كتبت منى سكرية
وطنية - كيفما قرأت شعار الملصق الخاص بعيد الجيش اللبناني لهذا العام، فإنك تقع على المعنى عينه.. ثلاث كلمات حددت كالسيف القاطع وعد الوفاء: "وعدي إلك.. وحدك".. ثلاث كلمات تتماهى وشعار الجيش الأساسي: "شرف - تضحية - وفاء".
في الملصق يتقابل صفان من الجنود، يرفرف فوق رؤوسهم وعاليا علم الوطن. فالوعد له، ليبقى العلم مرفوعا، والوعد للوطن، كي يبقى شامخ الكرامة، والوعد من كل مواطن حر وشريف الإنتماء الوطني بوفاء الوعد لهذه المؤسسة العسكرية التي كانت ولا تزال سياج الوطن.
يحتفل لبنان في الأول من شهر آب من كل عام بعيد جيشه الوطني، ويقام للمناسبة عرض عسكري، يحضره كبار الرسميين والضيوف، وتتلى على مسامعهم، وعلى مرأى من يتابع من المواطنين ذاك القسم المدوي بالحفاظ على لبنان.. وتتردد أصداء القسم على مساحة الوطن، وفي قلوب أبنائه، يبثهم الثقة بتضحيات جيشهم، وتقوي عزيمتهم على الصمود بوجه مخاطر عدو الخارج الاسرائيلي، والسهر على وأد هزات الداخل الفتنوية المتنقلة مهددة سلمه الأهلي..
فمنذ العام 1945، عندما انتقل الجيش من هيئة أركان حرب القيادة المختلطة الفرنسية - الانكليزية الى كنف الدولة اللبنانية، صار للجيش عيده الوطني في الأول من آب من كل عام، في ذاك اليوم وتلك السنة، رفع العلم اللبناني بصورة نهائية على المؤسسات الحكومية، وتم تعيين فؤاد شهاب قائدا للجيش، (انتخب لاحقا رئيسا للجمهورية)، وأقيم أول عرض عسكري أمام وزارة الدفاع في بيروت (المبنى القديم قرب المتحف)، في حضور الرئيس الراحل بشارة الخوري وأركان الدولة.. ومنذ ذاك التاريخ، لم يحد جيش لبنان في الدفاع عن لبنان، بالأرواح والإرادة، وإن بسلاح غير متكافئ ضد عدو إسرائيلي مدجج بالسلاح حتى الأسنان ونخاع العظام وأخمص القدمين.
معارك .. وتحديات.. وصمود
في العام 1948، خاض الجيش اللبناني معركة بطولية في قرية المالكية في صور، تجلت باستشهاد عدد من جنوده، لا تزال أسماؤهم تلمع في ذاكرة التاريخ والتضحيات، لتتوالى المواجهات صدا لإعتداءات العدو الاسرائيلي الذي لطالما أراد إركاع هذا الوطن الصغير، لكنه بجيشه ومقاومته وبنيه، بات قوة يحسب لها الحساب.. فعلى مدار السنوات التي تلت إحتلال فلسطين، لم يهنأ لبنان من إعتداءات اسرائيل، الى أن أجبر على الإندحار يوم 25 ايار العام 2000 ولكن خروقات طيرانه الحربي واحتلاله لأرض من لبنان في شبعا ومزارع كفرشوبا ما تزال قائمة..
من من (كسرة تحت حرف الميم) أبناء هذا الوطن لم يذكر مواجهات الجيش بعزيمته التي فاقت قدرات تسلحه، في أعوام 70،67 و72، مرورا باجتياحي 1978 و1982، ثم تصديه الى جانب المقاومة ضد العدوان الاسرائيلي في عملية "تصفية الحساب" العام 93 وعملية "عناقيد الغضب" العام 96، وغيرها من المحطات المشرفة التي حاك جيش الوطن فيها بدماء ضباطه وجنوده أسمى آيات الشرف والتضحية والوفاء، وصولا الى مجابهة عدوان تموز 2006 وسقوط شهداء له تخطوا الخمسين شهيدا عدا الجرحى، "فكان صفا واحدا مع المقاومة والشعب، إذ قامت وحدات الجيش في اماكن انتشارها بإداء دورها الدفاعي بكل القدرات المتاحة"، كما جاء في بيان قيادة الجيش يومذاك، ثم في المواجهة المباشرة في موقعة العديسة العام 2010..
ومن نسي قساوة الظروف التي اضطرت الجيش للدخول في مواجهة مع عناصر "فتح الاسلام" في مخيم نهر البارد العام 2007، ففاقت تضحياته كل تصور لإنهاء هذه الظاهرة الشاذة، فتجاوز عدد شهدائه في تلك المعارك (بين 22 ايار و2 ايلول 2007) ال 155 شهيدا، وحوالي 5001 جريح، من بينهم عدد كبير ممن أصيبوا بإعاقات دائمة وصعبة.
إنه قدر هذه المؤسسة العسكرية، المزينة بشرف العطاء، وتيجان المواجهات الصارمة، فلا تبخل بدماء ضد أعداء الخارج، ولا تتراخى في التصدي لأعداء الوطن من داخله، ولا تقسو على أبنائه في منع إقتتال هنا، ورفع حواجز هناك، وفي إزالة أورام تخريبية قبل ان تتفشى في جسد الوطن... من منطقة الى منطقة، وبين أحياء وأزقة، شاءت توترات السياسة على الساحة اللبنانية أن "ترهق" في السنوات الفائتة يوميات الجيش ومهامه الأساسية، وتنزله الى مهمة فك الإشتباك اليومي بين هؤلاء.
وشاء لأهدافه السامية أن يقوم بالواجب، ويكون أهلا له، فللجيش مهام كثيرة، وكبيرة في آن، تبدأ وتنتهي بطمأنة المواطن الى أمنه اليومي، وتبدأ وتنتهي عند سياج الوطن أكاليل غار، وشعار مرفوع يتألف من شجرة الأرز رمز لبنان الوطني، محاطة بإكليلي غار، فوق رموز الفروع الثلاثة البرية والبحرية والجوية، ممهورة بكلمات: شرف، تضحية، وفاء.
والى جانب الواجب الوطني في الدفاع عن الوطن، فإن لمديرية مخابرات الجيش مهام جمة وجراحية سواء بالمراقبة والمتابعة والوعي والسهر، تترصد شبكات عملاء العدو وتفككها فبل أن تنخر في نسيجه الوطن، وتزود القيادة العسكرية بالمعلومات للعمل على تحرير مخطوفين، وتطويق إشكالات، وحماية العمليات الإنتخابية البرلمانية والبلدية وحتى التظاهرات تحقيقا لسلميتها، ومداهمة مستودعات الأغذية الفاسدة، ومصادرة الأسلحة المهربة وأبرزها الباخرة "لطف الله 2" والتي صادرها الجيش قبالة مدينة طرابلس في 27/4/2013 وتحتوي مستوعبات من الأسلحة والذخائر والأعتدة العسكرية، وأوقفت طاقمها المؤلف من 11 شخصا من جنسيات مختلفة.. ناهيك عن الرصد اليومي للحدود مع سوريا، لمنع تهريب السلاح والمسلحين، وقد كان للجيش شهداء في تلك المناطق.
كما أن للمؤسسة العسكرية، دورا إنمائيا وإغاثيا، يتراوح بين إنتشال الذين تحاصرهم الثلوج أو الفيضانات، وتقديم المساعدات لهم، وفي إطفاء الحرائق، ورش المبيدات في الغابات، وحملات التشجير، وتأهيل القلاع، وشق الطرق في المناطق النائية، تخمين الأضرار الناجمة عن الكوارث، إضافة الى عمل المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بنزع الألغام مع وحدات الهندسة في الجيش، وبالتعاون مع منظمات غير حكومية لنزع الألغام التي خلفها العدو الاسرائيلي، وقد تم إزالة 14900 لغم أرضي، و220 ألف قنبلة عنقودية، وكمية كبيرة من الأجسام المشبوهة والذخائر المتنوعة، عدا عن حملات التوعية على مخاطر الألغام والقنابل العنقودية، وتنسيق يومي مع قوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) خاصة بعد صدور القرار 1701، ومن خلالها رصد يومي لخروقات العدو الاسرائيلي لسماء لبنان، وترسيم الخط الأزرق على الحدود مع فلسطين.. والذود عن حياض الوطن كلما إستدعى الواجب.
شعارات ..رسائل
تتماهى سنويا شعارات الملصقات المرفوعة في مناسبة عيد الجيش مع طبيعة مهامه وأهدافه.. وتتمكن من حمل رسالة - برقية تؤدي الغرض.. ويكفي في سرد عدد منها كي نعي خلفيات هذه الشعارات اللصيقة بوجدان الوطن، ومنها نختار من السنوات الفائته: "ويبقى الجيش"، "جايبلي سلام"، "في القلب وعلى الحدود"، "السترة الواقية"، "66 عاما وأنتم على العطاء"، "سيفنا والقلم"، "في القلب"، "لم يتقاعس.. ولن يتقاعد"، و"نبض الاستقلال"، و"معا حققنا الاستقلال.. ومعا نحميه"، "لا تبكه"، و"الجيش" (على شكل خريطة لبنان) الى غيرها من كلمات بليغة المقصد.. بالغة الدلالة.. وأبلغ ما فيها أن الجيش قبضة من وطن.!!
============