تحقيق ماريا يمين
وطنية - في اليوم العالمي للتوعية حول التوحد، يضاء اللون الأزرق رمز الأمل في مختلف أنحاء العالم في 2 نيسان من كل عام، تاريخ حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها الرقم 139/62 المؤرخ 26 آذار 2008، ويضاء هذه السنة في لبنان في مبنى وزارة الشؤون الإجتماعية في بيروت. وتهدف مبادرة الإنارة الزرقاء إلى زيادة الوعي حول التوحد.
وقد قررت وزارة الشؤون الإجتماعية بالتعاون مع "مركز الشمال للتوحد" تنفيذ حملة وطنية بعنوان "سبل دعم أسرة الطفل الذي يعاني من التوحد"، وذلك بناء على نتائج ورش عمل نفذتها الوزارة خلال شهر آب 2013 مع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، حول سبل التعامل مع الأطفال وكيفية تطوير برامج الحضانات، أظهرت ضرورة التوسع في طرح موضوع التوحد. من هنا، تكونت حملة توعية في مختلف المناطق اللبنانية طوال نيسان شهر حول التوحد عالميا، وتضمنت إضاءة مبنى وزارة الشؤون الإجتماعية باللون الأزرق، خمس ورش عمل تدريبية في كافة المراكز التابعة للوزارة تهدف الى بناء قدرات المربيات حول موضوع التوحد وسبل العناية بالطفل، إقامة مؤتمر طبي في الاونيسكو بهدف تعزيز معرفة الأطباء بالتوحد وعملية التشخيص، توزيع كتيب عن التوحد، كما يعد طلاب الجامعة اللبنانية، كلية الفنون - الفرع الثاني جدارية عن التوحد مقابل مبنى وزارة الشؤون الإجتماعية.
التوحد هو إضطراب في التطور النفسي والعصبي، يظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. يؤثر هذا الاضطراب على التطور في مجالات أساسية: التفاعل والتواصل الإجتماعي، بالإضافة إلى ظهور سلوك نمطي متكرر واهتمامات محدودة. تختلف عوارض التوحد بين شخص وآخر ولذلك يسمى "طيف التوحد" أي أن العوارض تتراوح من شخص إلى آخر بين خفيفة وشديدة.
كثيرا ما يترافق التوحد مع إضطرابات أخرى منها: تأخر ذهني، صرع، حركة مفرطة وضعف في التركيز وغيرها. يظهر التوحد في كل أنحاء العالم ويصيب كافة الطبقات الإجتماعية، ويقدر إنتشاره بنسبة 1%، كما تظهر حالات الإصابة بالتوحد لدى الذكور بمعدل أربعة أضعاف معدله لدى الإناث عموما. التعريف كما جاء في الكتيب الصادر ضمن حملة "معا لدعم اسرة الطفل الذي يعاني من التوحد" التي تنفذها وزارة الشؤون الإجتماعية بالتعاون مع مركز الشمال للتوحد".
مركز الشمال للتوحد: يحترم فردية كل حالة
يقع "مركز الشمال للتوحد" في الجديدة - زغرتا قرب "مركز الشمال الإستشفائي"، أنشأته رئيسة جمعية "الميدان" السيدة ريما سليمان فرنجية عام 2010 وهو اول مركز للتوحد في شمال لبنان، يعنى بتعليم الأطفال المتوحدين، ويدعم أسرهم كي يتأقلموا مع وضعهم الخاص ، ويوفر التوعية في المجتمع المحيط. هذا المركز التعليمي يتعاون مع فريق متعدد الإختصاصات، بهدف تعليم الأطفال ودمجهم في المجتمع من خلال تأمين البرامج المتخصصة التي تحترم فردية كل منهم.
ويتم في المركز تقييم ومعاملة كل شخص على أساس فردي. فالخدمات ووسائل العلاج تحدد وفقا لاحتياجات كل طفل، ويقوم الأخصائيون بخلق برامج فردية لتعزيز فرص تطور كل حالة. وتتطور البرامج مع تأكيد استقلالية وتنمية المهارات والسلامة الشخصية. ولتحقيق هذه الغاية، تستكمل البرامج التعليمية عبر إكساب الأولاد المهارات الحياتية اليومية الضرورية للنمو الجسدي، الإدراكي والنفسي.
يضم المركز صفوفا للأولاد الذين تتراوح اعمارهم بين 3 أعوام و13 عاما، يستفيدون من برنامج خاص يقوم بإعداده الفريق المتخصص، وتقوم بمتابعته عن قرب السيدة ريما فرنجيه رئيسة المركز، وذلك من خلال الزيارت المتكررة إلى المدرسة والمركز وتشرف على سير الأمور. بما أنه لا يوجد منهج محدد للتلاميذ الذين يعانون من التوحد، يوزع الأطفال على الصفوف بحسب إحتياجاتهم وأعمارهم. كما يضم المركز صفوفا للمراهقين الذين يعانون من التوحد تهدف إلى إشراكهم في الحياة الإجتماعية والمهنية.
ويقوم الفريق المختص بتطبيق عملية التأهيل التي تعتمد خصوصا على القدرات المتوافرة لدى المراهق، وبتنمية هذه القدرات والإستفادة منها إلى أقصى حد. وتسهيلا لعمل المركز واستنادا إلى الحاجة الملحة التي تظهر يوميا، تأسس "مركز الشمال للتشخيص والتدخل" ويتكون من طبيب نفسي، طبيب أعصاب، طبيب أطفال، أخصائيين في معالجة النطق، التربية التقويمية في العلاج النفسي الحركي، وغيرهم.
سعد
وفي خلال حديثنا مع الآنسة سابين سعد مديرة "مركز الشمال للتوحد" أخبرتنا عن ظروف التأسيس والبدايات وقالت:" أطفال كثر في منطقتنا كانوا يعانون هذه الحالة، والأهالي يئسوا لعدم وجود مرجع قريب منهم. فكرة إنشاء مركز متخصص أتت من السيدة ريما سليمان فرنجية التي لحظت حاجة مجتمعنا لمن يحضن حالات التوحد وأجرت الابحاث وتعمقت في الموضوع، وقررت حينها أن تنشئ مركز NAC مركز الشمال للتوحد".
وعن كيفية التعامل مع الأهل الذين يتجنبون الافصاح عن مشكلة اولادهم، أوضحت سعد أنه "معالجة لهذه الأمور، قمنا بإنشاء فريق متخصص يلتقي مع الأهل مرة كل شهر، ويختارون موضوعا معينا للتحدث عنه، الأمر الذي يساعد على تخطي الحالات والعقبات. ويولي المركز أهمية لمشاركة الأهل ومتابعة الجهود التي نبذلها إيمانا منا بأن الولد ليس فقط محترما كفرد، بل كجزء أساسي من الوحدة الأسرية".
وعن الصعوبة في اختيار الأساتذة المتخصصين، أكدت أنه "في البداية تعبنا كثيرا لان غالبية الشباب المتخصص يقصد العاصمة للعمل، لكن بعد انطلاق مركزنا زادت طلبات التقدم للعمل في المركز والصعوبات هي في جوهر العمل بكون عملهم رسالة ويجب أن يتحلى المتخصص بالعلم والصبر اللامتناهي في التعاطي مع الأولاد".
الكلفة والتمويل
وعن إمكان استيعاب تزايد إقبال الأولاد لفتت إلى أن "عدد الأولاد في هذا المركز 40 ولدا، ولكن هناك 75 ملفا لاطفال يعانون من التوحد، وهم على لائحة الإنتظار لعدم وجود أماكن لحضنهم. كلفة التعليم باهظة جدا. وكي نمول هذا المركز ننظم نشاطات وحفلات يعود ريعها له، وهناك بعض الأهالي يدفعون اقساط اولادهم إذا سمحت حالتهم المادية بذلك، مساهمة من وزارة الشؤون الإجتماعية إضافة الى التمويل الخاص".
"برنامج الدمج" مشروع رائد
وأكدت أن "المركز أطلق مشروعا رائدا هو برنامج الدمج المدرسي للأولاد الذين يعانون التوحد وذلك في الصفوف الإعتيادية. هناك فئتان من الدمج: التام والجزئي. لهذا تم التوافق بين المركز وبعض المدارس لاستقبال التلاميذ الذين يمكنهم الاستفادة من برنامج الدمج".
وأوضحت أن "المركز اعتمد مدرسة راهبات الأنطونيات - الخالدية زغرتا للغة الفرنسية وفيها ستة تلاميذ. ومدرسة النورث ليبانون كولدج للغة الإنكليزية وفيها 7 تلاميذ. وإيمانا منا بأهمية التدخل المبكر، نطبق مشروع الدمج في صفوف الحضانة أيضا.
يرافق كل تلميذ متوحد "مربي مساعد" في المدرسة طيلة الوقت ويعمل بالتنسيق مع إدارة وفريق عمل المركز والمدرسة، على تكييف الدمج وتطبيق البرنامج. ويتم متابعة الأولاد من خلال فريق عمل متعدد الإختصاصات ما يؤثر إيجابا على تفاعلهم في الصفوف. كما يقوم الفريق، بالعمل مع أفراد الهيئة التربوية والتعليمية الى جانب الأولاد في المدرسة ليتعرفوا إلى التوحد، أعراضه، علاماته وكافة التفاصيل التي تسهل عملية الدمج.
بيت التوحد
وعن الخطط المستقبلية، أكدت سعد "وجود فكرة إنشاء بيت التوحد الذي يحضن المتوحدين عندما يكبرون، لأن أهلهم لن يدوموا لهم إلى الأبد، ففي هذا البيت يمضون وقتهم كأنهم في منزلهم ويقومون بأعمال يدوية مختلفة، يتم عرضها لاحقا وبيعها إذا أمكن. كل هذه الجهود تهدف الى دمج الأولاد في المجتمع معتمدين على قدراتهم الذاتية، وتوفير نوعية حياة أفضل من خلال تعزيز التواصل والتفاعل في المجتمع، فيصبح هؤلاء الأشخاص منتجين في المجتمع".
باختصار، إن مركز الشمال للتوحد جواب للمبدأ الأساسي في حق الاولاد في التمتع الكامل بحقوق الإنسان.
================= ج.س