تحقيق جوزيان سعادة
وطنية - غالبا ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نسمع عبارة "تنمية مستدامة" صور غامضة ومشاريع مبهمة. من هنا دورنا كإعلاميين إلقاء الضوء على معناها وسبل تحقيقها.
إن التنمية المستدامة تلبي حاجات الحاضر من دون التفريط في تأمين حاجات أجيال المستقبل. هو مفهوم تبنته الأمم المتحدة وأوصت المنظمات الحكومية وغير الحكومية وكل الهيئات المهتمة بالتنمية باستخدامه في برامجها التي تهدف إلى مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة في كل الدول المتقدمة والنامية، على أن يتم ذلك في إطار دولي فعال وخصوصا في ما يتعلق بالمنح والمعونات والقروض المقدمة من الدول المتقدمة للدول النامية. وقد رأت الأمم المتحدة أن يكون مؤتمر قمة الأرض الذي انعقد في البرازيل فرصة للاتفاق بين دول العالم في حضور عدد كبير من رؤساء الدول على خطة مفصلة لتحقيق التنمية المستدامة بشكل فعال في المستقبل القريب.
إن حضارة الأمم تقاس بمدى قدرتها على استثمار مواردها الطبيعية بفضل مواردها البشرية المؤهلة لذلك ومساهمتها في النهوض بالمجتمع وإرسائها لمبادىء التنمية المستدامة. بناء على ذلك فقد قسمت الأمم إلى أربعة أقسام كالاتي:
- أمم غنية - غنية :أي غنية في الموارد الطبيعية والموارد البشرية على السواء مثل الولايات المتحدة و دول غرب أوروبا.
- أمم غنية - فقيرة :أي غنية في الموارد الطبيعية وفقيرة في الموارد البشرية مثل دول الخليج العربي.
- أمم فقيرة - غنية :أي فقيرة في الموارد الطبيعية وغنية في الموارد البشرية مثل اليابان ودول جنوب شرق آسيا.
- أمم فقيرة - فقيرة :أي فقيرة في الموارد الطبيعية وفقيرة في الموارد البشرية مثل دول وسط أفريقيا و جنوب آسيا.
وتتوجه جهود التنمية المستدامة في جانبيهاالمادي والبشري نحو مواجهة الفاقد وتعظيم الاستفادة من الموارد وحمايتها وتأهيلها للاستمرار عبر الأجيال. فأين نحن من هذا التقسيم؟
مفهوم التنمية المستدامة
إن التنمية بعيدة المدى، لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الإدارة السليمة للبيئة ويشمل مفهومها ما يلي:
- معاونة الجماعات والدول الأشد فقرا حتى لا يترك لهم خيار تدمير البيئة للمعيشة.
- تشجيع التنمية المعتمدة على الذات في حدود قدرات الموارد المتاحة.
- تشجيع التنمية التي تحافظ على نوعية البيئة وإنتاجيتها على المدى البعيد.
- مراعاة الصحة العامة والتكنولوجيا الملائمة والاكتفاء الذاتي في الغذاء والمسكن الملائم.
- تشجيع المبادرات الشعبية لأن الإنسان هو المورد الأول والهدف الأخير للتنمية. وأصبح مفهوم التنمية المستدامة جامعا يراعي الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
والأهم أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب توافقا منظوميا، وفقا للآتي: نظام سياسي يضمن مشاركة فعالة للمواطنين في اتخاذ القرار، نظام اقتصادي يمكن تحقيق فائض ويعتمد على الذات. نظام اجتماعي يتوافق مع خطط التنمية وأساليب تنفيذها، نظام انتاجي يلتزم بالبعد البيئي في مشروعاته، نظام تكنولوجي يمكن بحث حلول لما يواجهه من مشكلات. نظام دولي يعزز التعاون وتبادل الخبرات في مشروع التنمية . نظام إداري مرن يملك القدرة على التصحيح الذاتي. نظام تعليمي يدرب على تأصيل البعد البيئي في كل أنشطة الحياة عامة والتنمية المستدامة خاصة. بحيث تعمل هذه النظم بشكل منظومي متناغم ومتزامن من أجل هدف رئيسي تنجح معا في تحقيقه.
وهنا نسأل: إلى أي مدى يمكننا تحقيق التنمية المستدامة في بلد كلبنان نظامه السياسي لولب الأنطمة ومحورها، علما أن هذا النظام يشهد لااستقرارا لا مثيل له في تاريخ الجمهورية اللبنانية، إذ إن كل المشاريع الاقتصادية والقضائية والبيئية والاجتماعية تتعرض لضغوط من السياسيين. إن وزير البيئة ناظم الخوري من أول الداعين إلى عقد مؤتمرات وأبحاث للتعريف بالتنمية المستدامة وتحقيقها في لبنان، هو الذي منذ تسلمه وزارة البيئة رفع شعار "البيئة السياسية فس خدمة السياسة البيئية"، وهو وفي مناسبات عدة، دعا إلى وجوب أن تخدم السياسة البيئة والاقتصاد، لكنه طالما ألمح إلى وجود معوقات تحول دون تنفيذ المشاريع التي طالما سعت وزارة البيئة إلى تنفيذها بالتعاون مع المنظمات العالمية.
البيئة والتنمية
إن إجراءات حماية البيئة في مشروعات التنمية تؤدي إلى فوائد كثيرة للاقتصاد كما حدث في معظم الدول المتقدمة، حيث كان إجمالي الناتج القومي ومعدل النمو أعلى بكثير مما كان قبل إجراءات رعاية البيئة، وهناك شركات عدة في أوروبا وأميركا زادت أرباحها كثيرا بإعادة تدوير المخلفات التي كانت سابقا تلقى خارج المصانع وتلوث البيئة.
وفي الدول النامية، يؤدي تحسين وحماية البيئة إلى فوائد متعددة على المجتمع مثل توفير الماء الصالح للشرب والصرف الصحي الذي يقلل من الأمراض والحميات بنسبة 50 إلى 60 % ويؤدي بالتالي إلى زيادة ساعات العمل والإنتاجية وتوفير الأدوية وخدمات العلاج المكلفة.
التنمية الصناعية المتواصلة بيئيا
وعلى الرغم من أن الصناعة كانت وراء معظم مشاكل البيئة فلا يمكن الاستغناء عنها بل تطويرها لتتوافق مع البيئة النظيفة. وقد شاركت الشركات الصناعية العالمية الكبرى في مؤتمر الغرف التجارية في روتردام سنة 1991 الذي صدر عنه "التزام أخلاقي لهذه الشركات بمراعاة البعد البيئي في الصناعة كخطوة مهمة نحو تصحيح مسار الصناعة والتكفير عن سيئاتها الماضية". ومن اجل صناعة نظيفة لا بد من الخطوات التالية:
- تحديد أهداف شاملة رسميا لجعل الإنتاج نظيفا والصناعة متواصلة بيئيا.
- تشجيع الإنتاج النظيف والصناعة المتواصلة بيئيا في إطار خطط مرنة وغير متقيدة، من خلال آليات السوق والمعاملة الضرائبية المجزية.
- إلزام الشركات العالمية بنفس المعايير خارج أوطانها وداخلها.
- التوعية على الخسائر المباشرة وغير المباشرة للتلوث.
- إدخال مفاهيم البيئة الآمنة للفرد والمجتمع في كل مراحل التعليم بدءا من الحضانة إلى الجامعة.
- إشراك المجتمعات في آلية التنمية المستدامة بجهود وسائل الإعلام والثقافة للجميع.
وأظهرت دراسات عدة أنه سوف يتشكل مستقبل البشرية في الأعوام المقبلة من خلال تفاعل الاتجاهات الآتية بشكل منظومي:
1 - النمو الاقتصادي المتسارع لبعض الدول للحاق بالدول المتقدمة.
2 - التقدم التكنولوجي وخصوصا في مجال الحاسبات والاتصالات وهندسة الوراثة.
3 - التضاعف المرتقب لسكان العالم خلال السنوات المقبلة.
4 - التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في العالم.
اقتراحات
وهنا نقترح بعض الأساليب لتحقيق التنمية المستدامة ومنها:
1- رفع كفاءة القدرات المحلية لإدارة البيئة وتنمية مواردها الطبيعية (التعليم والتدريب).
2 - الحصول على المعرفة المتاحة لدى الدول الصناعية لضمان تفادي الأخطاء المتوقعة.
3 - التأكيد على الاعتبارات البيئية في خطط التنمية.
4 - جمع المعلومات الدقيقة حول النظم البيئية المحلية وظروفها الجيولوجية والبيولوجية.
5 - إشراك المواطنين في الرأي حول مشروعات التنمية وإعلامهم بآمالها ومخاطرها.
6 - الاهتمام بالبيئات الحرجة مثل الأراضي الجافة ومناطق البحيرات والمنخفضات الرطبة ومناطق التوسع الحضري.
7 - تشجيع ابتكار بدائل لندرة الموارد من اجل تحسين نوعية الحياة للجميع.
قوانين الادراج
للأسف، ولعدم وضوح الرؤية المستقبلية، هذه الاقتراحات التي أوردناها وإن كانت غير صعبة التحقيق، نجدها في لبنان غير مطبقة لأن اللجان النيابية وإن أقرت قانونا ما، يبقى في الأدراج مدة طويلة بحيث أنه عندما يقر، لا يعود يجاري توصيات المؤتمرات العالمية.
وقد أعدت الأمم المتحدة منذ عام 1960 خططا عشرية للتنمية سميت ب "عقود التنمية" كان آخرها من 1980-1990 ولم يحقق أي منها إلا جزءا يسيرا من أهدافه، وذلك لعدم التركيز على التنمية المستدامة والتي تعظم الزمن ولو حتى على حساب الربح على المدى القصير، في حين تعظم التنمية التقليدية الربح حتى لو أدى إلى الإضرار بالمستقبل والبيئة. ومع ذلك فقد بدأت المجتمعات والهيئات الدولية الاقتصادية فى تبني خطط للتنمية المستدامة كما في تحالف دول الكومنولث ودول مؤتمر قمة باريس (نوفمبر 1991) ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهناك خطة للتنمية الزراعية المستدامة بيئيا وخطط صناعية متواصلة بيئيا وغيرها.
ويعتمد المدخل المنظومي لحماية البيئة على تقييم التكلفة والعائد البيئي لأي عملية تنمية، أي تحليل الآثار البيئية لخطط التنمية بشكل علمي ومتابعة الرصد البيئي خلال وبعد تنفيذ أي مشروع بعد التحقق من سلامته على البيئة كشرط لبدء تنفيذه. ويميل رجال الأعمال والمستثمرون إلى المبالغة في تقدير تكلفة حماية البيئة، لكن علماء البيئة يبالغون في تقدير فوائدها. ونحن بحاجة إلى التقييم الموضوعي المحايد.
التحديات
من أهم التحديات التي تواجهها التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر، من خلال التشجيع على اتباع أنماط إنتاج واستهلاك متوازنة، دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية. وفيما يلي أمثلة لأهم أهداف التنمية المستدامة من خلال بعض البنود التي من شأنها التأثير مباشرة في الظروف المعيشية للناس:
المياه: تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان إمداد كاف من المياه ورفع كفاءة استخدام المياه في التنمية الزراعية والصناعية والحضرية والريفية. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تأمين الحصول على المياه في المنطقة الكافية للاستعمال المنزلي والزراعة الصغيرة للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الحماية الكافية للمستجمعات المائية والمياه الجوفية وموارد المياه العذبة وأنظمتها الإيكولوجية.
الغذاء: تهدف الاستدامة الاقتصادية فيه إلى رفع الإنتاجية الزراعية والإنتاج من أجل تحقيق الأمن الغذائي في الإقليمي والتصديري. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تحسين الإنتاجية وأرباح الزراعة الصغيرة وضمن الأمن الغذائي المنزلي. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستخدام المستدام والحفاظ على الأراضي والغابات والمياه والحياة البرية والأسماك وموارد المياه.
الصحة: تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى زيادة الإنتاجية من خلال الرعاية الصحية والوقائية وتحسين الصحة والأمان في أماكن العمل. وتهدف الاستدامة الاجتماعية فرض معايير للهواء والمياه والضوضاء لحماية صحة البشر وضمان الرعاية الصحية الأولية للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الحماية الكافية للموارد البيولوجية والأنظمة الإيكولوجية والأنظمة الداعمة للحياة.
المأوى والخدمات: تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان الإمداد الكافي والاستعمال الكفؤ لموارد البناء ونظم المواصلات. وتهدف الاستدامة الاجتماعية ضمان الحصول على السكن المناسب بالسعر المناسب بالإضافة إلى الصرف الصحي والمواصلات للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستخدام المستدام أو المثالي للأراضي والغابات والطاقة والموارد المعدنية.
الدخل: تهدف الاستدامة الاقتصادية فيه إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والنمو وفرص العمل في القطاع الرسمي. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى دعم المشاريع الصغيرة وخلق الوظائف للأغلبية الفقيرة في القطاع غير الرسمي. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية الضرورية للنمو الاقتصادي في القطاعين العام والخاص.
تقنية المعلومات في تحقيق التنمية المستدامة
في هذا العصر الذي تحدد فيه التكنولوجيات القدرات التنافسية، تستطيع تقنية المعلومات أن تلعب دورا مهما في التنمية المستدامة، إذ يمكن تسخير الإمكانات اللامتناهية التي توفرها تقنية المعلومات من أجل إحلال تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية، وذلك من خلال تعزيز التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة كما يلي:
1 - تعزيز أنشطة البحث والتطوير لتعزيز تكنولوجيا المواد الجديدة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتكنولوجيات الحيوية، واعتماد الآليات القابلة للاستدامة.
2 - تحسين أداء المؤسسات الخاصة من خلال مدخلات معينة مستندة إلى التكنولوجيات الحديثة، واستحداث أنماط مؤسسية جديدة تشمل مدن وحاضنات التكنولوجيا.
3 - تعزيز بناء القدرات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد القائم على المعرفة، ولاسيما أن بناء القدرات هو الوسيلة الوحيدة لتعزيز التنافسية وزيادة النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة وتقليص الفقر.
4 - وضع الخطط والبرامج التي تهدف إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي بحيث يتم إدماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع العمل على تحقيق أهداف عالمية كالأهداف الإنمائية للألفية.
5 - إعداد سياسات وطنية للابتكار واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا مع التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
دور الاعلام في تحقيق التنمية المستدامة
المعارف والمعلومات تعد بالطبع عنصرا أساسيا لنجاح التنمية المستدامة، حيث تساعد على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، وتساعد على تحسين الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي وسبل المعيشة في الريف. غير أنه لا بد من نقل هذه المعارف والمعلومات بصورة فعالة إلى الناس لكي تحقق الفائدة منها، ويكون ذلك من خلال الاعلام، أضف إلى ذلك وسائل الاتصال مثل الإذاعة الريفية الموجهة للتنمية المجتمعية، والطرق المتعددة الوسائط لتدريب المزارعين وشبكة الإنترنت للربط بين الباحثين ورجال التعليم والمرشدين ومجموعات المنتجين ببعضها البعض وبمصادر المعلومات العالمية.
إننا من موقعنا كإعلاميين، وحرصا منا على إلقاء الضوء على أساليب التنمية والتحديات التي تواجهها، ننوه بدور وزارة البيئة التي لم تأل جهدا في السنوات الأخيرة في متابعة التطورات العالمية والمشاركة في، واستضافة مؤتمرات تنموية وبيئية هادفة إلى تحسين صورة لبنان الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من استقلالية الأنظمة فيه. فالاقتصاد مسيس، والبيئة مسيسة، والقضاء مسيس لا بل المواطن مسيس. لذلك، لا نرى استحالة في تحقيق التنمية إذا وعى المواطنون والمسؤولون أهمية الحفاظ على بيئتهم أولا وتكوين صورة مستقبلية عن مدى خطورة تلوث المحيط على حياة الأجيال الطالعة ثانيا، وصولا إلى تنمية مستدامة يعمل الجميع على تحقيقها فتتكون ورش عمل تضع نصب أعينها أولوية الحفاظ على المحيط، بدلا من التلهي بأمور سياسية فارغة لا تجلب للوطن سوى الويلات.
============== ج.س