تحقيق ريما يوسف
سلس، عذب، يتهادى على أنغام ربانية، تخرج من الحنجرة بأروع قافية وخاتمة، روعته تكمن بالتحدي، وسحره بتسلسله المتناغم، كلماته المرتجلة تخرج من القلب والعقل فتشكل صورة بهية يتخيل امامها الصاغي لوحة مسرحية ابطالها كثر، فيضحك حينا، وينتظر الرد الآخر حينا، إلا أنه في النهاية يصفق بقوة لكلمات دخلت الى اعماقه وحملته الى ساحة قتال بالحروف والعبر.
من منا لا يتذكر طاولة مستطيلة طويلة يجلس حولها رجال ينقرون على آلة الدف وامامهم ما لذ وطاب من الخضار والمشروب. إنه الزجل العامي، فن من فنون الأدب الشعبي، يعود اصله الى جزيرة العرب قبل الاسلام وهو شكل تقليدي من أشكال الشعر العربي باللغة المحكية. ولئن كان الشعر الشعبي نتيجة طبيعية لظهور اللغة العامية، فإنه من الثابت أن تطوره في لبنان كان بتأثير الألحان السريانية الكنسية.
وقد عرف المسيحيون الآراميون والسريان الشعر، تسابيح وأناشيد روحية لانارة العقول والايمان بالله، ولمحاربة البدع الهدامة. كما عرفه الغربيون أنغاما وصورا رومنسية، وغناء راقصا أحيانا. وأطلقه العرب القاء في الأسواق واثارة عنفية في الغزوات والصراعات القبلية. ثم تطور بعد ذلك بالانفتاح على ثقافات عدة، فطرق أبواب الحكمة والمثل، والوصف والفخر والمدح والهجاء والغزل والرثاء، وصولا الى الوطنيات والاجتماعيات وجميع الفنون والأغراض الانسانية.
الشاعر الزجلي، فنان كبير يلاسن الروعة والجلال، يحاسن البهاء والجمال، ويغزل الشعر كما الورد يغزل البهجة من زهو اللون، والنشوة من شميم العطر الذي يفوح من جبل وواد.
وللشعر الزجلي اوزان: المعنى، القصيدة، الشروقي، الشروقي القصير، والقصيدة القصيرة، القرادي، والموشح.
ومن أبرز رواد المنبر الزجلي الذين تركوا بصمتهم في لبنان ومدحوه وتفننوا الحب، وبرروا الفقر والغنى، شاعر خسره وطنه في اوج عطائه (تشرين الاول 1989)، الشاعر ادوار حرب الذي بدأ مسيرته في الستينات، ارادت جامعة رائدة بالعلم وبتكريم عمالقة من بلادي ان تقيم له نصبا تذكاريا في حرمها.
فجامعة سيدة اللويزة ونقابة شعراء الزجل في لبنان دعت الى المشاركة في الاحتفال بإزاحة الستارة عن النصب التذكاري للشاعر إدوار حرب السادسة مساء الجمعة 9 تشرين الثاني الحالي في قاعة عصام فارس في جامعة سيدة اللويزة، ذوق مصبح. يتخلل الاحتفال فيلم وثائقي عن الراحل، وكلمات لنائب رئيس الجامعة سهيل مطر ولنقيب الشعراء جورج ابو انطون، والشعراء زغلول الدامور، طليع حمدان،انطوان سعادة، القاضي غالب غانم، وكلمة الختام للشاعر بسام حرب.
حرب
وفي حديث ل "الوكالة الوطنية للاعلام" اعتبر نجله، الشاعرالزجلي بسام حرب أن "فكرة النصب التذكاري لوالده جاءت بعد سلسلة مناقشات بين الجامعة ونقابة شعراء الزجل، وخصوصا أن عددا من الزجليين اقيم لهم نصب تذكاري في بلداتهم، وقد اشتهرت الجامعة بتكريم عمالقة من لبنان كالرحابنة، وزكي ناصيف، وجبران خليل جبران، وسعيد عقل، ومي زيادة وغيرهم.
وشرح حرب مسيرة والده التي بدأت في عام 1962 مع جوقة حنا موسى، ثم اكمل ولمدة 15 عاما مع زغلول الدامور وزين شعيب وطليع حمدان، ثم ختمها مع جوقة القلعة الى ان وافته المنية.
وأشار إلى أن "محبته للشعر كانت منذ الصغر بفعل تأثره بوالده على اعتباره مثاله الاعلى، إضافة الى موهبته وشوقه للكلمة الحلوة الارتجالية".
ومن ابرز ما قال الشاعر ادوار حرب:
وجدنيات
يا أرض الهم، يا شوار النهايي انهيني نهايتي فيكي بدايي
متل الأنبيا بذات الطريقة حملت فقرك تاحملتك غنايي
غزل
مسافر وماشي الهم قدامي وخلفي حنيني وكل أحلامي
عم فتش عليكي وعلى الأيام لا لقيتك ولا لقيت أيامي
بكلمة، الشعر الزجلي هو ابن البيئة والطبيعة والتراث، وركن أساسي من أركان الثقافة الشعبية التي طبعت لبنان بخصوصية مميزة فريدة، تقوم على حضارته وتاريخه وشخصيته وهويته وعاداته وتقاليده، وحتى لغته ولهجاته المتنوعة بألفاظها ومفرداتها وتعابيرها، والتي تختلف ما بين مدينة وأخرى وبلدة وقرية، بسبب المؤثرات الثقافية والاجتماعية.
===================== ر.ي.