الخميس 31 تشرين الأول 2024

08:18 am

الزوار:
متصل:

خان الافرنج في صيدا مساحة خجولة تحولت الى غرف للمبيت تشجيعا للسياحة وبيت للمعارض وقاعات للاشغال


تحقيق ايمان سلامه

وطنية - خان الافرنج. حكاية تاريخ تروى كلما دخله سائح وقصده لبناني شغفه حب موطنه واخذه فضوله لمعرفة مكنوناته التراثية والاثرية منها، حتى بلغ مكانة حيث يقع على البحر الصيداوي شمالا ويتجاور القلعة البحرية نظيرته في التراث والآثار التاريخية، يحاكي كلاهما الاخر بتلك الثقافات والحضارات التي وطأت ساحتيهما وطبعت عليهما مراحل كر وفر في معارك عسكرية تارة وازدهار وانتكاس اقتصادي تارةاخرى.

بدأ خانا صغيرا في مساحة خجولة، وما لبث ان تحول بعد ذلك الى خان الافرنج على عهد الامير فخر الدين الثاني واطلق عليه هذا الاسم نسبة للفرنسيين الذين كانوا في تلك الفترة يقصدونه كمركز للتبادل التجاري.

انشاؤه

ترجح المعلومات التي وردت الينا، ان بناء هذا الخان كان في العقد الاول من القرن السابع عشر ميلاديا حيث كان يتولى السلطة في الشوف آنذاك، الامير فخر الدين الثاني، في هذه المرحلة عمل على بناء قصر وجسر وحمام وخان، لتسهيل استقبال الوفود الاجنبية والعربية خاصة الاتية من الجهة البحرية وجعل الدورة الاقتصادية تتحرك بشكل افضل.

وفي عام 1600، وصل باشا الشام الى صيدا عن طريق البحر ليعلن ولاية الامير فخر الدين رسميا على صيدا واقاليمها، في وقت كان قد جعلها هذا الاخير مقرا لحكمه عام 1594.

وتشير المصادر الى ان الخان جعل مركز للتبادل التجاري مع فرنسا ومقرا لاقامة تجارها، خاصة الوافدين من مدينة مرسيليا، حتى ان دائرة المعارف الاسلامية كانت تعرف الخان تحت اسم "الخان الفرنساوي". وفي عام 1791 ولأول مرةاثناء ولاية احمد باشا الجزار على صيدا، اخلى التجار الفرنسيون الخان لاستعماله بعد ذلك في العام 1798 كثكنة عسكرية خلال حملة نابليون على مصر.

وعندما سمح لتجار فرنسا ان يعودوا بعد تلك المعارك الحربية عام 1802، وقع حريق في الخان تسبب بدمار قسمه الجنوبي الغربي، مما افضى الى اعادة ترميمه تحت اشراف القنصل الفرنسي الذي يعتقد بأنه كان يقيم في البيت القنصلي الملحق بالجهة الشمالية الشرقية لمبنى الخان.

تضرره وترميمه

وتوالت عمليات تضرر الخان التي كادت تجهز على اجزاء منه، ففي عام 1820، اصابت الخان اضرار جراء الانواء البحرية الشديدة، حتى ان الجامع العمري المجاور له تأثر بها ايضا كما يذكر في العام 1822 اي بعد عامين من تلك الاضرار التي لحقت بالخان، ضربت مدينة صيدا هزة ارضية عنيفة دمرت العديد من مبانيها والتي رجح الخبراء الهندسيون في تلك الآونة ان يكون الخان قد تعرض ايضا خلالها للتدمير الجزئي.

وفي المعارك العسكرية، لم يسلم هذا المكان من القصف ففي عام 1840، ضرب الاسطول الانكليزي والنمساوي المدينة، مما ادى الى اصابته باضرار جسيمة، وترك هذا المبنى منذ ذلك الحين دون ترميم فعلي يذكر حتى العام 1881 اي انه بقي اربعين عاما ينازع بين الموت التاريخي والمادي لبناءه الحجري العريق وبين احيائه وبعث الروح فيه من جديد الذي لاحت افقه ببدء اعمال الترميم تحت اشراف مهندس فرنسي ونائب القنصل. ومنذ ذلك العام دامت عمليات اصلاح الخان 12 عاما وانتهت عام 1893.

استعمالاته

بعد انتهاء ترميمه وجهوزية استعماله اتخذ الخان مكانا لدير راهبات، كما ضم في داخله مدرسة للايتام. وحاليا فيستعمل مبنى بيت القنصل الفرنسي سابقا والملحق عقاريا بالجهة الشمالية كمدرسة "مدرسة صيدا الوطنية"، كذلك يشمل وجود كنيسة ملحقة به للجهة الشمالية الشرقية في منسوب الطابق الاول. وقد اقيمت بحسب المعلومات المذكورة على المدخل عام 1856.

بعد انتهاء الحقبة التجارية للفرنسيين في خان الافرنج، وكان الامير فخر الدين قد قدم الخان كهدية لهم، عملت دائرة الاوقاف الاسلامية على استرجاع ملكيته العقارية العائدة اليها، الا انها لم تكن تملك صكا ملكيا يثبت صحة معلوماتها بعكس الجانب الفرنسي الذي استطاع في نهاية الامر الحفاظ على حق الملكية لهذا المكان.

وتم بعد ذلك الاتفاق مع الفريق الفرنسي تشغيل الخان برسم تأجيري رمزي من خلال عقد ايجار مع طرف لبناني يستخدمه في خدمة الانسان بشكل عام والمواطن اللبناني على وجه الخصوص.

وكانت "مؤسسة الحريري" السباقة لنيل هذا الامتياز وكان ذلك عام 1992، حيث عملت على ترميم المكان واعادته لسابق عهده كما في زمن الامير فخر الدين الثاني، حتى انها سعت جاهدة في تمتين هيكليته المعمارية ان من ناحية الاحجار الصخرية او ارضيته الداخلية والخارجية وذلك على مراحل لما يتطلبه هذا النوع من الامكنة الاثرية التاريخية من عمل يلتزم الدقة في اعادة اصالته من جهة، والحفاظ على جودة مكوناته من جهة اخرى.

فخان الافرنج يقع اليوم، على مساحة تبلغ ثمانية وخمسين مترا بثمانية وخمسين 58 مترا مربعا وبناء حجري له بوابتان للدخول والخروج وطبقتان. الارضية وتتألف من ستة وثلاثين وحدة كانت توضع فيها بضائع التجار الفرنسيين الى جانب اسطبل كان في تلك الحقبة للجياد والابل ومستلزماتها، اما الاولى فعدد وحداتها 50 وحدة توزعت بين غرف صغيرة لمبيت التجار الاجانب والعرب على حد سواء، اما اليوم فقد عملت مؤسسة الحريري من خلال ادارتها للخان على تجهيز ست وحدات منها كغرف بأجرة رمزية للمبيت تشجيعا منها للوفود السياحية والثقافية، كما تضمنت باقي الوحدات غرفا خاصة في بيت المحترف اللبناني لاقامة المعارض وذلك دعما من المؤسسة للمواهب الشابة الطامحة لمستقبل افضل، اضافة الى وحدات خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية كقاعات تعنى بعرض اشغال يدوية تراثية لبنانية.

كذلك لوزارة السياحة مكتب لمساعدة السائحين على معرفة تاريخ الخان والثقافات التي عاصرها وما الى ذلك، الى جانب مؤسسة "أناملنا" والتي تساندها مؤسسة الحريري لتمكين المرأة من استخدام مواهبها في حياكة الصوف واعمال التطريز وغيرها لترقى بها كعنصر فعال في المجتمع للنمو والاستمرار.

ختاما لا بد للبنان كدولة ومؤسسات، من تكاتف مواطنيه ومؤسساته الانسانية لينهض بثرواته التاريخية الوطنية وصون كنوز طبيعته من الاندثار والضياع.


============و.خ

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب