خاص الوكالة الوطنية للاعلام - الجزء الثاني
لقاء الشبيبة
وعند السادسة مساء، بدأ "لقاء الشبيبة" مع البابا بنديكتوس السادس عشر في الصرح البطريركي في بكركي تحت عنوان " سلامي أعطيكم"، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ونجله الدكتور شربل وعدد كبير من مختلف رؤساء الطوائف المسيحية والجسم الكهنوتي وممثلي الطوائف الاخرى وشخصيات رسمية وسياسية وحشد كبير من شبيبة لبنان والشرق الاوسط الذين تقاطروا منذ ساعات الصباح لملاقاة خليفة بطرس ملتمسين بركته وحاملين هواجسهم اليه.
وقد وصل قداسة البابا الى بكركي في "البابا موبيلي" حيث استقبلته الحشود الشعبية على جانبي الطريق المؤدي الى الباحتين الخارجية والداخلية للصرح حاملة اعلاما لبنانية وفاتيكانية وأغصان الزيتون وصورا للبابا، الذي شق طريقه وسط آلاف المؤمنين الذين علت هتافاتهم مرحبين بحرارة بالاب الاقدس، تعبيرا عن حبهم له ولبركته ولرسالة السلام والمحبة التي يحملها اليهم.
وبعدما بارك مستقبليه وحياهم، أخذ قداسة البابا مكانه على المنصة الرئيسية وجلس على يمينه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وعلى يساره أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال ترسيشيو برتوني.
ثم توالى على الكلام البطريرك الراعي، راعي ابرشية طرابلس ورئيس المجلس الاسقفي في لبنان المطران جورج ابو جودة نائب رئيس المجلس الاسقفي العلماني في لبنان المطران ايلي حداد، فكلمة الشباب القاها كل من رانيا ابو شقرا وروي جريج ( النص الكمل للكلمات نشر في وقت سابق على موقع "الوكالة الوطنية للاعلام".
الراعي
افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "لقاء الشبيبة" مع الحبر الاعظم البابا بنديكتوس في بكركي بكلمة رحب في مستهلها برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والحضور وجاء فيها: "صاحب الغبطة، أيها الأخوة، ايها الآب الأقدس، باسم البطاركة والأساقفة يسعدني ويشرفني أن أرحب بقداستك في هذا الكرسي البطريركي، حيث تلتقون شبيبة لبنان والعالم العربي. هؤلاء الشباب هم متعطشون إلى الرجاء في ظل تسارع الأحداث التي تستدعي بشكل متواصل الرجاء والقلق في آن معا، إنهم يتوقون إلى حياة توفر السلام والحق والاستقرار، لكي يتمكنوا من تحقيق ذاتهم في بلدانهم، ويتجنبوا الهجرة.
معكم، يا صاحب القداسة، نتوجه اليهم من خلال كلام يوحناالرسول: "أنتم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم" (1يو2/14).
تستدعي هموم الشباب تجاه مستقبلهم لقاء شخصيا مع المسيح الذي وحده يستطيع تجديد إيمانهم، وتشديد رجائهم، وإعادة احياء شهادة المحبة من جهة، وإيجاد السبل الآيلة الى تحقيق قيم الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، وكرامة الانسان في بلادهم من جهة ثانية. ان هؤلاء الشباب يعانون من أزمات سياسية، إجتماعية، إقتصادية وثقافية تؤثر سلبا على إيمانهم، وتؤدي بعدد منهم إلى فقدان المعنى الحقيقي لهويتهم المسيحية، ولتجذرهم في أرضهم وكنائسهم. وتزداد مخاوفهم أمام تنامي ظاهرة الاصولية الدينية التي لا تؤمن بحق الاختلاف ولا بحق حرية المعتقد والضمير، وتلجأ إلى العنف سبيلا وحيدا للوصول الى غايتها.
في زمن التحولات المتنوعة والسريعة، شبابنا بحاجة ماسة إلى إعادة إكتشاف قيمهم الاخلاقي والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ليتمكنوا من تأدية دورهم في نقل الرسالة المسيحية إلى مجتمعاتهم.
لا شك أن القيم الأكثر إلحاحا، والمدعوة شبيبتنا لتشهد لها في هذه المنطقة، هي قيم العيش المشترك والمصالحة والثقة المتبادلة. لأن ثقافة السلام لا تبنى إلا على مثل هذه القيم.
أيها الأب الأقدس، إن شبابنا يشكرون قداستكم على الإرشاد الرسولي الذي وقعتموه بالأمس، لإنه يرسم لهم الطريق لإلتزامهم الجديد، ويجعل منهم قوى حية في كنائسهم ومجتمعاتهم. والآن، هم ينتظرون بشوق وامتنان كلمتكم المشجعة والمنيرة، ويلتمسون بركتكم الرسولية المطمئنة".
تبادل الهدايا
ثم قدم الراعي الى البابا متحجرة "رينوباتوس مارونيتا" وعمرها مليون سنة، بدوره اهداه البابا البطريرك الراعي نسخة من العهد الجديد.
بو جودة
والقى راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة كلمة في "لقاء الشبيبة" في بكركي قال فيها: " شبيبة لبنان والدول المجاورة تستقبلكم في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة. وهم بالفعل ابناء وبنات هذا البلد الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بأنه "بلد الرسالة" للعالم اجمع.هم يدركون ان عليهم اعادة بناء وطنهم سويا على اسس صلبة بعد سنوات الحرب. كذلك ان شباب الدول المجاورة يتطلعون نحو ربيع حقيقي تتبعه تغيرات ترتكز على حقوق الانسان بعد الاضطرابات التي تخبطت بها بلدانهم".اضاف:"الا ان الشبيبة في لبنان والشرق الاوسط مهد الايمان المسيحي، يعيشون في القلق والخوف لانهم يرون بلدهم يفرغ شيئا فشيئا من الوجود المسيحي، وتخيب آمالهم من عدم تمكنهم من المشاركة باعادة اعمار بلادهم الذي عصفت به ظاهرة الاصولية بشتى انواعها وعانى صعوبة المصالحة مع الحداثة".
ورأى ان "التبشير الجديد وهو عنوان السينودس المقبل وسنة الايمان التي كرستموها سيساعدهم في التفكير وعيش التزامهم المسيحي بطريقة افضل.انهم يدركون المسؤوليات التي تجعل منهم شهودا مستعدين للدفاع عن انفسهم ضد من يسألهم عن سبب الرجاء الذي يملأ قلوبهم، فشبيبة لبنان، ورغم كل الصعاب يرحبون بكم في بلد الارز".
شبيبة لبنان
شبية لبنان" قالوا كلمتهم في لقائهم مع البابا مبارك ال16 كما هتفوا له بحناجرهم وقلوبهم "بابا مبارك ... منحبك".
والقى كل من روي جريش ورانيا ابوشقرا كلمة باللغة الفرنسية قالوا فيها: "شكرا لكم قداسة البابا، شكرا على زيارتكم للبنان وعلى السينودس الخاص من اجل الشرق.
نحن اليوم اكثر من اي وقت مضى بامس الحاجة لحضور الكنيسة الفاعل في هذا الشرق الذي يئن تحت نير الكره والخوف واليأس والالم.
ان حضوركم يا قداسة البابا الى لبنان، رغم الظروف الراهنة، يتحدى منطق الحرب واليأس فيأتينا بالسلام والرجاء.
شكرا لانكم ترسلوننا الى العمق من خلال تعليمكم وكلماتكم التي لطالما ننتظرها.
اليكم يا قداسة البابا، هذا العرض لما نحن الشباب عليه اليوم في لبنان والشرق.
نحن، شباب الشرق اليوم، نتخبط في بحر من المصاعب والهواجس والمخاوف فكثير من ابناء جيلنا في ضياع يعيشون الاحباط ويواجهون الفساد.
الصعوبات التي نواجهها كبيرة، من الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية السيئة المتأزمة الى مشكلة البطالة، نحاول التفاعل مع هذا الواقع فنعبر عن ارائنا ونلتزم الشأن العام لنعيش رسالتنا في قلب العالم ونسير به نحو عالم ارقى، لكننا نجد انفسنا عاجزين عن التغيير والنهوض بالاوطان، فيهاجر منا الكثيرون بحثا عن مستقبل افضل.
نحن، شباب الشرق اليوم، نريد ان نثبت في الشرق ونتجذر بارضنا، رمز انتمائنا وهويتنا، ليس تعصبا بل حفاظا على كيان المنطقة وفرادتها، فلا تصبح اوطاننا مجزأة ومفرزة حسب الطوائف والمذاهب.
نحن، شباب الشرق اليوم، نتوق الى السلام، ونتطلع الى مستقبل من دون حروب، مستقبل يكون فيه لنا دور فاعل فنعمل مع اخوتنا الشباب من مختلف الاديان على بناء حضارة المحبة وتشييد اوطان تحترم فيها حقوق الانسان وحريته وتصان كرامته.
نريد ثقافة السلام ونبذ العنف لنكون جسورا حية، وسطاء للحوار والتعاون. كثيرون منا يعيشون خبرات كثيرة (من صداقة وشراكة وجيرة) مع شباب وشابات من ديانات مختلفة. هي خبرات فريدة، وهي ما يميزنا في الشرق على صعيد العيش المشترك. نحن لا نخاف الآخر المختلف، لكننا نحذر من الفكر الأصولي (في جميع الديانات) الذي يستميل بعض الشباب ويعوق مسيرة حوار الأديان وما تزهره من لقاءات بين الشباب واحتفالات مشتركة ونشاطات ثقافية واجتماعية مختلفة.
نحن شباب الكنيسة اليوم، نريد أن "نشهد بما رأينا" (1يو1:3) ولكننا نحتاج للكنيسة، الأم والمعلمة لمرافقتنا وإرشادنا في مختلف مراحل حياتنا، فنسير معا كما فعل يسوع مع تلميذي عماوس.
نحلم بكنيسة تستقبل شبابها فتستمع اليهم والى تحدياتهم وتكون حاضرة بشكل فعال وعملي الى جانبنا، فتأخذنا الى العمق وتوفق بين مفهوم الخطاب والوعظ ومفهوم العمل والشهادة.
نحن نؤمن بكنيسة واحدة ونريد أن نعمل على التقارب المستمر بين الكنائس المشرقية لنكون واحدا كما أرادنا الرب، ولعل أبرز مظاهر الوحدة الاحتفال معا بقيامة الرب يسوع، فنهتف معا، المسيح قام.
نحن شباب الكنيسة اليوم، نطمح يا قداسة البابا ان نكون فعلة حقيقيين في حقل الرب، وشركاء فاعلين في رسالة الكنيسة. نتوق الى "أنجلة جديدة" والتعمق في الكتاب المقدس وعيش كلمة الله في حياتنا اليومية في العالم، فنشارك في رسالة الكنيسة.
نحن شباب الكنيسة اليوم، نريد أن نكون علامة رجاء لكل المشرقيين، فنشهد لمحبة الرب الأقوى من الموت.
إيماننا يا قداسة البابا بكنيستنا قوي وثقتنا كبيرة رغم كل التحديات والنزاعات.
أخيرا نود أن نرفع اليكم، قداسة البابا، تقديرنا وحبنا، وننتظر بشوق سماع تعليمكم وإرشادكم لنا، طالبين من الرب يسوع في هذه المناسبة، أن يمنحنا النعمة لنكون شهودا لقيامة ابنه بفرح الروح القدس".
حداد
ألقى مطران صيدا للروم الكاثوليك إيلي حداد كلمة في "لقاء الشبيبة" مع البابا في بكركي أكد فيها أن "شباب الشرق الأوسط هم حاضر الكنسية ومستقبلها ويتوقون إلى الاصغاء إليكم"، لافتا إلى أن "الشباب يهاجرون إلى الخارج بسبب التحديات التي يواجهونها في مجتمعاتهم وهم يشهدون تصاعد التطرف ويخلطون بين السياسة والدين"، مؤكدا أن "العنصرة الجديدة ستجدد حياتهم".
وقال:" إن شباب لبنان والشرق الأوسط فخورون للقائكم اليوم بحماس، يتوقون لسماع كلماتكم، كذلك الراهبات والرهبان سيجدون في هذا اللقاء انطلاقة جديدة لمهمتهم الدينية، أما المسؤولون عن الشباب سيصغون إليكم"
وأضاف:"إن مشاركة المسيحيين وغير المسيحيين في اللقاء اليوم ليست إلا انعكاسا لمهمة بلادنا في الشرق، وزيارتكم تعيد إحياء نيران انتمائنا إلى الكنيسة".
ثم انشد نشيد مريم وتلا البابا صلاة الافتتاح، فتلاوة لرسالة مار بطرس فقراءة من الانجيل المقدس .
وبعدما بارك قداسة البابا الحضور ، تم انشاد نشيد مريم وصلاة الافتتاح، ومن ثم قُرأ إنجيل مار بطرس ثم الانجيل المقدس.
والقى الحبر الاعظم كلمة خاطب فيها الشبيبة فقال:
"صاحب الغبطة، أيها الأخوة الأساقفة، أيها الأصدقاء الأعزاء، عليكم وافر النعمة والسلام بمعرفتكم الله وربنا يسوع" يعبر المقطع الذي سمعناه من رسالة القديس بطرس بجدارة عن الرغبة التي أحملها في قلبي منذ زمن بعيد. شكرا لاستقبالكم الحار، أشكركم من صميم القلب على حضوركم الليلة بهذا العدد الكبير، أشكر غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على كلماته الترحيبية، والمطران جورج بو جودة، رئيس أساقفة طرابلس ورئيس المجلس الرسولي للعلمانيين في لبنان، والمطران إيليا حداد، رئيس أساقفة صيدا للروم الملكيين، ونائب رئيس المجلس المذكور وكذلك أشكر الشابين اللذين توجها لي بالتحية باسمكم جميعا. "سلامي أعطيكم" (يو 14،27) يقول لنا يسوع المسيح.
أيها الأصدقاء الأعزاء، تعيشون اليوم في هذا المكان من العالم، الذي كان شاهدا على ميلاد يسوع ونمو المسيحية. إنه شرف عظيم، إنه دعوة للأمانة، ولمحبة منطقتكم، وقبل كل شيء لأن تكونوا شهودا ومبشرين بفرح المسيح، لأن الإيمان الذي نقل عبر الرسل يقود إلى ملء الحرية وإلى الفرح، كما أظهره كثيرون من قديسي وطوباويي هذا البلد. تنير رسالتهم الكنيسة الجامعة. بإمكانها الاستمرار في إضاءة حياتكم. كثيرون من بين الرسل، عاشوا فترات عصيبة، وكان إيمانهم مصدرا لشجاعتهم ولشهادتهم. استقوا من مثالهم وشفاعتهم الإلهام والعون اللذين تحتاجان إليهما.
أعرف الصعوبات التي تعترضكم في حياتكم اليومية، بسبب غياب الاستقرار والأمن، صعوبة إيجاد عمل أو الشعور بالوحدة والإقصاء. في عالم دائم الحركة، تجدون أنفسكم أمام تحديات كثيرة وعسيرة. فحتى البطالة والأخطار يجب ألا تدفعكم لتجرع "العسل المر" للهجرة، مع الاغتراب والغربة من أجل مستقبل غير أكيد. تصرفوا كصناع لمستقبل بلدكم، وقوموا بدوركم في المجتمع وفي الكنيسة.
لكم مكان مميز في قلبي وفي الكنيسة جمعاء، لأن الكنيسة دائما فتية، الكنيسة تثق فيكم. إنها تعتمد عليكم. كونوا شبابا في الكنيسة، كونوا شبابا مع الكنيسة، الكنيسة تحتاج لحماسكم ولإبداعكم، الفتوة هي وقت الاستلهام من المثل الرفيعة وهي فترة الدراسة للاستعداد لمهنة ما وللمستقبل. إن هذا لمهم ويحتاج للوقت. اسعوا إلى ما هو جميل، وتذوقوا ما هو خير.
اشهدوا لعظمة وكرامة جسدكم الذي "هو للرب" (1 كو6، 13ب) فليكن لديكم لطف وصلاح القلوب الطاهرة، ومستشهدا بكلمات الطوباوي يوحنا بولس الثاني، أعود وأقول لكم أنا أيضا: "لا تخافوا. افتحوا أبواب أرواحكم وقلوبكم للمسيح". اللقاء معه "يعطي الحياة أفقا جديدا واتجاها حاسما" (الله محبة، 1). فيه، ستجدون القوة والشجاعة للتقدم في طريق حياتكم، والتغلب على الصعاب وعلى الألم. فيه، ستجدون ينبوع الفرح. يقول المسيح:"سلامي أعطيكم" هنا تكمن الثورة التي جاء بها المسيح، ثورة المحبة. يجب ألا يدفعكم الإحباط للهروب بأنفسكم إلى عوالم موازية كتلك الخاصة بعالم المخدرات بأنواعها كافة، أو بعالم الإباحية الحزين. أما في ما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي، فهي مفيدة ولكنها قد تدفعكم في اتجاه الإدمان والخلط بين ما هو حقيقي وما هو وهمي.
ابحثوا وعيشوا علاقات غنية بالصداقة الحقيقية والنبيلة. كونوا أصحاب مبادرات تعطي وجودكم معنى وجذورا، حاربوا السطحية ومنطق الاستهلاك السهل في نفس الوقت، أنتم معرضون لتجربة أخرى، تجربة المال، هذا الصنم الغاشم الذي يعمي لدرجة خنق الشخص وقلبه. الأمثلة التي تحيط بكم ليست دائما الأفضل. كثيرون ينسون إعلان يسوع عندما قال: "لا يمكن خدمة الله والمال" (راجع: لو 16) ابحثوا عن معلمين صالحين، عن معلمين روحيين يعرفون كيف يرشدونكم إلى طريق النضج، والتحرر من الأوهام والإحباط والزيف.
كونوا حاملين لمحبة المسيح، كيف؟ بالالتجاء غير المشروط لله، أبيه، لأنه مقياس كل ما هو صالح وحق وطيب. تأملوا كلمة الله واكتشفوا منفعة وآنية الإنجيل. صلوا، فالصلاة، والأسرار المقدسة هي الوسائل الأكيدة والفعالة لكي تكونوا مسيحيين وتحيوا متأصلين راسخين فيه، ثابتين في الإيمان الذي تعلمتموه" (كو 2,7).
سنة الإيمان والتي على وشك البدء، ستكون فرصة لاكتشاف كنز الإيمان الذي منح في المعمودية. ستساعدكم على التعمق في محتواه بفضل دراسة تعليم الكنيسة المسيحي، لكي يصبح إيمانكم حيا ومعاشا. عندئذ ستصبحون شهودا لمحبة المسيح أمام الآخرين. في المسيح ، كل البشر هم أخوة.الأخوة العالمية التي افتتحها فوق الصليب تتوشح بالبهاء وتطلب ثورة المحبة: "مثلما أنا أحببتكم أحبوا أنتم بعضكم بعضا" (يو 13,35)، إنها وصية المسيح وعلامة المسيحي، وفيها تكمن، ثورة المحبة الحقيقية، وبالتالي، فالمسيح يدعوكم للتمثل به، لاستقبال الآخر بدون تحفظ، حتى وإن كان مختلفا في انتماءاته الثقافية، والدينية والوطنية. فإعطاؤه فرصة واحترامه، وإظهار دماثة الخلق تجاهه، عوامل تجعلنا كل يوم أكثر غنى بالإنسانية وأكثر قوة في سلام الرب. أعلم أن كثيرين منكم يشاركون في أنشطة الرعايا والمدارس والجماعات والهيئات. ما أروع الالتزام مع ومن أجل الآخرين.
إن عيش أوقات من الصداقة والسعادة يسمح بمقاومة بذور الانقسام، التي يجب محاربتها دائما، الأخوة هي استباق للملكوت، ودعوة تلميذ المسيح هي أن يكون "خميرة" في العجين، كما أكد القديس بولس: "قليل من الخمير يخمر العجين كله" (غلا 9,5). كونوا رسلا لإنجيل الحياة ولقيم الحياة. قاوموا بشجاعة كل ما ينكرها: الإجهاض، والعنف، ورفض أو تحقير الآخر، والظلم، والحرب. هكذا، تنشرون من حولكم السلام. أليس "صانعو السلام" هم هؤلاء الذين نحبهم أكثر؟ أليس السلام هذا الخير الثمين الذي تبحث عنه كل البشرية؟ ألا نتمنى لنا وللآخرين عالما من السلام العميق؟ "سلامي أعطيكم" هكذا قال المسيح. إنه لم ينتصر على الشر بشر آخر، بل بحمله على ذاته فوق الصليب عن طريق الحب المعاش حتى المنتهى. اكتشفوا بالحقيقة المغفرة ورحمة الله، التي تسمح دائما بالانطلاق مجددا نحو حياة جديدة. ليس من السهل أن نغفر. لكن مغفرة الله تعطي قوة التوبة التي تعطي بدورها فرح المغفرة. المغفرة والمصالحة هما الطريق نحو السلام، وتنفتحان على المستقبل.
أصدقائي الأعزاء، كثيرون منكم بالتأكيد يتساءلون بطريقة واعية أو غير واعية: ماذا يريد الله مني؟ ما هو مخططه لي؟ ألا أتمنى أن أبشر العالم بعظمة محبته من خلال الكهنوت، والحياة المكرسة أو الزواج؟ ألا يدعوني المسيح لاتباعه عن قرب؟ استقبلوا بثقة هذه الأسئلة. خذوا الوقت الكافي للتأمل فيها ولطلب النور. استجيبوا للدعوة، مقدمين أنفسكم كل يوم للذي يدعوكم لتكونوا أصدقاءه. اسعوا لأن تتبعوا، بقلب وبسخاء، المسيح الذي، بمحبته، افتدانا وأعطى حياته لكل واحد منا. ستعرفون الفرح والملء اللذين لا يمكن تصورهما. استجيبوا لدعوة المسيح لكم: هنا يكمن سر السلام الحقيقي.
وقعت بالأمس الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط. هذه الرسالة موجهة لكم أنتم أيضا، أعزائي الشباب، كما هي موجهة إلى كل شعب الله. إقرأوها بتمعن وتأملوا فيها لتطبقوها عمليا. لمساعدتكم، أذكركم بكلمات القديس بولس لأهل كورنتوس: "أنتم أنفسكم رسالتنا، مكتوبة في قلوبنا، يعرفها ويقرأها جميع الناس. نعم، تبين أنكم رسالة المسيح جاءت على يدنا، وما كتبناها بحبر، بل بروح الله الحي، لا في ألواح من حجر، بل في ألواح من لحم ودم، أي في قلوبكم" (2 كور 3، 2-3).
أيها الأصدقاء الأعزاء، يمكنكم أنتم أيضا أن تكونوا رسالة حية للمسيح. رسالة غير مكتوبة على ورقة بالقلم. إنها ستكون شهادة حياتكم وشهادة إيمانكم. وهكذا، بشجاعة وحماس، ستساعدون من حولكم على فهم أن الله يريد مسرة الجميع، بدون استثناء، ويريد أن يكون المسيحيون خدامه وشهوده الأمناء.
أيها الشباب اللبناني، أنتم رجاء ومستقبل بلدكم. أنتم لبنان، أرض الضيافة والتناغم الاجتماعي وأصحاب المقدرة الهائلة والطبيعية على التأقلم. وفي هذا الوقت، لا نستطيع نسيان ملايين الأشخاص المقيمين في الشتات ويحتفظون بأواصر قوية مع بلدهم الأصلي. شباب لبنان، كونوا مضيافين ومنفتحين، كما يطلب منكم المسيح، وكما يعلمكم بلدكم. أريد أن أحيي الآن الشبيبة المسلمة الحاضرة معنا هذا المساء. أشكركم لحضوركم البالغ الأهمية. فأنتم والشبيبة المسيحيون مستقبل هذا البلد الرائع والشرق الأوسط برمته. إعملوا على بنائه معا، وعندما تصبحون بالغين، واصلوا عيش التفاهم في الوحدة مع المسيحيين. لأن جمال لبنان يكمن في هذا الإتحاد الوثيق. على الشرق الأوسط بأكمله، عند النظر إليكم، أن يدرك أنه بإمكان المسلمين والمسيحيين، الإسلام والمسيحية، العيش معا بلا كراهية ضمن إحترام معتقدات كل شخص لبناء معا مجتمع حر وإنساني.
علمت أيضا أنه يتواجد في ما بيننا شبيبة قادمون من سوريا. أريد أنْ أقول لكم كم أقدر شجاعتكم. قولوا في بيوتكم، لعائلاتكم ولأصدقائكم، أن البابا لا ينساكم. قولوا من حولكم أن البابا حزين بسبب آلامكم وأتراحكم. لا ينسى سوريا في صلواته وهمومه. لا ينسى الشرق أوسطيين الذين يتعذبون. آن الأوان لكي يتحد المسلمون والمسيحيون من أجل إيقاف العنف والحروب.
ختاما، لنوجه أنظارنا نحو مريم، والدة ربنا وسيدة لبنان. إنها من أعلى جبل حريصا، تحميكم وتصحبكم، وتسهر كأم على كل اللبنانيين وعلى العديد من الحجاج، الذي يأتون من كل بقاع العالم ليأتمنوها على أفراحهم وأتراحهم. فلنأتمنها في هذه الليلة مجددا على حياتكم، وحياة جميع شباب لبنان، وبلدان المنطقة، وبخاصة من يعانون آلام العنف والوحدة، والمحتاجين للعزاء. ليبارككم الله جميعا، والآن لنصل لها معا: "السلام عليك يا مريم...".
ثم تليت صلاة مشتركة بلغات عدة، منح بعدها الحبر الاعظم بركته البابوية.
وكانت ترنيمة الختام انشدتها السيدة ماجدة الرومي، فالزياح وقدمت الهدايا التذكارية وهي:
- منمنمة ارمنية (صورة مزخرفة في مخطوط) للقديس غريغوريوس الناريكي.
- هدايا رمزية من الكنائس المشرقية:
- من مصر: لوحة على ورقة البردى (العائلة المقدسة في هروبها الى مصر)
- من العراق: لوحة أور (مهد اقدم الحضارات المعروفة في تاريخ العالم والتي فيها ولد ابراهيم ابو المؤمنين)
- من الاردن: ماء من نهر الاردن.
- من سوريا: لوحة القديس بولس في دمشق
- من الاراضي المقدسة: غرسة زيتون وكأس من خشب الزيتون مرصع بالفضة.
- من لبنان: ذخائر القديسين اللبنانيين (شربل، رفقة، نعمة الله، اصطفان، ابونا يعقوب والاخوة المسابكيين) في مدخر على شكل سفينة. منحوتة على شكل ارزة (رمز الحياة الرهبانية)، طبعة خاصة من كتاب الانجيل باللغة العربية (وهو اول واكبر انجيل عربي مطبوع في روما سنة 1590)، متحجرة (رينوباتوس مارونيتا) ولها من العمر مليون سنة، الايقونة المشتركة لبشارة العذراء، ايقونة سيدة المنطرة، فسيفساء تمثل قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، منحوتة الفينيق (رمز لقيامة شرقنا الحبيب)، النسخة الاولى باللغة العربية من كتاب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية للشبيبة (يوكات).
صلاة الشكر
ثم دخل البابا والبطاركة والاساقفة الى كنيسة السيدة في الصرح حيث أدى صلاة الشكر، والتقطت الصور التذكارية مع اعضاء مجلس البطاركة والاساقفة.
قداس البيال الاحد في 16 ايلول
رسول السلام" اودع لبنان ومعه الشرق سلامه وارشاده
في قداس حبري تاريخي جامع وبمشاركة رسمية وشعبية تحدت شمس ايلول الحارقة
توج الحبر الاعظم البابا بنديكتوس السادس عشر زيارته التاريخية للبنان بقداس احتفالي عند واجهة بيروت البحرية، في حضور حشود كثيفة قدرها الناطق الرسمي باسم الكرسي الرسولي الاب فيديريكو لومباردي بأكثر من 350 الف شخص وفدوا منذ ساعات الصباح الباكر الى باحة الاحتفال، وانتظروا "رسول السلام" غير آبهين بحرارة شمس ايلول، همهم الوحيد ملاقاة خليفة بطرس واخذ بركته لتكون معهم مدى الايام، ينهلون منها معينا لمستقبل يأملونه زاهرا بالسلام والاستقرار لبلدهم والجوار.
وضاقت الساحات والطرقات بحشود المؤمنين الذين توافدوا من مختلف المناطق والبلدان المجاورة، من سوريا والاردن والعراق ومصر، وسط اجراءات امنية مشددة اتخذتها القوى الامنية من جيش وقوى امن لتسهيل حركة الباصات التي عملت منذ الفجر على نقل المشاركين الى الباحة حيث سيقام القداس والتي تبلغ مساحتها نحو 160,000م2 لحجز المقاعد، حيث بلغ عدد الكراسي الموزعة نحو مئة ألف كرسي، ولم يتمكن عدد كبير من المشاركين من الجلوس فتابعوا القداس وقوفا، من خلال أجهزة الصوت والصورة المنتشرة، ملوحين بالأعلام اللبنانية والفاتيكانية. وقد سجلت حالات اغماء كثيرة بين المواطنين قام الصليب الاحمر اللبناني باسعافهم.
وتضمنت زينة الساحة والمذبح كل العناصر التي تشير الى السلام من شجر الزيتون والأرز، الى خبز الإفخارستية والصليب. فوضعت في الوسط منصة باللون الأخضر على شكل أرزة كبيرة ذات مستويات ثلاث: أكبرها تعلو 18 مترا وثانيها 15 مترا وثالثها 12 مترا، توسطها مذبح وضع على جذعين من أشجار الزيتون اللبناني رمز للسلام. ورفع خلف كرسي البابا الصليب مع المصلوب وفرشت الأماكن التي سيتجول فيها البابا بالسجاد الأحمر.
وصول البابا
ووصل الحبر الاعظم عند التاسعة والربع الى الساحة بواسطة "البابا موبيلي"، وسار بين الحشود وحياهم وباركهم، فيما كان المؤمنون يطلقون الهتافات والزغاريد ويرفعون الأعلام البابوية واللبنانية وسمعت اصوات المروحيات التي حامت في المكان لتأمين حماية البابا. وسجل حضور كثيف للقوى المنظمة من عناصر الحرس الجمهوري، والأمنيين والكشافة والصليب الأحمر اللبناني.
وعند العاشرة وبعدما البس البابا الثياب الكهنوتية باللون الاخضر، اعتلى المذبح محاطا بالاساقفة على وقع ترنيمة "شوبحو لرحميك" باللغة السريانية من الطقس الماروني الذي خدمته جوقة ضخمة مشتركة من جوقات عدة وهي جوقات الأنطونية، سيدة اللويزة، بطريركية الأرمن الكاثوليك، مار يوسف عينطورة والسريان وجوقة بيزنطية. وشارك فيه نحو 1500 كاهن من كل الكنائس الشرقية.
حضر القداس رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعقيلته السيدة وفاء ونجله شربل، الرئيس أمين الجميل وعقيلته السيدة جويس، رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون وعقيلته، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب غازي زعيتر، ممثل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي نائبه سمير، والوزراء: جبران باسيل، حسان دياب، وليد الداعوق، مروان شربل، ناظم خوري وعدنان منصور والنواب: روبير غانم، علي بزي، غازي زعيتر، هنري حلو، سيمون أبي رميا، ميشال فرعون، جان اوغاسبيان، عباس هاشم، فريد الخازن، اسطفان الدويهي، سامر سعادة، نعمة الله ابي نصر، بهية الحريري، نوار الساحلي، نواف الموسوي، محمد رعد، فؤاد السعد، أمين شري، مروان حمادة، شانت جنجيان، علي عسيران، جورج عدوان، ابراهيم كنعان، ناجي غاريوس، نديم الجميل، سامي الجميل، اميل رحمه والان عون، السيدات: منى الهراوي، صولانج الجميل، نايلة معوض وحشد من الوزراء والنواب السابقين والديبلوماسيين وهيئات المجتمع المدني والعسكري وممثلي الاحزاب.
واحتفل قداسته بالقداس وفق الطقس اللاتيني. وأطل من على المذبح الذي انشىء على شكل ارزة وأحاط به كرادلة وبطاركة الشرق الكاثوليك واساقفة وكهنة ورهبان وراهبات من مختلف العائلات الروحية المسيحية.
كلمة البطريرك الراعي
وقبيل بدء القداس قدم الحبر الاعظم كأسا ذهبية الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي القى كلمة استهلالية جاء فيها: "حضرة الاب الاقدس، باسم جميع الاشخاص الحاضرين هنا وجميع اللبنانيين، يشرفني ان اعبر لقداستكم عن الفرح الذي ملأ القلوب بزيارتكم لان هذه الزيارة تحمل رسالة السلام الذي يتوق اليه العالم بعامة والشرق الاوسط بخاصة. السلام هو مهمة المسيحيين. انهم يعتبرونه هبة من الله يجب الحفاظ عليها. ويشعر المسيحيون انهم مدعوون الى جعل السلام ثقافة حياة وفقا لكلام المسيح، "طوبى لصانعي السلام فانهم ابناء الله يدعون" .
ان زيارتكم الرسولية الى الشرق الاوسط في زمن تعيش فيه المنطقة تحولات جذرية تهدد امنها واستقرارها، تحمل الكثير من الامل، ان زيارتكم مكملة لاعلانكم النبوي العام 2009 عن انعقاد جمعية خاصة بسينودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط والتي تركز على الوجود المسيحي وشهادتهم ورسالتهم في هذه المنطقة. لقد ادخلها السينودس في قلب "الربيع الروحي المسيحي"، والذي نعتبر ان العناية الالهية ارادته كمقدمة للربيع العربي المنشود.
مع قداستكم نصلي، كي تؤدي هذه الاحداث الدامية والتضحيات الى ولادة هذا الربيع. لا شك في ان الارشاد الرسولي الذي سوف تتسلمونه رسميا في خلال الذبيحة الافخارستية سوف يرسم لكنائسنا خارطة طريق نحو هذا الربيع.
حضرة الاب الاقدس، ان زيارتكم هي صمام امان في زمن يشعر فيه المسيحيون بعدم الاستقرار ويقاومون باخلاص الوعود التي قطعوها خلال عمادتهم، لكي يؤكدوا تجذرهم بهذه الارض رغم التحديات الكبيرة. ان المسيحي قوي بنعمة المسيح المخلص. اليوم قداستكم تحملون من لبنان الى الشرق الاوسط، رجاء المسيح والدعوة الى السلام، فليستجب الله القدير نياتكم المقدسة والنبيلة التي سوف تحملونها الى المسيح خلال هذه الذبيحة الافخارستية. فليمجد يسوع المسيح" .
وتليت قراءة من أشعيا النبي، فرسالة الرسول يعقوب عن الأيمان والأعمال، وتلي انجيل القديس مرقس البشير بحسب طقس الروم الملكيين الكاثوليك باللغة العربية، وقراءتان من الرسائل.
عظة البابا
بعدها القى البابا العظة الآتية: "الاخوات والإخوة الأحباء، "تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (أف 1، 3). ليكن مباركا في هذا اليوم حيث أنا سعيد بوجودي معكم، في لبنان، لأسلم أساقفة المنطقة الإرشاد الرسولي لكنيسة الشرق الأوسط. أشكر من كل القلب غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على كلمات الترحيب الحارة. أحيي بطاركة وأساقفة الكنائس الشرقية، والأساقفة اللاتين من المناطق المجاورة، والكرادلة والأساقفة القادمين من بلدان أخرى. أحييكم جميعا بمحبة كبيرة، أيها الأخوات والإخوة من لبنان ومن بلدان كل منطقة الشرق الأوسط العزيزة، الذين جاؤوا للاحتفال، مع خليفة بطرس، بيسوع المسيح، المصلوب والمائت والقائم من بين الأموات. أحيي أيضا رئيس الجمهورية والسلطات اللبنانية، والمسؤولين وأعضاء باقي التقاليد الدينية الذين أرادوا الحضور في هذا الصباح.
في هذا الأحد حيث يستجوبنا الإنجيل عن الهوية الحقيقية ليسوع، ها نحن نسير مع تلاميذه، على الطريق إلى قرى قيصرية فيلبس. "ومن أنا، في قولكم أنتم؟ (مر 8، 29) سألهم يسوع؟ إن اللحظة المختارة ليطرح عليهم هذا السؤال تحمل دلالة. إن يسوع أمام منعطف حاسم في حياته. كان صاعدا إلى أورشليم، المكان الذي سيتحقق فيه من خلال الصليب والقيامة الحدث المحوري لخلاصنا. وفي أورشليم أيضا، وبعد كل هذه الأحداث، ستولد الكنيسة. وحينما، في هذا الوقت الحاسم، يسأل يسوع تلاميذه "من أنا في قول الناس؟" (مر 8، 27)، تتعدد الإجابات: يوحنا المعمدان، إيليا، أحد الأنبياء، اليوم أيضا، كما كان على مر العصور، وبطرق متعددة، يقدم الذين وجدوا يسوع على دربهم، إجاباتهم. إنها طرق تستطيع أن تتيح إيجاد طريق الحقيقة. ولكن، وبدون أن تكون بالضرورة خاطئة، فهي تبقى غير كافية، لأنها لا تلج إلى قلب هوية يسوع. وحده فقط من يقبل أن يتبعه في طريقه، ويعيش في الشركة معه في جماعة التلاميذ، يستطيع أن يعرفه حقا. وحينئذ يعطي بطرس الذي عرفه منذ وقت إجابته: "أنت المسيح." (مر 8، 29). إجابة صحيحة بدون أدنى شك، غير أنها ليست كافية، لأن يسوع يشعر بضرورة توضيحها. فقد أدرك أن الأشخاص قد يستخدمون هذه الإجابة لمقاصد بعيدة من مقاصده، ولإثارة آمال مزيفة وزمنية حوله. فلا يترك نفسه يحبس في صفات المحرر البشري، الذي انتظره كثيرون.
وبالإعلان لتلاميذه بأنه ينبغي أن يتألم، ويحكم عليه بالموت قبل أن يقوم من بين الأموات، أراد يسوع أن يفهمهم من هو حقا. مسيح متألم، مسيح خادم، وليس محررا سياسيا قديرا. إنه الخادم المطيع لمشيئة أبيه حتى الموت. وهذا ما أعلنه سابقا النبي أشعيا، كما جاء في القراءة الأولى. وخالف يسوع هكذا ما كان ينتظره كثيرون منه. إن إعلانه يصدم ويزعج. كما يتضح من اعتراض بطرس الذي عاتبه، رافضا لسيده الألم والموت. كان يسوع قاسيا تجاهه، وأفهمه أن من يريد أن يكون له تلميذا، يجب أن يقبل بأن يكون خادما، كما جعل نفسه خادما.
إن إتباع يسوع يعني حمل صليبه للسير معه على طريقه، وهو طريق شاق، ليس طريق السلطة أو المجد الأرضي إنما الطريق الذي يقود حتما إلى التخلي عن الذات، وبذل الحياة من أجل المسيح والإنجيل، لخلاصها. ونحن متأكدون أن هذا الطريق يقود إلى القيامة، إلى الحياة الحقيقية والنهائية مع الله. إن قرار اتباع يسوع المسيح الذي جعل نفسه خادما للجميع، يتطلب الفة أعمق معه دائما، وإصغاء متنبها لكلمته كي تلهم أعمالنا. بالإعلان عن سنة الإيمان التي ستبدأ في 11 من تشرين أول/أكتوبر القادم، أردت أن يتمكن كل مؤمن من الإلتزام بطريقة متجددة، في السير على طريق توبة القلب هذا. وطيلة هذا العام، أشجعكم على تعميق تأملكم حول الإيمان ليصبح أكثر وعيا، وعلى تعزيز انتمائكم للمسيح يسوع ولإنجيله.
أيها الأخوات والأخوة، إن الطريق الذي يريد يسوع أن يقودنا إليه هو طريق رجاء للجميع. إن مجد يسوع يتجلى في الوقت حيث، في بشريته، يظهر أكثر ضعفا، لا سيما في التجسد وعلى الصليب. هكذا يظهر الله محبته، بجعل نفسه خادما، بمنحنا ذاته. أليس سرا عظيما، يصعب أحيانا قبوله؟ بطرس الرسول نفسه فهمه لاحقا.
في القراءة الثانية، يذكرنا القديس يعقوب بأن اتباع المسيح، وكي يكون حقيقيا، يتطلب أفعالا ملموسة. "أنت لك الإيمان وأنا لي الأعمال" (يع 2، 18). إنها حاجة ضرورية للكنيسة أن تخدم، وللمسيحيين أن يكونوا خداما حقيقيين تشبها بالمسيح. الخدمة هي عنصر مؤسس لهوية تلاميذ المسيح (راجع: يو 13، 15-17). إن دعوة الكنيسة والمسيحي هي الخدمة، كما فعل المسيح ذاته، بمجانية، وللجميع، بدون أدنى تمييز. وهكذا، إن خدمة العدل والسلام، في عالم لا يتوقف فيه العنف من بسط ظل الموت والدمار، هي حاجة ملحة للالتزام من أجل مجتمع أخوي، ولبناء الشركة. أيها الأخوات والإخوة الأحباء، أصلي للرب خصوصا كي يمنح منطقة الشرق الأوسط خداما للسلام والمصالحة فيتمكن الجميع من العيش بهدوء وكرامة. إنها شهادة أساسية، على المسيحيين أن يقدموها هنا، بالتعاون مع كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. إني أدعوكم جميعا للعمل من أجل السلام، كل على مستواه وحيث يتواجد.
ويجب أن تكون الخدمة أيضا في قلب حياة الجماعة المسيحية نفسها. إن كل خدمة وكل مهمة داخل الكنيسة، هما قبل كل شيء خدمة لله والأخوة، هذه هي الروح التي يجب أن تنعش جميع المعمدين لا سيما من خلال التزام فعال تجاه الأكثر فقرا والمهمشين، والذين يتألمون، للحفاظ على الكرامة غير القابلة للمساس لكل شخص.
أيها الأخوات والإخوة الأحباء، يا من تتألمون في جسدكم أو في قلبكم، إن ألمكم لا يذهب سدى. المسيح الخادم قريب من جميع المتألمين. إنه حاضر بينكم. فلتتمكنوا من أن تجدوا على دربكم أخوة وأخوات يظهرون بشكل ملموس حضوره المحب الذي لا يترككم. كونوا ممتلئين بالرجاء في سبيل المسيح.
وأنتم جميعا، أيها الأخوات والأخوة، يا من حضرتم للمشاركة في هذا الاحتفال، اسعوا للتشبه دائما أكثر فأكثر بالرب يسوع، الذي جعل نفسه خادما للجميع من أجل حياة العالم. ليبارك الرب لبنان، وليبارك كل شعوب منطقة الشرق الأوسط الحبيبة، ويمنحها عطية سلامه. آمين".
الإرشاد الرسولي
وبعد مناولة البابا الرئيس سليمان وعقيلته و30 شخصا اختارتهم الكنيسة، القى الامين العام للسينودوس نيكولا ايتيروفيتش كلمة شكر قبل ان يسلم البابا بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية ورؤساء المجالس الأسقفية الكاثوليكية في تركيا وإيران نسخا عن الارشاد الرسولي في نهاية القداس الحبري.
والقى البابا كلمة قال فيها: "الاحتفال الليتورجي الذي انتهى للتو كان فرصة لتسبيح الرب على عطية المجمع الخاص لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي عقد في 11 أكتوبر 2010 حول موضوع: الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة. "وكانت جماعة المؤمنين قلبا واحدا وروحا واحدة" (أع 32,4). أود أن أشكر كل آباء المجمع على إسهاماتهم. وعرفاني يتوجه أيضا للامين العام لسينودس الأساقفة المونسنيور إيتيروفيتش، من أجل العمل المنجز، وللكلمات التي وجهها لي باسمكم.
بعد التوقيع على الإرشاد الرسولي لكنائس الشرق الأوسط، يسعدني أن أسلمه لجميع الكنائس الخاصة من خلالكم، يا أصحاب الغبطة وإيها الأساقفة الشرقيين واللاتين في الشرق الأوسط. بتسليم هذه الوثيقة، والبدء في دراستها وتطبيقها من قبل جميع العاملين في الكنيسة، رعاة وأشخاصا مكرسين وعلمانيين، ليجد كل فرد فرحة جديدة للاستمرار في رسالته، مرتكزا على الشجاعة والقوة اللتين سيحصل عليهما، ليبدأ في تطبيق رسالة الشركة والشهادة المنبثقة، بحسب مختلف الأبعاد الإنسانية والعقائدية والكنسية والروحية والرعوية، من هذا الإرشاد. أيها الأخوات والإخوة الأحباء في لبنان والشرق الأوسط، وأتمنى أن يصبح هذا الإرشاد مرشدا للتقدم في الطرق المتنوعة والمعقدة حيث المسيح يتقدمكم، لتثبيت الشركة في الإيمان والرجاء والمحبة في بلادكم وفي كل جماعة، لتعطي مصداقية لشهادتكم للقدوس، الإله الواحد والثالوث الذي اقترب من كل شخص.
أيتها الكنائس الحبيبة في الشرق الأوسط، انهلي من ينبوع الخلاص الأصيل الذي تحقق على هذه الأراضي الفريدة والمحبوبة بين الجميع. تقدمي على خطى آبائك في الإيمان، الذين فتحوا، بثباتهم وإيمانهم، طريقا لجواب البشرية على وحي الله. اكتشفي في بهاء تنوع القديسين، الذين أينعوا في أرضك، الأمثلة والشفاعة التي تلهم ردك على دعوة الرب للسير نحو أورشليم السماوية، حيث سيمسح الله كل دمعة من عيونكم (راجع: رؤ 4,21)! لتكن الشركة الأخوية عضدا في الحياة اليومية وعلامة للاخوة العالمية التي جاء يسوع، الابن البكر بين كثيرين، لإقامتها. هكذا، في هذه المنطقة التي شاهدت الأعمال واستقبلت الكلمات، يستمر الإنجيل يسمع صداه كما فعل منذ أكثر من ألفي عام مضت، فليكن معاشا اليوم وإلى الأبد" .
التبشير الملائكي
وانتهى القداس الحبري في الواجهة البحرية لبيروت على وقع ترنيمة "يا مريم سلطانة الجبال والبحار"، صافح البطاركة والكرادلة والأساقفة.
ثم ألقى البابا كلمة مقتضبة قبل صلاة التبشير الملائكي، قال فيها: "نتضرع للسيدة العذراء لتساعد كل شعوب المنطقة وبخاصة الشعب السوري. تعرفون المشاكل التي تعصف في المنطقة فالالام كثيرة، لا نزال نستمع الى صراخ الارامل والايتام والنساء والاطفال هم اول الضحايا. لماذا هذا الكم من الموت. ادعو المجتمع الدولي والدول العربية الى اقتراح الحلول التي تحترم حقوق الانسان".
وتابع: "احترام حقوق الانسان من الحقوق الضرورية وبخاصة حرية ممارسة الشعائر الدينية. ليس من السهل ان نحترم الاخر ونحبه اذا كان مختلفا جدا لكن هذا ضروري من اجل ان يحل السلام. اتمنى ان يحل السلام في هذه المنطقة، وان يفهم الجميع اننا اخوة العذراء امنا تفهم ذلك، ونحن بمعية الاساقفة والكرادلة نود ان نتضرع للعذراء لحماية الشرق الاوسط. اتمنى ان تتحلوا بالايمان لتعيشوا معا كاخوة. نصلي للسيدة العذراء" .
البركة الختامية
ثم منح البابا البركة الختامية وغادر المذبح على وقع مزموري "إليك يا رب أصرخ" و"خلص شعبك"، وصافح الرئيس سليمان وعقيلته وصعد إلى "البابا موبيلي" ليشق طريقه عائدا إلى مقره في السفارة البابوية في حريصا، وسط تصفيق حاد وهتافات المؤمنين.
دير الشرفة - درعون
وعصرا، توجه إلى مقر بطريركية السريان الكاثوليك في الشرفة درعون حيث عقد لقاء مسكوني والقى الكلمة الاتية:"يُسعِدُني أن أكون بينكم، في دير سيدة النجاة بالشرفة، قِبلة كنيسة السريان الكاثوليك وللبنان ولكل الشّرق الأوسط. أشكرُ صاحبَ الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك كنيسة أنطاكية للسريان الكاثوليك، على كلماتِ استقباله القوية. وأُحيّ بطريقة أخويِّة كل واحد منكم، والذين تمثّلون تنوّع الكنيسة في الشرق، وخاصة صاحب القداسة مار إغناطيوس الأوّل زكا عيواص، بطريرك كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، صاحب القداسة آرام الاول، كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير للأرمن الأرثوذكس. إنّ حضوركم السعيد يضفي طابعاً إحتفاليّاً على هذا اللقاء. أشكركم من كل قلبّي لحضوركم بيننا. خاطري يتوجّه أيضاً إلى الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية بمصر وإلى الكنيسة الحبشية الأرثوذكسية المتألمتين لفقدان بطريركيْهما. وأؤكد لهما قربي الأخوي وصلاتي.
اسمحوا لي أن أحييّ هنا شهادة الإيمان المقدّمة من قِبل كنيسة السريان الأنطاكية عبر تاريخها المجيد، شهادة محبة متوقدة للمسيح الذي سمح لها أن تكتب، حتى يومنا الحاضر، صفحات بطولية لتبقى أمينة لإيمانها حتى الاستشهاد. أشجّعها على أن تكون لشعوب المنطقة، علامةَ السلام الآتي من الله، ونوراً يُنعشُ رجاءهم. أتقدّم بذات التشجيع لجميع الكنائس والجماعات الكنسية الموجودة في هذه المنطقة.
أيّها الأخوة الأحباء، لقاؤنا في هذا المساء هو علامة جليِّة لرغبتنا العميقة في الاستجابة لنداء السيد المسيح: "ليكونوا واحدا" (يو 17،21) في هذا الوقت المتقلّب والمائل للعنف، الذي تعيشه منطقتكم، أضحى أكثر إلحاحاً أن يقدّمَ تلاميذُ المسيح شهادةً أصيلةً لوحدتهم،لكي يؤمن العالم برسالة المحبة، والسلام والمصالحة. إن هذه هي الرسالة الى جميع المسيحيين، ونحن بطريقة خاصة، تسلموا مهمة نقلها إلى العالم، والتي تكتسب قيمة نفيسة في السياق الراهن للشرق الأوسط.
لنعمل بدون كلل لآي تقودنا محبتنا للمسيح شيئا فشيئا نحو الوحدة الكاملة فيما بيننا. من أجل هذا، بواسطة الصلاة والالتزام الجماعي، يجب علينا أن نعود جميعا بلا توقف إلى سيّدنا ومخلّصنا الأوحد. لأنه، كما كتبتُ في الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط ويسعدني أن أكرره لكم: "يسوع يوحّد المؤمنين به والَّذين يحبّونه من خلال منحهم روح أبيه وأيضا مريم، أمه" (رقم 15)
استودع بين يدي العذراء مريم كل شخص منكم وكذلك كل افراد كنائسكم وجماعاتكم. لتتضرع هي من أجلنا لدى ابنها الإلهي لنتحرر من كل شر ومن كل عنف، ولتعرف منطقة الشرق الأوسط هذه أخيرا أوقاتا للمصالحة والسلام. لكي تكون كلمة المسيح، التي سبق واستشهدت بها اثناء زيارتي، "سلامي أعطيكم" (يو14،27) لنا جميعاً العلامة المشتركة التي سنقدّمها باسم المسيح للشعوب في هذه المنطقة الحبيبة، والتي تطوق متلهفة لتحقيق هذه البشرى.
دير الوحدة للراهبات الكرمليات
وفي طريقه الى المطار، عرج قداسة البابا ولمدة 10 دقائق، على دير الوحدة للراهبات الكرمليات الحبيسات الذي يحتفل بيوبيله الذهبي، والتقى رئيسة الدير وجمهور راهبات الدير، وهي من مؤسسي الدير، وبارك الراهبات وسلمهن فسيفساء وبارك الحجر الأساس لدير تابع للرهبنة في قانا.
الوداع في المطار
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان انه في زمن التحوّلات التاريخيّة والتحديات، انّ لبنان سيبقى وفيّاً لعلاقته الراسخة والمميّزة مع الكرسي الرسولي، ولدوره ورسالته في محيطه، ومتعلقاً على الدوام، بجذوره الروحيّة والدينيّة التي هي جزء لا يتجزّأ من تراثه وتاريخه وحضارته.
واضاف: جميعنا نعي أن لا تنمية ممكنة في الشرق والغرب، من دون سلام، ولا سلام فعليّاً من دون عدالة واحترام لحقوق الإنسان، في وقت ما زال يراق من حولنا، وفي أماكن عديدة من العالم، الكثير من الدم، وتمتهن فيها يوميّاً كرامة الإنسان. أما الحراك المطلبي العربي بعينه، فهو يحمل على ما يرتجى منه، أملاً في الإصلاح والحريّة والديموقراطيّة، بالرغم مما يشوبه من عنف ويصيبه من تعثّر، مع العلم أنّ الديموقراطيّة الحقّة ثقافة وحسن ممارسة ومجموعة مبادئ وقيم عالميّة الأبعاد.
اما قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر فشدد على ان لبنان حاضر في معبد الرب، ودعا الى ان يكون لبنان دائما مكانا يستطيع فيه الرجال والنساء العيش معا في تناغم وسلام مع بعضهم البعض ليعطى العالم، لا الشهادة لوجود الله وحسب، الموضوع الأول للسينودس المنصرم، بل أيضا الشركة بين البشر، الموضوع الثاني للسينودس نفسه، مهما كانت حساسياتهم السياسية والطائفية والدينية.
وقال: أصلي لله من أجل لبنان، لكي يحيا في سلام ويقاوم بشجاعة كل ما من شأنه أن يقوض هذا السلام أو يقضي عليه. وأتمنى للبنان الاستمرار في السماح بتعددية التقاليد الدينية، وألا يصغي لأصوات من يريدون منعها. أتمنى للبنان أن يعزز الشركة بين جميع سكانه، بغض النظر عن طوائفهم وأديانهم، بالرفض القاطع لكل ما قد يدفع للتفرقة، وباختيار الأخوة بحزم. هذه هي الزهور التي يسر بها الله، والفضائل الممكنة والتي ينبغي تعزيزها وتجذرها باستمرار.
كلام الرئيس سليمان والبابا بنديكتوس السادس عشر اتى في مطار رفيق الحريري الدولي، قبيل مغادرة الحبر الاعظم لبنان في ختام زيارة استمرت ثلاثة ايام.
الوصول
وكان الرئيس سليمان وعقيلته السيدة وفاء في مقدم الشخصيات اللبنانية التي حضرت لوداع قداسة البابا، اضافة الى رؤساء الطوائف المسيحية وحشد شعبي.
ولدى وصوله الساعة السادسة والنصف مساء الى المطار، استقبل الرئيس سليمان وعقيلته الحبر الاعظم وقدم له طفل باقة من الزهور، ثم اصطحباه الى "صالون الشرف".
وبعد استراحة قصيرة في الصالون في حضور رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وعقيلته، توجه البابا الى منصة الشرف وعزفت الموسيقى النشيدين الفاتيكاني واللبناني.
كلمة الرئيس سليمان
والقى رئيس الجمهورية الكلمة التالية:
" قداسة الحبر الأعظم،في ختام هذه الزيارة الرسميّة والرسوليّة التاريخيّة، التي قاربتم في خلالها جوهر المواضيع التي تعني لبنان، وأملتم في خلالها في أن تعمّ الشرق الأوسط بمجمله روح العدالة والسلام ومستلزمات التقدّم، في إطار من الحريّة واحترام حقوق الإنسان وكرامته، لا يسعنا إلا أن نشكركم من صميم القلب، على عطفكم ورعايتكم، ومداخلاتكم العديدة من أجل لبنان وسيادته ووحدته وخيره واستقلاله؛ وعلى المساعي التي تبذلونها باستمرار على الصعيد الدولي، لدعم قضيّة الاستقرار والتنمية والعيش الأخويّ المشترك في بلادنا، ولحمايته من أيّ ظلم أو تهديد أو عدوان.
وإذ تغادرون وطن الأرز، وقد حملتم إليه وإلى الشرق رسالة سلام ومحبّة والتزام، في زمن التحوّلات التاريخيّة والتحديات، فإننا نؤكد لقداستكم أنّ لبنان سيبقى وفيّاً لعلاقته الراسخة والمميّزة مع الكرسي الرسولي، ولدوره ورسالته في محيطه، ومتعلقاً على الدوام، بجذوره الروحيّة والدينيّة التي هي جزء لا يتجزّأ من تراثه وتاريخه وحضارته.
وتدعيماً لهذا العهد، تبدو الحاجة قائمة للمضيّ قدماً في طريق الالتزام بما تضمّنه الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" من إرشادات وتوصيات، في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانطلاق الروحي المتجدّد والعناية بشؤون الشبيبة ومستقبلها.
كذلك تبرز الحاجة اليوم للانخراط بكثير من الوعي والعزم، في مقاصد ما أودعتموه ما قبل البارحة من إرشاد رسولي جديد، للسينودوس الخاص بمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، ومن توصيات تدعو إلى التعلّق بالأرض والهويّة والحريّة، وللنهوض بإنسانيتنا إلى آفاق التسامح والتضامن الاجتماعي، والاحترام العميق للآخر وتمايزه، ونبذ الفتنة والعنف، وتحقيق سلام راسخ في القلب، يفيض نمط حياة لشعوب المنطقة.
وجميعنا نعي أن لا تنمية ممكنة في الشرق والغرب، من دون سلام، ولا سلام فعليّاً من دون عدالة واحترام لحقوق الإنسان، في وقت ما زال يراق من حولنا، وفي أماكن عديدة من العالم، الكثير من الدم، وتمتهن فيها يوميّاً كرامة الإنسان. أما الحراك المطلبي العربي بعينه، فهو يحمل على ما يرتجى منه، أملاً في الإصلاح والحريّة والديموقراطيّة، بالرغم مما يشوبه من عنف ويصيبه من تعثّر، مع العلم أنّ الديموقراطيّة الحقّة ثقافة وحسن ممارسة ومجموعة مبادئ وقيم عالميّة الأبعاد.
إنّها لحظات مؤثّرة صاحب القداسة، نقف فيها لنودّعكم بعد ثلاثة أيّام رافقتها العناية الإلهيّة، وأحيت في نفوس المؤمنين في لبنان والشرق الأوسط وبلاد الانتشار شعلة الرجاء والأمل، وقد تركتم بين أيدينا وأيدي الكنيسة المشرقيّة مسؤوليّة النهوض بتطلعات شعبنا وغرسها في تربة صالحة تنمو وتثمر فيها روح التضامن والمحبّة والعدل.
وعدنا لقداستكم، السعي بعزم وثبات كي يبقى لبنان بلد حوار وتلاق وانفتاح، ومشاركة متكافئة لجميع مكوّنات شعبه في الحكم وإدارة الشأن العام، وشاهداً للحقّ وللعيش معاً، على قاعدة الثوابت الوطنيّة والاحترام المتبادل والقيم.
عشتم عاش الكرسي الرسولي وعاش لبنان".
كلمة قداسة البابا
ورد الحبر الاعظم بنديكتوس السادس عشر بالكلمة التالية:
" فخامة رئيس الجمهورية، دولة رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، غبطة البطاركة وأخوتي في الأسقفية، أيها المسؤولون المدنيون والدينيون، أيها الأصدقاء الأعزاء، إذ حانت ساعة الوداع، أشعر بالأسف لمغادرة لبنان العزيز. أشكركم، يا فخامة الرئيس، على كلماتكم، وعلى ما بذلتموه، مع الحكومة التي أتوجه بالتحية لممثليها، من أجل تنظيم مختلف الأحداث التي صاحبت حضوري بينكم، والتي دعمتها، بطريقة ملفتة للنظر، كفاءة مختلف الأجهزة على مستوى الجمهورية وعلى المستوى الخاص.
أشكر كذلك البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وجميع البطاركة الحاضرين وأيضا الأساقفة الشرقيين واللاتين، والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، والإكليريكيين والعلمانيين الذين قدموا لاستقبالي. إن زيارتي لكم، هي وكأن بطرس أتى إليكم، وقد استقبلتم بطرس بذات الترحيب الحار الذي يميز كنائسكم وثقافتكم.
أتوجه بشكري الخاص لكل الشعب اللبناني الذي يشكل فسيفساء غنية ورائعة، والذي استطاع أن يظهر لخليفة بطرس حماسه، من خلال الإسهام المتعدد الأشكال والخاص بكل جماعة. أشكر بحرارة الكنائس الشقيقة والجماعات البروتستنتية المحترمة، كما اتوجه بالشكر الى كل الطوائف الاسلامية.
طوال فترة زيارتي، إستطعت أن أستنتج كم حضوركم ساهم في إنجاح زيارتي. العالم العربي والعالم برمته قد شاهدوا، في هذا الأوقات المضطربة، مسيحيين ومسلمين مجتمعين للاحتفال بالسلام.
أشكر جميع المسؤولين المدنيين والدينيين في بلادكم. إنه لتقليد في الشرق الأوسط أن يستقبل الضيف العابر بانتباه وتقدير، كما فعلتم. أشكركم جميعا. من جهة أخرى، إلى جانب الانتباه والتقدير، قد أزدتم شيئا إضافيا، يمكن تشبيهه بالتوابل الشهيرة الشرقية التي تثري مذاق الأطباق: إنه حماسكم وقلبكم اللذين يجعلانني أشتهي العودة إليكم ثانية. أشكركم شكرا خاصا. الرب يبارككم على هذا.
خلال إقامتي القصيرة جدا، والتي كان دافعها الأساسي توقيع وتسليم الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط، استطعت الالتقاء بمختلف مكونات مجتمعكم. وكانت أوقات ساد بعضها جو من الرسمية وبعضها غلبت عليه الودية، أوقات مفعمة باللقاءات الدينية والصلاة الحارة، وأخرى تميزت بحماس الشباب. أشكر الرب على هذه الفرص التي أتاحها، وعلى اللقاءات الجيدة التي قمت بها، وعلى الصلاة التي شارك فيها الجميع، ومن أجل الكل في لبنان والشرق الأوسط، مهما كان أصل كل فرد أو طائفته الدينية.
في حكمته، طلب سليمان من حيرام ملك صور، تشييد بيت لاسم الله، مزار للأبدي (راجع: سي 47,13 ). وحيرام، الذي ذكرته عند مجيئي، أرسل خشبا من أرز لبنان (راجع: 1 مل 5,22) فكانت منجورات خشب الأزر أثاثا لداخل الهيكل ومزينة بزهور متفتحة (راجع: 6 مل 6,18). فكان لبنان حاضرا في معبد الرب، وليكن لبنان دائما مكانا يستطيع فيه الرجال والنساء العيش معا في تناغم وسلام مع بعضهم البعض ليعطى العالم، لا الشهادة لوجود الله وحسب، الموضوع الأول للسينودس المنصرم، بل أيضا الشركة بين البشر، الموضوع الثاني للسينودس نفسه، مهما كانت حساسياتهم السياسية والطائفية والدينية.
أصلي لله من أجل لبنان، لكي يحيا في سلام ويقاوم بشجاعة كل ما من شأنه أن يقوض هذا السلام أو يقضي عليه. وأتمنى للبنان الاستمرار في السماح بتعددية التقاليد الدينية، وألا يصغي لأصوات من يريدون منعها. أتمنى للبنان أن يعزز الشركة بين جميع سكانه، بغض النظر عن طوائفهم وأديانهم، بالرفض القاطع لكل ما قد يدفع للتفرقة، وباختيار الأخوة بحزم. هذه هي الزهور التي يسر بها الله، والفضائل الممكنة والتي ينبغي تعزيزها وتجذرها باستمرار.
العذراء مريم، المكرمة بإخلاص ووقار، من مؤمني الطوائف الدينية الحاضرة هنا، هي مثال أكيد للتقدم برجاء في طريق أخوة معاشة وأصيلة. قد فهمه لبنان جيدا بإعلانه، منذ فترة قصيرة، يوم 25 آذار/مارس عطلة رسمية، سامحا بذلك لكل سكانه بعيش وحدتهم في الطمأنينة. فلتستمر مريم العذراء، من المزارات العريقة والعديدة في بلدكم، في اصطحابكم وإلهامكم.
ليبارك الله لبنان وجميع اللبنانيين وليواصل جذبهم لكي يهبهم جزاء من حياته الأبدية وليغمرهم بفرحه وسلامه وضيائه. ليبارك الله كل الشرق الأوسط. استدعي على كل واحد وواحدة منكم، ومن صميم قلبي، وافر البركات الإلهية. ليبارككم الرب جميعا".
مراسم الوداع
وبعد انتهاء البابا من القاء كلمته، بدأت مراسم الوداع الرسمية حيث ادت فرقة تحية الشرف، وودع اعضاء الوفد المرافق لقداسته الرئيس سليمان، فيما ودع كبار المسؤولين اللبنانيين ضيف لبنان الكبير.
ثم رافق الرئيس سليمان قداسة البابا الى اسفل سلم الطائرة، وصافحه واللبنانية الاولى والرئيس ميقاتي وعقيلته والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قبل ان يصعد الى سلم الطائرة التابعة لطيران الشرق الاوسط ويلوح بيده مباركاً ومودعاً لبنان والمسؤولين والحشد الشعبي الذين قدم لوداعه ويدخل الطائرة التي اقلته الى روما.