الخميس 31 تشرين الأول 2024

08:16 am

الزوار:
متصل:

رمضان طرابلس حزين والحارات تحن الى بهجة العيد

 تحقيق محمد سيف

وطنية - هل ما حصل من انكماش وجمود وشلل في عاصمة الشمال خلال شهر رمضان المبارك. يكفي لدق ناقوس الخطر في وجه كل القيادات في الدولة وفي طرابلس خصوصا؟ سؤال بات من أولويات المدينة بعد أن أرخت جولات العنف والاقتتال العبثي، التي دارت رحاها في أحياء ومناطق المدينة وتحديدا في باب التبانة وجبل محسن وفي الأسواق الداخلية، بظلالها على كامل مقومات الحياة، فجاء رمضان الكريم حزينا غابت عنه مظاهر الفرح والزينة.

طرابلس خلال رمضان هذه السنة لم تكن تلك التي يعرفها الجميع في كل رمضان: مدينة تعشق الحياة والحركة وفي نشاط متواصل ليلا نهارا. لقد بدت مدينة خاوية منكوبة، يعشعش على جنباتها الرعب والخوف من المجهول الذي قد يفجر الوضع الأمني فيها في اي لحظة. مدينة يخيم الركود الاقتصادي على أسواقها وخاناتها وتغيب الحركة والنشاطات الفكرية والدينية والترفيهية عن مساجدها ومسارحها ومقاهيها.

الحسرة والآهات على وجوه وشفاه الجميع الذين يعرفون القدرات والطاقات التي تبذل سنويا في يوميات رمضان طرابلس، المدينة التي وصفت بأم الفقير وجابرة عثرات الكرام والمحتاجين والمساكين، تحول أهلها اليوم الى فقراء معوزين. اختفت المظاهر الرمضانية التي تميزها عن باقي المدن اللبنانية والعربية، وبالتالي تحول الشهر الكريم الى غريب بين أناس لا يستطيعون تأمين قوت عيالهم في الأفطار والسحور، والسبب ليس فقط بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار وغياب أجهزة الرقابة بل لأن أكثرهم عاطل عن العمل، وقد اصيبوا في جولات العنف بأضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات.

وفي جولة رمضانية اكد تجار الأسواق القديمة والأسواق الحديثة أن الحركة تختلف كليا مقارنة مع الأعوام السابقة، لا بل معدومة هذا العام، وأعادوا الأسباب الى ترهل الوضع الأمني وارتفاع أزيز الرصاص والقنص وقطع الطرق والاعتصامات المسلحة في الساحات العامة وتحديدا وسط الفيحاء في ساحة عبد الحميد كرامي.

ويرى التجار والقيادات البلدية والاقتصادية أن أحياء الفيحاء وخاناتها وأسواقها التراثية والأثرية في البازركان والشارع العريض ومحيط الجامع المنصوري وأسواق النحاسين والذهب والخياطين والمصريين والسراي العتيقة وباب الرمل والحديد ومحيط القلعة والجامع البرطاسي والأسواق الحديثة في عزمي ومتفرقاته وطريق الميناء والضم والفرز، كل هذه المواقع، افتقرت الى حركتها الطبيعية وغاب عنها روادها تحت وطأة مطرقة الاشتباكات وسندان التردي الاقتصادي وارتفاع الأسعار.

فاعليات رمضان هذه السنة اقتصرت على عدد من الأمسيات والمسيرات الرمضانية لناشطين في هيئات المجتمع والمجلس المدني والجمعيات الأهلية، وثمة أسئلة ونحن على مسافة أيام من عيد الفطر السعيد: هل ستنعكس هذه الأجواء المتردية على يوميات العيد؟ وهل سيمر العيد على الطرابلسيين في غياب البهجة والحركة عن الأسواق وانعدام البيع والشراء؟ وهل ستنسحب لوعة رمضان وغصة التردي الاقتصادي والقلق الأمني على حركة العيد في مدينة كانت ولا تزال تحتفل بالأعياد بشغف وتعتمد بشكل أساسي على مدخول رمضان؟.

الغزال
وإذ هنأ رئيس بلدية طرابلس الدكتور نادر الغزال عبر الوكالة الوطنية للاعلام برمضان وعيد الفطر السعيد، أكد "استمرار المعاناة وارتفاع الصرخة"، وقال: "يمر الشهر الكريم هذه السنة بعد طول معاناة مع الأوضاع الأمنية السيئة والتي لم تترك هذه السنة مناسبة الا وقضت عليها مما حول المدينة الى ما يشبه مدينة الأشباح، فضلا عن صرخة التجار التي ارتفعت منذرة بقرب إقفال أبواب مؤسساتهم جراء الأزمة المتفاقمة وعدم القدرة على تعزيز حركة البيع والشراء. الواقع اننا بالرغم من كل التحركات التي قمنا بها مع المجتمع المدني في سبيل دعم الأسواق والحفاظ على استمراريتها الى ان الوقائع كلها تشير الى ترد اقتصادي رهيب وهذا بالفعل ما صعب علينا كبلدية وعلى كل المؤسسات والتي كانت تتشارك وبلدية طرابلس في عملية تزيين أسواق وساحات المدينة، الا اننا قمنا باستعمال الزينة التي كانت موجودة عندنا في تزيين بعض الساحات كحد أدنى، من دون أن نلجأ الى شراء كميات جديدة كون الأوضاع برمتها لا تسمح".

أضاف:"الكل يعلم انه وقبل حلول رمضان كانت الأوضاع الأمنية غاية في الصعوبة مما جعل من المستحيل وضع أي خطة لأنشطة رمضانية يمكن أن تتوقف في أي لحظة بسبب الخضات، والأمر لا ينطبق علينا وحدنا، إنما كل المؤسسات السياسية والاجتماعية والجمعيات بدورها لم تقم بأي نشاط هذه السنة، وهذا بالفعل ما يحز في أنفسنا سيما واننا في العام 2010 قمنا بتنفيذ أنشطة رمضانية مشتركة أطلق عليها " ليالي الفيحاء الرمضانية" وكانت احتفاليات غير مسبوقة بيد انها تقلصت في العام 2011 و2012 لتنعدم للأسف الشديد في العام 2013، بسبب الأوضاع والتي نأمل من خلال شهر رمضان المبارك الذي نعيش كل تفاصيله وفضائله أن تتبدل وتنجلي هذه الغمامة عن سماء وطننا ومدينتنا الحبيبة بأقل قدر ممكن من الخسائر، وأن يحل عيد الفطر والفرحة على شفاه الطرابلسيين والحركة الاقتصادية في أوج مجدها".

دبوسي
ويؤكد أمين عام إتحاد الغرف اللبنانية وأمين مال غرفة طرابلس والشمال توفيق دبوسي "أن مدينة طرابلس وجوارها تشهد حالا إستثنائية لم تشهدها في أي مرحلة من مراحل تاريخها الإقتصادي وواقعها الإجتماعي وهي تعاني ضائقة حرجة تطاول كل مكوناتها الإقتصادية، هذا لا يعني أننا نريد أن نضفي صورة سوداوية ترخي بظلالها على مناخات الحياة اليومية في المدينة، ولكن لنكن موضوعيين، الواقع القائم يستدعي الإهتمام الكبير بتنمية مرافق ومؤسسات المدينة العامة والخاصة عبر تضافر جهود جميع ابناء المدينة لمواجهة الحال الناجمة بشكل محوري عن الوضع الأمني المضطرب والقلق من الوضع العام الذي تذكيه التجاذبات السياسية، إضافة الى تداعيات الأوضاع التي تشهدها سوريا في المرحلة الراهنة والتي ترخي بظلها الثقيل على الاقتصاد اللبناني بشكل عام وعلى حركة بوابة العبور البرية".

وقال:"إن الوضع الاقتصادي في طرابلس والشمال في تدهور ويعاني أزمة خانقة جراء الأحداث الأليمة التي عصفت بالمدينة وجوارها. إلا أن الواقع الذي نشكو منه جميعا على صعيد الاقتصاد الوطني، هو الركود الذي يطاول المرافق والقطاعات الاقتصادية كافة، العامة منها والخاصة وللأسف انسحب هذا الأمر على يوميات رمضان المبارك ونأمل أن تنجلي الغيمة وتعود الحركة مع أيام عيد الفطر السعيد. لكنني على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، أؤكد أن اقتصادنا الوطني يبقى صلبا أمام شتى أنواع العواصف، لأن أزمة الاقتصاد اللبناني ليست بنيوية على الإطلاق. فالأحداث الأمنية من جهة والتجاذبات السياسية من جهة أخرى، هي التي ترخي بظلالها على الوضع العام ومنها الأوضاع التي نعاني منها في طرابلس وجوارها".

المصري
ورأى منسق ملتقى الجمعيات الأهلية ومسؤول اتحاد الشباب الوطني المحامي عبد الناصر المصري "أن صورة طرابلس تراجعت كثيرا لدى أبناء بيروت والمحافظات الأخرى"، وقال: "منذ مطلع هذه السنة استباح المسلحون بشكل مفاجىء وغير مبرر كل أحياء المدينة وأسواقها وشوارعها الأساسية، مدخلين الرعب والهلع الى قلوب المواطنين والزائرين، ما ترك انطباعا عاما لدى اللبنانيين أن طرابلس خارجة عن القانون وهو ما حاولت الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني تغييره من خلال نشاطاتها التي توسعت وتنوعت، رفضا للاقتتال والفوضى وتمسكا بالسلم الأهلي والإستقرار. أما الآثار السلبية لواقع طرابلس المؤلم فتتجاوز كل الحدود وتحتاج الى اجراءات حكومية أمنية وإغاثية وإنمائية تخفف من البطالة المستشرية التي تفاقمت بفعل اللااستقرار وغياب فرص العمل، في ظل وجود فئة من أرباب العائلات الذين ترتبط مداخيلهم بعملهم اليومي وتزايد الفقر والعوز وظاهرة المتسولين التي تجاوزت المعقول بعدما أضيف للمتسولين اللبنانيين الوافدين السوريين".

أضاف: "إن تجار المدينة ترهقهم الديون بسبب ضرب المواسم التجارية التي ينتظرونها سنويا بدءا من رمضان الماضي، مرورا بعيدي الميلاد ورأس السنة، وصولا الى موسم الصيف ورمضان الحالي، حيث انخفضت وتكاد تكون انقطعت حركة أبناء القرى والبلدات الشمالية باتجاه اسواق طرابلس نتيجة الخوف من إمكانية حصول فوضى وانتشار المظاهر المسلحة وإغلاق الطرقات الاساسية والفرعية التي تكررت أكثر من مرة خلال أشهر قليلة. وإن إغلاق الأسواق الداخلية وشارعي التل وعزمي والميناء بقوة المسلحين ترك إنعكاسات مؤذية ليس من السهل تعويضها وخصوصا أن جزءا هاما من التجار يشغل محالا عن طريق الإيجار ببدلات مرتفعة، مما دفعه لتركها أو التوقف عن دفع البدلات، فازدادت الدعاوى القائمة بين المالكين والمستأجرين".

ولفت المصري الى أن "طرابلس تتحول الى مدينة أشباح في فترة بعد الظهر وتصبح شوارعها شبه خالية في ظل اشاعات يومية ومشاكل عائلية وفردية في الأحياء يستخدم فيها السلاح ويسقط القتلى والجرحى. ومن اللافت ضعف المظاهر الاحتفالية الشعبية بحلول شهر رمضان فغابت الزينة الرمضانية عن غالبية شوارع المدينة. إن عددا من الجمعيات الأهلية ألغى افطاراته بسبب الظروف، والأمسيات والمهرجات الرمضانية شبه غائبة. أما المواطن فمتروك لقدره والشائعات في ظل غياب شبه تام للسطة السياسية وأجهزتها الأمنية التي لا تعرف التحركات الوقائية وتتدخل متأخرة عندما حصول الاشكالات ليصبح مصير أكثر من نصف مليون طرابلسي بيد فئة قليلة من الفوضويين الذين يقتاتون عصبيات وغرائز تتفجر في أحياء المدينة كافة. ان طرابلس تعاني وتستغيث وتجارها يصرخون، فهل من يسمع ويستجيب ؟".

بربور
ولفت أمين سر "جمعية نسائم خير" محمد بربور الى "أن طرابلس كانت عادة تكتسي خلال هذا الشهر حلة بديعة بألوان روحانية نقية، إلا أن كثيرا من مظاهره غابت، ما أفقده بعضا من نكهته. فعديد رواد المقاهي في تراجع، حيث لا تزال تداعيات الأحداث تلقى بثقلها على كاهل المدينة وأهلها. للأسف الأوضاع الأمنية والمعارك التي حدثت في المدينة، منعت الناس من المجيء الى طرابلس رغم هدوء الأحوال، لكن يبقى الجو العام متأثرا بما حدث، وبتنا نتحدث عن هموم البسطاء والفقراء في هذا الشهر المبارك وانتشار ظاهرة إرتفاع الأسعار التي أصبحت الشغل الشاغل".

وأكد أنه "بين الوجع وآهات الناس أطل رمضان على طرابلس، حاملا معه آمالا لبلسمة جراحهم، بعد الأحداث الأمنية الأخيرة التي شوهت صورة المدينة، فالداخل إلى أسواق طرابلس يلاحظ بوضوح أنها تقاوم جمودها لتستعيد مكانتها ولتمنح زوارها الاطمئنان والثقة لعودتهم إليها. ولم تعد حركة رمضان الاقتصادية والاجتماعية كما كانت من قبل، فالوضع الأمني المقلق ووضع الناس الاقتصادي المتردي أثر سلبا على إقبالهم على الخروج والاستمتاع بليالي الشهر الكريم في المقاهي والمحلات. أسواق طرابلس بشوق إلى المتسوقين الذين كادوا يغيبوا هذا الموسم. فليالي رمضان هذه السنة ليست كسابقاتها في العام الماضي، حيث غابت عنها المظاهر الاحتفالية والطقوس الرمضانية التي كانت تشهدها المدينة".


هذه هي صورة رمضان الحزين في طرابلس الحزينة، عل رمضان 2014 يحل وتكون المدينة قد استعادت عافيتها وحركتها المعتادة وخصوصا.... أمنها.

 

================= ج.س

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب