الخميس 31 تشرين الأول 2024

08:18 am

الزوار:
متصل:

صناعة الخيزران أتقنها الحرفي اللبناني وطورها والدولة شجعتها المعلم سلمان: التميز مطلوب لاظهار التراث والفن والذوق والراحة في آن

  تحقيق: ايمان سلامه

وطنية - صناعة الخيزران حرفة دخلت لبنان من بريطانيا عندما استعمرت البلاد الاسيوية وخصوصا التي كان ينبت فيها قصب الخيزران، أخذت الدولة البريطانية القصب وأدخلته في صناعاتها واستعملته في البناء كسلالم متنقلة ومن ثم كقطع وأجزاء صغيرة لسد فتحات الجدران الاسمنتية عوضا عن الخرضوات (المسامير والبراغي وما الى ذلك00) والتي اثبتت قوتها ومتانتها لعقود مديدة، فانتقلت من هذه الصناعة الى غيرها من صنع الكراسي وأدوات اخرى ادخلتها الى فلسطين ومنها أخذها السوريون واللبنانيون ودول الجوار كما جرت العادة عل تسميتها آنذاك لاستعمارها من قبل الدولتين الفرنسية والبريطانية التي عملت في تلك الحقبة على ادخال كل ما من شأنه خدمة مصالحها الخاصة دون سواها.

الحرفي اللبناني عمل على تطوير هذه المهنة بادخال اشكال واحجام مختلفة لينافس نظرائه السوريين والفلسطينيين ويبدع بأنامله السحرية لتغدو قصبة الخيزران بين يديه اشكالا حلزونية واخرى كعسف النخيل ومهواة تحملها المرأة في يدها وكانت جزءا من مقعد للجلوس يعلوه شكل المروحة الهوائية تلك.

ولطالما كان لبنان رائدا في الاتقان والاحتراف، فان ابن مدينة صيدا سلمان الرواس
الهاوي لهذه الحرفة منذ الصغر، رغم حبه لتصميم الالات الزراعية وولعه فيها الا ان شغفه أخذه الى احتراف صناعة الخيزران وابتداع اشكال واحجام. هو ابن السبعين عاما، لكن ملامح وجهه تبدو فيها علامات الاستمرار وحب التجدد في كل ما يعمله او يفعله. بدأ بهذه الحرفة في سن الخامسة والثلاثين في محل ومستودع يضمان كل تصاميمه ومقتنياته الحرفية، وهما الشاهدان طوال اربعين عاما على ما شغلت يداه من حرفيات خيزرانية اصلها ماليزي وصيني، وقد هدف بصناعتها الى ابتكار طرق فريدة في هيكلية الكراسي حتى انه كان يرمم قطع خيزران قديمة ويعيد الحياة اليها.

عمل الرواس في بداية حياته بصناعة المحراث الزراعي (التراكتور) ولكن الامر لم ينسه تلك الحرفة التي قال بانها صناعة، محبوها كثر، لذلك يتوافدون اليه من مختلف المناطق: الجنوب، النبطية، صور، الجبل، بيروت وطرابلس لا سيما ان عمله بحسب تعبيره يعتمد على الفرادة والجودة والمتانة التي من شأنها اضفاء قيمة عاليه على العمل ليس ماديا وانما تراثيا واجتماعيا، ففي حرفتنا التميز مطلوب، ومادة الخيزران طيعة لصنع اشكال فريدة تتخذ صورا جميلة تعطي لزائرنا التراث والفن والذوق والراحة في آن.

ويشير الرواس الى ان الشكل او الموديل يخضع لعدة اسس، منها امكانية تغيير التصميم في لحظاته الاخيرة لانهائه وتعديله، ما يعني ابراز الفرادة في ما نصنع. ويقول:"ان لم يكن هناك تجدد وتحديث في كل عمل فنحن لا نستحق ادعاء شرف الطليعة في مهنتنا، مشددا على ان ما نسعى اليه دائما هو مواكبة متطلبات التطور العصرية وتصميم ما هو خارج المألوف والعادي".

وأشار الى "ان كل عمل، مهما كان حجمه او صعوبة صنعه، يأخذ من التصميم والتصنيع مدة اسبوع على الاقل لاننا نتبع الطريقة اليدوية في صناعتنا. اما المواد التي نستعملها فهي عبارة عن الخام او ما يسمى القش المشبك (المخرم ) في صنع أطقم الجلوس والكراسي العربية وأشياء اخرى تعددت اشكالها واحجامها، فكل عمل خاضع لميزانية الزائر وقدرته وهذا الامر لا يفقد العمل أهميته وجودة صناعته وصلابته بالنسبة لنا لان الزبون يستطيع ان يبدي رأيه من ناحية زخرفة الشكل، من دون التدخل في جوهر التصميم وميزته، يعني اذا اراد زائرنا اضفاء زيادات على العمل بالطبع سيؤدي الى زيادة كلفته، لذلك هناك في مستودعنا القديم والجديد، كل حسب ذوقه ورأيه وطبعه، فهذه المهنة تمزج بين الاشياء الثلاثة من هذه دون المساس بجمالية حرفتنا وصناعاتها".

وقال: "على سبيل المثال، ذاك الكرسي القديم الصغير الذي كان يجلس عليه الكبار والصغار شكله مربع ويعلو سطحه حبل مشدود ليس له ظهر يستند عليه وبعضه كان يصنع من البلاستيك، هذا النوع من الكراسي رغم تفاوت صنعه بين القش والبلاستيك الا انه ما زال مطلوبا حتى يومنا هذا، وما اختلف فيه هو صنعه من القش والخيزران معا. صحيح ان كلفته زادت لكن جلسته باتت مريحة اكثر بعد ان اصبح شكله مرتفع الظهر والقوام ومقاومته لعوامل الطبيعة من ماء وشمس وهواء أقوى وأفضل بكثير مما هي عليه الكراسي الخشبية العادية".

ويضيف المعلم سلمان، كما يناديه مساعدوه، "ان الدولة مشكورة على دعمها لنا من خلال التوصية باستحداث كراس للمقاهي مصنوعة من الخيزران تشجيعا منها لهذه الحرفة ولما يحويه الخيزران من فوائد صحية للانسان من جهة والمحافظة على تراث المقهى اللبناني الاصيل من جهة اخرى".

وعن المواد المستعملة وصناعتها، اوضح سلمان "ان مادة الخام، اي الخيزران والقش، مكلفة لجودتها ومتانتها العالية التي لا تعرف حدودا لا لزمان ولا لمكان، وتعود هذه الاسباب ايضا الى البلد وطبيعته التي ينمو داخلها، فالخيزران الماليزي هو من اهم الانواع التي نضعها في مهنتنا، ويعرف ذلك من لديه خبرة في هذا المجال، كذلك الصيني فيه الجودة وتعتبر ارضية اساسية في بناء هيكلية مصنوعاتنا".

وأوضح "ان ما يستورد من منتوجات الخيزران من السوق الصيني لا يمت بصلة لاصالة عملنا بنوعيته وجودته، لانهم في بلده المنشأ يعملون على ادخاله الى الافران لتلوينه بواسطة الالات البخاخة لتوفير الوقت واليد العاملة وهذا ما يفقد في صناعته القوة والصلابة ويضعف بنيته الداخلية لتصبح هشة قابلة للكسر السريع. بينما نحن لا ندخله الى الافران ولا نعرضه للحرارة، بل ندهنه يدويا اما بآلة كهربائية خاصة للدهان (الفرد ) او بواسطة فرشاة. لهذا السبب المنتجات الصينية ليس لديها استمرارية للبقاء بعكس منتجاتنا التي تعيش مئات السنين".

وللحفاظ على هذه المهنة، فقد اشار سلمان الى انه حاول اقناع زملاء له في هذه الحرفة بانشاء نقابة ينضوون تحت لوائها، "الا انني لم الق صدى من احدهم يشجعني على المضي قدما، لانه باعتقادهم اللجوء الى عمل منظم كالنقابة هو عمل آيل للغش وستسقطه الفوضى، لان كل النقابات في لبنان فشلت في عملها النقابي ولم تؤد هدفها المنشود في احراز تقدم على اي صعيد بسبب ما تواجهه من صعوبات في مجتمع كل ما يبنى فيه يعمل ضده في غالب الاحيان".

وأعلن المعلم الرواس، انه "يرفض فكرة المشاركة بمعارض حرفية، لما تشكله هذه الاخيرة من ظلم له وللمهنة بحيث لم تترك للمنافسة الشريفة مكانا في ظل انواع صينية وغيرها تسلب منا حق التفرد الطليعي في الصنع والتصميم والبيع، ولان العالم اليوم سوق عرض وطلب وحرفتنا اليدوية هذه عمرها مئات السنين تريد سندا ودعما لتبقى وترقى بالانسانية الى مستوى الحس الفني الرفيع الذي كلما كبرنا بالسن او العمر اصبحت الحاجة اليه اكبر واكثر لانه نابع من ارضنا وعاداتنا وتقاليدنا، البصمة التي دمغنا بها منذ نعومة اظافرنا لتتجلى فيها صورتنا ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وكما الامر في كل مهنة تحتاج الى المتابعة والمثابرة من قبلنا ومن قبل الدولة لتقف في وجه كل ما من شأنه اعاقة تطورنا وتقدمنا كلبنانيين في المجالات كافة".

 

=========== ن.م

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب