تحقيق هدى منعم
اذا كان اقرار قانون الزواج المدني في لبنان لا يزال متعثرا بسبب وضع حرم من هنا ومنع من هناك ورفض في مكان آخر، فهو أفسح في المجال أمام كل راغب في عقد زواج مدني الاستناد الى القرار الرقم 60 ل.ر الصادر في 13 آذار 1936.
اما آلية تسجيله ومفاعيله هي الاخرى لم تعد متعثرة لاسيما بعد موافقة الهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل على زواج نضال وخلود .
وفي تحقيق مع المحامي في الاستئناف اديب زخور، محام ممارس متخصص في قضايا الاحوال الشخصية شرح بالتفصيل كل القوانين والمواد والمواثيق والدساتير التي تحوط عقود الزواج المدني سواء في لبنان أو خارجه بدءا من الدستور اللبناني الصادر في العام 1926 مرورا بالقرار الرقم 60 ل.ر وصولا الى دستور الطائف، اضافة الى قانون الموجبات والعقود وقانون اصول المحاكمات المدنية وحق اختيار طرفي العقد أي عند الزواج القانون الذي ستخضع له مفاعيل عقدهما سواء كان محليا أو أجنبيا مع ضم نسخة عنه الى عقد الزواج الذي يتم أمام كاتب واعتبار كل من مفاعيل الزواج المدني خاضعة للمحاكمة المدنية.
ورأى المحامي زخور أنه "بات من الضروري وضع تشريع خاص بالزواج المدني بدلا من الاستناد الى هذا القانون او ذاك وبعدما اصبح واقعا قانونيا في لبنان وطبيعية في الخارج ويتم تسجيل العقود في لبنان".
إضاءة شاملة في التحقيق الآتي مع المحامي زخور.
الزواج المدني أو اللاطائفي
أولا : حرية المعتقد وحرية إجراء عقد زواج مدني:
1 - الدستور اللبناني 1926 وحرية المعتقد:
منذ قيام الإنتداب الفرنسي وعند صياغة الدستور اللبناني وضعت التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، فكرست المادة التاسعة من الدستور في العام 1926، الحق في حرية المعتقد المطلقة للبنانيين "وباقي الحريات"، بحيث نصت عليها أولا في بداية المادة بوضوح وصراحة، بحيث يمكن للبنانيين أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا بدين محدد. ومن ثم انتقلت في ذات المادة وأعطت الحق والحرية أيضا بانتماء اللبنانيين إلى عائلات روحية، واعترفت لها بإدارة ذاتية وبحق التشريع والقضاء حصرياً في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، وذلك بصورة متوازية للحرية المطلقة للبنانيين بانتمائهم أم بعدم إنتمائهم الطائفي. ومن المعلوم دستوريا أنه لو أرادت حصر الإيمان وإلزامية الإيمان وعدم حرية المعتقد لما نصت على حرية المعتقد في ذات المادة، ولكان المشرع ألغى حرية المعتقد المطلقة وأوردها صراحة في نص المادة 9 وقال بوضوح في متنها بحصر حق المعتقد والإنتماء الطائفي بالطوائف المعترف بها، وهذا الأمر بالطبع لم يفعله، ولن يفعله.
علما أن ذات أحكام ومواد الدستور نصت بمجملها على حماية الحقوق والحريات العامة ومنها حرية الرأي والصحافة والتعبير عن الرأي، وقد استعيدت كافة الحريات والحقوق وغيرها في الدستور الجديد ما بعد الطائف، مع التأكيد عليها في مقدمة الدستور كما سنرى.
2 - القرار الأول 60 ل.ر بتاريخ 13 آذار 1936 - حقوق اللبنانيين وحقوق الطوائف المعترف بها:
صدر القرار 60 ل.ر بتاريخ 13 آذار 1936 إستنادا لأحكام الدستور اللبناني ولا سيما المادة 9 منه التي تنص على حرية المعتقد، في عهد المفوض السامي دي مارتيل الذي كان يمارس السلطة الاشتراعية، ومن المهم التشديد أن هذا القرار الذي اعترف بالطوائف 17 في لبنان، اعترف أيضا بالطوائف غير الطائفية، وذكر صراحة إمكان الإنتماء أو عدم الإنتماء الى أي طائفة. كما شرع الزواج المدني وذلك بالتزامن مع أول قرار يعترف بالطوائف في لبنان،( المادة 10 وما يليها من القرار).
وبالتالي، إن القرار 60 ل.ر لا يتعلق حصرا بتكريس حقوق الطوائف المتعارف عليها، بل كانت تجسيدا لحرية المعتقد وحرية عدم الإنتماء الى طائفة معينة مع تكريس حق اللبنانيين في الزواج المدني، كما سنبينه بالتفصيل.
وذكر في المادة الأولى، الطوائف المعترف بها قانونا في لبنان وحددها في الملحق الرقم 1 من ذات المادة، "مع إمكانية الإعتراف بطوائف غير طائفية"، وهي سبع عشرة: احدى عشرة مسيحية، خمس محمدية، الطائفة الإسرائيلية، على الشكل الآتي،
المادة 1 : "إن الطوائف المعترف بها قانونا كطوائف ذات نظام شخصي هي الطوائف التاريخية التي حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي.
إن هذه الطوائف هي مذكورة في الملحق الرقم 1:
الطوائف المسيحية:
البطريركية المارونية، البطريركية الروم الأرثوذكسية، البطريركية الكاثوليكية الملكية، البطريركية الأرمنية الغريغورية ( الأرثوذكسية)، البطريركية الأرمنية الكاثوليك، البطريركية السريانية الأرثوذكسية، البطريركية السريانية أو السريانية الكاثوليكية، الطائفة الشرقية النسطورية، البطريركية الكلدانية، الكنيسة اللاتينية، الكنيسة الإنجيلية.
الطوائف الإسلامية:
الطائفة السنية، الطائفة الشيعية (الجعفرية)، الطائفة العلوية، الطائفة الإسماعلية، الطائفة الدرزية.
الطوائف الإسرائيلية: كنيس حلب، كنيس دمشق، كنيس بيروت.
3 - إضافة كنيسة الى الطوائف المسيحية بموجب قانون دون تعديل الدستور :
وقد أضيفت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الطوائف المسيحية المعترف بها استناداً للقانون 553رقم تاريخ 24 تموز 1996 والمنشور في العدد 33 من الجريدة الرسمية تاريخ 29/7/1996 بموجب الجدول رقم(1) الملحق بالقرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936 وبالطبع أضيفت إلى الطوائف المنصوص عليها في المادة الأولى من قانون 2 نيسان 1951.
وقد صدر بموجب قانون وقعه رئيس الجمهورية الياس الهراوي ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، ولم يتطلب الأمر تعديل المادة 9 من الدستور اللبناني، وبالتالي، وفي ذات السياق لا يمكن الإعتراض على قانون زواج المدني الإختياري، ولا يمكن المطالبة بتعديل المادة 9 من الدستور، طالما أن الإعتراف بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تم بموجب قانون وليس بتعديل الدستور، وفيما يلي نص القانون:
أقر مجلس النواب وينشر رئيس الجمهورية القانون التالي نصه:
المادة الأولى: تضاف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الطوائف المسيحية المعترف بها قانونيا أو واقعيا بموجب الجدول العدد 1 الملحق بالقرار الرقم 60 الصادر بتاريخ 13 آذار 1936 والمتعلق بإقرار نظام الطوائف الدينية.
المادة الثانية: تضاف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الطوائف المنصوص عليها في المادة الأولى من قانون 2 نيسان 1951 المتعلق بتحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية وبالطوائف الإسرائيلية.
المادة الثالثة: يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
رئيس مجلس الوزراء صدر عن رئيس الجمهورية
الإمضاء: رفيق الحريري الإمضاء: الياس الهراوي
بعبدا في 24 تموز 1996
ثانيا - الزواج المدني أو اللاطائفي خارج القيد الطائفي في لبنان وفي بلد أجنبي:
1 - الدستور والقرار 60 ل.ر - 1936:
بموجب المادة الرابعة من القرار 60 ل.ر ، تاريخ 13 آذار 1936 ، كلفت الطوائف المعترف بها تقديم النصوص الكاملة لكل ما يعود إلى شرائعها الدينية. وقد أثارت بعض أحكام القرار 60 ل.ر. اعتراض الطوائف الإسلامية، فصدر القرار 53 ل.ر. سنة 1939، الذي استثنى الطوائف المذكورة من الخضوع لأحكام القرار 60 ل.ر.
واعترفت المادة 10 من القرار 60 ل.ر (والمعدلة بالمادة 1 من القرار 164 تاريخ 18 ت2 1938): بحق اللبنانيين بإجراء الزواجات المدنية بحيث أوردت في البند 2 من المادة 10 بأنه:
1 - يخضع اللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي ( أي خارج التعداد المذكور في الملحق الرقم 1).
2 - وكذلك اللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما، للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية.
إضافة الى ذكر الحالات المعددة سابقا للطوائف المعترف بها ولأحوال الأجانب. وقد وافقت الطوائف الإسلامية على عقد الزواج المدني، بموجب المادة 18 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16 تموز سنة 1962، كما سنوضحه فيما بعد.
إعترف المشرع، ومنذ وضع الدستور اللبناني الأول المادة 9 منه ، والمادة 10 من القرار 60 ل.ر (والمعدلة بالمادة 1 من القرار 164 تاريخ 18 ت2 1938): بوجود لبنانيين لا ينتمون الى الطوائف التاريخية، وبحقهم الطبيعي في إجراء عقد زواج مدني وتنظيم أمور الأحوال الشخصية العائدة لهم ضمن إطار وضعه لتنظيم أوضاعهم القانونية، وبخضوعهم للقانون المدني.
المادة 10: (المعدلة بالمادة 1 من القرار 164 تاريخ 18 ت2 1938):
"يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى الطوائف المعترف بها ذات الأحوال الشخصية لنظام طوائفهم الشرعي في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية ولأحكام القانون المدني في الأمور غير الخاضعة لهذا النظام.
يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية.
أما الأجانب، وإن كانوا ينتمون إلى طائفة معترف بها ذات نظام للأحوال الشخصية فإنهم يخضعون في شؤون الأحوال الشخصية لأحكام قانونهم الوطني".
ويجب التمييز هنا بين حالتين:
الحال الأولى، هو الحق في الزواج داخل وخارج لبنان، العائد للبنانيين الخاضعين لطائفة تابعة للحق العادي (أي الطائفة خارج التعداد المذكور في الملحق رقم 1 الذي اعترف بالطوائف 17 التاريخية وربما بعض اضافة الكنيسة القبطية الأورثذكسية في العام 1996، أن تصبح الطائفة العلمانية، طائفة الرقم 19)، كما حقهم بالخضوع للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، وهذا حق طبيعي منصوص عليه في الدستور ومكرس في المادة 10 وما يليها من القرار 60 ل.ر وتعديلاته كما سنرى.
إن هذه الطائفة الخاضعة للقانون العادي والمذكورة في الباب الثاني من القرار 60 ل.ر، في المادة 14 وما يليها ، هي موجودة قبل وجود الطوائف وهي اللاطائفية أو الإنتماء اللاطائفي، كما يمكن أن تكون أي طائفة أخرى إذا توافرت فيها الشروط المطلوبة، وانتمائها الوحيد هو الوطن، هو لبنان الذي عمره آلاف السنين وهو قبل الأديان والطوائف، وقانونها معروف ومبلغ من الدولة وهو حرية المعتقد ، كما هو وارد في الدستور وخاصة في المادة 9 من الدستور 1920، وتكررت في ذات المادة بالدستورالجديد ما بعد الطائف 1990، وكرست حرية المعتقد وحرية عدم الإنتماء الى أي طائفة، وخاصة أن هدف الدستور الجديد هو إلغاء الطائفية من النفوس والنصوص والإنطلاق بلبنان نحو تركيبة لا طائفية، وفقا لما ورد في المادة 95 من الدستور الجديد التي نصت صراحة على إلغاء الطائفية على مراحل، كما نصت المادة 22 من الدستور على انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، واستحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.
والحال الثانية، هو الحق في الزواج داخل وخارج لبنان، العائد لفئة أخرى من اللبنانيين الذين لا ينتمون لطائفة ما، أو لا يريدون الإنتماء الى أي طائفة ( لا للطوائف المعترف بها ولا لطائفة تابعة للحق العادي أو العلماني) أو قد يكونوا تركوا طائفتهم أو شطبوا قيدهم، وهذا حق طبيعي منصوص عليه في الدستور ومكرس في المادة 10 وما يليها من القرار 60 ل.ر وتعديلاته كما سنرى.
وأوضح المشرع بكل وضوح هذه الحقوق محددا حرفيا بأنها تخضع " للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية" (المادة 10 من القرار 60 ل.ر). وبمجرد تعريف هذه الفئة من اللبنانيين وبامكانية تنظيم عقد زواج لاطائفي أو "مدني" وخضوعهم للقانون المدني العام، وتحديد تسمية لهذا العقد استنادا للقانون، أصبحنا أمام نظام واضح ممكن تطويره مع الوقت، وهذا ما حصل بالتعديلات التي طرأت على القرار 60 ل.ر لهذه الجهة، كما سنرى سواء بالقرار 146 تاريخ 18 ت 2 1938 والقانون 4 ك 1 1946، والذي لا يزال ساري المفعول، أو بالقوانين الوضعية وحتى في النصوص "الطائفية".
مع العلم أن المشرع واضح كل الوضوح في هذه المسألة بحيث أشار بالطبع للقانون المدني المرعيّ الإجراء وهو "قانون الموجبات والعقود"الذي سبق وصدر في آذار سنة 1932 والمعمول به اعتبارا من 11 تشرين الأول 1934، والذي لا يزال ساري المفعول حتى تاريخه. وانشاء محكمة قضائية عليا تكلف البت في الخلافات التي تتولد بين محاكم الأحوال الشخصية، أو بين هذه المحاكم والمحاكم العادية (المادة 27 من القرار 60 ل.ر).
إذا جاءت القوانين اللبنانية فيما بعد لتؤكد على سريان هذا القرار، وبإضافة أو تعديل مواده والتأكيد على حق اللبنانيين بالزواج المدني داخل وخارج لبنان ، كما جاء في التعديل الطارىء على القرار 60 ل.ر بالقانون 4 ك 1 1946، وفي المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية ، وفي المادة 18 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16 تموز سنة 1962، وسنتوسع بشرح هذه المواد والقوانين وغيرها تباعا.
وبالتالي، واستنادا الى ما ذكر أعلاه، واستنادا الى المادة 10 وما يليها من القرار 60 ل.ر، يحق للبنانيين التابعين الى طائفة خاضعة للحق العادي ، واللبنانيين الذين لا ينتمون لطائفة ما، من عقد زواج مدني في لبنان أو في بلد أجنبي.
2 - القانون المدني أو قانون الموجبات والعقود - النظام القانوني والمالي الذي يخضع له الزواج:
قسم المشرع القانون العام، "القانون المدني أو قانون الموجبات والعقود" الى قسمين كبيرين:
1 - قسم العقود غير المسماة وتطبق أحكامها على جميع العقود وعلى تلك التي لم تحدد لها تسمية في القانون أو لا يوجد لها تحديد واضح ، كما هو الحال في عقد الزواج اللاطائفي أو "المدني "، بحيث لا يمكن أن يوجد عقد مدني لا يخضع لأحكام القانون المدني، إلا اذا وجد قانون خاص يرعى هذه الفئة من العقود، أو عند وجود نص صريح.
2 - وقسم آخر وهو العقود المسماة أي التي أسماها القانون صراحة وأفرد لها أحكاما خاصة، كالإيجارة والبيع وعقد الإستخدام، وغيرها من العقود. وقد نصت المادة 165 موجبات وعقود صراحة على أن الإتفاق هو كل التئام بين مشيئة وأخرى لإنتاج مفاعيل قانونية ، وإذا كان يرمي الى إنشاء علاقات إلزامية سمي عقدا.
كما نصت المادة 166 موجبات وعقود على إن قانون العقود خاضع لمبدأ حرية التعاقد، فللأفراد أن يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاءون بشرط أن يراعوا مقتضى النظام العام والآداب العامة والأحكام القانونية التي لها صفة الإلزام. وبالتالي إن للبنانيين الحق بإنشاء عقد زواج استنادا للقرار 60 ل.ر، واستنادا للدستور اللبناني، بحيث يرعى هذا العقد زواجهم وكافة المفاعيل الناشئة عنه، كما هو وارد في اتفاق الفريقين ومشيئتهما واستنادا لمبدأ حرية التعاقد".
ومن المعلوم، إن قانون الموجبات والعقود أورد أحكاما خاصة ترعى فسخ والغاء وبطلان العقود بوجه عام، وعلى القاضي أن يستند الى هذه الشروط الملزمة في كافة العقود، بحيث يمكن تطبقيها أيضا على عقد الزواج المدني، ويتحقق عندها القاضي من توفر الشروط الموضوعة لكل منها عند النظر بالنزاع المرفوع أمامه، كوجود مثلا الرضى والموضوع والسبب ، كما التحقق من العيوب التي تبطل الرضى في كافة العقود تبعا لها، كالغلط والخداع والخوف والغبن وفي عديمي الأهلية، كما هنالك مواد محددة لإداء العطل والضرر، وكل ما من شأنه أن يؤدي الى حفظ الحقوق، مع العلم ان هذه الشروط والأسباب هي ذاتها مشتركة وموجودة في معظم تشريعات الطوائف وقوانين الدول وتستعمل لإبطال عقد الزواج الديني والمدني.
كما يستطيع المتعاقدان أن يتفقا على صيغة معينة لعقد الزواج المدني ومفاعيله والإشارة إليه في متن العقد أو إرفاق نسخة عنه، كما يستطيعان أن يتفقا على مفاعيل أخرى لفسخ العقد يدرجانها في العقد، طالما ذلك لا يخالف النظام العام والآداب العامة.
3 - قانون أصول المحاكمات المدنية:
المعاهدات الدولية - تسلسل القوانين - تفسير العقود والبت بها :
تطبق المحاكم اللبنانية أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية، عند النظر بالنزاعات الناشئة عن عقد الزواج المدني، ويجب أن يؤخذ بعين الإعتبار عند فسخ العقد سواء عقد الزواج اللآطائفي أو المدني وغيرها من العقود، نص المادة 2 أصول محاكمات مدنية التي جاء فيها ما حرفيته: "على المحاكم أن تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد. عند تعارض أحكام المعاهدات مع أحكام القانون العادي ، تتقدم الأولى على الثانية.
وبالتالي، يستفيد اللبنانيون من أحكام المعاهدات الدولية الموقعة من لبنان ومن مقدمة الدستور اللبناني التي تبنت أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ومنها ما تعطي الحق لكل إنسان في حرية المعتقد والزواج والتمتع بباقي الحريات التي نص عليها أيضا الدستور اللبناني.
كما نصت المادة 4 أصول محاكمات مدنية:"لا يجوز للقاضي تحت طائلة اعتباره مستنكفا عن إحقاق الحق:
1 - أن يمتنع عن الحكم بحجّة غموض النص أو انتفائه.
2 - أن يتأخر بغير سبب عن اصدار الحكم. وعند غموض النص يفسره القاضي بالمعنى الذي يحدث معه اثرا يكون متوافقا مع الغرض منه ومؤمنا التناسق بينه وبين النصوص الأخرى.
وعند انتفاء النص يعتمد القاضي المبادىء العامة والعرف والأنصاف".
وبالتالي، واستنادا إلى المادة 4 أ.م.م يجب على القاضي أن يعطي الحل القانوني بالرغم من غموض النص وحتى عند انتفائه أو عند وجود فراغ قانوني، واعطاه المشترع حرية كبيرة للتفتيش عن الحلول ومنها المبادىء العامة والعرف والإنصاف، وحتى الإستناد الى الإتفاقيات والدستور ، بحيث لا يمكن التذرع بهذه العقبات للإمتناع عن الحكم، تحت طائلة اعتبار القاضي مستنكفا عن إحقاق الحق ويجوز عندها مداعاة الدولة في هذه الحالة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين استنادا للمواد 741 وما يليها من قانون اصول المحاكمات المدنية. وهذا الأمر يجب ان يعرف من قبل الإدارات والوزارات لتسهيل عقد الزواج اللاطائفي أو المدني ومعرفة مفاعيله.
4 - الكاتب العدل هو المرجع الصالح لعقد الزواج المدني في لبنان:
استنادا للبند الأول من المادة 22 من نظام "الكتاب العدل"، يتبين ان الكاتب العدل مختص بتنظيم والتصديق على الأسناد المنصوص عليها في قانون الموجبات والعقد، وبصورة عامة على كل سند لا يمنعه القانون أو لا يكون حصرا بموجب نص خاص من صلاحية موظف عام آخر.
وبالتالي، فإن عقد الزواج المدني الذي يعقده كاتب العدل هو سند رضائي رسمي وهو حجة على الكافة بما دون فيه، ويتمتع بقوة ملزمة للتنفيذ وهذا ما نصّت عليه المادتين 145 و 146 أ.م.م. وتلتزم الوزارارت والإدارات والقضاء التقيد بمضمون وبنتائج ومفاعيل هذا العقد، طالما لا يخالف النظام والآداب العامة (المادتان 165 و166 من قانون الموجبات والعقود).
المادة 145 أ.م.م.: السند الذي له شكل السند الرسمي ومظهره الخارجي يعد رسميا إلى أن يثبت العكس من يحتج به عليه.
المادة 146 أ.م.م.: للسند الرسمي قوة تنفيذية، وهو حجة على الكافة بما دون فيه من أمور قام بها الموظف العام أو وقعت من ذوي العلاقة.
يراجع:
La loi attaché aux actes authentiques une présomption de vérité, en vertu de laquelle ils font foi, non seulement entre les parties, leurs héritiers…même au regard des tiers… la loi attache cette présomption de sincérité, non seulement à celui qui se présente avec une authenticité apparente, bien qu'il soit l'œuvre d'un faussaire. On commence par présumer, même dans ce cas l'acte émane d'un officier public et qu'il contient la vérité ; le faux ne saurait se présumer par cela.
- Aubry et Rau, 5éd par Bartin, t, XII p. 170
- Glasson Tissier- procédure civil T II p. 680-681
يراجع:
ويكون السند الرسمي حجة على الكافة حتى ادعاء تزويره بما دون فيه من أمور قام بها الموظف العام أو وقعت من ذوي العلاقة في حضوره ضمن حدود سلطته واختصاصه (م 146 م.م.). أما مضمون تصريحات المتعاقدين الواردة فيه فيكون حجة عليهم، ويعتبر صحيحا إلى أن يثبت عكسه (م 147 فقرة 1 م.م.). ويلتزم القاضي التقيد به على غرار تقيده بالسند الرسمي بالذات". ادوار عيد ، موسوعة أ.م.م. والإثبات الجزء 13 ص 312.
إستنادا الى المادة 22 من نظام "الكتاب العدل" وإلى كل ما تقدم، فإن كاتب العدل هو المختص بتنظيم عقد الزواج المدني، طالما أن القانون يبيح هذا النوع من العقود، استنادا إلى المادة العاشرة فقرة 2 من القرار الرقم 60 ل.ر. وما يليها، واستنادا الى مقدمة الدستور اللبناني والمادة 9 منه والقوانين المدنية والطائفية، كما بينا وسنبين تباعا.
5 - البلدان التي تتبع تنظيم عقد الزواج المدني:
اعترفت معظم الدول بالزواج المدني وجعلته الزاميا، تباعا منذ زمن بعيد، على الشكل التالي:
فرنسا: 1792، هولندا:1850 ، سويسرا 1874، إلمانيا: 1875، النمسا: 1783 ، البرازيل 1890، كندا 1973 ، بلجيكا، السويد، رومانيا ،النروج، اللكسنبورغ، وبعض الدول اللاتينية، وغيرها.
واتبعت بعض البلدان نظام زواج المدني الإختياري: انكلترا - ايرلندا - 1563، اسبانيا،الولايات المتحدة الأميركية، وايطاليا وبعض الدول الكومنولث البريطاني، قبرص، وغيرها، وبعض الدول الإسلامية كأندونيسيا، وتونس، وتركيا، ومراكش، ونيجيريا، وباكستان، وأفغانستان، وغيرها، ولبنان 1936 ضمن شروط.
6 - الحق بترك الطائفة أو الترك والإنضمام الى طائفة أخرى - وحرية عقد زواج مدني لاطائفي:
الدستور والقرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936
يحق للبناني استنادا الى حرية المعتقد المنصوص عليها في المادة 9 من الدستور اللبناني للعام 1926، واستنادا أيضا الى المادة 9 من الدستور الجديد بعد الطائف، أن يؤمن أو لا يؤمن بمعتقد او بدين وأن يمارس هذه الحرية والحق بحمى الدستور والقانون.
وجاءت المادة 11 من القرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936، تعطي اللبناني الذي أدرك سن الرشد وكان متمتعا بقواه العقلية، الحق بترك طائفته كليا من دون أن ينتسب لأي دين بحيث نصت صراحة على عبارة "الترك" أي ترك الطائفة، كما أعطت ذات المادة الحق للبناني أن يترك ويعتنق طائفة ذات نظام شخصي معترف بها، ويكون لهذا الترك أو الإعتناق مفعوله المدني، وبالتالي ان المادة 11 أعطت إمتيازا خاصا يكمن بالخيار المتروك للبناني بالترك أو بالترك واعتناق طائفة أخرى، بإيراد عبارة "أو" الواردة ضمن هذين الحقين في متن المادة 11 من القرار 60 ل.ر ، ويستطيع بعدها أن يصحح قيده في سجل النفوس، بحيث جاء ما حرفيته:
المادة 11: كل من أدرك سن الرشد وكان متمتعا بقواه العقلية يمكنه أن يترك طائفته كليا أو اعتناقه طائفة ذات نظام شخصي معترف بها ويكون لهذا الترك أو الإعتناق مفعوله المدني ويمكنه أن يحصل على تصحيح القيود المختصة به في سجل النفوس وذلك بأن يقدم إلى دائرة النفوس في محل إقامته صكا يحتوي على تصريح بإرادته هذه وعند الإقتضاء على شهادة قبول من السلطة ذات الصلاحية في الطائفة التي يعتنقها.
لم يكتف المشرع عند هذا الحد، بل ألحقها وأتبعها بسلسلة من الحقوق في المواد اللاحقة والواردة في الباب الثاني من القرار الأصلي 60 ل.ر، وذلك من خلال تعديلات أدخلها المشرع على مر السنين لتحسين وحماية هذه الحقوق ، بحيث أعطت لكل لبناني الحرية والحق في ترك طائفته ونصت على مفاعيل هذا الترك، لكي يمارسها المواطن بحرية ودون منازعة أو منية من أحد، ومن هنا فقد ورد في المادة 12: ( المعدلة بالمادة 2 من القرار 146 تاريخ 18 ت2 1938) على أنه في حالة ترك الزوجين طائفتهما أو ترك أحدهما لها يتبع الأولاد الصغار حالة والدهم وتبقى قيود سجلات الأحوال الشخصية المتعلقة بهم كما كانت أو تصحح وفقا لحال الأب. تطبق الأحكام السابقة في حال فك عرى الزواج على أثر وفاة الأب أو إبطال الزواج أو الطلاق أو الهجر حتى ولو كانت حضانة الأولاد أو وصايتهم عائدة للأم.
كما أعطت المادة 23 من القرار 60 ل.ر الحق للزوج أو الزوجين بترك طائفتهما ونظمت أصول هذا الترك ومفاعيله، ضمن أحكام الباب الثاني، كل ذلك للقول أن القرار الذي أنشأ الطوائف ونظمها، أعطى معها للمواطنين حرية تركها أو الإنضمام الى طائفة أخرى أو الى عدم الإنتماء.
كما جاءت المادة 17 من القرار 60 ل.ر لتؤكد أيضا على حقوق اللبنانيين بإجراء عقد زواج "مدني" بموجب طقس إحدى الطوائف التابعة للقانون العادي المعترف بها أو حتى غير المعترف بها (أي الطوائف التابعة للقانون العادي او اللاطائفيين المنتمين للطوائف المذكورة في المادة 14 وما يليها وهي ليست من فئة الطوائف المعددة بالملحق عدد 1 من المرسوم 60 ل.ر).
كما أكدت المادة 17 على حق اللبنانيين غير المنتمين الى طائفة معينة بتنظيم عقد زواج مدني وخضوعهم واستفادتهم من القانون المدني، حيث جاء فيها ما حرفيته:
المادة 17:"إن الأحوال الشخصية العائدة للسوريين أو اللبنانيين المنتمين إلى إحدى الطوائف المذكورة في المادة الرابعة عشرة وما يليها، أو غير المنتمين إلى إحدى الطوائف الدينية بحيث يخضعون للقانون المدني. على أن عقود زواج السوريين واللبنانيين التي تجري بموجب طقس إحدى الطوائف التابعة للقانون العادي المعترف بها أو غير المعترف بها، تعتبر صحيحة إذا كانت الصكوك التي تثبتها قد نظمت وفقا للقواعد المحددة في الأحكام التالية:
7 - الأصول والمهل العائدة "للطوائف التاريخية" و"الطوائف التابعة للقانون العادي" لتقديم قوانينها - والزواج المدني الإختياري:
وهنا تجدر الإشارة والتوضيح، أننا سنجاوب هنا بإيجاز عن السؤال المطروح حول كيفية تطبيق الأصول والمهل المنصوص عليها في الباب الثاني من القرار رقم 60 ل. ر ، والتي تلزم الطوائف التابعة للقانون العادي، والتي يطبق عليها القانون المدني، بتقديم أنظمتها على غرار الطوائف المعترف بها، ضمن مهلة محددة، فما هي طبيعة ونوع هذه المهل وطبيعة هذا الحق، التي توصل بالنتيجة للاعتراف وإقرار الزواج المدني الإختياري.
للجواب على هذا السؤال، نذكر بالأحداث التاريخية والنصوص التالية:
نصت المادة 4 من القرار 60 ل.ر سنة 1936 على ما يلي:
على كل طائفة من هذه الطوائف للحصول على هذا الإعتراف أن تعرض على السلطة الحكومية نظاما مستخلصا من النصوص التي تدار الطائفة بموجبها. وعلى الرغم من هذا الموجب لم تتقدم الطوائف اللبنانية بقوانينها إلا جزئيا حتى بعد الإستقلال بمدة من الزمن، وعلى مراحل.
كما استعاد قانون 2 نيسان 1951 ذات الموجبات، ونصت المادة 33 منه على تكليف الطوائف تقديم نصوصها التشريعية ، وقانون احوالها الشخصية وقانون أصول المحاكمات لدى محاكمها في مهلة سنة ، وبطريقة مشابهة لما هو وارد ايضا في التكليف الوارد في نص المادة الرابعة من القرار 60 ل.ر. الذي ألزم الطوائف فيها بتقديم نصوصها التشريعية، للقول أن هذه المهل تشبه تماما المهل الواردة في نص المادة 16 من القرار 60 ل.ر. وذات الموجب، أي بالطلب من الطوائف التابعة للقانون العادي (أو اللاطائفي والتي يطبق عليها القانون المدني) بأن تقدم للحكومة نظاما يحتوي على ملخص مبادئها الدينية أو الأدبية وعلى تنظيمها تمهيدا للاعتراف بها قانونيا، وتبعا لها الإعتراف بالزواج المدني الذي ينشأ عنها.
وهذا نص المادة 33:
على الطوائف التي يشملها هذا القانون أن تقدم للحكومة قانون أحوالها الشخصية وقانون أصول المحاكمات لدى محاكمها الروحية في مدة سنة من تاريخ وضع هذا القانون موضع التنفيذ للاعتراف بها خلال ستة أشهر على أن تكون متوافقة مع المبادىء المختصة بالإنتظام العام والقوانين الأساسية للدولة والطوائف. ويتوقف تطبيق القانون الحاضر بشأن كل طائفة تتخلف أو تتأخر عن التقيد بأحكام هذه المادة.
وبالرغم من أحكام المادة 33 والعقوبات المقررة في حال عدم التقيد بالمهل الواردة فيها ، فإن الطوائف المعترف بها في لبنان لم تتقدم ( كالطوائف التابعة للقانون العادي او اللاطائفيين) بقوانين أحوالها الشخصية ضمن المهل المحددة، إلا بعد مرور أعوام كثيرة جدا بحيث قدمت الطوائف الكاثوليكية مثلا في العام 1991 قانون أصول المحاكمات المتبعة في محاكمها، وبعضها الآخر لم يقدم قوانين طائفته، ولم يكن ذلك عقبة كبيرة تجاه الإعتراف بالطوائف المذكورة ولم يتخذ أي تدبير بحقها نتيجة هذا التأخير.
بل أكثر من ذلك، وازاء هذا الوضع غير القانوني كون هذه القوانين لا تزال تتصف بصفة مشاريع قوانين، كونه لم يصدق عليها ولم تصدر يوما من السلطة التشريعية ولم تنشر وفقا للأصول المتبعة في نشر القوانين في الجريدة الرسمية.
وبالرغم من هذا التأخر الكبير في تقديم القوانين ومنها ما هو خارج المهل طبعا ومنها ما لم يقدم، لم تنزل بها العقوبات المنصوص عليها في المادة 33 ، بل تم حل هذا الموضوع عن طريق القضاء اللبناني الذي أعطى التفسير الصحيح لهذه المادة بما يتلاءم مع الواقع والممارسة. فقد اعتبرت محكمة التمييز اللبنانية واستنادا إلى عدة قرارات صادرة، إن مشاريع القوانين العائدة لهذه الطوائف تعتبر سارية المفعول بكل احكامها وموادها ونصوصها طالما أنها لا تخالف النظام العام والقوانين الأساسية للدولة والطوائف، واعتبرت ان هذه المشاريع ليست إلا تدوينا للعادات والأحكام التقليدية المعتمدة لدى هذه الطوائف.( يراجع "المحامي" و النشرة القضائية -1955-1962).
وبالتالي، فإن ما ينطبق عل الطوائف التاريخية الواردة في الباب الأول ينطبق على باقي الطوائف التابعة للقانون العادي (اللاطائفيين) الواردة في الباب الثاني من القرار 60 ل.ر، وبرأينا ما توصلت اليه محكمة التمييز من قرار يسري أيضا على باقي الطوائف التابعة للقانون العادي، للقول إن مشاريع القوانين العائدة لهذه الطوائف تعتبر سارية المفعول بكل احكامها وموادها ونصوصها طالما أنها لا تخالف النظام العام والقوانين الأساسية للدولة والطوائف، واعتبار الزواج المدني المنصوص عليه في القوانين اللبنانية وهذا الحق الذي يمارسه اللبنانيون منذ زمن بعيد، ليس إلا تدوينا للعادات والأحكام التقليدية المعتمدة لدى هذه الطوائف.
ولا يمكن اعتبار التأخر عن تقديم أي من القوانين والأنظمة عذرا لعدم الإعتراف بالطوائف التابعة للقانون العادي (اللاطائفيين) أو بالزواج المدني، إضافة لعدم تكليف أي من الطوائف التابعة للقانون العادي بهذا الموضوع، على الرغم من تقدم نقابة المحامين عام 1951 بمشروع قانون زواج مدني لتطبيقه على جميع اللبنانيين، وتبعتها سلسلة من الإقتراحات لإقرار الزواج المدني، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون تجاوب الحكومة والإدارات والوزارات المختصة للمساعدة على إنشاء هكذا نوع من الطوائف، تمهيدا وبالتوازي لإقرار زواج مدني إختياري من قبل المجلس النيابي، وينبغي معاملة كل اللبنانيين بذات المستوى من الصبر والإحاطة المعنوية والقانونية، كما هو الحال المتبع مع الطوائف التاريخية، للوصول الى حل جذري بالتعاون مع جميع شرائح المجتمع، واستخدام هذه النصوص ووضعها في خدمة الشعب لا العكس. فالمطلوب اذا أعمال روح القانون لإمكانية فهمها ووضعها موضع التنفيذ بصورة ايجابية وتفسيرها ايجابيا مع ربطها مع باقي النصوص التشريعية ، ومعرفة كيفية تطبيقها استنادا للأحكام الصادرة ولحسن النية والإنصاف.
8 - جذور المذهب اللاطائفي (الطائفة العلمانية الرقم 19) ووجوب اعتباره من الطوائف التاريخية:
والسؤال الذي يطرح: هل تصنف وتعتبر الطوائف المدنية - اللاطائفية - أو الطوائف التابعة للقانون العادي، والتي يطبق عليها القانون المدني، من الطوائف التاريخية، وتستفيد مثلها من جميع الإمتيازات والحقوق والواجبات.
للجواب عن هذا السؤال سنرجع للقانون والدستور والى الوقائع التاريخية التي ستحدد هذا الوضع:
حدد القرار 60 ل.ر في المادة 3 منه، الطوائف التاريخية الموجودة في لبنان، بقوله "ان الطوائف التاريخية التي لم يكن حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي عند اذاعة هذا القرار غير انها حائزة على بعض ميزات أو متمتعة ببعض مناعات اما بموجب اوامر سنية او قرارات من المفوض السامي او قرارت من حكومات دول سوريا ولبنان، وإما بمفعول حيازتها حالة راهنة ناتجة عن تقاليد ترجع الى اكثر من قرن فهي أهل لاستفادة من الإعتراف الشرعي وفقا لأحكام المادة الأولى أعلاه".
حددت هذه المادة الشروط الواجب توفرها للاعتراف بالطوائف التاريخية، ونرى من خلال هذه المادة أنه يكفي أن تكون الطوائف التاريخية حائزة على بعض الميزات للاعتراف بها، ولو لم يحدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي عند اذاعة هذا القرار، وذلك بعدة طرق، ومنها حيازتها حالة راهنة ناتجة عن تقاليد ترجع الى اكثر من قرن، وبالتالي فهي أهل للإستفادة من الإعتراف الشرعي وفقاً لأحكام المادة الأولى أعلاه. وهنا نتحدث عن جذور لبنان واللبنانيين جميعا داخل وخارج الطائفية.
بالإستناد الى ذلك، لقد بينا أن هناك مجموعة كبيرة من اللبنانيين تنطبق عليهم هذه الشروط بالرغم من عدم انتمائهم الى اي طائفة، ولكن تقاليدهم ترجع الى اكثر من قرن كما جاء في المادة 3 من القرار 60 ل.ر تاريخ 1936، وذلك أن لبنان عمره آلاف السنين ويرث تقاليد وإرثا حضاريا متجذرا في اللبنانيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي ولا يمكن أحد نكرانها، ويفتخر بها اللبنانيون، بحيث يعود لأجدادنا الفنيقيين الفضل باختراع الحرف وتعليم العالم بأسره التكلم بصورة حضارية والإنتقال الى عصر جديد، كما لا يمكن أن نتناسى موقعه التاريخي في التجارة ونقل الحرف والأرجوان وغيرها من أنواع التجارة الى العالم، ولا تزال بعلبك وصور وجبيل وغيرها من المدن والبلدات اللبنانية تحمل آثار هذه الحضارة اللبنانية.
كما لا ننسى الأثر الذي ولدته الثورة الفرنسية بخاصة بموجب فصل الدين عن الدولة، وقد تأثر بها العديد من المفكرين والأنظمة العالمية ومنها لبنان، فنجد أن القرار 60 ل.ر الذي وضعه الفرنسيون مستوحا من القوانين العلمانية الفرنسية بعد الثورة، وهو بأساسه مدني ولحظ وجود هذه الطائفة العلمانية المدنية في متن القرار 60 ل.ر، كما نظم الزواج المدني الذي يعقده اللبنانيون أو الأجانب دون حتى الإنتماء الى أي طائفة، اضافة الى الثورات الشيوعية في العالم والتي تأثر بها لبنان ونشأت جمعيات وأحزاب سياسية وعلمانية، آمن وانضم اليها عدد لا يستهان به من اللبنانيين، اضافة الى الفئة الأكبر التي تؤمن بطائفتها ولكنها تؤمن أيضا بوجوب فصل الدين عن الدولة حتى في أمور الأحوال الشخصية وبضرورة تشريع قانون زواج مدني يطبق على جميع اللبنانيين ، كطرح نقابة المحامين في العام 1951 وانضمام الصحافة وشريحة كبيرة من المجتمع لمشروع القانون المقدم من النقابة.
كل ذلك، للقول إن الإتصال بهذا العالم القديم والحديث والذي يتعدى الطائفية لم ينتهي، وهو مستمر حتى تاريخه في قلب اللبنانيين. فما زال هناك لبنانيون يكملون هذه الرسالة ويجسدون هذه المعتقدات والأفكار وفلسفة لبنان العلمانية والوطنية وهذه الأفكار الفلسفية المتجسدة في التاريخ في مجتمعاتنا، ويمن بلبنان السيد والديمقراطي والحر شريحة كبيرة من الأحزاب والجمعيات والنواب والأفراد والمثقفين، ولا ينفكون ينادون بضرورة وضع نظام أحوال شخصية يطبق فيه الزواج المدني على جميع اللبنانيين، يحتكمون إليه في بلدهم، بدل السفر الى الخارج لإجراء عقد الزواج المدني أو اللجوء الى السفارات لعقد مثل هكذا زواجات، ولا زالت هذه الفئة المؤمنة بوطنها تطالب بوضعها في قالب غير طائفي وغير ديني أو مذهبي، وهذه الشريحة وهذه الطائفة من المجتمع لا يمكن أن نستثنيهم من المجتمع اللبناني وإن كنا لا نتفق مع فكرهم وتطلعاتهم، ويتوجب بالتالي تنظيم وضعهم واعتبارهم من الطوائف التاريخية المعددة بالملحق عدد 1 من القرار 60 ل.ر. وتنطبق عليهم أحكام المادة 3 من القرار 60 ل.ر، وفي نفس الوقت إقرار قانون زواج مدني لجميع اللبنانيين يطبق على جميع الطوائف دون استثناء.
ولا يمكن للدولة أن تتجاهل هذه المطالب، نظرا لواجبها السهر على مواطنيها وحقهم في إيجاد قوانين عادلة لحل مشاكلهم ورعاية أوضاعهم ، وعلى الدولة بالمثل أن تواكب التطور وتلبي حاجات شعبها بالعيش الحر والخروج من الطائفية، كما هو منصوص عليه بشكل أساسي في الدستور الذي لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى الواردة في القرار 60 ل.ر، للوصول في نهاية الأمر للاعتراف بوجود هذه الطائفة العلمانية، وحق كل لبناني بتنظيم عقد زواج مدني في لبنان داخل وخارج القيد الطائفي من دون الحاجة للسفر الى الخارج.
فحق كل لبناني بأن يتمتع ويمارس حق المعتقد الوارد في المادة 9 من الدستور ما بعد الطائف، وأن تتجسد وتنظم بقوانين واضحة، من دون الإلتجاء الى وسائل معقدة ومهينة لممارسة حقه كإلزامه بالسفر لإجراء عقد الزواج المدني أو شطب قيده أو ترك طائفته أو اللجوء الى السفارات الأجنبية، كل ذلك، يتطلب من الدولة ايجاد حل جذري بطرح قانون الزاوج الإختياري على مجلس النواب، تمهيدا للمصادقة عليه بعيدا من التجاذبات والمزايدات، وبعيدا عن التعصب الطائفي والمذهبي، ويكون مدخلا للانتماء الى الوطن الذي يضم جميع اللبنانيين.
ثالثا - الزواج المدني أو اللاطائفي داخل القيد الطائفي:
1 - الدستور والقرارات والقوانين :
الدستور اللبناني 1926:
منذ وضع الدستور الأول في العام 1926 ولبنان قائم على الحريات العامة ومنها حرية المعتقد المنصوص عليها في المادة 9 من دستور 1926.
الدستور اللبناني الجديد 1990:
ساهم لبنان بتأسيس الأمم المتحدة عبر الدكتور شارل مالك بصياغة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان إلى جانب ريني كاسين René Cassin ، وقد تبنى لبنان في مقدمة دستوره الجديد هذه الشرعة والإتفاقات الدولية، بحيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور، ومنها حرية المعتقد المنصوص عليها ايضا في المادة 9 من الدستور اللبناني الجديد.
إن هذه الحقوق مكرسة أيضا في القوانين اللبنانية، وخصوصا أن لبنان قائم على النظام الديموقراطي والحفاظ على الحقوق والحريات العامة في بنيته التأسيسية والتشريعية ولا يمكن تجزئتها أو فصلها عن بعضها البعض، بحيث أن مخالفة الدولة لهذه المبادىء والحقوق في قوانينها يجعلها باطلة بطلانا مطلقا، وقد كان لبنان ولا يزال رسالة في هذا الشرق الذي مر بمراحل الدكتاتورية والأنظمة المتشددة دينيا وسياسيا، كان ولا يزال ملجأ للكثير من المضطهدين سياسيا ودينيا، ولا يمكننا تصور لبنان من دون هذه الميزة، وخصوصا أن لبنان مدعو أكثر فأكثر للشهادة للديمقراطية البعيدة عن التعصب الديني الذي بدأت تشهده الثورات العربية خلال هذه الفترة، فما النظام الديموقراطي الذي سنشهد له أمام هذه الثورات العربية التي هي بأمس الحاجة للتقدم نحو الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات الطائفية واللآطائفية، وكيف سندعوهم لقبول الأقليات والمجتمعات المدنية، طالما نحن غير مستعدين لقبول حقوق اللبنانيين وتطبيق دستور الطائف والقانون اللبناني الذي يجيز تشريع الزواج المدني؟".
أسئلة مهمة بحاجة لمواقف جريئة بعيدة عن المصالح الطائفية والمذهبية الضيقة، لنستطيع أولا التقدم أكثر بالتزاماتنا الدستورية والدولية في حقوق الإنسان والخروج من الطائفية بكافة أشكالها مع احترام حقوق الطوائف المنصوص عليها في المادة 9 من الدستور، وثانيا لنستطيع بعدها مواكبة التطورات والتغييرات الخطيرة التي تمر بها البلدان المجاورة والتي يمكن أن تأخذنا الى ديكتاتوريات وأصوليات من نوع آخر، اذا لم نأخذ موقعنا الديموقراطي الصحيح وخصوصا أننا نشهد هجمة وتطرفا في الإنتماء الديني الذي يضغط على الأقليات في بعض الأنظمة، وتأخذ أوجه عنيفة ومتطرفة تترجم بعدم الإعتراف بالآخر وصولا لتكفيره وقتله وتهجيره من وطنه، الأمر الموجه ضد كل الأقليات من كافة الطوائف والمذاهب، التي تصل في فكرها الى حد التكفير في قلب المذهب والدين الواحد.
نخاف كثيرا بأن تكون ردات الفعل على تطبيق الدستور في المادة 22 والمادة 95 منه، تكفيرية والتي بدأنا نسمع بها من عدة مرجعيات دينية وإن بمستويات مختلفة لمجرد طرح قانون اختياري للزواج المدني في لبنان والذي بالأساس هو غير ممنوع لو أجري خارج لبنان أو حتى داخل السفارات في لبنان ، ومكرس هذا الزواج المدني وموجود في نصوص القوانين اللبنانية وحتى قوانين الأحوال الشخصية العائدة لكل الطوائف اللبنانية.
وقد نصت الفقرة باء من مقدمة الدستور اللبناني الجديد صراحة على أن لبنان عربي الهوية والإنتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها ، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.
(راجع "المجلس الدستوري"، قرار رقم 2، تاريخ 10/5/2000 الذي اعتبر أن المواثيق المذكورة في المقدمة لها نفس القيمة الدستورية) ومن ضمن هذه الحقوق والمبادىء حرية المعتقد والحق في الزواج المدني).
وبالتالي ، لا يمكن تجاهل تطبيق الدستور والقوانين الملزمة تحت مبررات غير قانونينة وغير دستورية.
القرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936
جاء القرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936 ، ليكرس حرية المعتقد وحرية الإنتماء الى طائفة أو عدم الإنتماء وحتى ترك الطائفة التي ينتمي اليها ، وذلك الفكر القانوني والفلسفي لا نجده بمختلف التشريعات السابقة ، كما لانجده في المجتمعات والدول المحيطة بنا .
ولكن الأهم ، أن هذا القرار فضلاً عن تنظيمه واعطائه الحرية لإجراء عقد زواج مدني أو اللاطائفي خارج القيد الطائفي، أي عندما لا ينتمي اللبناني الى أي طائفة ، عاد وأعطى الحق والحريّة للبنانيين المنتسبين لطائفة معترف بها في لبنان أي الطائف المسيحية والإسلامية والمذكورين في المادة 1 من القرار 60 ل.ر، أن يعقدوا زواجات مدنية.
ومنذ ذلك الحين يستطيع اللبناني المسلم والمسيحي أن يعقد زواجه المدني خارج لبنان، ويتم قيده طبيعيا في سجل الأحوال الشخصية ، ولم يعترض أي من الطوائف منذ العام 1936 على هذا القانون وهذا الحق الطبيعي للانسان، ونجد أساس هذا الحق في المادة 25 من القرار 60 ل.ر تاريخ 13/3/1936 المعدل بالقرار 146 تاريخ 18 /11/1938 والتي نصت على جواز إجراء عقد زواج في بلد أجنبي ويكون صحيحا إذا احتفل به وفقا للأشكال المتبعة في هذا البلد. واذا كان النظام الأحوال الشخصية التابع له الزوج لا يقبل بشكل الزواج ولا بمفاعيله، كما هي ناتجة عن القانون المحتفل بالزواج وفقا له، فيكون الزواج خاضعا في لبنان للقانون المدني.
وبما أن نظام الأحوال الشخصية للطوائف الإسلامية والمسيحية، لا يقبل بشكل الزواج المدني ولا بمفاعيله ، فيكون زواج اللبنانيين الذين أجروا عقد زواج مدني خارج لبنان خاضعا في لبنان للقانون المدني، ولاختصاص المحاكم المدنية مع تطبيق قانون محل إنشاء عقد الزواج الذي اختاره الطرفان ورضيا به، وعملا بقاعدة المكان يسود العقد. وسوف نبين كيفية تطبيقها من خلال الأحكام الصادرة عن المحاكم طوال عشرات السنين:
نصت المادة 25 ما حرفيته:"إذا عقد في بلد أجنبي زواج بين سوري و لبناني أو بين سوري او لبناني وأجنبي كان صحيحا اذا احتفل به وفقا للأشكال المتبعة في هذا البلد.
إذا كان نظام الأحوال الشخصية التابع له الزوج لا يقبل بشكل الزواج ولا بمفاعيله كما هي ناتجة عن القانون المحتفل بالزواج وفقا له فيكون الزواج خاضعا في سوريا ولبنان للقانون المدني".
قرار رقم 109 ل.ر تاريخ 14 أيار 1935:
كما نصت المادة الأولى من قرار رقم 109 ل.ر تاريخ 14 أيار 1935 على ما يلي :
"للمحاكم اللبنانية وحدها الصلاحية اللازمة للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية المختصة بأجنبي واحد أو بعدة أجانب إذا كان أحدهم على الأقل تابعا لبلاد تخضع فيها الأحوال الشخصية للحق المدني وفقا لقوانينها النافذة".
وقد صدر بتاريخ لاحق قانون أصول المحاكمات المدنية وحفظ المشترع في المادة 79 منه إختصاص المحاكم اللبنانية بالنظر بمطلق نزاع ينشأ عن عقد الزواج المدني الذي يجريه لبنانيون أو لبناني مع أجنبي خارج لبنان ، مع حفظ اختصاص المحاكم الشرعية والدرزية اذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيا".
المادة 79 أصول المحاكمات المدنية:
لم ينحصر التشريع بالقرار 60 ل.ر، بل جاء قانون أصول المحاكمات المدنية في المادة 79 منه ، لينظم ويشّرع هذا الحق ويعطيه إطاراً محدداً لمعرفة الحقوق المكتسبة، والنص صراحة بعدم السماح لأي محكمة طائفية أخرى التدخل بهكذا أنواع زواجات مدنية أو إعلان إختصاصها. كما نرى بوضوح إعطاء الحق لمطلق لبناني ينتمي الى طائفة معيّنة بعقد زواج مدني ، مع الحفاظ على انتمائه الطائفي ودون أن يؤثر على هذا الإنتماء بأي شيء . ولا يحق لمطلق طائفة أن تهدد لا المشرع ولا المتعاقدين بأي تحريم أو تكفير أو بأي إجراء كونه قانون ملزم للجميع ، وهذا الأمر لم نألفه منذ أجيال بالرغم من صدور القانون 60 ل.ر وقانون أصول المحاكمات المدنية.
والتحفظ الوحيد الوارد في المادة 79 أصول المحاكمات المدنية، هو في حال كان الزوجين من الطائفة المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيا، فيكون الإختصاص عندها للمحاكم الشرعية أو الدرزية، وبالتالي، اذا كان أحدهما فقط من الطائفة المحمدية فلا يعود الإختصاص للمحاكم الشرعية أو الدرزية بل للمحاكم المدنية، فالشرط هو أن يكون الزوجين عقدا زواجا مدنيا في بلد أجنبي وكلاهما من الطائفة المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيا.
المادة 18 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16 تموز سنة 1962:
كما جاء قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16 تموز سنة 1962، ليشرع ويعطي الحق لأبناء هذه الطائفة في عقد زواج مدني، وذلك في المادة 18 منه، والمشابهة للمادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وأكدت الطوائف المحمدية من خلال المادة 18 شرعية الزواج المدني الذي يعقده اللبنانيون من طائفتها مع الغير، مع ذات التحفظ الجزئي الوارد في المادة 79 أ.م.م.، ولم تلجأ هذه الطوائف الى تكفير أي من عاقدي الزواج، ولم تفرض أي محظورات دينية أخرى، اضافة الى كونه منصوص عليه في صلب أحكامها الشرعية، بل أكثر من ذلك فبموجب المادة 18 تصبح هذه الطوائف المحمدية صالحة للنظر بعقد الزواج المدني اذا كان كلا الزوجين من الطائفة المحمدية، وأحدهما على الأقل لبنانيا، وفي حال عدم تحقق هذه الشروط تعود الصلاحية للمحاكم المدنية كماهي في الأصل، أي بمعنى آخر لحظت أحكامها معالجة أوضاع عقد الزواج المدني بكافة أشكاله، وفي بعض الحالات تنظر محاكمها بالذات في عقد الزواج المدني.
المادة 16 من قانون 2 نيسان 1951:
والتحفظ والشرط الوحيد بالنسبة للطوائف المسيحية هو الوارد في نص المادة 16 من قانون 2 نيسان 1951 الذي يمنع زواج لبناني ينتمي الى طائفتها من الزواج المدني في لبنان، وبالتالي تسمح لأبناء هذه الطائفة أن يعقدوا بحرية زواجا مدنيا خارج لبنان، وتكون الصلاحية المطلقة للمحاكم المدنية اللبنانية في النظر في هذه العقود ومفاعيلها. مع الإشارة الى صلاحية المحاكم الروحية اذا تبع أو سبق الزواج المدني بين اللبنانيين "داخل القيد الطائفي"، زواج آخر كنسي، ومن التفاسير والشروحات الواردة في هذه الحالة، هو أن الزواج الديني الكنسي ينسجم مع التشريع اللبناني والنظام الطائفي فيه.
المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية:
"تختص المحاكم اللبنانية المدنية بالنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد. وتراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية اذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيا".
المادة 18 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16 تموز سنة 1962:
"يمتنع على المحاكم الشرعية رؤية الدعاوى والمعاملات غير المذكورة في هذا القانون.
كما يمتنع عليها رؤية الدعاوى والمعاملات المشار إليها بحق الأجانب من مذهبها التابعين لبلاد تخضع فيها الأحوال الشخصية للقانون المدني ما لم يكن أحد الزوجين لبنانيا فتبقى الدعاوى والمعاملات المذكورة كما تبقى الدعاوى والمعاملات المذكورة كما تبقى مسائل الوقف خاضعة لاختصاص المحاكم الشرعية".
2 - الفقه والإجتهاد اللبناني:
وقد استقر الفقه والإجتهاد اللبناني على مشروعية الزواج المدني الذي يعقده اللبنانيون من أبناء الطوائف في بلد أجنبي، وحتى داخل السفارات الأجنبية في لبنان كونها تعتبر امتداد لأرض الدولة الأجنبة، وسوف نبين كافة الحالات التي يعود فيها الاختصاص للمحاكم المدنية اللبنانية للنظر في عقد الزواج المدني ومفاعيله ، مع ذكر الإستثناءات في هذا الموضوع.
يراجع:
- زواج مدني في قبرص بين لبنانيين، زوج مسلم وزوجة مسيحية- صلاحية المحاكم المدنية في النظر بعقد الزواج المدني./ القرار 53 ل.ر - ينحصر اختصاص المحاكم الشرعية في الدعاوى المتعلقة بالمتداعين الزوجين من مذهبها، قرار رقم 74، محكمة التمييز غرفة 5 ، تاريخ 29/3/2005 - العدل 2005 عدد 3 صفحة 491.
يراجع:
تفعيلاً لأحكام المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية ، تطبق المحاكم اللبنانية القانون الذي احتفل انعقاد الزواج في ظله بالصيغة المدنية في الخارج ، بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي ، سواء لجهة النشوء ، شرطأ وأهلية ، أو لجهة المفاعيل والآثار لا سيما عند استحالة العيش المشترك ووجوبية الإنفصال وإعلان الطلاق. قرار رقم 140 تاريخ 9/6/2005 - محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان ،الغرفة الثالثة، الرئسي جون القزي والعضوان الخطيب والدحداح- العدل 2005 عدد 4 صفحة 850 .
يراجع:
زواج في قبرص بين لبنانيين- مسلم شيعي ومسيحية / عدم تطبيق القرار رقم 53 /1939- صلاحية المحكمة المدنية- تطبيق القانون القبرصي- ان اتفاق الزوجين على إجراء زواج كنسي لاحقاً لا يجعل من زواجهما المدني زواجاً شكلياً أو صورياً أو تمهيدياً طالما انهما ذهبا معاً إلى قبرص لعقده مدنياً هناك.
محكمة الإستئناف المدنية في جبل لبنان- الغرفة الثالثة قرار رقم 16 تاريخ 9/11/2004- العدل 2005 عدد 1 ص 102 .
يراجع:
زواج مدني بين لبناني مسيحي وفرنسية- زواج كنسي في الكويت- القرار 109 تاريخ 14/5/1935 ينصّ في مادته على أن للمحاكم المدنية وحدها الصلاحية اللازمة للنظر بدعاوى الأحوال الشخصية المختصّة بأجنبي واحد أو بعدة أجانب إذا كان أحدهم على الأقل تابعا لبلاد تخضع لها الأحوال الشخصية للحق المدني وفقاً لقوانينها النافذة.محكمة التمييز المدنية- الغرفة الأولى- قرار رقم 39/99 تاريخ 16/3/1999 العدل 1999 عدد 2- ص 178.
يراجع:
زواج مدني في قبرص بين لبنانيين مارونيين وفقاً لأحكام القانون المدني القبرصي- شروط الزواج المدني المحدّدة في المادة 79 أ.م.م محققة- اختصاص المحاكم المدنية وحدها لمقاربة النزاعات التي تنشأ عن هذا الزواج والبتّ فيه وبجميع ما يتفرع عنه من حقوق وواجبات والتزامات ومفاعيل وآثار بما فيها التبني.
محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان- الغرفة الثالثة- العدل 2007 عدد 3- ص 135.
يراجع:
زواج مدني بين لبنانيين، زوجة مسيحية ورجل سنّي في غانا - إلحاقه بزواج شرعي سنّي وبآخر كنسي-عدم اختصاص المحاكم الشرعية للنظر في المنازعات الناشئة عن عقد زواج مدني تم في الخارج بين لبنانيين أحدهما من الطائفة المارونية - تطبيق القانون الطائفي يفترض وجود قانون واحد يسري على العلاقة ككل- وجوب تطبيق القانون المدني الذي رعى شكل الزواج - اختصاص القضاء المدني. محكمة التمييز- الغرفة الخامسة- قرار رقم 1 تاريخ 24/1/2006 العدل- 2006- عدد 3 ص 1075
يراجع:
الزواج المعقود أمام السلطات المدنية في قبرص- تطبيق القانون القبرصي.
قرار رقم 343/74 تاريخ 28/12/1974- محكمة استئناف جبل لبنان المدنية- العدل 1975- العدد 2-4- ص 308.
يراجع:
زواج مدني - فرنسي مسلم وزوجة لبنانية سنية - المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية العائد للمسلمين تاريخ 16/7/1962 - صلاحية المحكمة الشرعية إذا كان الزوجين مسلمين واحدهما لبنانيا. محكمة بداية بيروت المدنية- الغرفة الخامسة- حكم رقم 55 تاريخ 3/6/1977 - العدل كانون الأول 1979- ص 135.
يراجع:
- عقد زواج مدني بين درزي وسنية- عدم صلاحية المحكمة المدنية - صلاحية محكمة الزوج. محكمة التمييز المدنية- الغرفة الثانية - قرار رقم 4 تاريخ 19/3/1981 - العدل 1982 صفحة 71.
يراجع:
زواج مدني في قبرص بين لبنانيين من الطائفة الكاثوليكية - المادة 79 أصول محاكمات مدنية - صلاحية المحاكم اللبنانية المدنية للنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المقرر في قانون ذلك البلد مع مراعاة أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيا.
خضوع عقد الزواج لقانون محل انشائه عملا بقاعدة "المكان يسود العقد" Locus Regit actum. محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان- قرار رقم 3 تاريخ 24/1/2005 العدل 2005- عدد 2- ص 377.
يراجع:
زواج مدني في قبرص بين لبنانية مسيحية ولبناني مسلم.
اختصاص المحاكم المدنية- تطبيق القانون المدني الأجنبي الذي انعقد الزواج في ظلّه.
محكمة التمييز المدنية- الغرفة الخامسة- القرار رقم 74 تاريخ 29/3/2005 العدل 2006- عدد 2- ص 665 .
يراجع:
زواج مدني في فرنسا بين لبناني مسلم ولبنانية مسيحية- اتباعه بزواج ديني كنسي- اختصاص المحاكم الروحية باعلان بطلان الزواج.
محكمة التمييز المدنية- الغرفة الخامسة- القرار رقم 159 تاريخ 4/7/2006- العدل 2007- العدد 1- ص 167.
وبالتالي، آن الأوان لإصلاح الخطأ وتطبيق الدستور اللبناني، وحان الوقت لأن تمارس الدولة حقها التشريعي وأن تعطي الحق للبنانيين بعقد الزواج المدني اختياريا، بما للدولة من حق امتياز تمارسه في التشريع على مواطنيها وعلى أراضيها، وحق كل مواطن بالتمتع بحرية المعتقد وبالزواج على الأراضي اللبنانية وبذات الحق الذي يعطيه القانون بعقده في بلد أجنبي ، والمنصوص عليه ليس فقط في الدستور والقرار 60 ل.ر بل أيضا في قانون أصول المحاكمات المدنية (المادة 79) و"القوانين الطائفية" كما سبق وبينا بالتفصيل، دون الحاجة الى السفر الى بلد أجنبي لعقده، أو اللجوء الى السفارات والقنصليات، هذا مع التذكير أن ملايين اللبنانيين المهاجرين يعقدون زواجات مدنية في البلدان المتواجدين فيها، ولا أحد يعترض على ذلك.
3 - الزواج المدني في السفارات او القنصليات على الأراضي اللبنانية:
استنادا لذات الأسباب التي أعطت الحق للبناني بعقد زواج مدني في بلد أجنبي، يحق للبناني بعقد زواج مدني في السفارات أو القناصل الأجنبية على الأراضي اللبنانية، وأساس هذا المبدأ أن السفارات والقناصل تعتبر امتداد لأراضي الدولة التابعة لها. وبالتالي فإن عقد الزواج المدني يكون صحيحا، وتكون المحاكم اللبنانية هي الصالحة للنظر في النزاع عند عرضه عليها.
تجدر الإشارة، أنه إذا كان يسمح للبناني بإجراء عقد زواج مدني في بلد أجنبي أو داخل السفارات والقناصل الأجنبية، فلماذا هذا التحايل على القانون والدستور ووضع العراقيل والمصاريف غير المبررة أمام المواطن اللبناني لدفعه إما إلى السفر لإجراء عقد الزواج أو الهجرة وإما الوقوف أمام السفارات، والأخطر إن أصوات التشدد الديني لا تعل إلا إذا أراد المواطن إجراء عقد زواج مدني في لبنان، وهذا مخالف لحرية المعتقد والقانون كما بيّنا، خاصة عند اتباع لغة التكفير الديني والمذهبي تجاه من يتجرأ من النواب والمسؤولين بطرحه، وتجاه المواطن الذي يتجرأ التفكير بالموضوع.
مع العلم أن القانون يمنع أي مواطن أو طائفة التعبير بغير الطرق الحضارية والمتمدنة عن رأيها، كما يمنع أي كان او أي مرجعية دينية أو مدنية من إصدار تشريعات تحريمية أو تحمل بطياتها التهديد بالقتل لمنع إصدار قانون زواج مدني حضاري يطبق على جميع المواطنين، أو لتهديد المواطنين من ممارسة حقّهم الدستوري والقانوني بإجراء عقد زواج مدني.
يراجع:
زواج أجنبي من لبنانية عقد مدنيا في سفارة أو قنصلية ما في لبنان. من جملة هذه الأعراف أن للسلطة القنصلية، في أي بلد كان، وفيما خص رعايا دولتها، أن تقوم بصورة شرعية، تعترف بشرعيتها جميع الأمم المتمدنة، ببعض الإجراءات التي يعود لبعض مأموري أو موظفي دولتها أن يقوموا بها ( كاتب عدل، مأمور مكلف بعقد زواج...) يراجع بهذا الخصوص:
Lapradelle et Niboyet, Rép. et Dr. Int.V règle, Locus Regit actum n 104 et suiv.
ومثال ذلك أن السلطة القنصلية يمكنها أن تعطي للعقود أو للوصايا الصيغة الرسمية وأن تعطي إفادات عن أحوال رعاياها المقيمين في منطقة اختصاصها وأن تعقد زواجهم. فانطلاقاً من المبادىء المذكورة أعلاه يبدو أن لا مبرر قانوني لعدم الإعتراف بصحة الزواج الذي تعقده اللبنانية على مواطن سويسري لدى السلطة القنصلية السويسرية في لبنان".
الزواج المدني الاختياري في لبنان - الجوانب التاريخية والقانونية والإجتماعية - القاضي انطوان الناشف ومحافظة الشمال خليل الهندي ص 496 وما يليها.
وبالتالي، فإن الإتفاقية هي سند رضائي رسمي وحجة على الكافة بما دون فيه ويتمتع بقوة ملزمة للتنفيذ وهذا ما نصّت عليه المادتين 145 و 146 أ.م.م. ويلتزم القاضي التقيد بها.
145: السند الذي له شكل السند الرسمي ومظهره الخارجي يعد رسميا إلى أن يثبت العكس من يحتج به عليه.
146: للسند الرسمي قوة تنفيذية، وهو حجة على الكافة بما دون فيه من أمور قام بها الموظف العام أو وقعت من ذوي العلاقة.
يراجع:
"ان الأسناد الرسمية عديدة ومتنوعة: الوثائق الصادرة عن دوائر الأحوال الشخصية أو عمن يحل محلها في بعض الأحوال كالقناصل". ادوار عيد ، موسوعة أ.م.م. والإثبات الجزء 14 ص. 19-20 . غوبو وبهر في موسوعة دالوز في أ.م.م. طبعة 2 لفظة Preuve رقم 493 جورسكلاسور - القنون المدني م 1317 إلى 1320 رقم 25."
يراجع:
La loi attaché aux actes authentiques une présomption de vérité, en vertu de laquelle ils font foi, non seulement entre les parties, leurs héritiers…même au regard des tiers… la loi attache cette présomption de sincérité, non seulement à celui qui se présente avec une authenticité apparente, bien qu'il soit l'œuvre d'un faussaire. On commence par présumer, même dans ce cas l'acte émane d'un officier public et qu'il contient la vérité ; le faux ne saurait se présumer par cela.
- Aubry et Rau, 5éd par Bartin, t, XII p. 170
- Glasson Tissier- procédure civil T II p. 680-681
يراجع:
ويكون السند الرسمي حجة على الكافة حتى ادعاء تزويره بما دون فيه من أمور قام بها الموظف العام أو وقعت من ذوي العلاقة في حضوره ضمن حدود سلطته واختصاصه(م 146 م.م.). أما مضمون تصريحات المتعاقدين الواردة فيه فيكون حجة عليهم، ويعتبر صحيحا إلى أن يثبت عكسه (م 147 فقرة 1 م.م.) ويلتزم القاضي التقيد به على غرار تقيده بالسند الرسمي بالذات".
ادوار عيد، موسوعة أ.م.م. والإثبات الجزء 13 ص 312.
4 - قانون 2 نيسان 1951 والصلاحيات التي اناطها بالمراجع المذهبية والإعتراضات عليه:
بتاريخ 2 نيسان 1951 صدر قانون نظام الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية ، ليحدد صلاحيات هذه الطوائف، واعترضت عليه نقابة المحامين والصحافة وشريحة كبيرة من المجتمع اللبناني، ادخلت لجنة الإدارة والعدل بعض التعديلات على مشروع الحكومة، بعد أن استوضحت ممثلي الطوائف المسيحية بمشروع القانون 2 نيسان 1951 وعدلت بعض النقاط الواردة فيه كما ورد في محاضر جلسات اللجنة حيث جاء فيه، ملاحظة بشأن المادة 14: طلب رئيس اللجنة الفرعية من ممثلي الطوائف أن يبدوا رأيهم بشأن هذه المادة فأدت المناقشة إلى إيضاح أمرين:
1 - نظرية حصر صلاحيات كل سلطة في أبنائها فاذا غير الزوجان مذهبهما يصبحان خاضعين لسلطات مذهبهما الجديد.
2 - نظرية شريعة العقد التي بموجبها يظل الزوجان خاضعين للسلطة التي اجرت العقد وان ترك الزوجان كلاهما مذهبهما القديم واعتنقا مذهبا جديدا، واللجنة تترك الأمر للمجلس.
ونشير أن هذا القانون لم يعدّل القرار 60 ل.ر ، الذي لا يزال ساري المفعول بكافة أحكامه.
5 - النقابة والمطالبة بقانون زواج مدني أو لاطائفي:
تصدت نقابة المحامين منذ بداية الإستقلال للقانون الذي يحدد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية تاريخ 2 نيسان 1951 ، وذلك منذ ان كان مشروعا وعرض عليها لإبداء ملاحظاتها في العام 1947 في عهد النقيب الأستاذ جبرائيل نصار. نتيجة لعدم تجاوب السلطات مع ملاحظات واعتراض نقابة المحامين أدى إلى قيام معارضة أكبر، إنضمت اليها الصحافة إلى جانب نقابة المحامين التي عقدت جمعية عمومية غير عادية للمحامين بتاريخ 23/6/1951، وطالبت بالغاء قانون 2 نيسان 1951 وتنفيذا لذلك أضربت يوما واحدا بتاريخ 27/6/1951.
أصرت النقابة على موقفها طالبة من الدولة بسن قانون مدني للأحوال الشخصية يشمل اللبنانيين كافة، وكلفت الجمعية العمومية النقيب الدبس ومجلس النقابة اعداد مشروع قانون مدني يلبي تطلعات اللبنانيين وبطريقة موافقة للقوانين. بعد أن أعد مجلس النقابة مشروع قانون الزواج المدني، تم عرضه على الجمعية العمومية غير العادية بتاريخ 20/10/1951 من قبل النقيب نجيب الدبس، فوافقت عليه الجمعية بالاجماع، متخذين القرار بإحالته إلى المراجع الرسمية.
وفي اجتماع آخر للجمعية العمومية بتاريخ 20/12/1951، أعلن النقيب نجيب الدبس موافقة اللجنة التشريعية ووزارة العدل على مشروع قانون الأحوال الشخصية المدني كما أعدته النقابة.
وقد جاء في نص مشروع نقابة المحامين الشامل لجميع الطوائف الدينية في لبنان ما يلي:
المادة الأولى: تنحصر صلاحية المحاكم المذهبية والشرعية بالنظر في عقد الخطبة وفسخها وفي عقد الزواج وبطلانه والطلاق والهجر.
المادة الثانية: ألغي قانون تحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية الصادر بتاريخ 2 نيسان 1951 وجميع القوانين والمراسيم الإشتراعية والأنظمة المخالفة لأحكام هذا القانون.
المادة الثالثة: ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به فور نشره.
وأضاف النقيب الدبس ان المشروع أحيل إلى مجلس الوزراء دون ان يحال إلى مجلس النواب، مما جعله يتجمد في أدراج رئاسة الوزارة. فقررت الجمعية العمومية برئاسة النقيب الأستاذ نجيب الدبس اعلان الإضراب العام والشامل مع الإمتناع عن حضور الجلسات ، اعتبارا من 12/1/1951 ودام لغاية 5/4/1951، أي حوالي 3 أشهر واستمرالى ما بعد صدور القانون في 2 /4/ 1951.
6 - المجتمع المدني والسياسي والمطالبة بقانون زواج مدني:
لم تتوقف الإعتراضات على موقف واضراب نقابة المحامين والصحافة، بل استمر حتى ما بعد صدور قانون 2 نيسان 1951 ، وأدت الى سلسلة اعتراضات ومطالبات بقانون مدني، بدءا بمبادرة العميد ريمون اده عام 1957، ثم البرنامج المرحلي ل " الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية" برئاسة كمال جنبلاط عام 1976، والتي تضمنت بندا يتعلق بإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية من دون أن يحدد إذا كان إلزاميا أو اختياريا، إضافة إلى مشروع الحزب الديمقراطي الذي وضع عام 1971 بجهد أساسي من الوزير الراحل جوزف مغيزل وحمله النائب أوغست باخوس إلى لجنة الإدارة والعدل عام 1974، ثم مشروع الحزب السوري القومي الإجتماعي، عام 1997، الذي قدم مباشرة اقتراح قانون إلى المجلس النيابي.
في العام 1990 نص الدستور اللبناني الجديد على إلغاء الطائفية في لبنان، في المادة 22 و95 منه.
في العام 1997 وردت الملاحظات الختامية للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان على التقرير اللبناني، الذي رفع إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفقا للمادة 40 من الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بحيث جاءت التوصية على الشكل التالي:
"توصي اللجنة بأن تستحدث في لبنان، إضافة إلى القوانين والإجراءات القائمة التي تنظم الزواج، قوانين مدنية بشأن الزواج والطلاق متاحة لكل إنسان".(العدل 1998 عدد خاص صفحة 76-79).
وقد تقدم الرئيس الهراوي بمشروع قانون زواج مدني اختياري للأحوال الشخصية وعرضه على مجلس الوزراء، الذي أقره بجلسته المنعقدة في 18/3/1998 بأغلبية ثلثي الأصوات زائدا واحدا أي 21 من أصل 30 وزيرا، إلا أن اعتراضات ممثلي الطوائف حالت دون توقيع رئيس الحكومة آنذاك الرئيس الشهيد رفيق الحريري عليه، وتم وضعه في الجوارير، وأدى الأمر الى عدم إحالته الى المجلس النيابي لإقراره وفقا للأصول.
اتخذ الوزير السابق زياد بارود قرارا بإجازة شطب اللبنانيين لقيدهم الطائفي والمذهبي عندما كان وزيرا للداخلية. كما دافع عن هذا المشروع كل من وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي ونقيب المحامين نهاد جبر.
في 14 شباط 2013 صرح الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري في مقابلة بثت على أغلبية المحطات التلفزيونية اللبنانية، بأنه لا يعارض قانون الزواج المدني الاختياري بالرغم من معارضة الطوائف.
في شهر شباط 2013 صدرت استشارة عن الهيئة الإستشارية العليا، في وزارة العدل، تعطي الحق للبناني الذي لا ينتمي الى أي طائفة بعقد زواج مدني في لبنان، أمام كاتب العدل الذي يصدق هذا العقد، وللزوجين حرية تعيين القانون المدني الذي يرعى عقد زواجهما بالنسبة لكافة آثار العقد، وخلصت بالقول أنه ليس هناك مانع من تسجيل زواج نضال وخلود المطابق والمتمم للقانون.
وبالتالي، لم تتوقف المطالبة بقانون زواج مدني إختياري للأحوال الشخصية، من قبل جميع المسؤولين والهيئات الدولية وشرائح المجتمع المدني والسياسي وعلى جميع المستويات ، يطبق على جميع اللبنانيين بشكل عادل ومتساو ، تراعى فيه مبدأ مساواة اللبنانيين أمام القانون، كما المساواة بين الرجل والمرأة بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي، وخصوصا أن القوانين اللبنانية تجيز الزواج المدني بشروط، وليس هناك أي مانع قانوني لتشريع ما هو واقع تاريخيا منذ أجيال، ونظرا لأن الإستثناء هو إعطاء الصلاحية للمحاكم الإستثنائية ومنها المحاكم الطائفية ، والقاعدة هي للمحاكم المدنية الوطنية العادية، عدا عن المشاكل والنزاعات التي تنشأ عن تنازع الصلاحية وتقييد الحريات غير المبرر.
إضافة الى أن الدستور اللبناني الجديد نص على إلغاء الطائفية، تمهيدا للدخول في دولة المؤسسات والخروج من الطائفية المتغلغلة في المؤسسات وفي النصوص القانونية والطائفية ، وكان الدستور الجديد ولا يزل مدخلا للخروج من الحرب اللبنانية والصيغة الطائفية، فإذا تمسكت كل الأطراف الطائفية والسياسية بمواقفها، فهذا الأمر لن يؤدي الى الخروج من النظام الطائفي المنصوص عليه في الدستور، ويمكن أن يؤدي إلى تعميق الطائفية السياسية والمذهبية في المؤسسات وفي النفوس، كما الى تعميق الصراعات الطائفية كما بدأ يشهدها الوطن على مستويات عدة، بحيث تشكل خطرا على لبنان واللبنانيين بعدم احترام الدستور والقوانين الوضعية المرعية الإجراء، وبالتالي، فإن كل تأخير في إقرار قانون زواج مدني إختياري للأحوال الشخصية، يعتبر غير قانوني وغير دستوري.