تحقيق محمد سيف
وطنية - عندما يقترن الانماء بالجمال تصبح أمام لوحة فنية رسمها الخالق فأحسن رسمها وأتت الدولة اللبنانية، وإن متأخرة، لتفتح المجال لأبناء الوطن لمشاهدة هذه البقعة الخلابة التي لا تزال جبالها وغاباتها وبساتينها العذراء بعيدة عن أعين الكثير من اللبنانيين.
إنها جبال الضنية الأبية التي تصل شرق لبنان بغربه على مساحة تمتد 409 كلم2 من القرى والبلدات والجبال والوديان والسهول والهضاب والينابيع والأشجار المثمرة والنادرة المتنوعة والمعمرة تسر الناظرين وتنعش المصطافين بهواء نقي على ارتفاع شاهق هو الأعلى في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، وتحديدا عند نقطة القرنة السوداء 3075 م.
هضابها تشرف على عاصمة الشمال، وتعتبر الضنية نقطة وصل يحدها من الشمال محافظة عكار ومن الشرق محافظة بعلبك الهرمل ومن الجنوب قضاءا زغرتا وبشري. جبال الضنية، أعلى الجبال اللبنانية (المكمل)، تعانق غيوم السماء، لا بل تعلوها أحيانا لتخال نفسك تطير فوقها.
هذا المشهد الذي حرم منه الكثيرون في لبنان والوطن العربي، بات متاحا للجميع من خلال تنفيذ مشروع الأوتوستراد الذي يصل عاصمة الشمال طرابلس بمركز القضاء سير الضنية وبجباب الحمر والهرمل، وذلك بادارة مجلس الانماء والاعمار وتنفيذ شركة دنش للمقاولات والتجارة واشراف دار الهندسة مكتب نزيه طالب.
البدء بعملية التنفيذ قبل عدة سنوات من جهة الهرمل - جباب الحمر انتهى في مرحلته الأولى وصولا الى سد بحيرة بريصا في خراج بلدية نمرين بكوزا في اعالي الضنية قبل نحو سنين، حيث بدأت شركة دنش شق الطريق باتجاه سير الضنية من جرود نمرين، الى تل نمرين وقرصيتا وبقرصونا الأمر الذي أدى الى ارتفاع ملحوظ في أسعار العقارات في مختلف القرى والبلدات الجردية.
وما زاد في لفت الأنظار طريقة العمل الذي ينفذه المتعهد مصطفى طربيه في منطقة غاية في الصعوبة لوعورتها ومنحدراتها المرتفعة، وتحديدا في أحياء الصنوبر والمنشرة والجعيلات وتل نمرين في نمرين بكوزا حيث نالت استحسان الأهالي ورضاهم على ما شاهدوه من سرعة في شق الطريق وعمليات الحفر والردم والترصيف، وصولا الى المحافظة على أملاك المواطنين من اشجار مثمرة وغيرها.
وأوضح مدير شركة دنش المهندس رياض حمود للوكالة الوطنية للاعلام أن "المرحلة الثانية من الأوتوستراد تربط سير وقرى الضنية بمحافظة بعلبك الهرمل"، وقال: "تبلغ مسافة الأوتوستراد نحو 16 كلم في الضنية من سير وصولا الى سد بريصا مرورا ببلدات بقرصونا وقرصيتا ونمرين وجردها، وطبيعة العمل هو شق الطريق في منطقة جردية وعرة، يتخلله حفريات وردم وبناء حيطان دعم وترصيف وصولا الى التعبيد".
أضاف: "كلفة المشروع نحو 28 مليون دولار من البنك الاسلامي عبر الحكومة اللبنانية ممثلة بمجلس الانماء والاعمار، والمدة الزمنية 3 سنوات عمل من دون العطل الرسمية أو الطارئة وعوامل الطقس، بالاضافة الى أن هناك دراسة لبناء جسر يربط بقرصونا بنمرين بكوزا فوق واد عميق بطول 110 أمتار، ومن المتوقع أن يبدأ العمل به العام المقبل بعد أن انجزت الدراسة الميدانية وتبقى الدراسة النهائية لتلزيم الجسر".
وعن الاستملاك والاعمال قال: "مساحة الاستملاك من الأراضي 22 مترا على طول 16 كلم تم دفع مستحقاته من قبل وزارة المال في الحكومات السابقة، وننفذ اليوم شق الطريق بعرض 9 أمتار تمهيدا للتعبيد، بالاضافة الى 3 أمتار لمجاري تصريف المياه على جانبي الطريق. أما طول الأعمال الخرسانة المسلحة فتبلغ نحو 2500 م، بحسب الدراسة، وهناك اعتراضات عليها من قبل بعض المواطنين أصحاب الحقوق، كون الدراسة اعدت عام 1996 وتعددت أسباب تأخير التلزيم لا سيما بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في لبنان بالاضافة الى حرب تموز، ومما لا شك فيه ان هذا الأوتوستراد يربط القرى والأقضية في ما بينها بشبكة طرق حديثة، وربط المسافات يساعد على التواصل والتلاقي ونقل البضائع والمحاصيل من عاصمة الشمال طرابلس ومرفأ الميناء ومن قرى الضنية الى البقاع والعالم العربي وأوروبا".
وكان لمواطنين وفاعليات رأي حول أهمية هذا الطريق الذي يعتبر خطوة أولى في ازالة الحرمان عن الضنية والهرمل.
فرأى رئيس بلدية نمرين بكوزا مصطفى عربس "أن هذا الأوتوستراد شريان حيوي للمنطقة كلها ويربط محافظة الشمال بمحافظتي البقاع وبعلبك الهرمل ويصبح وقت السفر من البقاع الى طرابلس عبر الضنية قصيرا جدا، وهذا يسهل عملية التواصل البشري والانساني ونقل البضائع والمحاصيل الى البقاع والعالم العربي، بالاضافة الى انه يشجع على السياحة ويعزز حركة الاصطياف، الا أن المتعهد بدأ العمل في نطاقنا البلدي من دون أي تنسيق مسبق مع البلدية وبطريقة غير لائقة، والتواصل مع البلدية جاء بعد أن اصطدم بعض الأهالي مع الشركة التي جاءت طلبا للمؤازرة، كما ان الاليات من جرافات وشاحنات كبيرة صدعت ارضية الطريق القديمة وبعض حيطان الدعم فيها ناهيك عن الغبار الذي يلف البساتين والمنازل، وعلى كل حال نحن مع الأوتوستراد الذي سيجلب المنافع للمنطقة دون أدنى شك، ويعتبر المدماك الأساس للتنمية وهو الخطوة الأولى من الحكومات المتعاقبة نحو رفع الحرمان عن جرود الضنية".
ورأى المزارع خالد العويض من منطقة المنشرة أن "الطريق يشق مصيفنا في جرود الضنية، وللحقيقة والانصاف لا بد من الاشادة بتعاون العديد من المهندسين المشرفين على العمل وكذلك الاشادة بالدور الايجابي الذي يقوم به المتعهد طربيه، فعمله بالاضافة الى شق الطريق وترصيفه وتأهيله كان بمثابة الاطفائي عندما يقع أي خلاف بين أصحاب الأراضي المستملكة وبين الشركة المنفذة للمشروع، الأمر الذي انعكس ايجابا وسهل العمل على الجميع".
ولفت العويض الى بعض المشاكل الروتينية، الا انه استدرك قائلا: "لن نقف عند بعض المعوقات والمشاكل لأن الأوتوستراد سيكون الشريان الرئيسي لانماء قرانا المحرومة ويعزز فرص نجاح التنمية بكل اشكالها، وهذه الايجابية تحسب في رصيد الدولة اللبنانية مجتمعة بكل مؤسساتها الشرعية".
أما مختار سير الضنية محمد علي درباس فأكد "أهمية المشروع الحيوي ليس فقط لأهالي سير والضنية وبعلبك الهرمل بل لكل اللبنانيين والعرب كونه سيوصل صورة الضنية الرائعة الجمال للعالم بأقصر وقت ممكن".
وقال: "لقد وصلت الدولة متأخرة الى قرانا عبر الانماء الا انها تشكر، لكن لا بد من الاشارة الى بعض الثغرات في الدراسة لا سيما المداخل والمخارج المؤدية من والى الأوتوستراد في كل البلدات التي يخترقها الطريق، وكذلك سوء التنفيذ في قنوات الري المتفرعة من المشروع، بالاضافة الى الغبار والأتربة التي تلف البساتين والمنازل على مسافة 16 كلم".
يذكر أن رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر والمدير العام للصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي عبد اللطيف الحمد كانا وقعا اتفاقية قرض قيمتها 6 ملايين دينار كويتي، أي ما يعادل 21 مليون دولار أميركي، للمساهمة في تنفيذ مشروع طريق سير الضنية - جباب الحمر - الهرمل. وهذه الاتفاقية هي امتداد لاتفاقية سابقة بالقيمة نفسها خصصت للمساهمة في تطوير قرى الضنية وبعلبك الهرمل المحرومة من التواصل.
=========== ج.س