تحقيق ماغي عيسى
مع بداية شهر اذار من كل سنة، يشهد قضاء الكورة حركة ناشطة لمالكي شجر ليمونة ال"ابو صفير"، وتستمر هذه الحركة نحو شهر ونيف الى حين الانتهاء من قطف زهر الليمون واستخراج ماء الزهر منه.
وتوازي شجرة الليمون هذه في اهميتها بالنسبة للكوراني، شجرة الزيتون، حيث تؤمن لهم مردودا ماليا جيدا لمالكيها، خاصة وان زراعة شجرة الليمون تتركز في منطقة "القويطع"، وتتوزع بين الكروم والى جوار المنازل في القرى الأخرى من القضاء.
بدأ الاهتمام الفعلي بشجرة أبو الصفير "الزفير" منذ نحو خمس عشرة سنة، فتوجه بعض الملاكين لغرس بساتينهم بهذه الاشجار، ولجأ البعض الاخر الى "تطعيم" اشجار الليمون: الحامض، البرتقال والافندي التي يملكها بشجر "ابو الصفير" للاستفادة من زهره، خصوصا ان تلك الاشجار تتعرض لمرض "الدبيقة" الذي يصيب ورقتها، فيضعف انتاجها، ويضع المزارع في موقع العاجز عن مكافحة هذا المرض، بالرغم من مختلف الوسائل التي اتبعها للمعالجة من تقليم وتسميد ورشها بالمبيدات والادوية المكافحة للامراض التي تصيبها.
اما شجرة الزفير فيستفاد من زهرها وثمارها الذي يصنع منه عصير يقدم بالمناسبات، اما قشرتها فبعد ان تبرش يصنع منها مربى الزفير.
ويتميز ماء الزهر المستخرج من زهرة الزفير، بفوائد صحية عديدة معروفة في الطب العربي، ويستعمل ايضا لصناعة الحلويات، كما يحلو للبعض تناوله عوضا عن القهوة ويسمونه "القهوة البيضاء".
تبدأ براعم الازهار بالظهور في شهر آذار، ويستمر موسم قطافها نحو الشهر، واذا كان الجو حارا تتفتح الازهار بسرعة اكبر. وتعتبر أزهار اول الموسم هي الافضل في صناعة مربى الزهر نظرا لقساوتها.
صناعة ماء الزهر
اما صناعة ماء الزهر، فتكون بعد قطافه من الشجر، حيث يوضع نحو خمسة كيلوغرامات من الزهر المفروك باليد في "دست" (وعاء مصنوع من النحاس او الالمينيوم)، وتضاف اليه كمية من المياه، تزيد قليلا عن كمية الزهر المراد إستخراجها، ويستخرج من هذه الكمية غالونا واحدا من ماء الزهر (سعة 4 ليتر)، ثم توضع "الكركة" فوق "الدست " وتقفل بشكل محكم بالرماد والطين لمنع تسرب البخار الذي يساعد على التقطير بعد إيقاد النار، ويتصل القسم الأعلى من الكركة بأنبوب خاص تستبدل بواسطته المياه الدافئة (نتيجة لارتفاع حرارتها) بمياه باردة.
كذلك تتصل الكركة بانبوب آخر يجمعها بالغالون (الذي يجمع فيه ماء الزهر المقطر) وتربط فوهته بقطعة قماش لمنع تسرب البخار منه. وتتراوح المدة اللازمة لاستخراج ماء الزهر بين اربع وخمس ساعات حسب قوة النار.
ويلاحظ ان هذه الصناعة التقليدية بدأ يطالها بعض التغيير، فسابقا كان الحطب هو الوقود المستعمل، اما اليوم فيفضل الاعتماد على وقود الغاز لتحديد طاقة النار المطلوبة ولعدم توفر الحطب بسهولة او لارتفاع اسعاره.
ويباع زهر الصفير او ماء الزهر باسعار مرتفعة نظرا لصعوبة قطافه ولارتفاع سعر اليد العاملة.
ويؤكد العاملون في صناعة ماء الزهر، ان مردود زهر الليمون أفضل من مردود شجرة الزيتون، لان اسواق تصريفه متوفرة، في حين ما زال انتاج الزيت والزيتون مكدسا من سنوات في المعاصر والاقبية.
وابدوا تخوفا على مصير هذه الشجرة، بالرغم من زيادة المزارعين لغرسها، والتي ستصاب بالمرض لاحقا بالمرض نفسه اذا لم يتم القضاء عليه.
واوضحوا ان الاهتمام بزهر الليمون له اسباب عدة، فشجرة الليمون بحاجة للتقليم والتسميد والرش والري لتنمو، وبما ان المياه غير متوفرة بشكل دائم ويجب شراؤها احيانا، فهم يكتفون بريها لمرة او لمرتين اي في الفترة التي تزهر فيها الاشجار.
ويلاحظ ان معظم ملاكي زهر الليمون، يبيعون انتاجهم الى التجار الذين يبيعونه بدورهم الى صناع ماء الزهر في القلمون التي تشتهر بهذه الصناعة، او الى مصانع الحلويات والمواد الغذائية في طرابلس وبيروت وجوارها.