كتبت رحاب أبو الحسن
وطنية - دخلت حكومة تصريف الأعمال في لبنان شهرها الرابع في انتظار ولادة الحكومة العتيدة، وبين الحديث عن إقتراب موعد إعلان تأليف الحكومة وتبادل الإتهامات حول الجهة المعطلة لهذا التأليف، تبرز إشكالية الصلاحيات والمهلة المحددة لحكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي، حيث يتساءل الكثيرعن المهلة الدستورية والقانونية لإستمرار حكومة تصريف الأعمال والمهلة المحددة أمام الرئيس المكلف لتأليف حكومته، وما هي حدود سلطة تصريف الأعمال؟ والمهام القادرة على القيام بها؟
الدستور
وفقا للدستور اللبناني وللممارسة السياسية العامة، تعتبر الحكومة حكومة تصريف أعمال في حالتين: الأولى، عندما تصدر مراسيم تشكيل الحكومة وقبل أن تحصل على ثقة مجلس النواب، أما الحالة الثانية فعندما تستقيل أو تعتبر مستقيلة، فيقبل رئيس الجمهورية استقالتها بعد التأكد من أنها استوفت شروط المادة 69 من الدستور والتي تعدد الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، والتي تشكل إحداها الحالة التي نعيشها اليوم، أي عندما قدم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إستقالة حكومته والتي باتت تعرف بحكومة تصريف أعمال، إلى حين يشكل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام حكومته.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 64 من الدستور اللبناني تنص على أنه ينبغي للمكلف بتأليف الحكومة، أن يجري إستشارات نيابية لتأليفها ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم التأليف.
ويشير البند الثاني من المادة نفسها إلى أنه بعد ذلك على الحكومة أن تتقدم إلى مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في خلال 30 يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال".
كما يشير إلى مهلة 30 يوما لتتقدم الحكومة المؤلفة ببيانها الوزاري الى مجلس النواب، لكن تغيب الاشارة الواضحة الى أي مهلة تقيد بموجبها الإستشارات النيابية لتأليف الحكومة.
مسيكة
وفي هذا السياق،أكد النائب السابق الدكتور عمر مسيكة أن إستمرارية العمل في مرافق الدولة هي شيء ضروري، ولا يمكن لمؤسسات الدولة أن توقف عملها خصوصا أن مصالح الشعب هي بين ايادي هذه المؤسسات. وعليه يقال إنه عندما تستقيل الحكومة، تستمر في تصريف الاعمال حتى تأتي حكومة جديدة.
ويلفت الى أن "ثمة مبدأ في الحياة الدستورية العامة للدول والحكومات معروف بمبدأ استمرار المرافق العامة، لأن الحياة الوطنية وقضايا الناس والمواطنين والدولة لا يمكنها أن تتجمد إلى حين تشكيل حكومة جديدة، فالدولة بحاجة إذن إلى استمرارية في مختلف مرافقها الإدارية والاستثمارية العامة. من هنا يجب أن تبقى الوزارة المستقيلة أو المعتبرة كذلك في حالة تصريف أعمال عادية إلى حين تشكيل حكومة أو وزارة جديدة".
ويوضح أن "الأعمال العادية المقصودة هي الأعمال التي لا تعرض مسؤولية أعضاء هذه الحكومة من وزراء إلى نتائج سياسية، لأنها لم تعد تحظى بثقة البرلمان، أي الشعب، ولم تعد قادرة على اتخاذ قرارات سياسية. والمقصود هنا بهذه الأعمال الأمور العادية غير التقريرية والمصيرية التي تكفل استمرارية المرفق العام".
أما في ما يخص عمر حكومة تصريف الأعمال، فيلفت إلى أن "الدستور لا يحدد مهلة زمنية محددة لوقف أعمالها، و لكن عمر أي حكومة يجب أن يبقى في الحدود المعقولة، أي لا يتخطى الشهر، على الرغم من أنها وفي كثير من الأحيان تخطته وبكثير".
وعن أسباب عدم تحديد مهلة دستورية لتصريف الأعمال وتشكيل الحكومات، أكد أن الدستور واضح في هذا المجال "عند استقالة الحكومة لا يمكن لرئيس مجلس الوزراء إتخاذ أي قرار، ولذلك كانوا يسارعون لتأليف الحكومة، لافتا إلى أنه في انتظار حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب يمكن لرئيس الحكومة إتخاذ قرارات باعتبار ان الحكومة موجودة"، مشددا على ان "الظروف الإستثنائية التي تعيشها المنطقة تستدعي من اللبنانيين تشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن".
ويشير إلى أن "الفارق بين الحكومات المستقيلة سابقا أنها كانت تستمر لأيام فقط، ومعظم رؤساء الوزراء السابقين عندما يستقيلون لا يذهبون إلى السراي الحكومي ولا يعقد مجلس الوزراء، وإنما يصرفون الأعمال الإدارية لأن الدولة لا تتوقف عن العمل، كما لا يحق للحكومة المستقيلة اتخاذ أي قرارات أساسية أو حاسمة خارج عن إطار تصريف الأعمال، أما اليوم فإن ما يحصل هو عكس ذلك تماما، فنتيجة الأزمات المتلاحقة في البلد فكل تكليف حكومة يأخذ أشهرا وهو أمر غير مقبول ودليل ضعف السياسيين الذين يبحثون فقط عن مصالحهم التي تخرب البلد"، معتبرا أن "مسؤولية النواب كبيرة في هذا المجال ومجلس النواب يجب ألا يتوقف عن عمله لا في التشريع فحسب، وإنما في تأمين حاجات البلد وقضاياه. وليس كما هو حاصل اليوم حيث ان المجلس النيابي معطل والتشريعات متوقفة لخلافات سياسية، داعيا للفصل بين النيابة والوزارة لأن الأولوية هي للتشريع وفي المرحلة اللاحقة، الإتفاق على قرارات الحكومة التنفيذية، فإذا كانت القرارات مصيبة تأخذ الحكومة حقها ويعطيها الثقة، وإنما اليوم لم نعد نعلم من يحكم هل الحكومة أو المجلس النيابي".
ويذكر "الحكومات السابقة التي عايشها ومنها حكومة الرئيس رشيد كرامي في العام 1969 والتي شهدت أطول فترة تصريف أعمال في الحكومات السابقة، حيث استمرت في ذلك لمدة 6 أشهر نتيجة الوضع السياسي السيء الذي عاشه البلد نتيجة الخلاف السياسي بين المسيحيين والمسلميين جراء تدخل الفلسطينيين في الشأن اللبناني، وطالما ان الدولة فوق الجميع والمقاومة هي لمقاومة العدو وليس للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان، ونتيجة إشتداد الصراع السياسي عمد الرئيس رشيد كرامي إلى تقديم إستقالة حكومته حتى التوصل إلى توافق بين اللبنانيين، فاستمر في تصريف أعمال الحكومة مدة 6أشهر، والتي اجتمعت لمرة واحدة لتصريف أعمال الناس".
كما ذكر أن "الحكومات سابقا كانت تشكل خلال ساعات وليس أيام متحدثا عن حكومة الرئيس صائب سلام التي أرادها بداية حكومة أقطاب وأجرى إتصالاته التي وجهت بمطالب مختلفة، لكنه أصر على تشكيلته وأصدرها خلال 24 ساعة، وبعد صدورها إعترض بعض الوزراء على الوزارات التي منحت لهم ورفضوا المشاركة، فعمد مع رئيس الجمهورية إلى إصدار حكومة الشباب التي عملت لمدة سنة ونصف السنة، وأنجزت برنامجا لمدة خمس سنوات وأكدت على ان الحكم إستمرارية، وهذا دليل على ان الدولة ليست حكرا على الشخصيات السياسية والحزبية".
أما اليوم فيرى أن "تأليف الحكومات بات يخضع لشروط السياسيين، وكل زعيم سياسي يعتبر نفسه ممثلا لطائفته التي باتت بمثابة حكومة صغيرة تفرض شروطها إلى حد وصلنا فيه إلى حكومة حكومات".
اما عن معنى تصريف الاعمال، فيشير إلى أن "لا قيامة للدستور إلا في القرارات الادارية المحدودة، وإلا فإن كل عمل يعتبر مخالفا للدستور، وتحديدا بالنسبة لقرارات الوزراء "الذين أنشأوا حكومة فوق الحكومات والدستور والحكومة الحالية بطريقة مخالفة، ونطالب بمحاكمتهم دستوريا".
أما بالنسبة لمسألة انعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الاعمال، فيرى أن "الحديث عن إجتماع الحكومة في الظروف الإستثنائية غير منطقي، لأن الظرف الذي نعيشه اليوم ليس إستثنائيا، وان الإستثناء الوحيد المقبول في هذا المجال هو العمل على تشكيل الحكومة بعيدا عن العرقلة السياسية".
وتطرق مسيكة إلى "ما يجري اليوم من تحريض مذهبي وطائفي، وإلى مشاركة "حزب الله" في القتال في سوريا"، فأشار إلى أن رئيس الوزراء كان على مر الزمان حامي لبنان، مذكرا بمواقف الرئيسين صائب سلام ورشيد كرامي وغيرهما في مجرى الأحداث السياسية والمواقف الوطنية التي اتخذوها لتجنيب البلد الصراع المذهبي والطائفي، داعيا اللبنانيين الى العودة إلى الحوار وتجنيب البلاد صراع المصالح، منتقدا مواقف السياسيين ولا سيما النائب ميشال عون الذي يطالب كل حين بشكل حكومي معين، آخره مطلب الحكومة السداسية برئاسة سعد الحريري، معتبرا أن هدفه من ذلك خلق صراع بين القيادات السياسية السنية، مشيرا إلى أنه "آن الآوان ليتوافق اللبنانيون ويخرجوا من هذه الصراعات الصغيرة".
وعن إمكان مشاركة حكومة تصريف الأعمال في جلسة مجلس النواب، أوضح "أننا مع كل ما ينقذ البلد، ونحن اليوم في مرحلة الخلاص ومرحلة الإنقاذ وجميعنا يجب ان نتكاتف لنصل بالبلد إلى بر الأمان".
===========و.خ