراسات والإحصاءات التي لم تسفر سوى عن إحصاء عدد الفقراء، أو من خلال الجولات غير المجدية على هؤلاء. وغالبا ما شارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الدولي وغيرها من المؤسسات العالمية التي تعنى بحقوق الإنسان في إيجاد حلول، لكن دون جدوى.
نازحون زادوا الفقر فقرا
ومما زاد الفقر فقرا، أزمة النازحين من دول الجوار التي جاءت لترخي بظلالها على الاقتصاد في لبنان الذي يئن أصلا تحت عبء ثقيل لم يعد باستطاعة الفقراء تحمله، وبدل مساعدة الطبقة اللبنانية المحتاجة، بتنا نطالب بإعانة هؤلاء. فازدياد البطالة ظهر جليا في الآونة الأخيرة وخصوصا بين الشباب الذين لجأوا إلى المخدرات لنسيان وضعهم والانتقام من الحياة والمجتمع.
مشهد من مشاهد الفقر والتشرد يطالعنا في كل دقيقة، على الاوتوسترادات، إذ تقف مجموعة من الأولاد - لبنانيون وغير لبنانيين - حفاة، يرتدون ما يشبه الثياب، لم يزر الصابون ولا الماء أجسادهم منذ مدة. الإشارة الحمراء ضوؤهم الأخضر لينقضوا على السيارات، لعل أصحابها يتكرمون عليهم بفلس. وتراهم لا يستريحون إلا مجبرين، حين تضيء الإشارة الخضراء. ويعاودون الكرة مع كل ضوء أحمر، يلقون بأجسادهم الناحلة على السيارات، ويدعون لك بطول العمر، يمسحون زجاج سيارتك بخرقة متسخة في انتظار بعض النقود. وعند المغرب، يتجمعون في نقطة محددة، فيأتي من يقلهم في شبه سيارة الى حيث لا تدري. تسألهم عن أحوالهم ولماذا ليسوا في المدرسة كأترابهم يحصلون العلم، فيخافون الاجابة ويتطلعون في كل الاتجاهات خشية أن يلمحهم أحد. يجيبون بأنهم مجبرون على التسول لأن "فلانا" يضربهم إذا لم يأتوا له بالاموال اللازمة.
في أحد الشوارع حي صغير، يعيش فيه فقراء، لا أحد يزورهم أحد. عند المدخل، أولاد يلعبون، حفاة، بشبه طابة، ثيابهم متسخة، والمباني عبارة عن ألواح من التنك متراصفة بدقة لتشكل غرفا لا أحد يعرف من تؤوي.
مشاهد متكررة وبطالة متفاقمة
مشاهد تتكرر في كل منطقة من لبنان كما في أغنى بلدان العالم وأعظمها. المآسي كثيرة والنتيجة واحدة: فقر وفقراء. عدد الفقراء يسابق عدد المشردين ومشكلة البطالة الى تفاقم. ناهيك عن الآفات والأمراض التي تنتج عن الفقر.
الفقر والعوز ظاهرة لا يمكن محوها من التاريخ ولا يمكن معالجتها بشكل جذري، لأن المشاهدات أظهرت أن الازمات الاقتصادية التي تسبب البطالة، وخصوصا في الدول الصغيرة، متلاحقة وتؤثر سلبا على المواطن، وكيف إذا زاد عدد السكان نتيجة النزوح الاضطراري لشعوب تنهكها الحروب؟ وفي لبنان، كيف لهذه الظاهرة ان تتراجع والسياسيون لا يتفقون على بند واحد من بنود الاصلاح؟ يجتمعون فيجمعون على إرسال المساعدات الى البلدان المنكوبة والمنكوبون في بلادي كثر، ويستقبلون النازحين من دون تنظيم فيزيد الفقراء فقرا وعددا.
في هذا اليوم الأممي، نتمنى أن تنشط المنظمات على الحد من الفقر لأن المحتاجين كثر، ونتضرع إلى الله ألا نصبح من فئتهم في يوم من الأيام.
============ ج.س