تحقيق جوزف فرح
وطنية - 22/8/2012 لبنان ما زال يهدر "الفرص الذهبية" التي تتيح له التقدم اقتصاديا وتحقيق نسبة نمو تذكرنا بنسبة ال8 في المئة عام 2010 في الوقت الذي كانت دول متعددة ومتقدمة لا تتجاوز نسبة النمو لديها عن 2 او 3 في المئة.
لبنان لم يستفد ايجابا من "الربيع العربي" الذي أزهر في اكثر من بلد عربي بدليل ان القطاع السياحي الذي كان من المتوقع ان يكون البديل للقطاع السياحي المتراجع في مصر وتونس، لم يسجل اي تقدم، بل تراجع بنسبة 8 في المئة خلال النصف الاول من العام الحالي وتوقع زيادة هذه النسبة تراجعا في النصف الثاني من العام المذكور.
ليس هذا فحسب، فان التطورات الامنية المتنقلة التي شهدتها اكثر من منطقة لبنانية، ساعدت على تباطؤ الاقتصاد اللبناني وبالتالي لم تتمكن هذه الحكومة من القيام بأي اصلاحات تساعد على تحقيق نسبة نمو متقدمة سوى انها صادقت على مشروع قانون موازنة العام 2012 دون ادخال عليه اي ضرائب، ما يعني تحقيق المزيد من العجز في الموازنة ولا سيما ان اقرار سلسلة الرتب والرواتب سيؤدي الى نفقات اضافية تتجاوز ال 1500 مليار ليرة لبنانية.
وقد توقع الخبراء الاقتصاديون ان يصل نمو الناتج المحلي الحقيقي في لبنان الى 2,5 في المئة خلال العام 2012 مع احتمال تخفيض نسبة النمو الاقتصادي في ظل تفاقم الاوضاع السياسية المحلية والاقليمية. وقد عزا هؤلاء الخبراء التراجع في نسبة النمو الاقتصادي في لبنان الى تباطؤ في الحركة السياحية وسط الازمة السياسية والامنية في سوريا والتي اثرت سلبا على الاقتصاد اللبناني الذي يرتكز بشكل اساسي على قطاع الخدمات
وكشف الخبراء ان متوسط التضخم في لبنان سيكون معتدلا خلال العام 2012 في ظل انخفاض اسعار السلع غير النفطية، وعزا هؤلاء الى ان استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية الى قدرة البنك المركزي على الحكم بمعدلات الفوائد والتي حافظت على استقرارها خلال الفترة السابقة اضافة الى الدعم الملحوظ من قبل المصارف التجارية المحلية
ومن المتوقع ان يبقى العجز في لبنان مرتفعا نسبيا حيث من المرتقب ان يبلغ نسبة 23,6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، حتى ان تقرير "بنك عودة" اعتبر ان الاقتصاد قد تباطأ، لكنه استطاع ان يتفادى الوقوع في فخ الركود او تسجيل معدلات نمو سلبية للناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في حين انه حافظ على استقرار المؤشرات المالية والنقدية، لكن الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزنة اعتبر ان لبنان دخل نفق الازمة السورية ودخل لبنان مرحلة من عدم الاستقرار الامني والسياسي من خلال طلب الدول الخليجية لرعاياها الخروج من لبنان وفرض واشنطن عقوبات اضافية على "حزب الله" ما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني خصوصا في النصف الثاني من العام 2012 حيث التوقعات ان يكون النمو الاقتصادي متواضعا واقل من 2 في المئة للاسباب التالية:
1-على صعيد القطاع السياحي الذي تراجع بنسبة 8 في المئة في النصف الاول من العام 2012 ومع الاجراءات التي اتخذت من قبل الدول العربية، فان هذا الانخفاض سيزداد في النصف الثاني من السنة الحالية ولا سيما ان السياحة العربية تمثل حوالي 35 في المئة من عدد السياح اي حوالي 525 الف سائح وذلك يؤدي تلقائيا الى تراجع المداخيل في هذا القطاع بشكل ملموس.
وذكر وزير السياحة فادي عبود ان لبنان خسر ثلث عدد السياح الذين كانوا يستعملون الطرق البرية للوصول الى لبنان بسبب الاحداث في سوريا ولم تتمكن وزارة السياحة من تأمين البديل لهؤلاء عن طريق المواصلات الجوية او البحرية ما ادى الى تراجع الانفاق السياحي الى اقل من 5 مليارات دولار بعد ان كانت في السنة الماضية حوالي 7 مليارات دولار.
2-على صعيد الاستثمار الاجنبي فانه تراجع في السنوات الاخيرة من حوالي 4,95 مليار دولار عام 2010 الى 3,9 مليار دولار عام 2011 ويتوقع ان يكون اقل من 3 مليارات في العام الحالي وسيؤثر ذلك بشكل لافت في الاستثمارات في القطاع العقاري الذي يشهد منذ بداية السنة انكماشا وتريثا من قبل المستثمرين وتراجعا في الطلب.
ويعتبر وزنه ان القطاع العقاري بدأ التصحيح الفعلي باسعاره في جميع النواحي ان كانت من ناحية الشقق الفخمة او المتوسطة مع استقرار نسبي في اسعار الاراضي في بيروت.
ويلاحظ في هذا الاطار انخفاض عدد المبيعات بنسبة 8 في المئة في النصف الاول من العام الحالي لتصل فيه المبيعات الى حوالي 4,4 مليار دولار، وبالتالي فان السوق العقارية هو حاليا في مرحلة التصحيح.
3-اما على الصعيد التجاري فان القطاع يشهد تراجعا في المبيعات وصل الى 20 في المئة في النصف الاول من العام الحالي وستزداد صعوبات هذا القطاع في النصف الثاني بسبب الاوضاع الامنية والسياسية وتراجع الحركة السياحية.
وفي ما يتعلق بالقطاعين الزراعي والصناعي، فان آثار الازمة السورية ستظهر اكثر مع امكانية اقفال المعابر البرية بشكل كبير وامتداد قوافل الشاحنات لايام على المعابر نتيجة المخاطر الامنية.
وقد تراجعت الصادرات الصناعية والزراعية بنسبة 4,1 في المئة، ومن الصعب جدا تأمين البديل في المعبر البحري لها في المدى القريب. وان النمو اللافت في الواردات بنسبة 17,9 في المئة والذي يعزى بشكل خاص الى واردات لبنان من المنتجات الاستهلاكية فاق بكثير نمو اجمالي الصادرات البالغة نسبة 2,4 في المئة خلال النصف الاول من العام الحالي ما ادى الى زيادة ملحوظة في العجز التجاري بنسبة 22,6 في المئة ليشكل هذا الاخير 42 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وفي ظل عدم قدرة تدفقات الاموال الوافدة على تعويض العجز التجاري بشكل كامل، فان مزيدا من الضغوط قد ظهرت على ميزان المدفوعات الذي سجل عجزا بقيمة مليار دولار في النصف الاول من العام الحالي بعدما كان قد سجل عجزا بحوالى ملياري دولار في مجمل العام 2011.
لا يمكن مقارنة هذا العام بالعام الماضي لان القطاعين الزراعي والصناعي شهدا تباطؤا فبلغت الصادرات الزراعية 93 مليون دولار في النصف الاول من العام الحالي، اي بانخفاض نسبة 4,1 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، وبلغت قيمة الصادرات الصناعية 2,076 مليون دولار، لكن هذا الرقم يتوقع ان لا يرتفع كثيرا في النصف الثاني في ظل المشاكل التي يعانيها هذا القطاع الذي يرتكز على التصدر البري عبر سوريا. وقد شهد شهرا تموز وآب تراجعا في الصادرات الصناعية عن طريق البر بسبب التطورات الامنية في سوريا وخصوصا في دمشق العاصمة.
باختصار جاء نشاط القطاعين الزراعي والصناعي انعكاسا للتطورات المحلية وفي البلدان المجاورة باعتبار ان الارقام دلت على ركود الطلب المحلي والخارجي. ففي الواقع ما زال المستثمرون يعتمدون خيار التريث حسب تقرير بنك عودة، ويبدو اقل ميلا للاندفاع في مشاريع جديدة في ظل الاجواء العامة السائدة.
القطاع المصرفي اللبناني بوحدته كان يسير بعكس اتجاه بقية القطاعات الاقتصادية، فان نموه سيبقى مقبولا في العام 2012 بسبب عامل الثقة في هذا القطاع ومتانته وانتشاره الخارجي ويتوقع ان يبلغ النمو 8 في المئة على غرار العام الماضي، وكذلك نمو الودائع سيكون معتدلا يقارب ال 7,5 في المئة، كما يستمر في نسبة النمو في اعطاء التسليفات حيث ستتجاوز نسبة ال 10 في المئة ولا سيما ان جزءا منها سيكون متوجها نحو التسليفات العقارية للطبقة المتوسطة.
وقد ارتفعت الميزانية المجمعة للمصارف العاملة بقيمة 1,565 مليار ليرة لبنانية خلال شهر حزيران الماضي لتصل الى 219,940 مليار ليرة (145,90 مليار دولار اميركي ) مقابل 218,375 مليار ليرة (144,86 مليار دولار ) خلال شهر ايار الماضي وذلك بحسب احصاءات النشرة الشهرية لجمعية المصارف. وقد نتج هذا الارتفاع عن زيادة في محفظة التسليفات الى القطاع العام بنسبة 0,70 في المئة الى 44,266 مليار ليرة (29,36 مليار دولار ) ونمو في الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بنسبة 0,26 في المئة الى 37,170 مليار ليرة (24,66 مليار دولار ) الامر الذي طغى على التراجع في التسليفات الى القطاع الخاص بنسبة 0,44 في المئة الى 62,869 مليار ليرة(41,70 مليار دولار).
اما على الصعيد النقدي فان الليرة اللبنانية ستبقى معززة رغم الاحداث الامنية التي نشهدها حاليا بسبب الثقة لاجراءات حاكمية مصرف لبنان وسبب تزايد موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية بشكل كبير جدا، متجاوزة 35 مليار دولار اي اكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي وبسبب متانة القطاع المصرفي اللبناني، لكن الخبير المصرفي غازي وزنه يخشى في هذا الاطار تراجع اهتمام المستثمرين للسندات اللبنانية "اليوروبوندز" في الخارج بسبب الاوضاع السائدة حاليا.
ويمكن في خلاصة القول ان اقتصاد عام 2011 شهد تباطؤا في المؤشرات الاقتصادية على صعيد السياحة والاستثمار والتجارة والاستهلاك ولكن سيبقى محصنا وقويا على صعيد قطاعي المصرفي وعلى صعيد سعر صرف الليرة.
على صعيد المالية العامة، تظهر احصاءات جمعية المصارف في لبنان ووزارة المالية نموا شهريا في الدين الاجمالي بقيمة 122,06 مليون دولار خلال شهر حزيران من العام 2011 الى 55,25 مليار دولار مقابل 55,12 مليار دولار خلال شهر ايار.
اما على الصعيد السنوي، فقد ارتفع الدين الاجمالي بنسبة 5,15 في المئة، وقد بلغت حصة الدين الداخلي 58,24 في المئة من اجمالي الدين العام فيما شكلت حصة الدين الخارجي ما نسبته 41,76 في المئة. وذكرت مصادر مالية مطلعة ان الدين العام قد تجاوز ال 55 مليار دولار.
ان البلاد تمكنت حتى الان من تجنب الوقوع في فخ المديونية والوقوع في حلقة مفرغة من نسبة المديونية والعجوزات العامة المتراكمة، الا انه من اجل ان يدوم صمود اقتصاد لبنان في المدى المتوسط والطويل هناك حاجة لاطلاق العديد من الاصلاحات الهيكلية الجارية في محاولة لضمان سيناريو هبوط آمن في اوضاع المالية العامة التي لا تزال شائكة الى حد كبير والتي تشكل في الواقع الهشاشة الابرز للاقتصاد الوطني.
مهما يكن من امر ان تباطؤ الاقتصاد الوطني يبقى افضل من الركود الاقتصادي الذي يهدده في حال حدوث اي تطورات دراماتيكية اقليمية خصوصا في ظل تراجع حركة الصادرات البرية وعدم القدرة على التصدير البحري بالكميات ذاتها، وفي ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية المختلفة وفي ظل عدم القدرة على اجراء الاصلاحات الضرورية خصوصا في ما يتعلق بالكهرباء وغيرها.