تحقيق رحاب أبو الحسن
8 سنوات تفصل لبنان عن تحقيق الإلتزام الذي تعهدت به الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري في الإعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج 12% من حاجاته الإجمالية من الطاقة في حدود العام 2020.. لكن حتى اليوم لم يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ الفعلي أقله لإنجازالتشريعات اللازمة لتنمية استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار، وتشجيع البحث العلمي وتطوير الصناعة الوطنية في هذا المجال، ووضع الخطط والبرامج المتوسطة والطويلة الامد وآليات تنفيذها ومتابعتها، بما فيها برامج الاستهلاك الرشيد للطاقة.
الفاتورة النفطية في لبنان تتجاوزاليوم ال6 مليارات دولار أميركي سنويا، وهذا رقم مرتفع وفقا لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فسعر صفيحة البنزين بلغ عتبة ال40 ألف ليرة لبنانية، والمازوت عتبة ال30 ألف ليرة لبنانية، الأمر الذي يجب أن يدفع المسؤولين للبحث عن حل بديل يؤمن الوقود بسعر مقبول ويخفص فاتورته ويؤمن طاقة بديلة نظيفة وبيئية.
وضمن هذا الإطار، بدأت مجموعة من الباحثين من الجامعة الاميركية في بيروت، والجمعية اللبنانية لتوفير الطاقة والبيئة، وباحثين من خمس دول شرق أوسطية هي قبرص واليونان وايطاليا ومالطا ومصر، ينتمون إلى 12 مؤسسة أبحاث، تنفيذ مشروع يموله الاتحاد الأوروبي لدراسة إمكانية إنتاج وقود الديزل الطبيعي من الطحالب، بإشراف معهد الأبحاث الزراعية في قبرص، بالتعاون مع الوكالة القبرصية للطاقة. ويطمح القائمون على هذا المشروع إلى تحقيق أهداف استراتيجية الاتحاد الأوروبي إزاء التغير المناخي والطاقة.
الوقود الحيوي
يطرح الوقود الحيوي حلا بديلا من الوقود الطبيعي الذي يمعن تلويثا في البيئة من خلال انتاجه غازات سامة مثل ثاني أوكسيد الكربون والكبريت وغيرها من الغازات، التي تزيد من الاحتباس الحراري العالمي. وتشمل مصادر انتاج الطاقة الحيوية محاصيل زراعية غذائية مثل القمح والأرز وزيت الذرة والصويا وقصب السكر.
ومع تصاعد الجدل حاليا حول قضية استخراج الدول الكبرى للوقود الحيوي من هذه المحاصيل، وما سببته من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية حول العالم، تنبئ الطحالب الدقيقة المتنامية بحلول واعدة، حيث يستخرج منها وقود حيوي نظيف، كما أنها تستهلك غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي قد يتولد من عملية الاستخراج.
طاقة واعدة
وتعد الطحالب كائنات مجهرية تستطيع بوجود الطاقة الشمسية أن تتحول الى زيوت تستعمل في انتاج الوقود الحيوي. وفي ظل تقلص مساحة الأراضي الزراعية وتزايد عدد السكان وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بات التفتيش عن البدائل أمرا ضروريا، لا سيما بعد أن اعتمد الجيلان الأول والثاني من الوقود الحيوي بمعظمهما تقريبا على زراعات تستعمل في تغذية الانسان أو الحيوان، وتستهلك أراض شبه زراعية أو قابلة للزراعة. لذا، فقد تكون الطحالب الدقيقة التي تمثل الجيل الثالث، هي الحل، إذ يمكن أن تنتج كميات مرتفعة من الديزل الطبيعي، بالمقارنة مع مواد أخرى ذات انتاجية ضعيفة لإنتاج الطاقة الطبيعية.
ومن المتوقع أن يوفر إنتاج الوقود من الطحالب فرص عمل جديدة في لبنان، وأن يساعد في التخفيف من الاعتماد الكلي على استيراد الوقود، وفق ما أكد الباحث الرئيسي من الجامعة الأميركية في بيروت يوسف أبو جودة، الذي لفت الى أن "مساحة لبنان الصغيرة لا تسمح باعتماد زراعات شاسعة، ما يؤكد حاجتنا الى زراعات تعطي انتاجية عالية ضمن مساحة صغيرة. لذا، اخترنا الطحالب فهي قادرة على اعطاء انتاجية أعلى خمسين مرة من الزراعات الثانية. كما أنها مقارنة مع الذرة، تعطي كمية أعلى بمعدل مئتين الى 300 مرة. وهذا ما يشجعنا على التفكير فيها في لبنان".
وأشار الى أن "أهمية الطحالب تكمن أيضا في أننا لسنا بحاجة الى أراض زراعية، حيث بالامكان زراعتها في أراض لا تصلح للزراعة واستعمال مصادر المياه المالحة والآسنة ومياه المجارير المكررة، كما أنها تستهلك كميات مياه أقل من الزراعات الأخرى.
ويمكننا أن نزرع الطحالب الى جانب المصانع وأماكن تواجد المولدات، ما يسهم في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون المتصاعد، والتي عندما نحرقها تعطي ثاني أوكسيد الكربون، لكن أقل من غيرها لأنها تعطي احتراقا شبه كامل أكثر من الاحتراق العادي".
والجدير ذكره، أن الخزانات الموجودة نفسها من الممكن استخدامها لاحتواء الوقود الناتج عن الطحالب. كما أنه يمكن زراعة الطحالب في مختلف المناطق اللبنانية وحتى في الأراضي الجبلية والصخرية وغير المسطحة.
وأوضح أن "الطحالب تنمو وتتضاعف يوميا بكميات هائلة، ولا تتأثر بأي عوامل طبيعية، كما يمكن اختيار الأصناف التي تتناسب مع الطقس البارد في البقاع مثلا، والحار في بيروت وحتى مع التلوث ومن الممكن زراعة أصناف معينة في الصيف وأخرى في الشتاء".
ولفت إلى أن العمل جار لتحديد الأصناف الموجودة في المياه العذبة والمالحة في لبنان ومعدل تكاثرها وإنتاجها للزيت، ليتم في المرحلة اللاحقة إستخراج الزيت من الطحالب وتحويله الى وقود حيوي لإنتاج كمية كافية للدراسات ومحاولة تحديد المنتوجات الثانوية التي يمكن أن توفرها الطحالب.
وكشف أبو جودة عن أنه يخطط ل"زراعة أفضل صنف أو صنفين من الطحالب في لبنان، بما يتناسب مع وضعه وظروفه الطبيعية وينتج بالتالي كميات عالية من الزيت، لا سيما أن بعض الأصناف قادرة على انتاج زيت بمعدل 70 في المئة من وزنها الجاف. كما أن دراساتنا تظهر أننا بحاجة الى أصناف تتكاثر بسرعة وأقلها تعطي أكثر من 30 في المئة زيتا"، موضحا أنه "من الممكن أن نجد صنفا يعطي 70 في المئة من الزيت ويتكاثر بسرعة من خلال تحويلات وراثية".
كما كشف عن إتجاه لتنفيذ مشروع في منطقة البقاع "حيث من الممكن الاستفادة من محطة تكرير المياه الآسنة في بعلبك، وإستخدامها في زراعة الطحالب، وبالتالي إستعمالها كوقود للتدفئة، متوقعا أن توفر الطحالب إمكانية تدفئة سريعة لهذه المناطق وبتكلفة أفضل من التكلفة الحالية أو حتى أقل منها بكثير".
واشار الى أن "منطقة البقاع تضم مساحات كبيرة غير صالحة للزراعة وحتى أراض جبلية وصخرية، نستطيع أن نستثمرها للتدفئة ولانتاج الوقود الحيوي، خصوصا أن هذه المنطقة تشهد 300 نهار مشمس، ما يتيح نمو الطحالب التي تعتمد على الطاقة الشمسية. كما أن تغطيتها ببيوت بلاستيكية تزيد من الإنتاجية".
وتحدث عن الطاقة البديلة الأخرى كالطاقة الشمسية والهواء، مشددا بالنسبة للبنان على إمكانية إستغلال الطاقة الشمسية بطريقة أفضل من الهواء لتأمين الكهرباء، ومشيرا إلى أن العمل اليوم ينصب على دخولنا إلى الطاقة البديلة الحيوية من خلال الجيل الثالث للطاقة الذي لديه مستقبل مهم في لبنان، كماشدد على ضرورة تكامل الخطط لإنتاج الطاقة، رافضا مقارنة لبنان بغيره من الدول لإختلاف الظروف إن في المساحة أوالمناخ أو المعطيات، فالبرازيل مثلا مساحتها واسعة وتستخدم قصب السكر لإنتاج الطاقة، فيما أوروبا تستخدم القمح لإنتاج الإيثانول وأمور أخرى، كما أن هناك بلدانا أخرى تلجأ إلى المناطق غير الزراعية، فكل بلد يبحث عن الأفضل بالنسبة له، ونحن علينا العمل بهذا النهج وإختيار ما يناسبنا للعمل عليه ضمن خطة متكاملة.
ورأى أن هذا المشروع سيخلق قيمة اقتصادية جديدة عبر إنتاج الوقود السائل المعتمد على الطحالب الدقيقة، من خلال اجتذاب قطاع النقل وانتاج مواد جانبية لهذا الوقود تشمل مغذيات تستعمل للانسان أو الحيوان مثل البروتينات والسكريات والنشويات والفيتامينات ومواد التجميل والأصباغ والدهون.
وعن تكاليف مثل هذا المشروع، أوضح أنه لا يمكن راهنا الحديث عن هذا الموضوع، ولكن يمكننا الإنطلاق في العمل وإستخدام ما لدينا من طاقة، تساعد على إنتاج الوقود والزيوت التي تساهم في تأمين الطاقة البديلة، التي ستحتل برأيه، الأولوية في الإستخدام خلال العشر سنوات المقبلة.
وعن التواصل مع الحكومة اللبنانية لإنتاج طاقة بديلة في ظل إرتفاع الأسعار، أشار إلى إتصالات جرت مع أحد المسؤولين في وزارة الطاقة، وأرسلت اليه أحد المشاريع، كما أجرينا إتصالات مع المسؤولين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين يحاولون العمل على إنتاج طاقة بديلة، وأرسلنا لهم أحد المشاريع لإنتاج الوقود الخاص للتدفئة، لا سيما وأننا نعمل في المشروع الراهن الممول من الإتحاد الأوروبي، وإذا استطعنا الحصول على هذا التمويل، سنتمكن من السير بالدراستين معا، ويمكننا ذلك من إستخدام المياه المبتذلة في الأماكن الجبلية ومياه البحر المالحة على السواحل وإنتاج الطاقة بشكل أسرع.
واسف لانه "لم يتصل بنا أحد"، مشيرا إلى أنه سيسعى من أجل الحصول على التمويل من بعض الدول العربية الغنية، لافتا إلى أنه يعمل على تشكيل فريق عمل يضم صناعيا وكيميائيا، للعمل من أجل إنتاج الطاقة، متحدثا عن إمكانية إستخدام أسطح الأبنية السكنية لزراعة الطحالب، وهذا الأمر سيؤمن وقود التدفئة لعدة شقق في البناء، مؤكدا أن الأمر ليس صعبا "تكلفة انتاج الوقود من الطحالب لا تزال مرتفعة بعض الشيء، الا أن التوقعات العالمية تنذر بأن تحتل الطحالب موقع الريادة في السنوات العشر المقبلة وأن يتزايد الاستثمار فيها، حيث تصرف بعض الشركات ملايين الدولارات على هذا القطاع. كما أن الدراسات الأولية أظهرت أنها من أكفأ الطرق لانتاج الطاقة المتجددة، وتؤمن فرص عمل جديدة في البلد".
ما هو الوقود الحيوي
الوقود الحيوي هو وقود نظيف، يعتمد إنتاجه في الأساس على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت ممثلة بمحاصيل زراعية أو شحوم حيوانية إلى إيثانول كحولي أو ديزل عضوي، مما يعني إمكانية استخدامهما في الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات والتدفئة، وهذا يحصل اليوم وعلى نطاق واسع في دول كثيرة أبرزها أميركا والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند، وبقدر مكن دولة نامية مثل البرازيل من الاستغناء عن استيراد النفط نهائيا وتعد البرازيل هي الدولة السباقة في مجال الوقود الحيوي واستخراج الإيثانول من قصب السكر.
لقد تم إلى الآن استخراج الوقود الحيوي من: قصب السكر، الذرة، فول الصويا، شجرة الجاتروفا، جوز الهند، زيت النخيل، الشمندر، اللفت، دوار الشمس، القمح، الشعير ويتم اكتشاف المزيد، إلا أن إستخراج الوقود الحيوي من هذه المحاصيل، وبذلك إتجهت الدول إلى الطحالب كحل أمثل لحل كثير من المشكلات والأزمات الغذائية سواء للانسان أو كعلف للحيوان وأيضا للبيئة حيث إنها تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون لاستخدامه في عملية التمثيل الضوئي وأيضا لإستخراج الايثانول. كما تعتبر البوابة السحرية لحل الكثير من الأزمات الغذائية، فللطحالب قدرة على تحويل المركبات الكربونية المكونة من فضلات الإنسان وطحين نوى التمر وإضافة ثاني أوكسيد الكربون إلى مركب زيتي، تتم معالجته كيميائيا وتحويله إلى وقود الديزل الحيوي الذي يعتبر من البدائل الهامة للطاقة النظيفة والصديقة للبيئة التي توظف ثاني أوكسيد الكربون الضار كعنصر أساسي بالعملية واستغلاله بإنتاج الوقود.