تحقيق رحاب أبو الحسن
وطنية - يحتفل العالم العربي في 16 أذار من كل عام بذكرى اليوم العربي لحقوق الإنسان، تحت شعار "نحو عالم عربي خال من التمييز"، وتأتي أهمية شعار هذا العام في ظل ما يشهده العالم العربي من ظاهرة التمييز بكافة أشكاله والتي تعتبر ظاهرة خطيرة تزداد تفاقما وتطال كافة أشكال التمييز العنصري أوالعرقي أو الديني او المبني على النوع (الجندر).
وتقول التقارير أن التمييز ضد المرأة يقع على رأس قائمة التمييز العنصري في الدول العربية، يليها التمييز ضد الأجانب والعمال المهاجرين،إضافة إلى التمييز ضد الأقليات الدينية والتمييز العرقي.
وعلى الرغم من أن المجتمعات العربية تتسم بوجود مكونات إجتماعية متعددة ومتنوعة مما ينعكس على المعتقدات الشخصية والتوجهات السياسية للمواطنين، وهذا التنوع مصدر غنى إذا ما أحسن التعامل معه، خاصة أن هذه المجتمعات تنشد العيش بكرامة وسلام وتقدم، إلا أنها ومع الأسف تختلف عن مجتمعات العالم التي تتسم بمثل المكونات، بعدم قدرتها على تقبل ثقافة الآخر فإن التمييز في العالم العربي يعتمد على عوامل من قبيل العرق او الإنتماء القومي او الطبقي او الديني او على اساس المعتقد او النوع او الوضع الصحي.
ويرى الخبراء الذين سيناقشون الأحد المقبل أن معظم مشكلات العنصرية وعدم المساواة في المنطقة العربية تنبثق من إنعدام ثقافة الآخر، والتي قد تصل إلى ممارسات إجتماعية يومية تصدر عن الخوف من الآخر والجهل به، حيث أنها تقوم على رفض الحق في الإختلاف، وكراهية الأجنبي، والإنغلاق على الذات وتضخيم صورة الأنا وتحقير صورة الآخر، فتنتفي بذلك إمكانية الحوار والتواصل بين الذات والآخر المختلف.
وفي وقت يعتبرالخبراء أن الإعلام والرأي العام يلعبان دورا في تغذية هذه الممارسات العنصرية أو التكتم عن إبراز جرائمها كجزء من توجه سياسي معين، مما يسهل في أحيان كثيرة الإفلات من العقاب، وهذا الأمر يبرز بشكل كبير في التمييز الذي يطال المرأة في نواحي كثيرة، أشار هؤلاء إلى أن مسؤولية مكافحة العنصرية بكل أشكالها تقع في المقام الأول على عاتق الحكومات "لأن ثقافة المساواة والعدل وتقبل الآخر لن ترسخ في أي مجتمع حتى تكفلها وتطبقها الدول من خلال إتخاذ التدابيرألأساسية اللازمة وإنفاذها لضمان حق الجميع في التحرر من التمييز، من خلال إلغاء التشريعات المميزة التي تيسر إنتهاكات حقوق الإنسان وتحرم البشر من المساواة أمام العدالة، وإعمال إلتزاماتها في المواثيق الإقليمية والدولية، كما ينبغي أن تتصدى قوانين الدولة ومؤسساتها للأسباب الجارية التي تقف وراء التمييز عوضا عن إعادة إنتاجها أو توظيفها لخدمة الأغراض السياسية.
ومن المؤكد أن إرتقاء الأمم لا يكون إلا بارتقاء شعوبها، ولا ترتقي الشعوب إلا بقبول الآخر وإحترام حقوقه، وتحقيق ذلك لا يكون إلا من خلال تفعيل حوار مجتمعي متسامح يشمل كافة مكونات المجتمع، وينطلق من فكرة قبول الآخر أيا كان معتقده الديني أو السياسي أو العرقي، من أجل ترسيخ وتعزيز القيم والمبادىء التى حثت عليها الأديان، ونصت عليها الصكوك الدولية والإقليمية، للوصول إلى حلول شاملة تعزز السلم الاجتماعي، خصوصا وأن الأديان السماوية تحمل جميعها رسالة واحدة هي رسالة حب وتسامح وسلام، وعليه فإن التعصب الذي نشهده في مجتمعاتنا ليس من صنع الدين وإنما من صنع الممارسات البشرية، فالدين فكر وعمل، والإيمان يدعو إلى الإنفتاح والمحبة والحوار، بينما التعصب يدعو إلى الإنغلاق والحقد والجهل، ولذلك يجب العمل في مجتمعاتنا على محاربة الأفكار الدينية العنصرية والتي تفشت في السنتين الأخيرتين بشكل باتت تهدد إستقرار وأمن المجتمعات العربية،ومن هنا لا بد من تبني برامج وحملات توعية مكثفة لتحسين المعرفة بظاهرة التمييز بين المواطنين، وتوعيتهم على حقوقهم وإلتزاماتهم وإبراز مزايا وفوائد التنوع ضمن المجتمع، كما يجب على الحكومات أن تقوم بدعم الجهات الفاعلة مثل المنظمات غير الحكومية والشركاء الإجتماعيين في مساعيها للقضاء على التمييز والعمل على إعادة النظر في مفاهيم العدالة والمساواة ودمجها في المناهج التعليمية.
إن توصية اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بأن يكون شعار اليوم العربي لحقوق الإنسان لعام 2014 "نحو عالم عربي خال من التمييز"، تنطلق مما يسود العالم العربي من خلل وعلل في التعامل مع الاختلاف والتعدد، وترنو بذلك إلى إثارة العلة والداء والتنبيه لخطورة بعض مظاهر الغلو والتشدد والطائفية والتمييز القائمة على الإنتماء والتمييز ضد الفرد على أساس العمر أو العرق أو الدين أو النوع أو التوجه أو الجنسية أو الإعاقة أو التحرش، وتنسجم هذه الدعوة العربية مع إهتمام عالمي في مكافحة العنصرية والتمييز، بعد أن تبين للجميع - أقطارا وهيئات ومنظمات مدنية وجامعات ومراكز بحث ومؤسسات دينية - أن العالم برمته مهدد بالتعصب إن لم يهب الجميع لإشاعة قيم إنسانية تنطلق من المشترك الإنساني.
والثابت أن طرح قضية مكافحة التمييز والعنصرية باعتبارها مدخلا لإرساء حقوق الإنسان هو خلاصة ما يطلبه المواطن العربي، الذي ثار في بعض الأقطار بحثا عن حريته وكرامته، إلا أن حسابات سياسية قدمت له عنفا وطائفية، وعليه فإن تعزيز القوانين والتشريعات التي تلغي التمييز إضافة إلى إعادة النظر في مفاهيم العدالة والمساواة والعمل على إدراجها في المناهج التعليمية سيساهم في إعادة بناء مجتمع خال من التمييز والعنصرية.
موسى
وفي لبنان عملت اللجنة النيابية لحقوق الإنسان قدر المستطاع على إدخال تعديلات على القوانين والتشريعات بما يتعلق بالعديد من القضايا التي كان فيها تمييز، وعملت جاهدة على تنزيه التشريعات وتحسين الوضعية التشريعية لملاقاة الإتفاقات الدولية التي وقع عليها لبنان.
ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى ل"الوكالة الوطنية للاعلام" إن "أهم ما حققته اللجنة مع الوزارات المعنية واللجان النيابية والمجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، تتعلق بإقرار الخطة الوطنية لحقوق الإنسان والتي عمل عليها على مدى سبع سنوات وصدرت العام الماضي وتتعاطى بكل الإقتراحات المطلوبة من أجل تحسين وضعية حقوق الإنسان في لبنان على مختلف المستويات وتعديل التشريعات الموجودة من أجل مطابقتها بالقدر الممكن مع شرعة حقوق الإنسان".
وقال: "كما قدمت إقتراحا لمجلس النواب مع النائب غسان مخيبر لإنشاء الهيئة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان في لبنان، ومهمتها المراقبة من موقع مستقل وتتابع مواضيع حقوق الإنسان في لبنان، وهي مسألة مهمة جدا ونسعى لإقرارها في مجلس النواب في أقرب فرصة ستتاح لمجلس النواب للانعقاد".
ولفت موسى إلى أن "العمل جار أيضا لإقرار قانون العنف ضد المرأة، وقطع شوطا مهما في اللجان المشتركة التي عقدت 52 إجتماعا خلصت في النهاية إلى صيغة سيجري عرضها أيضا على أول جلسة عامة ستعقد عند عودة الهيئة النيابية العامة للاجتماع".
ورأى أن "ما حصل في الفترة الأخيرة من اعتداءات عنفية على النساء أدت في البعض منها إلى الوفاة بات يستدعي من الجميع الإسراع في إقرار القوانين التي تؤمن حماية المرأة من العنف الأسري، علما أن القوانين اللبنانية ترعى كيفية التعاطي مع هذه المواضيع، وفي انتظار إقرار القانون طلب من جميع النيابات العامة تتسريع المحاكمات والتشدد بالعقوبات، كما طلب وضع الإنسان المعنف في أماكن آمنة حتى نوقف التعنيف ضد المرأة".
وأكد "أهمية هذا القانون لأنه يوصف حالات العنف والإعتداءات ويشدد العقوبات ويحمي الشهود ويضع النساء المعنفات في أماكن آمنة، كما تم وضع صندوق خاص لمساعدة النساء المعنفات".
وعن تقييم لبنان بالنسبة لوضع حقوق الإنسان فيه رأى موسى أن "ليس بين دول العالم أجمع دولة تلتزم عمليا بحقوق الإنسان، بل هناك دائما دواع مختلفة أمنية وسياسية وإجتماعية وفروقات معينة، وليس هناك بلد خال من هذه القضايا، فكيف سيكون عليه الوضع في بلد كلبنان يتعرض للكثير من المشاكل كما أوضاع المنطقة، فعدد سكان لبنان زاد الثلث نتيجة اللجوء السوري الذي ترك نتائج وتداعيات كثيرة، إضافة إلى المشاكل الأمنية التي نعيشها،إضافة إلى أن اللعبة السياسية نتيجة هذه المواضيع وغيرها مربكة وبالتالي الدورة المؤسساتية في البلد لا تسير بشكل سليم، وعليه فهناك مجمل أمور تعيق التوجه السليم في هذا الموضوع، ولكننا لا زلنا أفضل بكثير من غيرنا من الدول المجاورة ولكن ذلك لا يمنع من أننا بحاجة إلى القيام بأمور جدية أكثر في هذه القضايا".
لجنة حقوق الانسان العربية
وكانت لجنة حقوق الانسان العربية أكدت سعيها الدؤوب لتعزيز وحماية حقوق الانسان في العالم العربي والقضاء على أسلوب المعايير المزدوجة والتسييس عند النظر في قضايا حقوق الانسان.
ودعت اللجنة في هذه المناسبة الدول الأطراف وهيئات حقوق الانسان الاقليمية والوطنية والمدافعين عن حقوق الانسان للعمل معها من اجل تعزيز وحماية الحقوق والحريات الواردة في الميثاق العربي لحقوق الانسان.
ولفتت اللجنة الى ان الميثاق العربي لحقوق الإنسان بوصفه أول آلية عربية ملزمة قانونا "شكل احدى ثمرات العمل العربي المشترك التي تنسجم مع منهج الأمم المتحدة الداعي الى النظر في امكانية إقامة ترتيبات اقليمية لتعزيز وحماية حقوق الانسان بالتكامل مع الآليات الدولية في هذا المجال".
وأكدت كذلك مسؤولية جميع الدول العربية وخصوصا ال14 دولة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ولبنان من ضمنها، واجبها تجاه تشجيع وحماية جميع حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز من أي نوع.
وأشارت الى "أن السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان هي عناصر مترابطة ويعزز بعضها بعضا وهي بمثابة الغايات والمقاصد الكبرى التي يهدف الى تحقيقها الميثاق العربي لحقوق الانسان كأساس للأمن الاقليمي والرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي".
واعتبرت اللجنة أن "تخصيص 16 آذار من كل عام لليوم العربي لحقوق الانسان بمثابة فرصة حقيقية لتسليط الضوء على أوضاع حقوق الانسان في العالم العربي ومراجعة حالات التقدم او التراجع في مجال تعزيز وحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
يذكر أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان وافق عليه مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بموجب قرار أصدره عام 2004، ويتألف من ديباجة وأربعة أقسام تضم 53 مادة تشمل كافة حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تنظيم آلية عمل الميثاق المتمثلة بلجنة حقوق الإنسان العربية التي تتولى اختصاص النظر في تقارير الدول الأطراف بشأن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق والحريات المنصوص عليها في الميثاق.
وتتألف لجنة حقوق الإنسان العربية من سبعة أعضاء تنتخبهم الدول الأطراف في الميثاق بالاقتراع السري على أن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاءة العالية، ويعمل هؤلاء بكل تجرد ونزاهة ولا يجوز أن تضم اللجنة أكثر من شخص واحد من مواطني الدولة الطرف في الميثاق، ويجوز إعادة انتخابه لمرة واحدة فقط مع مراعاة مبدأ التداول علما بان أعضاء اللجنة ينتخبون لمدة أربعة أعوام ويتمتعون بالحصانة اللازمة والضرورية لحمايتهم ضد أي شكل من أشكال المضايقات أو الضغوط المعنوية أو المادية أو المتابعات القضائية بسبب مواقفهم أو تصريحاتهم في إطار قيامهم بمهامهم كأعضاء في اللجنة.
===============