تحقيق لميا شديد
لطالما سعت الرابطة المارونية في لبنان إلى تفعيل العلاقة بين لبنان المقيم ولبنان المغترب ولا سيما أن موجة اغتراب كبيرة سجلت منذ ستينات القرن التاسع عشر وأدت الى ما أدت اليه من وجود نسبة لبنانيين مغتربين تفوق عدد سكانه الحاليين. حيال هذا الواقع، تداركت الرابطة المارونية الوضع القائم، فأطلقت في كانون الأول 2012 دراسة مشروع إنشاء منطقة اقتصادية حرة في البترون متخصصة في القطاع التكنولوجي إيمانا منها بأن القطاع التكنولوجي هو أساس للاقتصاد الحديث في العالم، ويشكل اليوم أكثر من عشرين تريليون دولار أميركي وتبلغ نسبة ثلاثين في المئة من الاقتصاد الأميركي، الاتحاد الأوروبي، الصين واليابان وأما في العالم العربي، يتنامى هذا القطاع بصورة تتعدى الثلاثين في المئة سنوياً في ظل ارتفاع ملحوظ للأسهم الخاصة بالمنتجات التكنولوجية في المجموع الكامل للصناعات المصدّرة.
مشروع المنطقة الحرة في البترون سلك طريقه الى المجلس النيابي، وتحرص الرابطة المارونية على أن يبقى هذا المشروع جامعا للبنانيين من كل الإتجاهات السياسية. وهذه المنطقة الاقتصادية الحرة في منطقة البترون، ستكون متخصصة في جذب الاستثمارات الاغترابية والاجنبية بقطاعات محددة، كالمعلوماتية والتكنولوجيا والاتصالات.
سينفذ المشروع بالتعاون مع أبرشية البترون وراعيها المطران منير خيرالله الذي وضع أرضا للأبرشية في كفرحي بتصرف المشروع والعمل جار لتحديد عقارات اخرى في قضاء البترون كون المنطقة لن تكون في بقعة جغرافية واحدة. ومن المتوقع أن يؤمن فرص عمل جديدة لأكثر من 5000 مواطن في منطقة محاطة بأفضل الجامعات وتتمتع بموقع جغرافي مميز، وبطبيعة جاذبة وآمنة. وتضع الأبرشية كل إمكاناتها العقارية والمعنوية لتوفير فرص عمل للشباب، ليثبتوا في أرضهم. وان أولى أولويات الكنيسة والرابطة المارونية، هي تحفيز الشباب للبقاء في الوطن الذي يقوم بشبابه وشيوخه.
لوران عون
وإذ يؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية في الرابطة المارونية المحامي لوران عون أن "المنطقة الاقتصادية ستساهم في إرساء الإنماء المتوازن وخلق فرص عمل وتثبيت اللبنانيين بأرضهم، وتؤمن عودة الاغتراب للاستثمار"، يشير ايضا الى انه "في ظل غياب استراتيجية وطنية لربط الاغتراب بلبنان بمشاريع اقتصادية مجدية كان لا بد من خطة عمل لربط طاقات المغتربين جميعهم، من دون أي استثناء، بالاقتصاد اللبناني"، لافتا الى "تسابق وتزاحم البلدان المتقدمة على إجتذاب هجرة الكفاءات العالية المهاجرة لما تشكل من قوة دفع لإقتصادها، في حين نجد أن لبنان يورد شبابه من حاملي الشهادات العليا الى أصقاع الدنيا دون أي خطة مدروسة، وقد جاء هذا المشروع لوقف نزيف هجرة الادمغة اللبنانية الى الخارج".
وأكد المحامي عون أن "من أبرز أهداف المشروع العمل على تعزيز اللامركزية الادارية وإيجاد سبل حياة كريمة للمواطنين الصامدين في قراهم وبلداتهم خارج نطاق العاصمة بيروت، فيثبتون في أرضهم دون اللجوء الى النزوح الى المدينة أو الهجرة الى الخارج. ومن أجل ذلك، قد يكون تأمين فرص العمل، العامل الأهم في هذا الاطار. وقد بينت دراسات متعددة في معظم دول العالم أن جذب الاستثمارات الى المناطق الكائنة خارج العاصمة يلغي مشكلة البعد عن إدارات الدولة ومشكلة الوقت ويحل تعقيدات البيروقراطية الادارية".
واعتبر ان "المنطقة الاقتصادية في البترون ستكون متخصصة في جذب الاستثمارات في قطاعات محددة هي المعلوماتية والتكنولوجيا والاتصالات"، وقال: "نحن نشجع اطلاق مناطق اقتصادية حرة أخرى لكي يتحقق النمو المتوازن بين المناطق اللبنانية كافة".
واشار عون الى ان أبرز ميزات المنطقة الحرة في البترون هي ان ادارتها ستناط بهيئة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال المالي والإداري وعلى ان تقوم على سبيل التعداد لا الحصر، وضع أصول وشروط الترخيص بالمشاريع الإستثمارية المنوي تنفيذها، ومن ثم الموافقة على هذه التراخيص على ان تحل مكان الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات كافة فيما يتعلق بمنح التراخيص الإدارية، اضافة الى منح حوافز أخرى كالاعفاءات الضريبية.
ولفت الى ان مشروع القانون المقترح شبيه بقانون انشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس رقم 18 تاريخ 5/9/2008 وهذا التشابه سيوفر علينا الكثير من الوقت وتجاوز العديد من المطبات التي قد تعترض مسار هذا المشروع".
وأكد المحامي عون أن "الرابطة المارونية تسعى منذ سنوات إلى تفعيل العلاقة بين لبنان المقيم ولبنان المغترب"، وقال: "وانطلاقا من موقعي رئيسا للجنة الاقتصادية، أعمل من خلال دراسات ولقاءات مع الفعاليات المختصة لإدخال مفاهيم وآليات الربط التنموي بين الانتشار اللبناني والاقتصاد المحلي، من أجل خلق فرص عمل للتخفيف من نزيف الهجرة وتثبيت اللبنانيين المقيمين بأرضهم".
وعلق المحامي عون أهمية كبرى على إنشاء مناطق اقتصادية حرة في لبنان، إذ تستقطب استثمارات المغتربين، مشيرا الى أن ميزات المنطقة الاقتصادية الحرة في منطقة البترون تكمن بإدارتها التي ستناط بهيئة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري. ويعود لهذه الهيئة وضع أصول وشروط التراخيص بالمشاريع الاستثمارية المنوي تنفيذها، والموافقة على هذه التراخيص، والبت بها خلال مهلة محددة وفترة قصيرة على أن تحل مكان الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، إضافة إلى منح الحوافز وفي مقدمها الإعفاءات الضريبية والجمركية".
وكشف عون عن وجود حماس وتجاوب من مغتربين كثر للاستفسار عن عمل المنطقة الاقتصادية، وقد أبدت شركة اتصالات لمغتربين لبنانيين استعدادها للاستثمار فور انتهاء كل المعاملات الخاصة بها. وأوضح أنه إلى البنى التحتية المتطورة، سوف تؤجر العقارات بأسعار تحفيزية وجاذبة للمستثمرين من المغتربين والأجانب. وقال: "إن مشروع الرابطة المارونية يرمي إلى تحقيق شراكة إنتاجية وطنية حقيقية بين لبنان المقيم والمغترب، وخلق فرص عمل وتشابك اقتصاد، ولذا نسعى إلى تأمين حوافز مشجعة".
وأوضح عون ان العالم يضم اليوم 2800 منطقة اقتصادية، وقد أنشأت ايرلندا أول منطقة بالمفهوم الحديث في منتصف الخمسينات، وتمكنت عبرها من تحويل اقتصادها اقتصادا ريعيا بعدما كان منتجا من خلال خلق فرص عمل. وقال: "أما هدف الرابطة المارونية من انشاء منطقة اقتصادية حرة فهو "تحقيق اللامركزية الادارية، والانماء المتوازن وتثبيت المواطنين في أرضهم عبر إيجاد فرص عمل، وبالتالي تخفيف نسبة الهجرة وخدمة أبناء منطقة البترون والجوار".
ولفت الى أن الرابطة "تلقت اتصالات كثيرة من شركات اتصالات يملكها لبنانيون في الخارج، أبدوا حماسة حيال المشروع، وأعلنوا رغبتهم إنشاء فروع لشركاتهم ضمن المنطقة الاقتصادية في حال تقديم الاعفاءات الضريبية وحل تعقيدات البيروقراطية".
واكد "ان المنطقة الاقتصادية ستؤدي الى تحريك العجلة الاقتصادية وتنشيطها في منطقة البترون"، وقال: "نحن ندرس حاليا انشاء مشاريع مماثلة في مناطق أخرى من لبنان، كالبقاع، فالبترون ستكون البداية لكنها لن تكون النهاية لأن الانماء المتوازن يجب ان يتحقق في كل المناطق".
ولفت الى ان اقتراح القانون "لا يلزم بانشاء المنطقة الاقتصادية في بقعة محددة من البترون بل ستوزع على بقع مختلفة، فمنطقة كفرحي ستضم فقط برمجة الكومبيوتر والتدريب، أما الصناعات الخفيفة فقد تستقر في مواقع اخرى علما ان الصناعات الخفيفة في التكنولوجيا لا تنتج أي ضرر."
وطمأن المحامي عون من لديهم هواجس حيال المشروع بأن "الاستثمارات ستكون صديقة للبيئة، ولن تكون هناك مصانع ومعامل أو صناعات متوسطة وضخمة، بل صناعات خفيفة وبرمجة وتجميع، مؤكدا ان أي خطوة لن تتم الا بالتنسيق مع رئيس المجلس البلدي والأعضاء الذين نحترم ونقدر آرائهم واقتراحاتهم.
منطقة اقتصادية حرة في منطقة البترون هي مشروع من أجل البترون وخدمة أبنائها لكي يستقروا ويثبتوا في قراهم وأرضهم وهذا لا يمكن ان يتحقق الا من خلال خلق فرص العمل.
========== ن.م