تحقيق رحاب أبو الحسن
لطالما سمعنا عن نضالات طلاب الجامعة اللبنانية والصعوبات التي كان الأساتذة والطلاب يواجهونها لتكون الجامعة جامعة حقيقية... جامعة واحدة جامعة للجميع، وبقيت كذلك إلى أن جعلت منها الحرب جامعات وباتت شيئا آخر، أو بالأحرى جعلها بعض السياسيين شيئا آخر، جعلوها جامعتين، وجامعات، بل أي شيء إلا الجامعة.
حسرة الجامعة تقيم اليوم في نفوس طلابها وأساتذتها، عشاقها الذين حلموا بها وعملوا لها ومن أجلها لتكون على مستوى طموحاتهم وأحلامهم، ودافعوا عنها في ساحات "النضال الجامعي" بعيدا عن الفئوية والطائفية والمذهبية والحزبية والشخصانية، لتكون جامعة لبنانية وطنية تجمعهم، لكن بدلا من ذلك كانت الحسرة جامعهم، لأن هذه الجامعة ما عادت تشبه جامعتهم.
لو كان يعلم من قدم الجامعة اللبنانية اليوم "جائزة ترضية" للسياسيين، كيف نشأت هذه الجامعة وحجم ما قدمه أساتذتها وطلابها من نضالات في بداية الخمسينيات وأكثرية السياسيين وقادة الأحزاب وخريجوها، لما فعل ما يفعله اليوم، ولما كان أساتذتها يستجدون من السياسيين تثبيتا يستحقونه من دون منة من أحد.
النضال
في شباط 1950 ولدت الجامعة اللبنانية بعد إضراب نفذه طلاب الطبقات الفقيرة غير القادرين على دفع أقساط الجامعات الخاصة، في ساحة البرج حيث كان يرمم حينها تمثال الشهداء وواجهوا القوى الأمنية ورشقوها بالحجارة، وها هم اليوم أساتذتها الذين كانوا أساسا طلابها ما زالوا يناضلون في الساحات والطرق وأمام القصور والسرايات ويواجهون القوى الأمنية للحصول على حقوقهم وإستعادة جامعتهم وطلابها الذين كانوا من المناضلين والمقاومين الأوائل لأجل الحرية والديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان إلى حد كانوا يهددون مصير الحكومات...وكثيرا ما أسقطوا العديد منها.
ملف التفرغ
اليوم عاد ملف الجامعة اللبنانية إلى الواجهة مجددا من باب ملف تفرغ الأساتذة المتعاقدين الذي ينتظر إقراره أكثر من 650 أستاذا، والذي بدأت دراسته منذ أكثر من سنة من دون الوصول إلى نتيجة أو حتى تفسير لأسباب التأخير، الأمر الذي دفع بالأساتذة إلى إطلاق الصرخة عاليا، فأعلنوا الأضراب، في وقت كان الاساتذة المتفرغون ينفذون إضرابا بهدف إقرار ملف تعيين العمداء في الجامعة.
وزير التربية حسان دياب الذي كان التقى سابقا رئيس الجامعة وعمداءها بدا لا يعرف أسباب توقف تفرغ الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، ولا أين هي الثغرات وعوامل تأخير إقرار الملف في مجلس الوزراء، وما سمعه من الخبراء والأكاديميين أن الملف هو الأفضل بين كل ملفات التفرغ السابقة والأكثر توازنا، وأن شوائبه لا تتجاوز 2 أو 3 في المئة! والسؤال إذا كان الوزير، أحد الأشخاص الأساسيين المسؤول عن مجلس الجامعة، لا يعرف فمن يعرف؟ ومن المسؤول؟
الدكتورة وفاء نون المستثناة من التفرغ قالت ل"الوكالة الوطنية" إن أسباب ما يحصل في الجامعة اللبنانية اليوم يعود إلى رفض الدولة مجتمعة أن تمرر في مجلس الوزراء ملفا للجامعة الوطنية لا يراعي التوازن الطائفي والمذهبي، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد طالب رئيس الجامعة ووزير التربية بتطبيق القانون واعتماد المعايير الأكاديمية في اختيار أسماء المرشحين للتفرغ، متسائلة كيف يطلب ذلك وجماعته لا يفرغون في الجامعة إلا التابعين لهم، الأمر الذي يجعل من الشيعة المستقلين البعيدين عن الأحزاب، كما المسيحيين والسنة والدروز وغيرهم مستثنون من التفرغ لأنهم ليسوا تابعين لأحد؟
ملف الجامعة كبير وخطير باعتراف أركانها، وفي طليعتهم رئيسها عدنان السيد حسين الذي يطالب الحكومة بإنجاز ملفين كبيرين مهمين للجامعة هما تعيين العمداء والتفرغ الذي هو من صلاحيات مجلس الجامعة الذي يمثله حاليا رئيس الجامعة ووزير التربية ولا علاقة لأحد آخر به.
بلوط
وفي ظل التخبط الحاصل، رأت رئيسة لجنة الاساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية الدكتورة ميرفت بلوط في حديث ل"الوكالة الوطنية للاعلام" أن المشكلة الأساسية في عملية التفرغ أنها لم تكن تطبق سنويا الأمر الذي يراكم أعداد المتعاقدين وعند المطالبة بالتفرغ تكون الأعداد بالمئات.
ولفتت إلى أن آخر تفرغ في الجامعة حصل في 6 أيار 2008 لـ686 أستاذا بناء على القرار 223، ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم يقر تفرغ أي استاذ في الجامعة اللبنانية، علما أنه سنويا يتقاعد أكثر من مئة أستاذ، مما يؤدي إلى انخفاض أعداد المتفرغين في مقابل تزايد أعداد المتعاقدين لحاجة الجامعة إليهم، مشيرة إلى أن نسبة المتعاقدين مع الجامعة حتى اليوم بلغت أكثر من 70 في المئة، فيما القانون لا يسمح إلا بـ20 في المئة متعاقدين مقابل 80 في المئة متفرغين.
وأكدت بلوط أن ملف التفرغ ضرورة ملحة للجامعة اللبنانية لسببين:
أولا: للجامعة، لأنه مع تطبيق نظام الMB من عدة سنوات والتشعيب باتت الجامعة في حاجة إلى إختصاصات مختلفة وجديدة.
ثانيا: حاجة الجامعة إلى أساتذة متفرغين، إذ لا يمكن لأي جامعة الإستمرار في عملها في ظل إرتفاع أعداد الأساتذة المتعاقدين فيها، لأن المتعاقد لا وقت لديه للبحث العلمي وتحديث مقرراته الدراسية ومتابعة آخر المعطيات العلمية في مادته، لأن وقته ينصب على التعليم، إما في الجامعات الخاصة وإما في المدارس لتأمين حياة كريمة، لأن ما يتقاضاه من الجامعة اللبنانية لا يكفي ليعيش أستاذ الجامعة حياة محترمة، لافتة ضمن هذا الإطار إلى أن بعض هؤلاء يتقاضون بدل ساعات عملهم رواتب دون الحد الأدنى للأجور، فساعة الأستاذ المتعاقد لا تتعدى 36 الف ليرة بينما المتفرغ معاشه نحو 3 ملايين و400 الف ليرة، فهل هذا مقبول؟".
وعن شروط التفرغ أوضحت بلوط أن ليس هناك قانون واضح يحكم هذه المسألة، بل ما يحكمها هو حاجة الجامعة وحاجة الكليات التي تحددها مجالس الوحدات والإختصاص، "فالعرف يقول إن الأستاذ الذي لديه نصاب قانوني وسنوات معينة في الخدمة يحق له بالتفرغ".
وأوضحت أن "هذه المسألة ليست إلزامية، بل إن حاجة الكليات تلعب الدور الأساسي في حظوظ من سيتفرغ وعددهم، كما يحصل في أقسام الجغرافيا والآثار والإحصاء واللغة الإنكليزية، والتي في غالبيتها أقسام تحتاج إلى التفرغ فيها أكثر من غيرها".
وأشارت بلوط إلى "أن ملف التفرغ الموجود حاليا في مجلس الوزراء والذي ينتظر الإفراج عنه، إعتمدت فيه معايير الحاجة والكفاءة والأقدمية، وأن أعداد المتعاقدين يفوق الألفين، ومن الصعوبة بمكان تفريغهم دفعة واحدة، ولذلك على الحكومة العمل على إقرار ملف التفرغ الموجود في مجلس الوزراء، على أن يترافق ذلك مع إقرار آلية زمنية لتفريغ الأساتذة في الجامعة اللبنانية وحل هذه المشكلة نهائيا وجذريا، وإلا لن نصل إلى حل وسيبقى هناك أساتذة متعاقدون مظلومون يطالبون بحقهم".
ورأت "أن غياب مجلس الجامعة يجعل ملفات تفرغ الأساتذة رهينة موقف مجلس الوزراء، بينما لو كان هناك مجلس جامعة يصبح التفرغ خطوة متواصلة".
وعن الخطوات اللاحقة للاساتذة، أشارت بلوط إلى أنه "بعد خمس سنوات من التحرك على الأرض، رفضنا خلالها الدخول في إضراب مفتوح حرصا على مصلحة الطلاب، لكن وفي ظل وجود الملف في عهدة مجلس الوزراء فإننا نحمله مجتمعا مسؤولية العام الدراسي لأننا لن نتنازل عن حقنا ولن نتراجع عن إضرابنا حتى إقرار التفرغ".
نون
مشاكل الجامعة اللبنانية لا تتوقف عند ملفي التفرغ ومجلس الجامعة فقط، بل هناك أيضا "لجنة مدربي الجامعة اللبنانية" الذين تكمن مشكلتهم أولا في مجلس الوزراء الذي لم يصدر الى اليوم عقود المصالحة، والثانية مع رئاسة الجامعة التي يتهمونها بإصدار نماذج عقود جديدة مجحفة بحق المدربين مغايرة للعقود التي على أساسها تم التعاقد مع المدربين منذ أكثر من عشرين سنة، إضافة إلى قضية الأساتذة المستثنين من التعاقد والذين تحدثت بإسمهم ل"الوطنية" استاذة الفيزياء والكيمياء في الجامعة اللبنانية في الفرعين الأول والرابع الدكتورة وفاء نون التي أوضحت أن أسباب الإستبعاد تعود لأسباب طائفية - مذهبية "فأنا وكثيرون مثلي في الجامعة والوطن يتم التعامل معنا، ويا للأسف، على أساس طائفي".
وقالت: "المعلوم أن هناك نافذين يتحكمون في الطوائف ويعتبرون أنفسهم أوصياء عليها من دون أن يكلفهم أحد بذلك، وإذا كنا خارج هذه التركيبة الطائفية فسندفع الثمن".
وأضافت: "انني أحترم كل شخص لديه رأي، وهو حر في إنتمائه الطائفي والحزبي، إنما نتمنى عليهم إحترام رأينا نحن غير المنتمين إلى أي حزب في هذه الطائفة"، منتقدة "بشدة مبدأ المحاصصة الذي يتحكم في التعيينات في الوظائف عموما وفي تعيينات أساتذة الجامعة خصوصا"، متحدثة عن "ظلمين يلحقان بالأساتذة غير المسيسين، أولهما الإعتماد على التوازن الطائفي، فالأستاذ لا يعنيه هذا التصنيف إنما يركز على تصنيف الخبرة وكفاءته، فالمعايير الأكاديمية هي المهمة في التقييم وعلى أساسها يثبت في الجامعة أو لا يثبت وليس على أساس طائفته أو حزبه".
واشارت الى "الظلم الثاني المتعلق بالأوصياء المفترضين في كل طائفة من الطوائف، وإن كنت لا تنتمين إلى أي من هذه الأحزاب، فإنك تدفعين الثمن"، مشددة على أن "الأستاذ الجامعي لا يقوم من خلال إنتمائه الحزبي أو الطائفي وإنما من خلال كفاءته وما إذا كان يصلح ليكون جامعيا استاذا".
وقالت: "تمت مراجعة المسؤولين في شأن المستثنين ولكن من دون جدوى، تحت إسم المحاصصة والتوازن الطائفي هدرت حقوق الكثير من الأساتذة المستقلين سياسيا ويؤسفنا هذا الأمر، إذ كنا نتمنى لو تمت الأمور بشفافية وبشكل معلن ووفقا لمعايير محددة يتم من خلالها قبول الأستاذ المؤهل أو يتم رفضه. نحن نطالب بهذه المعايير إضافة إلى مطالبتنا بمجلس للجامعة وتعيين عمداء لمنع التفرد بالقرارات الخاصة بالجامعة اللبنانية، لأن وجود مجلس جامعة يعني التنوع في الأراء والقدرة على قول كلمة "لا" في وجه أي رئيس جامعة، لأنه عندما يكون هناك مجلس جامعة وعمداء اصيلون، فلن يكون هناك استفراد في المواقف والآراء"، مشددة على "ضرورة أن يترافق ذلك مع وضع معايير واضحة غير مطاطة للتفرغ".
وقالت: "نحن المستثنين عموما، وأنا شخصيا، لست منزعجة من عدم شمولي بملف التفرغ، إنما نرغب بشدة في معرفة أسباب إستبعادنا ووفق أي معيار، فلو كان السبب أننا غير أكفياء لربما قبلنا الأمر، لكن القول لنا إن السبب إخلالنا بالتوازن الطائفي فهو أمر لن نقبله أبدا".
نون التي أعلنت رفضها الإضراب لتحقيق المطالب "لأنه في رأينا ليس الحل"، رأت أن من حق الرابطة الإضراب، "ونحن نحترم وجهة نظرهم، إنما ليس من حقهم فرض رأيهم علينا ومنعنا من الدخول إلى صفوفنا كما حصل في مجمع الحدث، فهو أمر غير مسموح".
وأشارت إلى "أن الأساتذة المستثنين سيتحركون في اتجاه اللجنة الوزارية المعنية المكلفة متابعة ملف التفرغ والمكونة من وزراء ينتمون إلى عدة أحزاب لنطرح عليهم وجهة نظرنا ولنطالبهم بوضع معايير واضحة للتثبيت".
=======================