الخميس 31 تشرين الأول 2024

12:21 pm

الزوار:
متصل:

اليوم العالمي للهيموفيليا... مرض نزيف الدم الوراثي علاجه مكلف تحمله المرأة ولا يصيب الا الذكور ومشكلته ... مع المجتمع

 

 
تحقيق رحاب أبو الحسن 
 
تنتظر كل أم بشغف ولهفة اللحظة التي يمشي فيها طفلها ويخطو خطواته الأولى، لكن الأمر يبدو مختلفا لأم طفل مصاب بالهيموفيليا لأن اللحظة التي يمشي فيها طفلها هي بالنسبة إليها بداية المتاعب والصعاب إذ يزداد احتمال تعرضه لإصابات تسبب له النزف الذي يعتبر أكثر صعوبة في حالته وتصعب السيطرة عليه، لكن مع تطور تقنيات العلاج، باتت حياة مريض الهيموفيليا أكثر سهولة.
 
تجربة المرضى مع الهيموفيليا تحكي عن تجارب صعبة مع المجتمع أكثر منها مع المرض نفسه، وحكاية إيلي مع المرض خير دليل، فهو منذ الصغر لم يتمكن من المشاركة في النشاطات الرياضية في المدرسة، إذ لم يسمح له أهله بممارسة السباحة خوفا من التعرض لأي حادث كونه يعاني من مرض "الهيموفيليا"، أي عدم تخثر الدم بشكل طبيعي.
 
كبر إيلي وأنهى دراسته الجامعية في التكنولوجيا والمعلومات، متحديا مضاعفات المرض، لكنه يعاني اليوم من صعوبة في الحصول على وظيفة دائمة، فأصحاب الشركات يترددون في الموافقة على توظيفه نظرا لمشكلته الصحية، وما يترتب عليها من أعباء نفسية ومادية.
 
تحدث إيلي ورفاقه المرضى عن تجربتهم مع الهيموفيليا خلال حفل اطلاق الحملة الذي نظمته "الجمعية اللبنانية للهيموفيليا" بالتعاون مع شركة الأدوية العالمية "باير"، الخميس الماضي، لمناسبة اليوم العالمي للهيموفيليا الذي حمل هذا العام شعار " كيف العمل لتخطي الثغرات" والذي يصادف في السابع عشر من نيسان ، ذكرى ميلاد مؤسس "الإتحاد العالمي للهيموفيليا" فرانك شنابل. 
 
ما هو مرض الهيموفيليا؟
 
يقارب عدد مرضى الهيموفيليا في العالم أربعمئة ألف شخص، لا تتلقى سوى نسبة خمسة وعشرين في المئة منهم العلاج بالطريقة المناسبة، وفي لبنان يقدر عدد المصابين بالمرض بحوالى خمسمئة شخص.
 
يعاني المصابون بالهيموفيليا من فقدان أو نقص في عوامل التخثر في الدم، ما يعرضهم لنزف داخلي تلقائي يحدث في معظم الأحيان في المفاصل وفي العضلات، ولنزف لفترة أطول من غيرهم عند تعرضهم لجرح ما.
 
تشكل الهيموفيليا "أ" المرتبط بخلل في عامل التخثر 8 والهيموفيليا "ب" المرتبط بعامل التخثر 9، النوعين الأكثر شيوعا من الهيموفيليا. وترتبط درجة المرض وشدته بمعدلات عوامل التخثر في الدم، فيتم تسجيل مستويات بسيطة أو متوسطة أو شديدة.
 
يعتبر الهيموفيليا مرضا وراثيا، مرتبط بالصبغي (الكروموزوم) x ، ما يفسر إصابة الذكور عادة بالمرض، في حين تحمل الإناث تلك الطفرة الجينية وتنقلها لأبنائها. ومن الممكن أن تحدث تلك الطفرة الجينية بشكل تلقائي عند الأفراد، حيث تظهر نسبة ثلاثين في المئة من حالات الهيموفيليا عند عائلات لم تعان من إصابات سابقة.
 
ويشير أخصائي أمراض الدم الدكتور علي طاهر إلى أن النزيف الطويل في أثناء ختان الذكور وظهور الأورام في المفاصل عند الأطفال، أو عند بداية زحف الطفل حيث تظهر علامات الإزرقاق، أو ازدياد النزيف عند حصول أي جرح يشكلون بعض العلامات الدالة على مرض الهيموفيليا الذي يتم تشخيصه بواسطة فحص للدم.
 
ويشدد طاهر على أن الكشف المبكر وإعطاء العلاج الطبي السريع، يساهمان في الحد من مضاعفات المرض وتأثيراته على المفاصل وعلى الحركة الطبيعية للفرد. 
العلاج 
يرتكز علاج الهيموفيليا على إعطاء المريض عوامل التخثر الناقصة التي تساعد في وقف النزيف. وتتجه العلاجات البديلة والحديثة إلى ضرورة إعطاء المريض تلك الجرعات بطريقة منتظمة ودائمة، وليس فقط عند حدوث نزف، ما يقي المصاب من حالات النزف ومن الأضرار التي تلحق بالمفاصل.
 
ويؤكد طاهر أن "العلاج لا يقتصر على الدواء فقط وإنما يحتاج المريض فيه إلى علاج متكامل يبدأ من العائلة والطبيب وصولا إلى الإندماج في المجتمع وقبول الآخرين لمريض الهيموفيليا وفتح أبواب الحياة أمامه لأنه لا يختلف عن غيره سوى أنه مريض يعالج نفسه بالدواء".
 
ويلفت طاهر إلى "توفر العلاج في لبنان من خلال وزارة الصحة التي رفعت نسبة جرعة الدواء الى نسبة تضاهي العلاجات المعطاة في الدول المتقدمة"، مشددا على أن مريض الهيموفيليا يعيش حياة طبيعية طالما يحصل على العلاج ويمكنه الزواج وإنجاب أطفال أصحاء.
 
وعن سبب إصابة مريض الهيموفيليا بإعاقة يقول طاهر إن "النزف المتكرر في المفصل يؤدي إلى تضرره ما يؤدي بعد سنوات إلى إعاقة"، مشددا على أن "وجود العلاج وحده لا يكفي للوقاية من ذلك، إذ يحتاج المريض إلى معرفة كيفية استعماله وإلى الوقاية من كل ما قد يسبب له الأذى".
 
وينصح طاهر المرضى، ب"ممارسة أنواع الرياضة الخفيفة والخضوع للعلاج الفيزيائي الذي يقوي العضلات والمفاصل، وعدم تناول الأدوية المسيلة للدم كالأسبرين، وتفعيل العلاج في المنزل من خلال تعلم الفرد أو الأهل لكيفية إعطاء حقنة عامل التخثر"، لافتا إلى "أهمية عدم الإفراط في حماية الأولاد المصابين بالهيموفيليا"، ناصحا ب"العمل على تنمية شخصيتهم المستقلة وعلى إندماجهم في المجتمع وتقبلهم، وإفساح المجال لهم في التعبير عن حاجاتهم ومهاراتهم".
 
صقر
 
من ناحيتها، أكدت رئيسة "الجمعية اللبنانية للهيموفيليا" صولانج صقر أن "معظم المرضى في لبنان لا يتلقون العلاج البديل بسبب تكلفته الباهظة، لكن الجمعية تعمل على تأمين العلاج الشامل لمرضى الهيموفيليا الذي يتضمن إدارة المرض بطريقة صحيحة، وتفادي المضاعفات الحادة، وتثقيف المصابين، وتسهيل إندماجهم المدرسي والمهني، وتأمين الدواء في الحالات الطارئة منوهة بالعلاقة تؤمن وزارة الصحة العامة كل الجرعات التي يحتاجها المريض ما يشكل عبئا ماديا ضخما".
 
وأشارت صقر الى أن "لبنان تجاوز قسما من الثغرات في اكتشاف المصابين وتأمين العلاج والعناية بهم، لكن علينا ان نكثف العمل سويا لنتخطى الثغرات المتبقية وليصبح العلاج المناسب متاحا للمرضى كافة".
 
وأشارت إلى أن "العمل يتركز في المرحلة الراهنة على أربعة مجالات سمحت بتخطي قسم من الثغرات التي تواجه الجمعية للعناية بالاشخاص المصابين بالهيموفيليا، الا وهي مجال الشامل للهيموفيليا، مجال اكتشاف المصابين، مجال العلاج بعامل التخثر ومجال التثقيف والتوعية".
 
وأوضحت أن "المؤسسة تعمل منذ العام 2009 على تفعيل وتطوير 4 محاور: العلاج المنزلي الفوري الذي يسمح بتخفيف الالم عند النزف وبالوقاية من الاعاقات الدائمة ويحد من الغياب المدرسي وعن العمل ويؤمن للمريض وعائلته استقلالية في حياتهم،العلاج الفيزيائي المبكر الذي يحافظ على صحة المفاصل والعضلات ويحد من حالات النزف ويؤمن واستقلالية في النشاطات الحياتية اليومية واعادة التأهيل بعد النزف وبعد العمليات الجراحية اليومية، العلاج الوقائي للاطفال والذي يقوم على مبدأ اعطاء العامل البديل بصورة منتظمة مرتين او ثلاث مرات في الاسبوع ليؤمن نسبة شبه طبيعية للعامل الناقص لدى الطفل، مما يحد من حوادث النزف المتكررة في سن مبكرة ويحميه من العجز ويسمح للطفل بالتمتع بنمو نفسي اجتماعي سليم".
 
وأشارت الى أن "هذا العلاج يتطلب كميات كبيرة من العامل البديل، وبالرغم من زيادة وزارة الصحة لمعدل العلاج السنوي منذ 2006 لغاية تاريخه بنسبة 3 اضعاف، ما زال عدد قليل جدا من الاطفال يستفيد من العلاج الوقائي حاليا".
 
ولفتت إلى أن "أهم عامل يجري العمل عليه هو الاندماج الاجتماعي، حيث يواجه الاطفال والراشدين صعوبات في تأمين اندماجهم المدرسي، الجامعي، المهني وحياتهم الاجتماعية عامة"، مؤكدة أن "الاشخاص الذين يعانون من مشاكل في تخثر الدم هم اشخاص طبيعيين يتمتعون بقدراتهم كافة، لكنهم يواجهون نظرة المجتمع المذرية لهم، واللامبالاة من قبل القيمين على المؤسسات التربوية والمهنية وعدم الاعتراف بحقوقهم الاساسية"، مطالبة ب "تطبيق قانون 220 الصادر عام 2000 والذي يكرس حقوق ذوي الحاجات الخاصة، مؤكدة مسؤولية الجميع لتطبيق القانون".
 
ختاما، يذكر أن مرض الهيموفيليا يلقب ب "المرض الملكي" لأن ملكة بريطانيا العظمى وآيرلندا فيكتوريا (1819-1901) حملته، فأورثته لابنها، وبواسطة بناتها انتقل المرض إلى الأسر الحاكمة في اسبانيا وروسيا.
 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب