الخميس 31 تشرين الأول 2024

10:26 am

الزوار:
متصل:

أهم أحداث العام 2012 وقائع زيارة الحبر الاعظم قداسة البابا بنديكتوس 16 الى لبنان من 14 الى 16 ايلول

خاص الوكالة الوطنية للاعلام

المقدمـــــــــة

"اهم وانجح زيارة قمت بها الى الخارج" بهذه العبارة اختصر قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر زيارته الى لبنان والتي بدأت في 14 ايلول 2012 بعنوان"سلامي أعطيكم".

في ذلك اليوم، خلع لبنان ثوب الانقسامات والخلافات ولبس عباءة الوحدة في استقبال الضيف الكبير البابا بنديكتوس السادس عشر في زيارة تاريخية استمرت لثلاثة ايام واستهلها بالتوقيع على ارشاد رسولي حمل عنوان " الكنيسة في الشرق الاوسط - شركة وشهادة ".

لبنان الرسمي والشعبي كان في استقبال قداسته الذي اصر على زيارة لبنان على الرغم من كل التحذيرات، وفي وقت تعيش المنطقة وضعا مأزوما. 

اوصى الشباب من بكركي "لا تتركوا بلادكم من أجل عالم لا تعرفون عنه شيئاً"، وهو الذي كان قد ذكّرهم من قصر بعبدا صباحاً بأنّ الحياة في بلدان أخرى ليست ورديّة بالضرورة.

لقد رسمت زيارة الحبر الاعظم للبنان بعدا تاريخيا وحددت مسارا  يبقى على مسيحيي الشرق ان يسيروا بنوره وصولا الى شرق جديد يستعيد مجد القديم،  شرق يستحق حقا ان يكون مهد الديانات السماوية.

فبعد ثلاثة ايام قال إرشاده ومشى وترك وراءه عاصفة إيمانية مسيحية تجلّت في التجاوب الشعبي الحار مع ما أطلقه من مواقف سواء في الإرشاد أو في العِظات.
هكذا نجح البابا بنديكتوس السادس عشر في فتح النقاش حول الدور المسيحي في المنطقة، واضعاً له شرطين : الشركة والشهادة . تماماً كما نجح سلفه البابا يوحنا بولس الثاني قبل 15 عاما في تحديد دور لبنان بأنه " أكثر من بلد، إنه رسالة " .
وفي المقابل نجح لبنان في توفير استضافةٍ لحبر اعظم على مدى ثلاثة أيام كانت مميزة باستقرارها على رغم كل المخاوف والمخاطر.


الوصول
وكانت الطائرة البابوية حطت في مطار رفيق الحريري الدولي، قبيل الثانية بعد الظهر، حيث كان في انتظاره عند اسفل السلم الرئيس سليمان وعقيلته ورئيسا مجلسي النواب والوزراء وعقيلتاهما والبطريرك الراعي.
وترحيبا بالضيف الكبير، اطلقت المدفعية 21 طلقة بعدما قدم طفلان الى الحبر الاعظم باقة من الورد، قبل ان يتوجه يرافقه رئيس الجمهورية الى منصة الشرف حيث  كان في استقباله البطريرك الكاردينال نصر الله بطرس صفير ورؤساء وممثلي الطوائف الروحية اللبنانية والرئيس امين الجميل والنائب العماد ميشال عون، رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، ووزراء ونواب، وسفراء وقناصل عرب واجانب وقادة الاجهزة الامنية والعسكرية وحشد من الشخصيات والفاعليات ولفيف من الاساقفة والكهنة.
كلمة الرئيس سليمان
وبعدما عزفت الموسيقى النشيدين الوطنيين الفاتيكاني واللبناني، القى الرئيس سليمان كلمة جاء فيها:
"قداسة الحبر الأعظم، تأتون إلينا كخليفة للقديس بطرس أول الأحبار، وعلى خطى سلفكم الكبير الطوباوي يوحنا بولس الثاني، في زيارة رسمية ورسولية ملؤها الرجاء والأمل.
لقد ارتبط الكرسي الرسولي ولبنان بعلاقة تاريخية متواصلة، ولقي منه على الدوام دعما وتقديرا لموقعه ولدوره في بناء حضارة قائمة على التلاقي والتسامح والخير.
واليوم إذ تستقبلكم العائلة اللبنانية، بجميع مكوناتها وطوائفها، فإنها ترحب بقداستكم بعرفان الجميل والشكر، لمحبتكم الخالصة للبنان، وقد وصفتموه "بالكنز الغالي"، بالنظر "إلى تنوعه وتعدديته وعيشه المشترك المتفاعل".
لقد شئتم من زيارتكم لبنان أن تعلنوا للعالم أجمع مدى أهمية وطننا كنموذج ومثال، في تنوعه ووحدته، على الرغم من حجم المخاطر والصعاب ولتؤكدوا مدى أهمية الوجود المشترك المسيحي والمسلم، في آن، من أجل الحفاظ على دعوة لبنان التاريخية، خصوصا في خضم التحولات والتحديات الكبرى، التي تطاول عالمنا العربي، والتي تفرض علينا جميعا توضيح الرؤى، وتوحيد الصفوف، وشبك الأيادي، من أجل المساهمة في بناء مجتمع قائم على الحرية والعدالة والمساواة.
كذلك شئتم أن تختاروا لبنان، وأن تحملوا منه، رسالة سلام ومحبة إلى منطقتنا برمتها، بشعوبها وأبنائها ودولها، من خلال الإرشاد الرسولي الخاص بمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي سيشرفني مشاركتكم في الاحتفال بالتوقيع عليه من قبل قداستكم بعد ظهر اليوم، والسلام بنظركم، ليس نبذا للعنف ولسيل الدماء فحسب، بل هو ارتباط وثيق بالله الواحد الذي ينتمي إليه أبناء الشرق أجمعهم. وهو سلام الحق والعدالة والاحترام، يبنى على الحوار ويترسخ بالتلاقي.
كلنا أمل في أن تأتي زيارتكم لبلادنا بالخير والبركات على اللبنانيين، وعلى شعوب منطقتنا ومكوناتها، ومن بينهم المسيحيون المشرقيون، المتجذرون في هذه الأرض الكريمة منذ القدم، والذين يترقبون رسالتكم إليهم باهتمام عظيم.
صاحب القداسة، نرحب بكم على أرض مقدسة ذكرها العهد القديم مرارا وأشاد بجمالها وشموخ أرزها "نشيد الأناشيد" ووطأتها أقدام السيد المسيح وشهدت أولى عجائبه، وتضيء سماءها كوكبة من القديسين والطوباويين.
وهي أرض صاغ شعبها على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، عناصر أول أبجدية متقدمة في التاريخ، عمارة للفكر، أهداها للغرب وللعالم أجمع، كوسيلة للتخاطب والتواصل والتكامل الحضاري.
وهم أهل هذه الأرض بالذات، الذين أنشأوا أول مطبعة للشرق في القرن السادس عشر وساهموا بالنهضة العربية والوعي الثقافي أواخر القرن التاسع عشر، وشارك أحد أبرز ممثليهم في صوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتوافقوا لدى ارتقاء وطنهم إلى السيادة الدولية عام 1943، على العيش معا في إطار "جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفاضل"، وثبتوا ركائز هذه الجمهورية على قواعد ميثاق وطني يكفل المشاركة المتكافئة للطوائف في إدارة الشأن السياسي العام. وقد ذهبت مقدمة الدستور اللبناني إلى حد التأكيد أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
وبالرغم من عراقتها وانفتاحها، وربما بسبب هذا الانفتاح، فقد أمست هذه الأرض اللبنانية، في فترات مختلفة من تاريخها، عرضة للأطماع، ومسرحا للحروب، وضحية لأشكال مختلفة من أشكال العدوان والاحتلال، نتج عنها الكثير من الدمار وإراقة الدماء والتهجير والظلم.
إلا أن لبنان أظهر على الدوام مقدرة على المقاومة والتضحية والاستشهاد في سبيل الدفاع عن سيادته واستقلاله وحريته ووحدته وقيمه. فتمكن من تجديد ركائز وفاقه الوطني وتحرير معظم أراضيه وإعادة البناء، وتأمين شروط عودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، بينما هاجر من أبنائه الكثيرون، فساهموا بإعمار الدول التي استقروا فيها على كل الصعد، محتفظين بتقاليدهم الأصلية، وبمخزون قيمهم العائلية والروحية، وبارتباطهم العاطفي بوطنهم الأم، على قاعدة التضامن والمشاركة، وهم مصدر قوة وثروة للبنان، وعنصر من عناصر عالميته وإشعاعه.
ومن تداعيات الظلم الذي حل في فلسطين عام 1948 ومظاهره، وجود أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية والعديد منهم هنا، في هذا الجوار، تسعى الدولة بالتنسيق مع وكالة الأونروا، لتأمين إحتياجاتهم الحياتية الأساسية، من ضمن القدرات. وهي مناسبة للتذكير بأن رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد الإنساني، مسؤولية دولية قبل كل شيء، وذلك بانتظار إيجاد حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط، يضمن حقهم الطبيعي  في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، ويحول دون أي شكل من أشكال توطينهم في لبنان، وفقا لمندرجات المبادرة العربية للسلام، ولما ينص عليه الدستور اللبناني وما تقتضيه مستلزمات وفاقنا الوطني.
قداسة الحبر الأعظم، تتزامن زيارتكم لديارنا اعتبارا من اليوم، مع احتفال الكنيسة ولبنان بعيد الصليب، بما يرمز إليه من تضحية مطلقة بالذات، وروح تواضع وفداء، ورجاء قيامة، وكنا قد احتفلنا معا كلبنانيين، منذ أسابيع قليلة، بعيد الفطر السعيد، في نهاية شهر كريم مطبوع بفضائل الصوم ومعاني الرحمة والتسامح والتعاضد الإنساني.
فلتكن زيارتكم لأرض الشهادة والشراكة والحوار التي يجسدها وطن الأرز، تجلي نور وبهاء لوطننا ولمنطقتنا.
به نجدد مع قداستكم عهد وفاء لبنان لذاته، والشهادة لقيمه المتجذرة في الإيمان.عشتم عاش الكرسي الرسولي وعاش لبنان".


كلمة البابا
ورد الحبر الأعظم بكلمة قال فيها:يسرني، فخامة الرئيس، أن ألبي الدعوة الكريمة التي وجهتموها لي لزيارة بلدكم، والتي تلقيتها أيضا من البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. هذه الدعوة المزدوجة تظهر، اذا لزم الأمر، الغاية المزدوجة من زيارتي لبلدكم. فهي تبين متانة العلاقات القائمة منذ القدم بين لبنان والكرسي الرسولي، كما تهدف الى المساهمة في تعزيزها. وهي أيضا رد على زيارتكم لي في حاضرة الفاتيكان، الأولى في تشرين الثاني 2008 والأخيرة في شباط 2011، والتي تلتها بعد 9 أشهر زيارة دولة رئيس الوزراء.
فإنه خلال لقائنا الثاني، قد تم تبريك التمثال المهيب للقديس مارون. وجوده الصامت، على جانب بازيليك القديس بطرس، يذكر بشكل دائم بلبنان، وفي المكان نفسه حيث دفن القديس بطرس. ويظهر إرثا روحيا قديما بتثبيته إجلال اللبنانيين لأول الرسل، ولخلفائه. ولإبراز تكريمهم الكبير لسمعان بطرس يضيف البطاركة الموارنة اسم بطرس الى أسمائهم. إنه لجميل رؤية القديس مارون يتشفع باستمرار من أجل بلدكم ومن أجل الشرق الأوسط بأكمله، من المزار البطرسي. فخامة الرئيس، إني أشكركم سلفا على الجهود التي بذلت لإنجاح إقامتي في ما بينكم.
والسبب الآخر لزيارتي هو توقيع وتسليم الارشاد الرسولي للمجمع الخاص لسينودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، والكنيسة في الشرق الاوسط. ان الامر يتعلق بحدث كنسي بالغ الاهمية. اشكر جميع البطاركة الكاثوليك الذين قدموا، واخص بالذكر البطريرك السابق الكاردينال العزيز نصر الله بطرس صفير، وخلفه البطريرك مار بشاره بطرس الراعي. واحيي بطريقة اخوية كل اساقفة لبنان، وكذلك الذين قدموا ليصلوا معي وليتسلموا هذه الوثيقة من يدي البابا. من خلالهم احيي ابويا جميع مسيحيي الشرق الاوسط. يهدف هذا الارشاد الموجه الى العالم كله، الى ان يكون لهم خارطة طريق للاعوام المقبلة. يسعدني ايضا انني سأتمكن خلال هذه الايام من لقاء العديد من ممثلي الجماعات الكاثوليكية في بلدكم، ومن الاحتفال والصلاة معا. ان حضورهم والتزامهم وشهادتهم اسهام مقبول ومحل تقدير رفيع في الحياة اليومية لجميع سكان بلدكم العزيز.
انني ارغب ايضا في ان أحيي بتقدير كبير البطاركة والاساقفة الارثوذكس الذين قدموا لاستقبالي، وكذلك ممثلي مختلف الجماعات الدينية. فحضوركم، ايها الاصدقاء الاعزاء، يشهد على التقدير والتعاون اللذين تأملون في تعزيزهما بين الجميع عبر الاحترام المتبادل. اشكركم من اجل جهودكم، واني لعلى يقين من انك ستكملون البحث عن طرق للوحدة والانسجام. لا انسى الاحداث الحزينة التي أدمت بلدكم الجميل خلال سنوات طويلة. ان التعايش اللبناني، يجب ان يظهر للشرق الاوسط بأكمله ولباقي العالم انه من المستطاع ايجاد داخل أمة ما التعاون بين مختلف الكنائس، وكلها اعضاء في الكنيسة الكاثوليكية الواحدة، بروح مشاركة أخوية مع المسيحيين الآخرين، وفي الوقت ذاته، التعايش المشترك والحوار القائم على الاحترام بين المسيحيين واخوانهم من اديان اخرى. تعرفون مثلي ان هذا التوازن، والذي يقدم في كل مكان كمثال، هو في منتهى الحساسية. وهو مهدد احيانا بالتحطم عندما يشد كوتر القوس، او عندما يخضع لضغوط، غالبا ما تكون فئوية، او حتى مادية، معاكسة وغريبة عن الانسجام ووداعة للبنانيين. وهنا ينبغي اظهار الاعتدال الحقيقي والحكمة الكبيرة. ويجب ان يتغلب العقل على العاطفة الفردية لتعزيز الخير العام للجميع. ألم يقض الملك سليمان العظيم الذي عرف حيرام، ملك صور، بأن الحكمة هي الفضيلة الاسمى؟ لهذا السبب طلبها بالحاح من الله، والله منحه قلبا حكيما وذكيا (1 مل - 12).
جئت ايضا لاقول كم هو مهم حضور الله في حياة كل فرد، وان طريقة العيش معا - التعايش الذي يرغب بلدكم في الشهادة له - لن يكون عميقا ما لم يتأسس على نظرة قبول، وعلى تصرف لطيف تجاه الاخر، ما لم يتأصل في الله، الذي يرغب ان يصبح البشر اخوة. ان التوازن اللبناني الشهير، والراغب دائما ان يكون حقيقة واقعية، سيتمكن من الاستمرار فقط بفضل الارادة الحسنة والتزام اللبنانيين جميعا. انذاك فحسب، سيكون نموذجا لكل سكان المنطقة، وللعالم باسره. لا يتعلق الامر بعمل بشري محض، انما بعطية من الله، التي يجب طلبها بالحاح، والمحافظة عليها، مهما كان الثمن، وتعزيزها باصرار.
العلاقات بين لبنان وخليفة بطرس تاريخية وعميقة. فخامة الرئيس، ايها الاصدقاء الاعزاء، جئت الى لبنان كحاج سلام، كصديق لله، وكصديق للبشر. "سلامي اعطيكم" سلامي اعطيكم هكذا يقول المسيح، (يو 14،27). ومن خلال بلدكم، اتيت اليوم، وبطريقة رمزية، الى جميع بلدان الشرق الاوسط كحاج سلام، كصديق لله وكصديق لجميع سكان دول المنطقة كافة، مهما كانت انتماءاتهم او معتقدهم. ولهم ايضا يقول المسيح: "سلامي اعطيكم". افراحكم والآمكم حاضرة دائما في صلاة البابا، واطلب من الله ان يرافقكم ويعزيكم. واؤكد لكم انني ساصلي بطريقة خاصة من اجل جميع الذين يتألمون في هذه المنطقة، وهم كثيرون. تمثال القديس مارون يذكرني بكل ما تعيشونه وتتحملونه.
فخامة الرئيس، اعرف ان بلدكم يعد لي استقبالا طيبا، استقبالا حارا، الاستقبال الذي يخص به اخا محبوبا ومقدرا. واعرف ان بلدكم يريد ان يكون جديرا لل "اهلا وسهلا" اللبناني. انه هكذا وهكذا سيكون، واكثر من ذلك من الان وصاعدا. انني سعيد لكوني معكم جميعا. ليبارككم الرب جميعا شكرا" .
ثم استعرض الرئيس سليمان وقداسة البابا حرس الشرف قبل ان يقدم اليه رئيس الجمهورية الشخصيات اللبنانية التي حضرت لاستقباله، ليقدم بعد ذلك قداسة البابا الى الرئيس سليمان وعقيلته الوفد المرافق.
وبعدما صافح الحبر الاعظم والرئيس سليمان القادة الروحيين اللبنانيين، انتقلا لاستراحة قصيرة في القاعة الرئاسية في المطار يرافقهما اللبنانية الاولى ورئيسا مجلسي النواب والوزراء وعقيلتاهما قبل ان يغادر الحبر الاعظم الى مقر اقامته في السفارة البابوية في حريصا.
توقيع الارشاد الرسولي في حريصا
وفي الخامسة بعد الظهر، بدأ وصول الوفود الى ساحة بازيليك مار بولس في حريصا، حيث وقع البابا بنديكتوس السادس عشر الارشاد الرسولي، بمشاركة اعضاء مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعدد من الفاعليات السياسية وحوالى 450 مدعوا يتوزعون في الساحة الخارجية للبازيليك.

وفي السادسة، بدأ في الاحتفال بتوقيع الارشاد الرسولي بعد وصول البابا إلى البازيليك، بمشاركة اعضاء مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، ودخل البابا الى البازيليك على وقع الترانيم البيزنطية.

لحام
ثم القى بطريرك طائفة الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام كلمة في الاحتفال جاء فيها: " في الشرق، في لبنان، في بيروت، في كنيسة لبنان الواحدة بجميع تراثاتها الروحية، في لبنان بجميع طوائفه المسيحية والإسلامية، في كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، وفي كنيسة القديس بولس وهي كنيسة جمعية الآباء المرسلين البولسيين.
أرحب بكم باسم مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك الشرقيين، الذين ذهبوا من الشرق الأوسط إلى روما بدعوة كريمة من قداستكم إلى السينودس لأجل الشرق الأوسط الذي هو علامة محبتكم ورعايتكم. إنكم تحملون رسالة إلى "لبنان الرسالة" كما دعاه سلفكم الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني حبيب لبنان والبلاد العربية وحبيب العالم.
صاحب القداسة المحبوب، من الشرق يأتي النور (Ex Oriente Lux)، ومن الشرق انطلق النور إلى الغرب حاملا له رسالة يسوع النور الذي ينير كل إنسان آت إلى العالم (يوحنا 1: 9). اليوم تحملون إلينا نور الشرق (Orientale lumen) من خلال إرشادكم الرسولي. وكما قال يسوع لبطرس صفيه: "وأنت متى رجعت فثبت إخوتك" (لوقا 22: 32)، أنتم الآن أتيتم تثبتون رعاة كنيسة الشرق بمحبتكم. ونحن نقبل هذا الإرشاد بحب وشوق وشكر. ونريد من خلال ذلك أن نثبت بدورنا إيمان قداستكم وإيمان إخوتنا الأحباء في الغرب.
إنكم توقعون هذا الإرشاد الرسولي في لبنان، ولكنه موجه إلى الكنيسة في الشرق الأوسط، لا بل هو في محتواه وغايته موجه إلى المشرق العربي بأسره انطلاقا من لبنان. إنه إرشاد رسولي للمسيحيين في لبنان والشرق العربي. ويتعداهم إذ إنه ضروري لأجل إيضاح معنى وجودهم، ودورهم ورسالتهم وخدمتهم وشهادتهم في العالم العربي ذي الأغلبية المسلمة. وتختصر هذه الرسالة بأن يكونوا نورا وملحا وخميرة، ويعرفوا أنهم القطيع الصغير الذي لا يخاف ولا يرهب ولا يتراجع أمام دوره الكبير.
إن جوهر الإرشاد الرسولي هو شعاره: شركة وشهادة. أعني وحدة في الداخل لأجل شهادة في الخارج. إنه شعار مسيحي. ولكنه أيضا شعار مسيحي - إسلامي، لأنه شعار يجب أن يعاش بتفاعل وتواصل مع أطياف هذه المنطقة وطوائفها. لا بل من الضروري أن يعاش على مستوى العالم العربي.
صاحب القداسة، لقد اهتم السينودس لأجل الشرق الأوسط اهتماما مميزا بقضية لها تأثير كبير على الكنيسة في الشرق العربي ألا وهي القضية الفلسطينية. إننا نشكر موقف الفاتيكان والبابوات الثابت على مر السنين تجاه هذه القضية.
إن هذا الموقف الثابت هو عمل حق وعدل وعدالة، يحتاج إليه عالمنا اليوم الذي تكثر فيه المظالم السياسية، وهكذا يبقى الفاتيكان رائد العدالة العالمية. مع العلم أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي العربي كفيل بأن يحل مشاكل العالم العربي الأكثر تعقيدا وهو كفيل أيضا وخصوصا بلجم هجرة المسيحيين، وتثبيت وجودهم في الشرق مهد المسيحية، ليتابعوا فيه مسيرتهم التاريخية ودورهم ورسالتهم، جنبا إلى جنب ويدا بيد مع إخوتهم ومواطنيهم المسلمين من جميع الطوائف، لكي تكون للجميع الحياة وتكون لهم أوفر (يوحنا 10: 10)، وأكثر حرية وكرامة وعدالة وسعادة وانفتاحا وتطورا وازدهارا.
الاعتراف بفلسطين هو أثمن هدية تقدم للمشرق العربي بجميع طوائفه مسيحيين ومسلمين. وهذا ما يضمن تحقيق أهداف السينودس لأجل الشرق الأوسط، وأهداف الإرشاد الرسولي الذي نشكركم عليه، هذا الاعتراف يمهِد لربيع عربي حقيقي، ولديموقراطية حقيقية، ولثورة قادرة أن تغير وجه العالم العربي، وتؤمن السلام للأرض المقدسة وللشرق الأوسط والعالم.
قداسة البابا، يطيب لنا في هذه المناسبة المباركة أن نعلن هنا كلنا معا وأنا بصفتي بطريرك كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، يطيب لنا أن نؤكد شركتنا الكاملة الثابتة الدائمة معكم ومع كنيسة روما المتصدرة بالمحبة. العالم بحاجة إلى البابا، (كما أكدته في وثيقة قدمتها إلى قداستكم أثناء السينودس لأجل الشرق الأوسط)، بحاجة إلى الوحدة، إلى كنيسة قوية متماسكة (Chiesa forte e coherente)، قادرة أن تحمل إلى العالم قيم بشرى الإنجيل المتجددة، التي عبرتم عنها في رسائلكم حول الفضائل الثلاث، وهي: قيم محبة الله (Deus Caritas est)، قيم الرجاء (Spe salvi)، والإيمان في الحقيقة (Caritas in Veritate).
العالم بحاجة إلى كنيسة تتنفس برئتين، بكل حيويتها لكي يبقى الإيمان نقيا، صافيا، جميلا، متجددا في العالم من خلالها، ولكي يؤمن العالم، ولكي تعم فيه حضارة الإيمان والرجاء والمحبة، حضارة الله في أرض البشر.
صاحب القداسة، وأخيرا نرفع لأجلكم يا قداسة البابا الدعاء الذي نرفعه كل يوم في هذه الكنيسة، ويرفعه البطريرك والأساقفة والكهنة في كل كنائس الروم الكاثوليك في العالم: "أذكر يا رب أولا أبانا قداسة الحبر الروماني بنديكتوس بابا روما الطوباوي، وأنعم على كنائسك المقدسة أن يكون في سلام، صحيحا مكرما معافى مديد الأيام مفصلا بإحكام كلمة حقك".
شكرنا الكبير لزيارتكم، شكرنا الكبير للارشاد الرسولي، شكرنا الكبير لمحبتكم ونقول لكم: إننا نحبكم، وإلى سنين كثيرة يا سيد".

بعد انهاء البطريريك غريغوريوس الثالث لحام كلمته جرى تبادل للهدايا مع الحبر الاعظم ، فقدم له طقما خزفيا من السكاكين من الصناعة اليدوية في جزين، وبدوره قدم البابا الى لحام نسخة عن انجيل العهد الجديد.

ثم قال الأمين العام لسينودوس الأساقفة المونسينيور إيتيرو فيتش:  :"يا سيد، نريد أن نرى يسوع" (يوحنا 12,25)، بهذه الكلمات توجه بعض اليونانيين للمؤمنين بالله وقالوا لفيليبوس: هكذا يستقبل السيد في أورشليم بالترانيم. أن نرى المسيح يعني أن نعرفه أن نؤمن به، لنحل على ملكوت السماوات ونعلنه للناس. من خلال إرادة الآب السماوي أصبح المسيح مخلصا على خشبة الصليب وخلاصه لكل المسكونة، لا فرق بين يونانيين ويهود، الخلاص لكل من يعرف ويدرك حكمة الله، حكمة المخلص الذي فدانا مصلوبا وقام محولا موتنا إلى قيامة لنمجده في قيامته".
اضاف: "قداسة البابا، من خلال وعد الرب يسوع الذي قال لنا "كلما اجتمع اثنان باسمي أكون في وسطهم" (متى 18,20)، نحن أيضا أعضاء في هذا الشرق الأوسط، أعضاء سينوديس الأساقفة، نقول إننا رأينا المسيح، في كل اختبارات صلاتنا، في كل تفكيرنا، في تبادل آرائنا، خلال انعقاد مجلس السينودس من 10 إلى 24 أوكتوبر 2010. ونحن نشهد جميعا لقدسية ترؤسكم هذه المجلس المقدس في روما".
وتابع: "قداسة البابا، إن كل أساقفة الشرق الأوسط بشراكة وشهادة، بحيث أن تعددية كل المؤمنين بالله على الرغم من اختلافهم هم قلب واحد، وروح واحدة، لندرك كلنا معا، أننا أعضاء جسد المسيح السري، وعلامة لصليبه الذي جعلنا نتغلب على كل الاختبارات والخبرات المؤلمة، والممزوجة تارة باللاعدالة وطورا بالألم، والمختلطة بالمعاناة والعنف، وأحيانا كثيرة بالحرب. ولكننا نقول إننا بنعمة الروح القدس، ما زلنا وسنبقى حاضرين ومؤمنين بأن صليبنا هو طريق الخلاص لجميع من يريدون سلوك هذه الطريق وبحرية أبناء الله. في هذه المناسبة الكريمة والمبجلة، نجتمع فيها في بازيليك مار بولس للروم الكاثوليك وتضج بنا الحياة، وقد امتلأنا من اختبارات التاريخ. أجدني شاكرا بواجب الأخوة والمحبة كل آباء السينودس بحضورهم الفعال، وكل إمكاناتهم ليعكسوا صورة الكنيسة في هذا الشرق الأوسط".
واشار الى ان "ما يجمعنا هو العمل والمحبة والشراكة من أجل تخطي كل الصعوبات وملء الفراغات وسط آلام هذا الدهر، لكي نتمكن من معالجة كل ما ينقصنا فيولد الربيع المشرقي الجديد وهو وليد الارشاد الرسولي الصادر عن قداستكم ونؤمن أنه دستور حي لاحياء الكنيسة".
وختم:"قداسة الحبر الأعظم، باسم كل أعضاء مجلس بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط، يشرفني دعوتكم الكريمة لامضاء الارشاد الرسولي ليكون لنا طريقا جديدة في شرق أوسطي جديد مزروع في قلب كل مسيحي".
الحبر الاعظم

ثم القى البابا بنديكتوس السادس عشر كلمة في خلال حفل توقيع الارشاد الرسولي في بازليك القديس بولس في حريصا، قال فيها: " انا مسرور لوجود وفود ارثوذكسية اسلامية درزية ووفود من عالم الثقافة والمجتمع المدني. احيي بمحبة طائفة الملكيين الكاثوليك التي تستقبلني. وجودكم يجلل توقيع الارشاد الرسولي للسينودس الخاص لمجمع الاساقفة من اجل الشرق الاوسط، ويشهد على هذه الوثيقة المخصصة للكنيسة الجامعة ويتمتع باهمية خاصة للشرق الاوسط.
انه لعجائبي ان يقع هذا التوقيع في يوم عيد الصليب، والذي يتم الاحتفال به في الشرق منذ العام 335، في يوم اهداء بازيليك القيامة التي بناها الامبراطور قسطنطين الكبير على الجلجلة وقبر السيد المسيح. الامبراطور قسطنطين الكبير الذي تجلونه كقديس. بعد شهر واحد سوف تحتفلون بالعيد 1700 للظهور الذي جعل الامبراطور قسطنطين يرى الميرون الملتهب في الليلة الرمزية لعدم ايمانه، ويسمع صوتا يقول له "بهذه الاشارة سوف تكسب!".
وقد وقع قسطنطين لاحقا مرسوم ميلان، واعطى اسمه للقسطنطينية، يبدو لي ان الارشاد الرسولي ممكن ان يقرأ ويترجم على ضوء عيد الصليب المقدس، وبخاصة على ضوء الميرون.
قراءة مماثلة يمكنها ان تؤدي الى اعادة اكتشاف حقيقية لهوية المعمد والكنيسة، وتشكل في نفس الوقت دعوة الى الشهادة في ومن خلال العمادة. اليست العمادة والشهادة المسيحيتان مبنيتين على سر الفصح، الصلب، الموت وقيامة المسيح؟
هنالك صلة قوية بين الصليب والقيامة التي لا يمكن للمسيحي ان ينساها من دون هذه الصلة، تمجيد الصليب كان من الممكن ان يعني تبرير العذاب والموت لكي لا نجد فيهما سوى نهاية محتمة. بالنسبة للمسيحيين تمجيد الصليب يعني المشاركة في المحبة غير المشروطة التي يكنها الله للانسان. انه فعل ايمان! تمجيد الصليب، في منظور القيامة يعني الرغبة في العيش وفي التعبير عن هذه المحبة، انه فعل محبة! تمجيد الصليب يؤدي الى الالتزام بالتحول الى رسل المناولة الاخوية والكنسية ومصدر الشهادة المسيحية الحقيقية، انه فعل رجاء. عندما ننظر الى وضع كنائس الشرق الاوسط الحالي نجد ان آباء المجمع الكنسي تمكنوا من التفكير بافراح واحزان كما مخاوف وآمال رسل المسيح الذي عاش في هذه المنطقة. وقد تمكنت الكنيسة بهذه الطريقة من سماع صرخة القلق والانتباه الى نظرة العديد من الرجال والنساء اليائسين والذين يعانون من اوضاع بشرية ومادية صعبة، والذين يعيشون توترات قوية في الخوق والقلق ويريدون ان يتبعوا المسيح، الذي يعطي معنى لوجودهم، والذين وجدوا انفسهم ممنوعين عن ذلك.
في الوقت نفسه تمكنت الكنيسة من اكتشاف ما هو جميل ونبيل في هذه الكنائس على هذه الارض. كيف لا نشكر الله على كل لحظة من اجلكم كلكم (الفقرة الاولى من الارشاد الرسولي) يا مسيحيو الشرق الاوسط؟ كيف لا نمجده من اجل شجاعتكم في الايمان؟ كيف لا نشكره من اجل شعلة المحبة اللامتناهية التي تحتفظون بها مشتعلة في هذه الاماكن التي كانت الاولى التي استقبلت ابنه المتجسد؟ كيف لا نعبر له عن تقديرنا للشراكة الكنسية والاخوية والتضامن البشري مع كل اطفال الله؟
ان الكنيسة في الشرق الاوسط تجعل اعادة التفكير في الحاضر من اجل التطلع نحو المستقبل في أعين المسيح مجالا ممكنا. من خلال الارشاد الانجيلي والرعوي تتم الدعوة الى تعميق التأمل الروحي والكنسي والدعوة الى التجدد الديني والليتورجي، كما انها تدعو الى الحوار، الارشاد يشير الى طريق لاعادة اكتشاف ما هو اساسي: ان تتبع المسيح حتى في الحالات الصعبة احيانا والمؤلمة التي تؤدي الى اغراءات لتجاهل او حتى نسيان تمجيد الصليب.
اننا مدعوون هنا والان للاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام، والخدمة على السيطرة، والتواضع على الكبرياء، والوحدة على الانقسام.
في ضوء احتفالنا اليوم، ونظرا للتطبيق المثمر للارشاد احضكم جميعا ان لا تخافوا وان تمسكوا بالحقيقة ونقاوة الايمان. هذه هي لغة الصليب المجيدة، هذه هي محبة الصليب بجنون: محبة يمكنها ان تحول الآمنا الى اعلان عن حب الله ورحمة لجيراننا، محبة جنونية قادرة على تحويل هؤلاء الذين يعانون بسبب ايمانهم وهويتهم الى اناء من فخار جاهز للامتلاء بعطايا إلهية أثمن من الذهب. ولا نتكلم هنا عن لغة محض شعرية، بل عن نداء عاجل للقيام بأفعال حسية تشبه دائما المسيح، أفعال تساعد مختلف الكنائس لتعكس جمال جماعات المؤمنين، أفعال تشبه الأمبراطور قسطنطين الذي استطاع تقديم شهادة واخراج المسيحيين من التمييز، لمساعدتهم على عيش ايمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الأموات بحرية وبانفتاح.
ان الكنيسة في الشرق الأوسط تقدم عناصر يمكنها ان تساعد على القيام بفحص ضمير شخصي وجماعي وبتقييم موضوعي للالتزام والرغبة في القداسة لكل تلاميذ المسيح.
ان الارشاد يظهر انفتاحا على حوار حقيقي بين الأديان، مبنيا على الايمان بالاله الواحد الخالق. كما انه يساهم بعمل مسكوني مفعم بالحب والعطاء.
ان الارشاد في كل مكوناته يسعى الى مساعدة كل واحد من تلامذة المسيح ليعيشوا على أكمل وجه وان ينقلوا بشكل حقيقي الى الآخرين ما أصبحوا عليه بعد العماد. كما يسعى الارشاد الى تطهير الايمان من كل ما يشوهه، ومن كل شيء يحجب نور المسيح.
ان كنائس الشرق الاوسط لا تخاف لأن الرب معها حتى النهاية. لا تخافوا، لأن الكنيسة العالمية تسير الى جانبكم وهي قريبة منكم انسانيا وروحيا.
انني بهذه الكلمة المليئة بالأمل والتشجيع، أودع نهار الأحد الارشاد الرسولي الى البطاركة والمطارنة والكهنة، وأطلب من الله ان يفيض بنعمه عليكم.

ثم تم توقيع الارشاد الرسولي على مذبح كنيسة بازيليك القديس بولس في حريصا في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعقيلته، ممثل مفتي الجمهورية محمد الخانقي، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، ممثل بطريرك الأقباط الكاثوليك الكاردينال أنطونيوس نجيب، السفير البابوي كابريال كاتشيا، سفير الفاتيكان جورج خوري، وزير الاتصالات نقولا صحناوي، النواب: محمد قباني، ميشال فرعون، مروان فارس، ميشال موسى، النائب السابق الياس سكاف، نقيب المحررين الياس عون، المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، مستشار رئيس الجمهورية أديب أبي عقل، مديرة "الوكالة الوطنية للاعلام" لور سليمان صعب، رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم، أمين سر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في الشرق الأب خليل علوان، الكاردينالان: ليوناردو ساندري وجان لوي توران، المونسنيور جيوفاني أنجيلو، المونسنيور جان ماري سبيش، المونسنيور باولو بوجي، الأب دومينيك لومباردو، رئيس جمعية الصناعيين نعمت افرام، رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي روجيه نسناس، مروان صحناوي عن منظمة فرسان مالطا، الشيخ غسان الحلبي، نبيل حواط وعقيلته، وسام بارودي، شربل سليمان، جلال أسعد ممثلا الطائفة العلوية في لبنان، السفير ناجي أبي عاصي، إيلي عساف، الأمير حارث شهاب.
وجلس إلى يسار البابا على المذبح حيث وقع الارشاد الرسولي: الكاردينال بارتيسيو بارتوني، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس الثالث يوسف يونان، الكاردينال نصرالله صفير، البطريرك ميشال الصايغ، ممثل بطريرك الأقباط الأنبا كيريلوس ويليام، ممثل بطريرك الكلدان المطران لويس ساكو.
أما على يمينه فجلس: بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، البطريرك فؤاد طوال، الكاثوليكوس مار باسيليوس، المونسنيور نيكولا ايتروفيتش.
ثم صافح البابا رؤساء الطوائف، وألبسه بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام بطرشيلا.

وقال البابا إثر توقيع الارشاد: "مارسوا الشراكة والشهادة ولا تخافوا لأن الله معكم حتى انقضاء الأزمنة".
ثم غادر البابا بنديكتوس السادس عشر الكاتدرائية وسط تصفيق الحضور الى مقر اقامته في السفارة البابوية بعد توقيعه على الارشاد الرسولي لكنائس الشرق الاوسط في كتدرائية مار بولس، مختتما نهاره الاول من زيارته الى لبنان.
وكان غادر الكتدرائية وسط تصفيق الحضور.

زيارة بعبدا في 15/9/2012

وصل موكب قداسة البابا الى بعبدا، عند العاشرة قبل ظهر اليوم، في "البابا موبيلي" حيث استقبلته الحشود الشعبية على جانبي الطريق المؤدي الى القصر حاملة اعلاما لبنان وفاتيكانية وصورا للبابا ولرئيس الجمهورية، فيما ازدانت الطرق بالشعارات المرحبة بقداسته وزيارته التاريخية للبنان.

ورافقت الموكب البابوي فرقة من خيالة قوى الامن الداخلي، فيما كان البابا يبارك الحشود التي حضرت لاستقباله.
كما قدمت ثلاث فرق فولكلورية هي فرقة هياكل بعلبك وفرقة بعلبك وفرقة دير الاحمر لوحات تراثية راقصة في الباحة الخارجية للقصر الجمهوري تكريما للضيف الكبير.
ولدى وصول قداسة البابا الى البهو الرئيسي للقصر، كان في استقباله الرئيس سليمان وعقيلته السيدة وفاء. وبعدما قدم اليه حفيدا رئيس الجمهورية باقة من الورد، بارك البابا القربان قبل ان يرافقه رئيس الجمهورية وسط صفين من رماحة الحرس الجمهوري الى "صالون السفراء".

لقاء مع البابا
وبعد لقاء ثنائي بين البابا والرئيس سليمان، قدم رئيس الجمهورية افراد عائلته الى الحبر الاعظم، لتلتقط من ثم الصورة التذكارية.

السجل الذهبي وتبادل الهدايا
ووقع البابا على السجل الذهبي للقصر، ليتم بعد ذلك تبادل للهدايا حيث قدم الرئيس سليمان للحبر الاعظم عملات نقدية على شكل صليب يعود تاريخها الى عدة حضارات اجتمعت على ارض لبنان ابتداء من القرن الاول وحتى القرن العاشر وترمز الى ان لبنان ملتقى حوار الحضارات عبر التاريخ، فيما قدم اليه البابا مخطوطة اصلية قديمة مكتوبة بخط يد احد رسل السيد المسيح..

ثم قدم الرئيس سليمان الى الحبر الاعظم الاصدار الاول من الطابع التذكاري الخاص بالزيارة.

لقاء مع الرئيس بري
وفي ختام اللقاء، غادر رئيس الجمهورية صالون السفراء ليعقد لقاء بين قداسة البابا ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قدم اليه فيما بعد عقيلته. والتقطت بعد ذلك الصورة التذكارية.

لقاء مع الرئيس ميقاتي
وبعد مغادرة الرئيس بري وعقيلته القاعة، عقد لقاء بين البابا ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، انضمت اليه فيما بعد عائلة رئيس مجلس الوزراء. وبعد التقاط الصورة التذكارية، تم تبادل للهدايا، حيث قدم الرئيس ميقاتي للبابا صليبا مذهبا يعود الى القرن الثامن عشر فيما قدم اليه البابا مسابح.

لقاء رؤساء الطوائف الاسلامية
ثم عقد لقاء بين قداسة البابا ورؤساء الطوائف الاسلامية، حضره مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن ورئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وامين سر الكرسي الرسولي ترسيسيو برتوني ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الاديان جان لوي توران والسفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشيا، تناول الحوار بين الاديان والخطوات المنوي تنفيذها لوضع مضمون الارشاد الرسولي موضع التنفيذ. والتقطت في ختام اللقاء الصورة التذكارية.

زرع ارزة
وتوجه الحبر الاعظم يرافقه رئيس الجمهورية بعد ذلك، الى حديقة الرؤساء حيث زرع ارزة تحمل اسمه وتاريخ الزيارة تخليدا للمناسبة.

لقاء جامع
ثم انتقل البابا ورئيس الجمهورية الى صالون 25 ايار حيث عقد لقاء جامع حضره السيدة الاولى، الرئيسان بري وميقاتي وعقيلتاهما، الرئيس امين الجميل وعقيلته، عقيلات رؤساء الجمهورية السابقين صولانج الجميل ومنى الهراوي ونايلة معوض، رؤساء الحكومة السابقون: سليم الحص، النائب العماد ميشال عون وعقيلته، وفؤاد السنيورة وعقيلته، نائبا رئيسي مجلسي النواب والوزراء وعقيلتاهما، رؤساء الطوائف الروحية في لبنان، وزراء ونواب حاليون وسابقون، اعضاء السلك الديبلوماسي والقنصلي، قادة الاجهزة الامنية والعسكرية، اعضاء السلك القضائي وكبار الشخصيات والفاعليات السياسية والاقتصادية والنقابية.

كلمة سليمان
في بداية اللقاء، القى رئيس الجمهورية كلمة رحب فيها بالبابا وجاء فيها: "يرتدي هذا اللقاء الجامع، في مشهديته ومقاصده، كما وفي رمزية المكان وخصوصية الزمان، أهمية استثنائية وبعدا تاريخيا مميزا.
تأتون إلى لبنان حاملين رسالة محبة وسلام، في خطى سلفكم الكبير الطوباوي يوحنا بولس الثاني، الذي أهدى اللبنانيين في العاشر من أيار 1997 إرشادا رسوليا، ملؤه الحكمة والرؤيوية والرجاء : "رجاء جديد للبنان"، وأكد فيه بعبارات ملهمة بأن "لبنان هو أكثر من بلد، أنه رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب".
في هذه المرحلة المفصلية من حياتنا الوطنية، التي ينزلق فيها البعض من حولنا نحو منطق العنف ومخاطر التشرذم والتباعد الطائفي والمذهبي، وتسعى فيه الشعوب العربية، بتعثر، لتلمس مستقبلها وخياراتها الفضلى، فإننا على يقين، صاحب القداسة، أن زيارتكم للبنان ستساهم بإعادة البريق إلى وهج رسالته، وتسليط الضوء على موقعه ودوره الرائد وسط محيطه، كوطن للحوار والتلاقي والتوافق، وكنموذج حي ومركز دولي مرتجى، لحوار الحضارات والثقافات والديانات، على ما دعوت إليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لقد تعاهدنا منذ البدء، صاحب القداسة، على العيش معا، في كنف الدولة، في إطار نظام ديموقراطي يضمن حرية الرأي، ويسمح بالتداول الدوري والسلمي للسلطة، وقد جاء في المادة التاسعة من الدستور اللبناني "أن حرية الاعتقاد في لبنان مطلقة وبأن الدولة تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها".
والعيش معا بالنسبة للبنانيين، ليس معادلة جامدة، بل تكامل إنساني بناء، وتفاعل فكري وثقافي منتج، وإغناء متبادل وانتماء، وهو في صلب فلسفة كيانهم الوطني، يستند إلى إرادة سياسية حرة ومتجددة، ويترجم على الصعيد العملي، في مشاركة جميع الطوائف والمجموعات المكونة للمجتمع، في إدارة الشأن العام، بصورة متكافئة ومتوازنة، وصولا إلى الدولة المدنية الضامنة لحقوق جميع المواطنين من دون تمايز أو تفاضل.
هذا جوهر ما توافقنا ميثاقيا عليه، وما نعمل دوما على تطوير صيغته وترسيخ ركائزه من طريق التفهم والتفاهم والحوار، بالرغم مما يعترضنا أحيانا من عثرات ويصيبنا ظرفيا من كبوات.
نعلم قداسة الحبر الأعظم، أن لا مصالح اقتصادية أو مادية للكرسي الرسولي، في رسم سياساته وتوجهاته، بل حرص موضوعي وغيور على الخير العام وعلى كرامة الإنسان وهنائه.
لذا تحمل رسالتكم إلى لبنان، وانطلاقا منه إلى المنطقة بأكملها، بمسيحييها وبمسلميها، وبجميع مكوناتها الدينية والطائفية والاجتماعية، وإلى المنتشرين اللبنانيين والمشرقيين في كل أصقاع الدنيا ورحابها، مضمونا نقيا منزها عن الأطماع والأهواء، وخصوصا من خلال الإرشاد الرسولي للسنيودوس الخاص لمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي وقعتم عليه بعد ظهر البارحة، وهو إرشاد يحمل من المضامين والتوصيات والعبر ما يصلح أن يكون نبراسا وهادياإلى زمن بعيد آت، وخريطة طريق للمسيحيين المشرقيين ولكل سالك لطريق الشراكة والمحبة والعدالة والسلام.
من هذا المنطلق نضع تجربتنا اللبنانية الفريدة، تحت نظركم الكريم، وهي تجربة لم تنل منها الصعاب التي امتحنت إرادتنا بالعيش معا، خلال العقود المنصرمة، وإن كانت التحديات ما زالت تعترض مسيرتنا الوطنية، في عالم متقلب ومتداخل، ومن بين هذه التحديات، العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بكل مندرجاته، وثني إسرائيل عن خروقاتها وتهديداتها المتمادية ضد لبنان، ومواجهة خطر الإرهاب والدسائس والفتن، والحؤول دون أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضينا،ليس فقط لتعارض التوطين مع أحكام الدستور اللبناني، ومع مقتضيات وفاقنا الوطني، بل كذلك لتناقضه أساسا مع حق هؤلاء اللاجئين الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، إضافة إلى ضرورة تحقيق التنمية المتوازنة، وحماية البيئة، وتوفير فرص عمل للمواطنين، ولا سيما منه فئة الشباب ، لتعزيز محفزات تمسكهم بأرضهم وهويتهم وتراثهم.
ويرتدي دعمكم للبنان في هذا الظرف بالذات صاحب القداسة، أهمية قصوى، لما تمثلونه ويمثله الكرسي الرسولي من مكانة روحية سامية ومن سلطة معنوية مؤثرة.
كذلك سرنا أن يكون مجلس الأمن الدولي، ومن بعده مجلس الاتحاد الأوروبي، والعديد من المرجعيات الروحية والدول، أشادوا بالدعوة الى استئناف أعمال هيئة الحوار، "وبإعلان بعبدا" الذي أعاد تأكيد وصوغ مرتكزات وفاقنا الوطني، وأكدوا دعمهم لكل ما يعزز فرص الاستقرار.
قداسة الحبر الأعظم، لقد توافقنا في لبنان على ضرورة تجنب التداعيات السلبية الممكنة لما يحصل حولنا من أحداث، وعلى تحييد بلادنا عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، درءا للمخاطر، وحرصا منا على استقرارنا ووحدتنا الوطنية، من دون أن ننأى بنفسنا بطبيعة الحال، عن واجب التزام القضايا العربية المحقة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وقرارات الشرعية الدولية، وكل شأن إنساني.
من هنا إيلاؤنا كل اهتمام ورعاية ممكنة، لعشرات آلاف النازحين السوريين الذين وفدوا إلى الأراضي اللبنانية، نتيجة خوف أو حاجة أو ضيق. كذلك أعلنا منذ البدء أن لبنان يتمنى للشعوب العربية الشقيقة، وللشعب السوري بالذات، ما تريده لنفسها من إصلاح وحرية وديموقراطية، وأن تتمكن من تحقيق مطالبها المشروعة بالطرق الحوارية والسياسية المناسبة، بعيدا من أي شكل من أشكال العنف والإكراه.
إلا أن هذه الديموقراطية، على ما يفترض أن توفره من استقرار وهناء، لا يمكنها أن تستقيم وتترسخ، من منظار المنطق والعدل، إذا لم يتيسر لها تحقيق المستلزمات الآتية:
أولا: إشراك المكونات البشرية والحضارية المتنوعة للعالم العربي، ومن بينها المكون المسيحي المتجذر في هذا الشرق منذ أكثر من ألفي سنة متتالية، في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام، بصرف النظر عن النسب العددية، على قاعدة المواطنة والتنوع من ضمن الوحدة. كما أشرت إلى ذلك في كلمتي أمام القمة العربية في بغداد بتاريخ 29 آذار الفائت، فتطمئن هذه المجموعات المكونة للذات العربية بمختلف أبعادها الثقافية والفكرية إلى وجودها وحضورها وتساهم بصورة أفضل في نهضة وتقدم بلدانها.
ثانيا: تحقيق العدالة الاجتماعية، والتزام الحريات العامة وحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة، وإعطاء الشبيبة دورها وحقها في عملية صناعة القرار.
ثالثا: الالتزام بصورة أكثر عمقا وتبصرا بموضوع الحوار بين الحضارات والثقافات والديانات، بما في ذلك الحوار بين الطوائف والمذاهب، على قاعدة الاحترام المتبادل في وجه محاولات التفرقة بعيدا عن منطق التقوقع أو التصادم والغلبة.
رابعا: دفع المجتمع الدولي إلى فرض حل عادل وشامل لكافة أوجه الصراع العربي الإسرائيلي ولقضية فلسطين، بما في ذلك مسألة الوضع الخاص لمدينة القدس وللأماكن المقدسة، وفق جدول زمني ملزم محدد، يحول دون تكريس أي أمر واقع يهدف إلى إقامة المستوطنات غير الشرعية وتهويد القدس وتكريس الاحتلال. ومثل هذا الحل، لا يمكن أن يكتسب صفة الثبات، إذا لم يستند إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعية مؤتمر مدريد، والمبادرة العربية للسلام التي أقرت في بيروت منذ عقد من الزمن.
وتبقى القدس دائما وأبدا في وجداننا، زهرة المدائن، ومدينة السلام ونقطة الجذب التي من المفترض أن يستقيم فيها العدل، فتسير إليها جميع الشعوب المؤمنة وتلتقي، على قاعدة الألفة والمحبة والإيمان، في حضرة الإله الواحد الأحد.
قداسة الحبر الأعظم، في وجه المآسي والمحن، وعند كل امتحان للطباع والإرادات، بإمكان المرء أن يتفرج ويتنحى جانبا، أو أن يهرب ويبتعد، أو أن ينخرط بشجاعة في الحركة التضامنية الكريمة، من أجل بلسمة الجراح، وإعادة بناء ما تهدم، ووصل ما انقطع، أو مواساة من أصابه سوء أو ضرر.
دعوتي إلى المواطنين، وإلى فئة الشباب منهم بشكل خاص، في حضوركم وبمباركتكم صاحب القداسة، إلى ألا ينزلقوا يوما نحو الانكفاء أو الانعزال أو التطرف، بل أن يقدموا على العمل الهادف لتثمير مواهبهم وخدمة الخير العام، وأن يلتزموا دوما روح الانفتاح والعطاء التي تميزهم، وأن يحافظوا على إيمانهم وذواتهم الإنسانية، وعلى مجمل القيم الروحية والعائلية التي سمحت لهم بأن يغالبوا الصعاب وأن يفوزوا بالكثير من نعم الله، فيبقى لهم ومعهم لبنان، واحة لحوار الأفكار والقلوب، ومنارة فكر إيجابي، وجسر تواصل وتكامل، ورسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب.
ومع ذلك فإننا نعي أن الديموقراطية والعدالة والسلام واحترام الرأي الآخر، وروح المحبة والحوار، هي ثقافة قبل كل شيء، ونهج تفكير وحياة، وهي مسؤولية تربوية وإعلامية ومجتمعية تقع على عاتق القيادات والهيئات الروحية والزمنية على السواء، في عالم مترابط بات يغلب عليه الشك والاضطراب، فيما تتعثر فيه الجهود الهادفة إلى إقامة نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا والتصاقا بالقيم.
يشرفنا قداسة الحبر الأعظم أن نرحب بكم تكرارا، وأن نصغي بإمعان إلى الرسالة المحورية التي رغبتم في توجيهها من هذا الموقع بالذات، غداة توقيعكم على الإرشاد الرسولي. عشتم، عاش الكرسي الرسولي وعاش لبنان".

البابا
ثم القى البابا الكلمة الآتية: " بكلمات السيد المسيح هذه، أريد أن أحيكم وأشكركم، "سلامي أعطيكم"، (يو 14,27) على استقبالكم وعلى حضوركم. فخامة الرئيس، إني أشكركم لا فقط على كلماتكم القلبية، بل أيضا لسماحكم بهذا اللقاء. منذ قليل قمنا معا بزراعة أرزة لبنان، رمز بلدكم الجميل. وعند رؤيتي لهذه الشجيرة وللرعاية التي ستحتاجها حتى تنمو فروعها المهيبة، فكرت في بلدكم وفي مصيره، في اللبنانيين وآمالهم، في جميع الأشخاص في هذه المنطقة من العالم والذي يبدو أنهم يعيشون آلام المخاض بدون نهاية. عندها طلبت من الله أن يبارككم، ويبارك لبنان، ويبارك كل سكان هذه المنطقة التي رأت ولادة ديانات كبرى وثقافات نبيلة. لماذا اختار الله هذه المنطقة؟ ولماذا تعيش في جو عاصف؟ لقد اختارها الله، على ما أعتقد، لكي تكون نموذجية، لكي تشهد أمام العالم أنه بإمكان الإنسان أن يعيش عمليا رغبته في السلام والمصالحة! هذا التطلع مدون منذ الأزل في مخطط الله، الذي طبعه في قلب الإنسان. فإنني أرغب أن أتوقف هنا لأكلمكم عن السلام، لأن يسوع قال: "سلامي أعطيكم".
أي بلد هو غني قبل كل شيء بالأشخاص الذين يحيون على أرضه. يتوقف على كل شخص منهم وعليهم كلهم مجتمعين مستقبله وقدرته على أن يتجند من أجل السلام. إلتزام كهذا لن يكون ممكنا إلا داخل مجتمع موحد. إنما الوحدة لا تعني التماثل. إن تماسك المجتمع يؤمن عبر الإحترام المستقر لكرامة كل شخص والمشاركة المسؤولة لكل إنسان، كل بحسب قدراته، بإستعمال أفضل ما لديه. لتوفير الدينامكية الضرورية لبناء وتعزيز السلام، يجب الرجوع بلا كلل لركائز الكائن البشري. كرامة الإنسان غير منفصلة عن الطابع المقدس للحياة الموهوبة من الخالق. في تصميم الله، كل شخص فريد وغير قابل للاستبدال. يأتي إلى العالم داخل أسرة، هي مكانه الأول للأنسنة، وهي، قبل كل شيء، مربيته الأولى على السلام. إذا لبناء السلام، يجب أن يتركز انتباهنا على الأسرة لتسهيل مهمتها، وذلك لدعمها، وبالتالي ترويج ثقافة الحياة في كل مكان. تعتمد فاعلية أي التزام من أجل السلام على الإدراك الذي يملكه العالم للحياة البشرية. إذا كنا نريد السلام، فلندافع عن الحياة! هذا المنطق لا يستبعد الحرب والأعمال الإرهابية فقط، بل يراعي حياة الكائن البشرية، الخليقة التي أرادها الله. اللامبالاة أو الإنكار لما يشكل طبيعية الانسان الحقيقية يمنع احترام تلك القواعد التي هي التشريع الطبيعي المدون في القلب الإنساني (رسالة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة يوم السلام العالمي 2007، رقم 3). إن عظمة كل شخص وسبب وجوده تكمن في الله وحده. لهذا السبب، فالاعتراف غير المشروط بكرامة كل كائن بشري، كل واحد منا، كما الإعتراف بطابع الحياة المقدس يتطلبان مسؤولية الجميع أمام الله. إذا علينا أن نوحد جهودنا لتطوير انثروبولوجيا سليمة تشمل وحدة الشخص. بدونها، لا يمكن بناء السلام الحقيقي.
رغم أنها تظهر جليا في البلدان التي تعرف صراعات مسلحة، فإن الهجمات على سلامة وحياة الأشخاص موجودة أيضا في بلدان أخرى. إن البطالة والفقر والفساد والإدمان بمختلف أشكاله، والاستغلال والاتجار بكل أصنافه، والإرهاب، تسبب، مع ألم ضحاياها غير المقبول، إضعافا للمقدرة البشرية. يريد المنطق الاقتصادي والمالي بلا هوادة أن يفرض نيره، وأن يقدم الامتلاك على الكينونة. لكن فقدان أي حياة بشرية هي خسارة للبشرية بأسرها. لأن البشرية هي عائلة كبيرة وجميعنا مسؤولون عنها. بعض الايدولوجيات في تشكيكها- بشكل مباشر أو غير مباشر، أو حتى قانوني- في القيمة الثابتة لكل شخص ولأساس العائلة الطبيعي تنسف أسس المجتمع. يجب أن ننتبه لهذه التطاولات على بناء وتناغم العيش معا. وحده التضامن الفعال يشكل الترياق ضد كل هذا. التضامن من أجل رفض ما يعيق احترام كل حياة بشرية، التضامن لمساندة السياسات والمبادرات بطريقة مخلصة وعادلة التي تهدف لتوحيد الشعوب. من الطيب رؤية أفعال التعاون والحوار الحقيقي تؤسس لطريقة جديدة للحياة معا. إن نوعية أفضل للحياة وللتطور الشامل غير ممكنة، إلا في مقاسمة الخيرات والمسؤوليات، ضمن إحترام هوية كل فرد. لكن أسلوب حياة مشترك وهادئ ودينامي كهذا لا يمكنه أن يكون بدون الثقة في الآخر، مهما كان هذا الآخر. اليوم، الاختلافات الثقافية والاجتماعية والدينية يجب أن تؤدي إلى عيش نوع جديد من الأخوة، حيث ما يوحد بالتأكيد هو المعنى المشترك لعظمة كل شخص، ولكونه عطية لنفسه وللآخرين وللبشرية. في هذا يوجد طريق السلام، في هذا يكمن الالتزام المطلوب منا، في هذا يقطن التوجه الذي يجب أن يقود الخيارات السياسية والاقتصادية، في كل المستويات وعلى نطاق عالمي.
إذا الواجب الأول لفتح مستقبل سلام للأجيال القادمة، هو التربية على السلام لبناء ثقافة سلام. التربية، في الأسرة أو في المدرسة، يجب أن تكون وقبل كل شيء تربية على القيم الروحية التي تعطي عملية نقل المعرفة والتقاليد الخاصة بثقافة ما، معناها وقوتها. يمتلك الفكر البشري الحس الفطري لتذوق الجمال والخير والحق. إنه الختم الإلهي، بصمة الله فيها! من هذا الشوق الكوني ينبع إدراك أخلاقي ثابت وصادق، يضع دائما الشخص في المركز. غير أن الإنسان يتجه نحو الخير بملء حريته فقط، لأن "كرامة الإنسان تتطلب منه أن يتصرف استنادا إلى إختيار حر وواع مدفوعا باقتناع شخصي يحدد موقفه، لا تحت الدوافع الغريزية أو الضغط الخارجي" (فرح ورجاء، 17). واجب التربية هو مرافقة نضج المقدرة على القيام باختيارات حرة وصحيحة، والتمكن من الذهاب ضد تيار الآراء الرائجة والموضة والايدولوجيات السياسية والدينية. تأسيس ثقافة السلام يتطلب هذا الثمن! يتحتم بالطبع حظر كل عنف شفوي أو جسدي. لأنه دائما تطاول على الكرامة الإنسانية، كرامة المعتدي وكرامة الضحية. بالمقابل، من خلال تقدير الأعمال السلمية وتألقها من أجل الخير العام، نخلق أيضا الاهتمام بالسلام. كما يشهد التاريخ، لفتات سلام كهذه لديها دور مهم في الحياة الاجتماعية والوطنية والدولية. التربية على السلام ستشكل كذلك رجالا ونساء كرماء وحقانيين، ومنتبهين للجميع، ومهتمين خاصة بالأشخاص الأكثر ضعفا. أفكار السلام، وكلمات السلام، وأفعال السلام تخلق مناخا من الإحترام والإستقامة والمودة، حيث يمكن الاعتراف بالأخطاء والإهانات بالحق للتقدم سوية نحو المصالحة. ليفكر رجالات الدولة والمسؤولون الدينيون مليا في ذلك!
يجب أن ندرك جيدا أن الشر ليس قوة مجهولة تتصرف في العالم بطريقة غير شخصية أو حتمية. الشر، الشيطان، يمر من خلال الحرية البشرية، عبر استخدامه لحريتنا. يبحث عن حليف، الإنسان. إن الشر يحتاج إليه ليتفشى. ومن ثم، بعد أن أهان الوصية الأولى، أي محبة الله، يأتي لإفساد الوصية الثانية، أي محبة القريب. معه تختفي محبة القريب لمصلحة الكذب والحسد والكراهية والموت. إنما من الممكن عدم ترك الشر يغلبنا، بل أن ننتصر عليه بالخير (راجع: روم 12,21). إننا إلى توبة القلب هذه لمدعوون. بدونها، ال"إطلاقات" الإنسانية المرجوة جدا تخيب، لأنها تتحرك داخل الفسحة الضيقة المنسجمة مع ضيق أفق الإنسان، وقسوته، وعدم تساهله، ومحاباته، ورغباته في الثأر، ودوافعه للموت. إن التحول في عمق النفس والقلب ضروري من أجل إيجاد بصيرة أكيدة وحيادية موثوقة والمعنى العميق للعدالة وللخير العام. نظرة جديدة وأكثر حرية ستمكن من التحليل والتساؤل حول الأنظمة الإنسانية التي تؤدي إلى طرق مسدودة، من أجل التقدم مع الأخذ بالإعتبار الماضي لكي لا نكرره أبدا مع تأثيراته المدمرة. إن هذه التوبة المطلوبة رائعة لأنها تفتح إمكانات بتعويلها على الموارد غير المحدودة التي تقطن قلب كثير من الرجال والنساء الراغبين في العيش بسلام والمستعدين للتطوع من أجل السلام. إنها وبشكل خاص متطلبة: لأنه يقتضي أن نقول لا للثأر، أن نعترف بأخطائنا، ونقبل الأعذار بدون التماسها، وأخيرا أن نغفر. لأن وحدها المغفرة الممنوحة والمقبولة تضع الأساسات الدائمة للمصالحة وللسلام للجميع (راجع: رم 12,16ب.18).
عندئذ فقط يمكن أن ينمو التفاهم الجيد بين الثقافات والأديان، والتقدير بدون استعلاء طرف ما على بقية الأطراف، واحترام حقوق كل منها. في لبنان، المسيحية والإسلام يعيشان في نفس الفسحة منذ قرون. ليس نادرا أن نجد أشخاصا من الديانتين يحملون إسم العائلة نفسها. إذا كان ذلك ممكنا في عائلة واحدة، لماذا لا يكون على صعيد المجتمع بأكمله؟ خصوصية الشرق الأوسط تكمن في التمازج العريق لمكونات مختلفة. إن المجتمع المتعدد لا يوجد إلا عبر الإحترام المتبادل، والرغبة في معرفة الآخر والحوار المتواصل. إن الحوار غير ممكن إلا في الوعي أن هناك قيما مشتركة بين جميع الثقافات الكبرى، لأنها متأصلة داخل طبيعة الشخص البشري. هذه القيم التي هي كالركيزة، تفسر الأوجه الأصيلة والمميزة للبشرية. إنها تنتمي لحقوق كل كائن بشري. ففي تأكيد وجودها، تقدم مختلف الديانات مساهمة قاطعة. ليس علينا أن ننسى أن الحرية الدينية هي الحق الأساسي الذي تركن عليه حقوق عديدة الأخرى. المجاهرة بالديانة وعيشها بحرية بدون أن يعرض الشخص حياته وحريته للخطر يجب أن يكون ممكنا للجميع. فقدان أو إضعاف هذه الحرية يحرم الشخص من الحق المقدس في عيش حياة كاملة على المستوى الروحي. إن ما يسمى بالتسامح لا يستأصل التعصب، إنه أحيانا يزيده. بدون الانفتاح على المتعالي الذي يسمح بإيجاد إجابات عن الأسئلة التي تثار في قلب الإنسان عن معنى الحياة وكيفية العيش وفقا للأخلاق، يصبح الإنسان عاجزا عن التحرك وفقا للعدالة وعن الالتزام في سبيل السلام. للحرية الدينية بعد إجتماعي وسياسي لا غنى عنه للسلام! إنها تروج لتعايش و حياة متناغمتين، من خلال الالتزام المشترك في خدمة القضايا النبيلة وعبر البحث عن الحقيقة التي لا تفرض نفسها من خلال العنف، إنما عبر "قوة الحقيقة نفسها" (كرامة الإنسان، 1)، هذه الحقيقة التي في الله. لأن المعتقد المعاش يقود دائما إلى المحبة. المعتقد الأصيل لا يمكن أن يقود إلى الموت. صانع السلام هو متواضع وبار. إذا للمؤمنين اليوم دور جوهري، وهو الشهادة للسلام الذي يأتي من الله وهو عطية تمنح للجميع في الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية (راجع: متى 5، 9؛ عب 12، 14). تقاعس الأناس الصالحين عليه ألا يسمح للشر بأن ينتصر. الأسوأ هو عدم فعل اي شيء.
هذه التأملات القليلة عن السلام والمجتمع وكرامة الإنسان، وعن قيم الأسرة والحياة، وعن الحوار والتضامن لا يمكن أن تبقى مجرد مثل عليا معلنة. بل يمكن ويجب أن تعاش. نحن في لبنان وهنا يجب أن تعاش. لبنان مدعو، الآن وقبل أي وقت مضى، أن يكون مثالا. أيها السياسيون والدبلوماسيون ورجالات الدين، ويا رجال ونساء عالم الثقافة، أدعوكم إذا أن تشهدوا بشجاعة، في وقته، وبالرغم من العراقيل المحيطة بكم، أن الله يريد السلام، الله يستودعنا السلام. "سلامي أعطيكم" يقول لنا المسيح (يو 14,27)! فليبارككم الله! شكرا!".

المغادرة
ثم غادر قداسة البابا صالون 25 أيار يرافقه سليمان وعقيلته وسط صفين من الرماحة حيث ودع رئيس الجمهورية وعقيلته الحبر الاعظم قبل مغادرته القصر.

بطريركية الارمن الكاثوليك في بزمار
وظهرا، وصل الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر الى مقر بطريركية الأرمن الكاثوليك في بزمار، تلبية لدعوة البطاركة والأساقفة وأعضاء مجلس البطاركة الكاثوليك إلى مأدبة غداء في مقر البطريركية في بزمار.
ودخل الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر الى مقر بطريركية الأرمن الكاثوليك في بزمار، على وقع ترنيمة هراشابار، ورفع صلاة تبريك لتمثال الراهب هاغوب ميغابارت الذي طبع أول كتاب باللغة الأرمنية، متوسطا بطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بيدروس التاسع عشر ورئيس الدير غابريال موراديان.

وبعد رفع العلم البابوي عن التمثال، منح البركة لجميع الحاضرين، وتسلم هدية تذكارية قدمها البطريرك نرسيس ورئيس الدير، وهي عبارة عن نموذج صغير للراهب ميغابارت.

وكان في استقبال البابا بطاركة الشرق الكاثوليك: بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك يوحنا يونان والكاردينال نصر الله صفير. وقد رفعت البطريركية الأرمنية العلم البابوي والعلمين اللبناني والارمني، وصورة عملاقة للبابا الذي رافقه السفير البابوي غابريال كاتشا، أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال تريسيزيو برسوني، رئيس مجمع كنائس الشرق الأوسط في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان الكاردينال جان لوي توران، رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيين الكاردينال كورت كوخ وأمين عام سينودس الاساقفة المونسنيور نيكولا ايتيروفيتش.
بدروس
ألقى بطريرك الأرمن للروم الكاثوليك نرسيس بدروس كلمة خلال حفل الغداء في دير سيدة بزمار، على شرف البابا بنديكتوس السادس عشر، قال فيها:" إن امتاننا لكم اليوم له أهمية خاصة لأنكم أول خليفة للقديس بطرس تزور هذا الدير الذي شيد عام 1749 ليكون مقرا لبطريركيتنا. إن سلفكم البابا بنديكتوس الرابع عشر سعيد الذكر قام بترميم الصرح البطريركي للأرمن الكاثوليك بتأكيد انتخاب البطريرك ابراهام ارتدزيفين كمسوؤل روحي للكنيسة البطريركية في كيليكيا للأرمن الكاثوليك والتي اضطرت إلى اللجوء إلى جبل لبنان والاختباء بين الموارنة هربا من الاضطهاد والذين أعطاهم البابا بنديكتوس الرابع عشر "الباليوم" كرمز للانصهار مع كرسي القديس بطرس في 8 كانون الأول 1748".
وأضاف: "كذلك، يعود الفضل إلى البابا بنديكتوس الخامس عشر سعيد الذكر والذي كان شاهدا على مجازر الابادة في حق الشعب الأرمني في إسماع صوت العدالة من خلال رسالة وجهها في 10 أيلول 1915 إلى السلطان العثماني محمد الخامس. لكن صوته لم يكن مسموعا. وأنتم أيضا يا قداسة البابا افتتحتم وباركتم الساحة الصغرى للقديس غريغوريوس المنور في الرواق الذي يحيط ببازيليك القديس بطرس في الفاتيكان في شباط 2008، في حضور ممثلي كاثوليكوس الأرمن في اتشميادزين وأنطلياس".
وتابع:" وقد باركتم اليوم تمثال الراهب الأرمني هاغوب ميغابارد أو يعقوب الخاطىء الذي نحت في الذكرى ال 500 لطباعة أول كتاب أرمني في البندقية عام 1512 وهو كتاب صلوات للمسافرين والحجاج الأرمن. إن تاريخ الكنيسة الأرمنية لا يمكن أن يكتب من دون العودة إلى مراجع بابوبة موجودة في الكرسي الرسولي".
وأضاف: "إن ذكرنا للباباوات الثلاثة الحاملين إسم بنديكتوس يعود إلى البركة التي أعطوها لكنيستنا. فإسم بنديكتوس يعني باللغة العربية "مبارك" أي مبارك من الله، وإن حامل هذا الاسم يبارك باسم الله النفوس لكي يقودها إلى المسيح".
وختم:"حضرة الأب الأقدس إن لبنان واللبنانيين، ومن خلالهم بلدان الشرق الأوسط وشعوبه، انتظروا مجيئكم بأمل كبير. هذه الزيارة التي صلى من أجلها مسيحيو لبنان مدركين أن هذه الزيارة ستحمل، كما زيارة سلفكم يوحنا بولس الثاني عام 1997، ثمار السلام التي تفتقدها شعوب العالم العربي. وهي ستحمل ثمار المسامحة المتبادلة والحوار البناء والتعاون المثمر لتأمين الوحدة بين مختلف مكونات هذا البلد، ولتجعل من لبنان دائما بلد الرسالة لشعوب الشرق الأوسط. وفي انتظار الحصول على الارشاد الرسولي من أيديكم نحن في انتظار الكلمة التي ستلقونها".

البابا
وألقى البابا بنديكتوس السادس عشر كلمة في خلال الغداء في دير بزمار كلمة حيا فيها الحضور وقال: "أعبر عن تقديري العميق لغبطة البطريرك الكاثوليكوس نرسيس بدروس على هذه الدعوة وللكلام الذي وجهه إلي، كذلك أعبر عن تقديري لرئيس هذا الدير. لقد شاءت العناية الالهية أن نلتقي في دير بزمار هذا الدير الذي يمثل الكثير للكنيسة الأرمنية الكاثوليكية. وبالنسبة إلينا، إن الراهب هاغوب ميغابارد الخاطىء هو مثال للصلاة والتخلي عن كل الماديات والوفاء للمخلص. فمنذ 500 عام، قام هذا الراهب بطباعة كتاب الجماعة، رافعا جسرا بين الشرق والغرب المسيحي، وفي مدرسته يمكننا أن نتعلم معنى الرسالة، شجاعة قول الحقيقة وقيمة الأخوة في الوحدة. والآن ونحن نستعيد قوانا من خلال هذه المائدة المعدة بحب والمقدمة بسخاء، يذكرنا الراهب هاغوب أيضا أن العطش الروحي يجب أن يسكن قلوبنا لأنه ليس "بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متى4,4).
وختم:"أعزائي بشفاعة الرسولين برتلماوس وتاديوس وبشفاعة القديس غريغوريوس المنور، نطلب من الله أن يبارك الجماعة الأرمنية التي عانت كثيرا على مر العصور وأن يرسل فعلة لحصاده وقديسين قادرين بنعمة المسيح على تغيير وجه مجتمعاتنا وشفاء القلوب الميتة ومنح الشجاعة والقوة والأمل من جديد إلى اليائسين".

 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب