تحقيق بهاء رملي
وطنية - تتراكم الازمات وتزدحم في يوميات المواطن اللبناني لتزيد على همومه هموما، بدءا من الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية وصولا الى الاوضاع الاجتماعية وضيق العيش الذي بات يثقل كاهل معظم الاسر.
المعالجات او محاولات المعالجات الحقيقية لما يشكو منه المواطنون على الصعيد الاجتماعي لا تزال عالقة في مأزق تباعد الرؤى والاستراتيجيات بين من في يدهم القرار وبين النقابات على اختلافها التي تضغط للحصول على ما تعتبره حقوقا ومكاسب تستحق لمن تمثلهم نتيجة ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية وزيادة الرسوم على الخدمات العامة.
صحيح ان زيادة للاجور اقرت منذ اوائل 2012 بعد مخاض عسير بين الدولة وممثلي القطاع الخاص والاتحاد العمالي العام، الا ان ما استولدته من ارتفاعات اضافية في الاسعار وفي الرسوم لسد اكلافها على القطاعين العام والخاص ابتلع مفاعيلها واستمر الأجر يتآكل كقيمة شرائية، وهذا ما بينته مؤشرات الاسعار.
هذا الواقع علق عليه كل من رئيس جمعية المستهلك زهير برو ونائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت نبيل فهد ولكل منهما نظرة تحليلية مختلفة للامور.
وعزا برو استمرار ارتفاع الاسعار الى "غياب الرقابة الرسمية على التجار وعلى الاسواق التي تركت تعمل بآلياتها من دون أي ضوابط، فارتفعت الأسعار بإضعاف معدلات ارتفاعها عالميا، منها على سبيل المثال أسعار الحبوب واللحوم التي كانت ارتفعت عالميا، ثم بدأت تتراجع من دون ان تواكبها السوق المحلية نزولا، بل على العكس اظهر مؤشر الجمعية استمرار ارتفاعها بنسب تفاوتت بين 2.44 في المئة للحوم و0.05 في المئة للحبوب والمواد الغذائية والسكر في الفصل الرابع من 2012".
وأوضح أن "أسعار السلع والخدمات في لبنان هي الأغلى مقارنة مع دول الجوار. حتى في الاردن الذي تتشابه اوضاعه مع الوضع في لبنان، الاسعار اقل بكثير مما هي في لبنان"، لافتا في هذا السياق الى ان "الحد الادنى للاجور في لبنان هو من الاعلى في دول المنطقة لكنه الاقل قدرة شرائية"، مستشهدا بالواقع المصري حيث "الحد الادنى لا يتجاوز المئة دولار".
ورأى ان "الخروج من دوامة زيادة الاجور وتراجع القدرة الشرائية لهذه الاجور يقوم على اعتماد مقاربة اجتماعية للحد الادنى للاجر تركز على الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم"، معتبرا ان "اسلوب الزيادات العشوائية المعتمد حاليا له انعكاسات تضخمية وكلنا نرى كيف ان الزيادات غير المبنية على دراسة الواقع الاقتصادي كانت لها انعكاسات سلبية وافترست الاجور لما تبعها من ارتفاع في الاسعار"، معتبرا ان "الاجدى كان توظيف كلفة الزيادة في تحسين نوعية الخدمات سواء الكهرباء والهاتف والصحة والتعليم وغيرها، علما ان تكلفتها على المواطنين هي الاغلى في المنطقة ومن بين الاغلى في العالم".
وعن موضوع أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية اوضح ان "الانخفاض في اسعار الالبان والاجبان كان يجب ان يكون بنسبة اعلى من النسبة المسجلة، وهي 3.41 في المئة، بسبب تراجع التصدير الى الاسواق العربية بفعل الازمة السورية، كما ان اسعار الخضار ارتفعت بنسبة 29.37 في المئة، والفاكهة بنسبة 65.34 في المئة في الشهر الاخير من 2012 على عكس ما ورد من تراجع في مؤشر الجمعية، وما زال الارتفاع مستمرا نتيجة للعاصفة التي اضرت بالمزروعات".
وإذ اشار الى وجوب تراجع هذه الاسعار بسبب توقف التصدير، لفت الى ان "تصريف الانتاج المحلي بلغ في 2012 حده الادنى منذ اعوام ما يفترض انخفاضا في الاسعار يوازي نسبة هذا التراجع".
في مسألة الحد من ارتفاع الاسعار طالب برو ب "تفعيل دور التعاونيات لتكون الوسيط الضابط للسوق وكونها تحافظ على حقوق المزارعين والمستهلكين على السواء، وعدم ترك الامور لآليات السوق التي تسمح بتضخيم الاسعار وبالتلاعب بالنوعيات الى حد الغش والتزوير"، مكررا المطالبة ب "دور ضابط ورادع فاعل ومنتظم لاجهزة الدولة لمعاقبة المخالفين اينما وجدوا، ولا سيما أن لبنان يستورد 80 في المئة من حاجاته الاستهلاكية ويجب ان تفيد السوق من تراجع الاسعار عالميا كما تتأثر سلبا بارتفاعها والا تكون الفترة الانتقالية طويلة لتعديل الاسعار في حال تراجعها وان تكون نسبة التراجع محليا موازية للنسبة العالمية".
فهد
أما فهد فله رأي مختلف في موضوع الاسعار معتبرا أنها "لم ترتفع بنسب كبيرة وبقيت ضمن مستوى طبيعي، وان نسبة ال 5.6 في المئة المسجلة عام 2012 مقبولة نظرا الى الوضع في لبنان".
وأوضح في هذا السياق ان "المؤشرات التي يعتمد عليها قطاع السوبر ماركت للحكم على مستويات الاسعار هو مؤشر المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية الذي تباطأت نسبة ارتفاعه من 17 في المئة في الاعوام الثلاثة الاخيرة الى 4 في المئة عام 2012، وهذه نسبة غير مرتفعة مقارنة مع دول الجوار لا سيما الاردن الذي نأخذه مثالا للمقارنة نظرا الى وضعه المشابه لوضع لبنان لجهة حجم الاستيراد وحجم الاقتصاد، وقد ارتفعت الاسعار هناك في الاعوام الثلاثة الماضية المعتمدة للمقارنة بنسبة 23 في المئة ما يعني ان اسعار المواد الغذائية مضبوطة في لبنان".
وشدد على ان "ارتفاع كلفة السكن كان له تأثيره في ارقام المؤشر لكن نسبة الارتفاع من دون احتساب كلفة السكن لا تتخطى ال5.6 في المئة وهذا مستوى مقبول، لكنه لا يعود كذلك في حال حصول جمود اقتصادي او ركودا تضخمي وهذا ما نحذر منه لانه مع تضخم الاسعار نتيجة ارتفاع في تكلفة الانتاج لا تقابله زيادة في النمو يتضاعف الاثر السلبي للركود".
فهد حمل "زيادة الاجور في 2012 مسؤولية كبيرة في زيادة تكلفة الشركات وتكبيلها ومنعها من ان تتوسع في غياب الطلب"، مشددا على انه "اذا لم يعالج وضع النمو سيستمر التضخم والركود في الاسواق، لذا ننظر بايجابية الى قرار مصرف لبنان تحفيز المؤسسات عبر مزيد من التسهيلات ونأمل في ان تقابله الدولة بخطوات تحفيزية او بزيادة الاستثمار او بتخفيف الاعباء عن المؤسسات المنتجة لتتمكن من الاستمرار والتصدير والتوسع".
وشدد على أن "الخروج من حال الركود يعتمد على النمو لتتمكن المؤسسات من استيعاب هذه الزيادة وهو ما لم يحصل الى الان نظرا الى جمود الاسواق". الا انه شدد على أهمية "زيادة الاجور للحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك اذ يهم القطاع التجاري بكل مكوناته ان يكون المواطن قادرا على الانفاق، فعلى هذا الاساس تنمو الاسواق لكن المهم ايضا ان تكون الزيادة تصحيحية تواكب التضخم سنويا وتكون تعويضا عما فقده الاجر من قدرة شرائية لا ان تكون اكثر من قدرة الاقتصاد على الاستيعاب".
ولفت في هذا السياق الى "الاتفاق الذي تم التوصل اليه في هذا الشأن في لجنة المؤشر مع الاتحاد العمالي العام على ان تكون نسبة الزيادة 17 في المئة بحسب مؤشر الاحصاء المركزي، لكن الزيادة على الحد الادنى للاجور جاءت 35 في المئة اي ضعف ما اتفق عليه طرفا الانتاج وهي تتخطى قدرة القطاع الخاص والاقتصاد على تحمل مفاعيل هذه الصدمة دفعة واحدة، وكان يفترض توزيع الزيادة على 3 سنوات".
في ما يتعلق بالاسعار، أكد فهد أنها "تتقلب وفقا لتقلبات الاسعار العالمية ولوائح وزارة الاقتصاد والتجارة تبين هذه التقلبات وهي تحصل على الاسعار من السوق".
================= ج.س